الأحد، 3 يوليو 2022

الرد على من يتحجر و يبدع الدعاء يوم عرفة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
#السؤال :
فقد انتشر كلام حول الدعاء يوم عرفه. ونقل فيه كاتبه كلاما عن بعض أهل العلم
وكان مما جاء فيه /

( في كل سنة وفي مثل هذه الأيام 
تنتشر الرسائل التي تحث على تخصيص عصر يوم عرفة بالدعاء،
(لغير الحاج)، 
ولعل نشر كلام أهل العلم في هذه الأيام يساعد على إطفاء هذه البدعة؛ لأنه كلما أحييت بدعة ماتت بمقابلها سنة، 
فلنساعد على نشر السنة، ودحر البدعة. 
حكم الانقطاع للدعاء عشية عرفة لغير الحاج ويسمى عند الفقهاء 
بـ(التعريف عشية عرفة) ... )
إلى آخر ماذكره .
------------------------------------

فهل من توجيه شيخنا وبيان حول هذه المسألة .
غفر الله لك .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته :
نصيحتي لطلبة العلم أن يتقوا الله في العوام ، فإن مثل هذه الرسائل التي لا يفهمها العوام على ما أراده أهل العلم تضر أكثر مما تنفع ، والعجيب أن في مقدمة المنشور ما قد يفهم منه النهي عن تخصيص الدعاء يوم عرفة وفي عصره وهذا عجيب مع اتفاق العلماء على استحباب الدعاء والحديث الذي تناقله الأئمة خير الدعاء دعاء يوم عرفة ولم يفرق العلماء بين حاج وغيره ، وكذلك التعريف الذي تكلم عنه العلماء ليس هو ما يفعله الناس اليوم وهو أن يذهب الصائم للمسجد لصلاة العصر بنية صلاة الفريضة ، وهذا أول فرق = وهو أن ذهابه للمسجد بغرض الصلاة أصلا ، ولم يجر في خاطره ما يسمى بالتعريف ، ثم يجلس في مسجده ليقرأ القرآن ويدعو ويذكر الله ويحافظ على وقته ويحمي نفسه عن الحرام ، ويغتنم يوما من أفضل أيام السنة وهو يوم عرفة بل قيل هو أفضلها ، وهذه كلها أعمال فاضلة وخاصة في هذه العشر ، وهو عمل مشروع وفاضل لا شك فيه ، ولم يدر في خلده أنه كأهل عرفة وأنه يقف مثل موقفهم وإنما يريد اغتنام الوقت ، فكيف ينهى عن ذلك ، ويكون مؤدى هذه الرسائل - وللأسف - أن الخروج من المسجد والذهاب للبيت أفضل من الجلوس فيه ، وأن تخلية المساجد في الأمصار من السنة ، هذا لا يقوله عالم مطلقا ، مع أن العوام في زماننا وبلدنا لا يعتقدون سنة مخصوصة لذلك ، بل كل ما في الأمر أنها أعمال فاضلة يحفظ بها وقته ، ويخشى إن ذهب لمنزله ضاع عليه وقته ، وهذا بعيد كل البعد عن التعريف الذي اختلف فيه العلماء مع اختلاف صوره ، ولم يمنع أحد من العلماء هذه الصورة بتاتا 
وإنما تكلم العلماء في مسألة التعريف عن صور أخرى واختلفوا فيها :
ومن هذه الصور أن التعريف هو أن يقصد موافقة أهل عرفة حتى في الهيئة فيحسرون رءوسهم ويكشفونها ، ويتنادون إلى مكان واحد ويرفعون أصواتهم في الدعاء والذكر ، بل ويخطب بهم خطبة كخطبة يوم عرفة ، 
ومنها أن يقصدوا الخروج للصحراء والاجتماع في مكان واحد لكل أهل المصر ويدعون ويذكرون الله ، أو قد يتنادون إلى مسجد محدد كجامع المصر أو مكان فاضل كبيت المقدس مثلا 
ومنها : أن يذهب للمسجد لا لصلاة الفريضة ويجلس في مسجده ليدعو دون أن يتنادى جماعة المسجد للاجتماع فيجتمع الناس فيه
وهذه الصور تكلم العلماء عنها وهي تختلف فيما بينها = منها ما هو مبتدع باتفاق ومنها ما هو محل خلاف 
وفي هذا المنشور ساوى الكاتب بين هذه الأمور كلها وهذا خطأ بدليل أن بعض من نُقل عنهم استثنوا الصورة الأخيرة ، وقد نقل عنهم أنهم ينفونها بإطلاق 
فليت الكاتب حرر المسألة ودقق في الصور ، فصورة الواقع مختلفة تماما وأخشى أن يكون ممن صد عن ذكر الله وعن الأعمال الصالحة ، وقد أخرج البيهقي بسند صحيح عن أبي عوانة قال : رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر – أي بعد الصلاة - جلس فدعا وذكر الله عز و جل مع أن الحسن البصري كان ينكر بعض صور التعريف كما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن قتادة  قال عدي بن أرطاة للحسن ألا تخرج بالناس فتعرف بهم وذلك بالبصرة فقال الحسن إنما المعرف بعرفة قال وكان الحسن يقول أول من عرف بأرضنا ابن عباس ، والتعريف المقصود الاجتماع والوعظ والذكر والتنادي على ذلك ، ونية مشابهة أهل الموقف ففرق بين أن يجلس المرء بعد الصلاة المفروضة في مسجده كما اعتاده الناس في الأزمنة الفاضلة في رمضان وغيره ليحفظوا أوقاتهم ويبتعدوا عن ضياعها وبين ما تكلم عنه العلماء في مسألة التعريف على خلاف بينهم في مشروعيته ، وهذا النظر لابد منه وقد نبه العلماء على هذا التفريق، ولذلك الحنفية في المشهور عنهم أنكروا التعريف لكن ابن عابدين نبه على محل الإنكار فقال : وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ الْخُرُوجُ مَعَ الْوُقُوفِ وَكَشْفِ الرُّءُوسِ بِلَا سَبَبٍ مُوجِبٍ كَاسْتِسْقَاءٍ أَمَّا مُجَرَّدُ الِاجْتِمَاعِ فِيهِ عَلَى طَاعَةٍ بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يُكْرَهُ  إ.هـ 
بل جعله الباقاني الحنفي اتفاقا في المذهب فقال : لو اجتمعوا لشرف ذلك اليوم ولسماع الوعظ بلا وقوف وكشف رأس جاز بلا كراهة اتفاقا ا.هـ 
ولذلك من كتب هذه النشرة نقل عن الطرطوشي في كتابه البدع وانظر ماذا قال : فاعلموا رحمكم الله أن هؤلاء الأئمة علموا فضل الدعاء يوم عرفة... ولم يمنعوا من خلا بنفسه فحضرته نية صادقة أن يدعو الله تعالى، وإنما كرهوا الحوادث في الدين، وأن يظن العوام أن من سنة يوم عرفة بسائر الآفاق الاجتماع والدعاء ، فيتداعى الأمر إلى أن يدخل في الدين ما ليس منه ، وقد كنت ببيت المقدس، فإذا يوم عرفة؛ حبس أهل السواد وكثير من أهل البلد، فيقفون في المسجد مستقبلين القبلة مرتفعة أصواتهم كأنه موطن عرفة! وكنت أسمع هناك سماعا فاشيا منهم: أن من وقف ببيت المقدس أربع وقفات؛ فإنها تعدل حجة، ثم يجعلونه ذريعة إلى إسقاط فريضة الحج إلى بيت الله الحرام! إ.هـ فتأمل محل الإنكار ، 
وكذلك المالكية لما تكلموا عن مسألة التعريف فرقوا بين من يفعل بعض الصور المحدثة وبين من اغتنم الوقت بعد صلاة العصر وجلس للذكر في مسجده فقال الزرقاني المالكي عند شرحه لمتن مختصر خليل عند قوله   ( وكره اجتماع لدعاء يوم عرفة بمسجد ) بقصد أنه سنة ذلك اليوم والتشبيه بأهل الموقف .. لا إن قصد اغتنام فضيلة الوقت ودعاء ‌المجتمعين فلا كراهة ) فتأمل تنبيهه واحترازه بمن جلس في المسجد لا على أنها سنة مخصوصة بعينها وأنها من السنن المختصة بيوم عرفة لأهل الأمصار ، وبنية مشابهة أهل الموقف ، فلا يكره 
 ولذلك قال الخرشي المالكي محترزا : وَيَنْبَغِي أَنْ تَخُصَّ كَرَاهَةَ الِاجْتِمَاعِ الْمَذْكُورِ بِمَنْ يَفْعَلُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يُكْرَهُ ) 
وقد نص الإمام أحمد على عدم الإنكار على الناس ما داموا يجلسون في المساجد من غير إحداث بدع فقال حين سئل : أترى أن ينهوا؟ قال: لا، دعهم، لا ينهون إ.هـ فانظر الإمام أحمد يرى عدم النهي عن ذلك مع أنه في زمنهم يعتقدون المشابهة بأهل الموقف ويسمونه التعريف ومع ذلك قال هذا لأنه مروي عن بعض الصحابة وعن بعض التابعين وعمل بها بعض الأئمة ، فكيف إذا كان الذي في زمننا لا يصل لهذا ولم يوجد أي اعتقادات وزيادات وأكثر العوام يجلس في المسجد لقراءة القرآن والدعاء ولا ينصرف لذهنهم أي شيء مما حذر منه أهل العلم ، ثم كذلك التحذير من استحضار الدعاء في هذا اليوم وتشجيع الناس على ذلك فهذا خطأ آخر ،  فمن الخطأ طرح هذه المسألة بين العوام في وسائل التواصل الاجتماعي دون التدقيق في الصورة وتوضيح الحكم التكليفي بشكل واضح والله المستعان .

كتبه : سليمان بن خالد الحربي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..