من فَضْلِ الصِّيَامِ ومن عظيم منزلته عند الله تعالى، أنَّ له أثرًا عظيمًا في تحصيل التَّقوى في قلوب العباد، بعد الإيمان بالله تعالى، لذلك افتتح الله تعالى آيات الصِّيام بالتَّقوى وختمها بالتَّقوى.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣].
وقال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧].
ومما يدلُّ على أنَّ الصِّيَامَ له أثر عظيم في تحصيل التَّقوى في قلوب العباد، بعد الإيمان بالله تعالى، ما ثبت عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رَضِي الله عَنهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِى، الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا». [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ- كِتَابُ الصَّوْمِ، بَاب فَضْلِ الصَّوْمِ حديث رقم: ١٧٦١، وَمُسْلِمٌ- كِتَابُ الصِّيَامِ، باب فَضْلِ الصِّيَامِ حديث رقم: ٢٧٦١].
قال أبو الوليد الباجي -رحمه الله-: («الصِّيَامُ جُنَّةٌ» يُرِيدُ أَنَّهُ سِتْرٌ وَمَانِعٌ مِنْ الْآثَامِ، وَالْجُنَّةُ مَا يُسْتَرُ بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَ الْمِجَنُّ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَجْهَلُ، يُرِيدُ لَا يَأْتِ بِمَا يَكْسِبُ الْآثَامَ). [المنتقى شرح الموطأ (٢/ ٧٣)].
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (الْغِيبَةُ تَخْرقُ الصِّيَامَ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَرْفَعُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِصَوْمٍ مُخَرَّقٍ فَلْيَفْعَلْ).
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ -رحمه الله-: (الصَّائِمُ إِذَا اغْتَابَ خُرِقَ، وَإِذَا اسْتَغْفَرَ رُقِّعَ). [جامع العلوم والحكم (٢/ ١٣٩)].
وقال ابن رجب -رحمه الله-: (فَإِذَا كَانَ لَهُ جُنَّةٌ مِنَ الْمَعَاصِي، كَانَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جُنَّةٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَعَاصِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ جُنَّةٌ فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّارِ). [جامع العلوم والحكم (٢/ ١٣٩)].
فالصِّيام وسيلة للتَّقوى؛ لأنَّ النَّفس إذا امتنعت عن الحلال طمعًا في مرضاة الله، وخوفًا من عقابه، فأولى أن تنقاد إلى الامتناع عن الحرام.
والتَّقوى أصل كلِّ خير، ولهذا جمع الله الأوليين والآخرين، ثم وصَّاهم بوصية واحدة، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ﴾ [النساء: ١٣١].
قال الغزالي -رحمه الله-: (أليس الله تعالى أعلم بصلاح العبد من كلِّ أحد، أوليس هو أنصح له وأرحم وأرأف من كلِّ أحد، ولو كانت في العالم خصلة هي أصلح للعبد، وأجمع للخير، وأعظم للأجر، وأجل في العبودية، وأولى بالحال، وأنجح في المآل من هذه الخصلة التي هي التقوى؛ لكان الله أمر بها عبادَه.
فلما وصَّى الله بهذه الخصلة الواحدة وجمع الأوليين والآخرين من عباده في ذلك واقتصر عليها؛ علمت أنها الغاية التي لا متجاوز عنها، ولا مقصود دونها، وعلمت كذلك أنها الجامعة لخيري الدُّنيا والآخرة، الكافية لجميع المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات). [منهاج العابدين (٧٢، ٧٣) باختصار].
بل جعل الله تعالى الصِّيام شعار الأبرار الذين هم سادات المتقين: فقد أخرج عبد بن حميد في (المنتخب) والضياء في (المختارة) عن أنس -رضي الله عنه-، أنَّ النبي ﷺ قال: «جعل اللهُ عليكم صلاةَ قوم أبرار، يقومون الليل ويصومون النَّهار، ليسوا بأثمة ولا فجَّار». [صحيح الجامع: ٣٠٩٧، والصحيحة: ١٨١٠].
فلنحرص على الصِّيام حتى نكون من عباد الله المتقين، الذين قال عنهم ربُّ العالمين: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ [الحجر: ٤٥].
#مقالات_خطوة 📚
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..