الفرق
بين (ألم يروا) و(أولم يروا) و(أفلم يروا) :
من أي الجهات
أتيتَ للقرآن الكريم تدرسه وتقرأه وتتلوه فإنك ستخرج بفائدة علمية أو معرفية أو
إيمانية تُضَاف إلى رصيدك الفكري (وقل ربي زدني علما).
ذلك أن القرآن
الكريم فيه علوم لا تنضب، ومعين لمعارف لا تنتهي ومحل لأدوية لا تنفذ ومصدر
للسعادة لا تتوقف (ما فرّطنا في الكتاب من شيء) .
ويحصل عليها
أولئك الذين يحرصون على إيمانهم من الضياع، وآخرون يسعون لتقوية إيمانهم وزيادة
علومهم، وآخرون منهم يلتمسون أبواب المعرفة التي ترفع من شأنهم عند الله في سُلَّم
الدرجات في الجنات، إن أَتْبَعُوا عِلمَهُم بالعمل، وقَرَنُوا معرفتهم بالتطبيق،
وحَوَّلُوا ما عَلِمُوه وفَهِمُوه إلى أعمالٍ تُشَاهَد وأفعالٍ تُرَى.
وهذا ما يفعله
القرآن بالمسلم الذي يقرأه بتدبر ويتلوه بتأمل وينظر لآياته بعقله وفكره القائم
على الكتاب والسنة والمـُلِم بعلوم ومعارف تزيد في فهم القرآن ومعرفة آياته.
و لقد أمر الله
تعالى بتدبر القرآن الكريم، فقال سبحانه : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا
آَيَاتِهِ } ، وقال تعالى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
أَقْفَالُهَا}.
وهذه دعوة
للمسلمين في أن يقرؤوا القرآن ويتدبروا معانيه ويفهموا مراميه ويعرفوا مقاصده،
ليطبقوا أوامره ويبتعدوا عن نواهيه، ويلتزموا وصاياه، ويسمعوا نداءاته سماع المؤمن
الحريص على التطبيق والتنفيذ.
والذي يتمعن في
القرآن الكريم فإنه سيجد فروقاً في:
( ألم يروا كم
أهلكنا ...) الأنعام آية 6
(أولم يروا
..) سورة الرعد آية 41
(أفلم
يروا...) سورة سبأ آية 9
جاءت همزة
الاستفهام في آية الأنعام بغير فاء أو واو [ألم يروا]
وفي آية الرعد بالواو[أولم يروا]
وفي آية سبأ
بالفاء [أفلم يروا].
فهل هناك فرق في
المعنى بينها؟!
إذا كان
الاعتبار من الرؤية بالمشاهدة والأمر الحاضر يأتي بالواو كما في آية الرعد[أولم
يروا]
وكذلك الأمر
بالفاء يأتي بها كما في آية سبأ[أفلم يروا] لأن الفاء أشد اتصالا من الواو.
أما إن كان
الاعتبار من الرؤية بالاستدلال والنظر العقلي، فإنه يأتي بدون الواو أو الفاء كما
في آية الأنعام[ألم يروا] وذلك ليجري مجرى الاستئناف لأنه تحدَّث عن إهلاك من
قبلهم، وهو أمر غائب غير شاهد.
حين تكون
الرؤية بالمشاهدة الحاضرة حاصلة بالإنكار يأتي بـ[أولم يروا] أو [أفلم يروا]
بالواو أو الفاء الدالة على شدة الإنكار، مثل قوله ( أو لم يروا إلى الأرض كم
أنبتنا فيها...)
1-في (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ
مَّكَّنَّاهُمْ فِى الاَْرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَآءَ
عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ
بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ) الأنعام
آية 6:
هذه
الجملة بيان لجملة : ( فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون
. جاء بيانها بطريقة الاستفهام الإنكاري عن عدم رؤية القرون الكثيرة الذين أهلكتهم
حوادث خارقة للعادة يدلّ حالها على أنّها مسلّطة عليهم من الله عقاباً لهم على التكذيب
.
والرؤية يجوز أن
تكون قلبية ، أي ألم يعلموا كثرة القرون الذين أهلكناهم ، ويجوز أن تكون بصرية بتقدير
: ألم يروا آثار القرون التي أهلكناها كديار عاد وحِجْر ثمود ، وقد رآها كثير من المشركين
في رحلاتهم ، وحدّثوا عنها الناس حتى تواترت بينهم فكانت بمنزلة المرئي وتحقّقتها نفوسهم
.
و(أَلَمْ
يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا)استئناف مسوق لتعيين ما هو المراد بالأنباء التي
سبق بها الوعيد وتقرير إتيانها بطريق الاستشهاد وهمزة الإنكار لتقرير الرؤية وهي عرفانية
مستدعية لمفعول واحد.
2-وفي
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ
يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) سورة الرعد
آية 41:
الهمزة للإنكار
والواو للعطف على مقدر يستدعيه المقام والرؤية القلبية أي ألم يتفكروا ولم يعلموا علما
جازما في حكم المشاهدة والعيان.
والاستفهام
للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أأنكروا نزول ما وعدناهم أو أشَكُّوا
أو ألم ينظروا في ذلك ولم يروا.
وهو
إشارة إلى ما هو كالمركوز في الأذهان ولهذا قال بطريق
الاستفهام { أولم يروا }.
وقرءائة العامة
بالياء على الخبر والتوبيخ لهم.
والمعنى
: أعمى هؤلاء الكافرين
عن التفكير والاعتبار ، ولم يروا كيف أن قدرة الله القاهرة ، قد أتت على الأمم القوية
الغنية - حين كفرت بنعمه - سبحانه - ، فصيرت قوتها ضعفا وغناها فقرا ، وعزها ذلا ،
وأمنها خوفا . . وحصرتها فى رقعة ضيقة من الأرض ، بعد أن كانت تملك الأراضي الفسيحة
، والأماكن المترامية الأطراف .
وتقرير الآية عليه : أو لم يروا أنا
نحدث فى الدنيا من الاختلافات خرابا بعد عمارة ، وموتا بعد حياة ، وذلا بعد عز . .
فما الذى يؤمنهم أن يقلب الله - تعالى - الأمر عليهم فيجعلهم أذلة بعد أن كانوا أعزة
.
فالآية الكريمة
بشارة للمؤمنين ، وإنذار للكافرين .
3- في (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ نُسْقِطْ
عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) سورة سبأ آية 9
في
قوله تعالى {أفلم يروا} الرأيان المشهوران قدره الزمخشري أفعموا فلم
يروا وغيره يدعي أن الهمزة مقدمة على حرف العطف ، وقوله {من السماء} بيان للموصول فيتعلق
بمحذوف .
ويجوز أن يكون حالاً فيتعلق به أيضاً .
وهناك حال محذوفة تقديره : أفلم يروا إلى كذا مقهوراً
تحت قدرتنا أو محيطاً بهم فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون
من أقطارها ، وأنا القادر عليهم
وإنما
ذكر (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ
وَالأرْضِ) ؛ لأن الإنسان إذا
خرج من داره لا يرى إلا السماء والأرض وما فيهما ؛ لأن السماء والأرض محيطتان بالخلق
، فكأن أحدهما بين أيديهم ، والأخرى خلفهم بمعنى الإحاطة .
و (أَفَلَمْ يَرَوْا)استئناف مسوق لتهويل
ما اجترءوا عليه من تكذيب آيات الله تعالى واستعظام ما قالوا في حقه وانه من العظائم
الموجبة لنزول اشد العقاب وحلول افظع العذاب من غير ريث وتأخير والفاء للعطف على مقدر
يقتضيه المقام.
والاستفهام في
(أَفَلَمْ يَرَوْا) للتعجب من حالهم
، ومن ذهولهم عن الفكر والتدبر
والفاء في (أَفَلَمْ يَرَوْا) للعطف على مقدر أي : افعلوا ما فعلوا من المنكر
المستتبع للعقوبة فلم ينظروا إلى ما أحاط بهم من جميع جوانبهم بحيث لا مفرّ لهم وهو
السماء والأرض فإنهما أمامهم وخلفهم وعن يمينهم وشمالهم حيثما كانوا وساروا.
والمعنى:
أفلم ينظر هؤلاء
المكذبون بالمعاد الجاحدون البعث بعد الممات القائلون لرسولنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم(أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) إلى ما بين أيديهم وما
خلفهم من السماء والأرض، فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم من بين
أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم؛ فيرتدعوا عن جهلهم وينزجروا عن تكذيبهم
بآياتنا حذرًا أن نأمر الأرض فتخسف بهم أو السماء فتسقط عليه قطعًا، فإنا إن نشأ نفعل
ذلك بهم فعلنا.
والله أعلم.
والقرآن
:
به علقتُ
آمالاً كباراً ***لجيل لا يذل ولا يهونُ
لجيل يقرأ
القرآن غضاً ***يرتله فتنتعش الغصونُ
يرتله فترتحل
المآسي ***وللجنات ينبعث الحنينُ
ويتعظ المقصر
حين يصغي ***ويزجر بالقوارع من يلينُ
لجيل يجعل
القرآن نهجاً ***ودستوراً وأخلاقاً تبينُ
ونوراً يستضيء
به دواماً ***وخلاً لا يمخرق أو يخونُ
يصون النفس عن
درك الدنايا ***ويدعو للمكارم بل يعينُ
به تحيى
القلوب فلا تراها ***تراودها الوساوس والظنونُ
فيا من يبتغي
مجداً وفخراً ***دليل المجد قرآن مبينُ
ويا من يبتغي
خلاً وفياً ***تيمم شطره نعم القرينُ
المصدر:
-البرهان
4/150
-كشف المعاني
ص 155.
-التحرير والتنوير
ـ الطبعة التونسية،الشيخ محمد الطاهر بن عاشور 7/136-137
تفسير روح البيان،
إسماعيل حقي 3/405
-تفسير النيسابوري
6/180
-الجامع لأحكام
القرآن،القرطبي 13/298.
-روح المعاني في
تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،الألوسي9/300 ، 7/206
-التفسير الوسيط،محمد
سيد طنطاوي.
-تفسير السراج
المنير ، الشربيني 3/237
- تفسير القرآن،أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد
الجبار السمعاني 4/318
- جامع البيان
في تأويل القرآن ، أبو جعفر الطبري 20/355,
-تفسير أبي السعود
7/123
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..