إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا، )
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران: 102] ، )
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( [النساء: 1] [النساء:1]، )
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ( [الأحزاب: 69 - 71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ؛ بِأَنَّ الرُّؤَى مِنَ الْأُمُورِ الثَّابِتَةِ الَّتِي بَيَّنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَوَضَّحَ أَحْكَامَهَا وَآدَابَهَا ، وَذَكَرَ أَنْوَاعَهَا وَأَقْسَامَهَا، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الدِّينِ ، وَإِتْمَامِ نِعْمَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَائِلٍ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: يَنْقَسِمُ النَّاسُ فِيْ الرُؤَى إِلَى أَقْسَامٍ:
فَأمَّا الأَوَّلُ فَهُمُ: الأَنْبِيَاءُ، وَرُؤَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ وَوَحِيٌ.
والقِسْمُ الثَانِي: الصَّالِحُونَ: وَالغَالِبُ عَلَى رُؤَاهُمُ الصِّدقُ، وَرُؤَاهُمْ عَلَى نَوْعَينِ: فَنَوْعٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ، فَيَقَعُ فِعْلَاً كَمَا رَأَى مُبَاشَرَةً، وَنَوْعٌ فِيهِ غُمُوضٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ, وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُم فَتَقَعُ لَهُم أَشْيَاءُ قَدْ تَكُونُ صَادِقَةً وَقَدْ تَكُونُ غَيرَ صَادِقَةٍ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: وَمِنَ الْمَعْلُومِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ حَالَ نَوْمِهِ أَنَّهُ مِنَ الرُّؤَى الصَّالِحَةِ ؛ فَهُنَاكَ رُؤَى مِنَ الشَّيْطَانِ، وَهُنَاكَ رُؤَى مِنْ بَابِ أَحَادِيثِ النَّفْسِ، وَهَذَا مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : (( إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا ، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: فَالرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ ...).
وَفِي صَحِيحِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
(إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاثٌ: مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ).
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: مَا يَرَاهُ النَّائِمُ حِينَ نَوْمِهِ ، مِمَّا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُنَّتِهِ، وَلَكِنَّ الْمُتَأَمِّلَ لِأَحْوَالِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ يَجِدُ الْجَهْلَ التَّامَّ فِي ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ : صَارَ بَعْضُهُمْ يَبْنِي عَلَى مَا يَرَاهُ فِي مَنَامِهِ أَحْكَامًا وَيَعْقِدُ عَلَيْهِ آمَالًا ، بَلْ وَيَعْتَبِرُهُ بَعْضُهُمْ كَأَنَّهُ نَصٌّ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ مِنَ السُّنَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ مَا رَآهُ فِي نَوْمِهِ مُجَرَّدَ حَدِيثِ نَفْسٍ أَوْ حُلْمٍ مِنَ الشَّيْطَانِ, فلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الرُّؤَى أَيَّةُ أحْكَامٍ شَرْعِيةٌ, فَمَصَادِرُ التَّلَقِي عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ مَعْرُوفَةٌ: وَهِيَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ والإِجْمَاعُ، وَالقِيَاسُ, وَلَيْسَ مِنْ بَيْنِهَا الرُّؤَى والمَنَامَاتُ, وَلَوْ كَانَ الرَّائِي مِنْ أَصْلَحِ الصَّالِحينَ.
وَأَمَّا النِّسَاءُ فَأَحْوَالُهُنَّ مَعَ الرُّؤَى أَحْوَالٌ عَجِيبَةٌ، وَيَتَعَامَلْنَ مَعَهَا مُعَامَلَةً غَرِيبَةً ، تَسْتَيْقِظُ إِحْدَاهُنَّ مِنْ نَوْمِهَا ، فَتَجْلِسُ أَيَّامًا وَدَمْعَتُهَا عَلَى خَدِّهَا، وَالسَّبَبُ مَا رَأَتْهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ، بَلْ بَعْضُهُنَّ تَجْعَلُ مَا تَرَى حَقَائِقَ لَا شَكَّ وَلَا جِدَالَ فِيهَا، مِنْهُنَّ مَنْ سَاءَتْ عَلَاقَتُهَا بِزَوْجِهَا، بِسَبَبِ أَنَّهَا رَأَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا. وَأُخْرَى كَرِهَتْ جَارَتَهَا؛ لِأَنَّهَا رَأَتْهَا تَعْمَلُ لَهَا سِحْرًا فِي نَوْمِهَا.
وَثَالِثَةٌ قَاطَعَتْ أَخَوَاتِ زَوْجِهَا ؛ لِأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّهُنَّ يَكِدْنَ وَيُخَطِّطْنَ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ شَرِيكِ حَيَاتِهَا، وَمِمَّا يَزِيدُ الطِّينَ بِلَّةً ، بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، يُؤَكِّدُ مَا يُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطَانُ إِلَى أَفْكَارِ بَعْضِهِنَّ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْجَهْلِ فِيمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَدَمِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي حُرْمَة الكَذِبِ دِينًا وأَدَبًا وَمُرُوءة, وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنِ الكَذِبِ فِي المَنَامِ؛ بِأنْ يَدَّعِي أَحَدٌ كَاذِبًا أَنَّهُ رَأَى أَمْرًا ما فِي المَنَامِ, بَلْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وَصَفَ هَذَا الفِعْلَ بِأَنَّهُ مِنْ أَكْذَبُ الكَذِبِ, رَوَى البُخَاريُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، قَالَ: "إِنَّ مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ".
وَقَدْ وَرَدَتْ عُقُوبَةٌ خَاصَّةٌ لمَنْ يَفْعَلُ هَذَا الفِعْلَ, فَقَد رَوَى البُخَاريُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:
"مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ"؛ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَمَا تَكَلَّفَ فِي الدُّنْيَا حُلْمًا لَمْ يَرَهُ؛ فَإِنَّهُ فِي القِيَامَةِ يُكَلَّفُ أَنْ يَعْقِدَ بَينَ حَبَتَينِ مِنَ حُبُوبِ الشَعِيرِ وَلَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ, وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ استِمْرَارِ العَذَابِ عَلَيهِ. قَالَ ابْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَمَنْ أَرَادَ أَنْ تَصْدُقَ رُؤْيَاهُ فَلْيَتَحَرَّ الصِّدْق,َ وَأَكْلَ الْحَلَالِ، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلْيَنَمْ عَلَى طِهَارَةٍ كَامِلَةٍ, مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَيَذْكُرَ اللَّهَ حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنَاهُ؛ فَإِنَّ رُؤْيَاهُ لَا تَكَادُ تَكْذِبُ الْبَتَّةَ, وَأَصْدَقُ الرُّؤْيَا: رُؤْيَا الْأَسْحَارِ؛ فَإِنَّهُ وَقْتُ النُّزُولِ الْإِلَهِيِّ، وَاقْتِرَابِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَسُكُونِ الشَّيَاطِينِ، وَعَكْسُهُ رُؤْيَا الْعَتْمَةِ، عِنْدَ انْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ وَالْأَرْوَاحِ الشَّيْطَانِيَّةِ".
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الْرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُونَ : لَقَدْ أَرْشَدَنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ عِنْدَمَا نَرَى مَا نَكْرَهُهُ فِي نَوْمِنَا، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ يَقُولُ صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ )،
وَفِي صَحِيحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ :
( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَتَحَوَّلْ ، وَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا ، وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا )) ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا ، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ )) ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : (( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا ، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا ، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا ، وَلا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ ؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ )) .
عِبَادَ اللهِ: لَا بَأْسَ لِمَنْ رَأَى رُؤْيًا أَنْ يَسْأَلَ الثِقَاتَ مِنْ أَهْل الخِبْرَةِ فِي التَّعْبِيرِ, وَالدَلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَيَقُولُ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ البَارِحَةَ رُؤْيَا؟ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا فَلْيَقُصَّهَا أُعَبِّرْهَا لَهُ".
وَيَتَنَبَّهُ الإِنْسَانُ مِنْ أَنْ يَقُصَّ رُؤيَاهُ عَلَى حَاسِدٍ؛ كَمَا نَهَى يَعْقُوبُ يوسُفَ -عَلَيهِمَا السَّلامُ-:
(قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يوسف: 5].
وَفِي المُقَابِلِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ كُلِّ رُؤْيَا, فَإِنَّ قَدَرَكَ مَكْتُوبٌ, وَأَنْتَ إِنْ عَمِلْتَ بِوَصِيَةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فِي الرُّؤيَا المُقْلِقَةِ فَإِنَّهَا لا تَضُرُّك بِإِذْنِ اللهِ, "مَنْ رَأَى رُؤْيَا فَكَرِهَ مِنْهَا شَيْئًا فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنّهَا لَا تَضُرُّهُ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا", وَرَوَى أَبُو هُرَيرَةٍ فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ أَنَّ النَّبِيَ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قَالَ:
"إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا الَحسَنَةَ فَلْيُفَسِّرْهَا، وَلْيُخْبِرْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى الرُّؤيَا القَبِيحَةَ، فَلَا يُفَسِّرْهَا وَلَا يُخبِرْ بِهَا".
فَلِيَتَنَبَهِ النَّاسُ مِنَ أَنْ يُعَبِّرَ الرُؤْيَا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّعْبيرِ, سُئِلَ الإِمَامُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ-:
أَيُعَبِّرُ الرُّؤيَا كُلُ أَحَدٍ؟ قَالَ: "أَبِالنُّبُوَةِ يُلْعَبُ!" ثُمَّ قَالَ: "الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُلْعَبْ بِالنُّبُوَةِ".
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنْدَكَ الْمُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلاَيَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..