الجمعة، 14 يوليو 2023

ابو رافع .. من هو؟ وماذا تعرف عنه ؟

 رجُل من قِبْطِ مصر، وقع في الرِّقِّ فكان مملوكًا للعباس بن عبد المطَّلب -رضي الله عنه-
ثم وَهَبَه العباس للنبيِّ ﷺ بعد إسلامه، فأعتقَه رسولُ الله ﷺ.   مَن هو؟ وماذا تعرف عنه؟ 🔸 أبُو رَافِعٍ مَولَى رسولِ الله ﷺ🔸
🟡  مَنْ هو أبو رَافِعٍ؟
هو رجل من قِبْطِ مصر، قيل اسمه إبراهيم، وقيل اسمه أسْلَم، وقع في الرِّقّ فكان مملوكًا للعبَّاس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- عمِّ النبيّ ﷺ، ثم وَهَبَه العباس للنبيِّ ﷺ بعد إسلامه، فأعتقه رسولُ الله ﷺ. المستدرك (٦٥٣٦) والسير (١٦/٢).

🟡 قِصَةُ إسْلامِهِ:
لقد سمعْنا في القصص والروايات عن الحُبِّ من أوِّل نظرة، فكنتُ أتعجب من ذلك حتى دخلتُ بوجداني بستان الصحابة، فرأيتُ في بعض صوره الخلَّابة أنَّ الكثير منهم قد وقع حُبُّ رسول الله ﷺ في قلوبهم من أوَّل نظرة، فهذا على سبيل المثال عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- الذي كان حبرًا يهوديًّا يقول: (لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله ﷺ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ -أي ذهبوا إليه مسرعين- النَّاسُ إِلَيْهِ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ الله ﷺ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ). الترمذي (٢٤٨٥) وابن ماجة (١٣٣٤) والسلسلة الصحيحة (٥٦٩).
وهذا حسان بن ثابت -رضي الله عنه- تقع عينه على النبيِّ ﷺ فيقول له:
        وأجملُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني
                         وأكرمُ منكَ لم تَلِدِ النِّساءُ

        خُلقتَ مُبَرَّءًا من كلِّ عيبٍ
                         كأنَّك قد خُلقتَ كما تشاءُ.
ديوان حسان بن ثابت ص (١٠).

وأمَّا بطل قصَّتنا أبو رافع -رضي الله عنه- فقد ساقه القَدَرُ نحو السعادة حين أرسلته قريش برسالة إلى النبيِّ ﷺ قبل غزوة بدر، فما أنْ دخل المدينة ووقعت عينُه على رسول الله ﷺ حتى ألقى الله محبته في قلبه، ولْنترك لأبي رافع المجال ليحدِّثنا بنفسه عن هذا اللِّقاء فيقول -رضي الله عنه-: (بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ بِكِتَابٍ إِلَى رَسُولِ الله ﷺ، فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ الله ﷺ أُلْقِيَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إنِّي وَالله لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ -أي لا أنقض العهد- وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ -جمع بريد وهو الرسول- وَلَكِن ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِي نَفْسِكَ الْآنَ فَارْجِعْ»، قَالَ أبو رافع: فَذَهَبْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَسْلَمْتُ). أحمد (٢٣٩٠٨) وأبو داود (٢٧٥٨) والسلسلة الصحيحة (٢٤٦٣).
وهكذا وجد أبو رافع -رضي الله عنه- في قلبه عند أوَّل لقاء له برسول الله ﷺ ما وجد ابنُ سلَّام وحسَّانُ وغيرهما، ثم تأثَّر بخُلُق رسول الله ﷺ الرفيع، فشرح الله صدره للإسلام، وأشرق قلبه بنور الإيمان.
ثم رجع أبو رافع إلى بيت سيِّده العباس في مكة، وكان العباس قد أسلم قبل بدر مستخفيًا وكذلك زوجته أمُّ الفضل، فبقي معهم في مكة يخفي إسلامه -رضي الله عنهم-.

🟡 فَرْحَةُ النصْرِ تَكشفُ سِرَّ أبي رَافِعٍ:

وجاءت غزوة بدر الكبرى، فنصر الله فيها المسلمين، وهزم المشـركين شرَّ هزيمة، وقُتل صناديدهم، وأُسِرَ سبعون من أشرافهم، فنزل الخبر في مكة كالصاعقة المدوِّية على قلوب المشـركين، وفرحًا وسرورًا في نفوس المسلمين المستضعَفين، ولكنَّ شدة الفرح فضحت إسلامَ أبي رافعٍ الخفي، وهيا بنا نستمع إليه وهو يُحدِّثنا عن هذا فيقول -رضي الله عنه-: (كُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكُنْتُ قَدْ أَسْلَمْتُ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْل، وَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ، وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ مَخَافَةً قَوْمِهِ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ، وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامٍ، وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَالَ لَهُ: اكْفِنِي هَذَا الْغَزْوَ، وَأَتْرُكُ لَكَ مَا عَلَيْكَ، فَفَعَلَ، فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ، وَكَبَتَ اللهُ أَبَا لَهَبٍ، وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا أَنْحِتُ الْأَقْدَاحَ فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ، فَوَالله إِنِّي لَجَالِسٌ فِيهَا أَنْحِتُ أَقْدَاحِي وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةً وَقَدْ سَرَّنا مَا جَاءَنَا إِذْ أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ وَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى ظَهْرِي، فَقَالَ النَّاسُ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ أَخِي، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى جَلَسَ عِنْدَهُ، فَجَاءَ النَّاسُ، فَقَامُوا عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، كَيْفَ كَانَ أَمَرُ النَّاسِ؟ فَقَالَ: لَا شَيْءَ، فَوَالله إِنْ لَقِينَاهُمْ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقْتُلُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا، وَيَأْسِرُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا، وَايْمُ الله مَا لُمْتُ النَّاسَ، قَالَ: وَلِمَ؟، قَالَ: رَأَيْتُ رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ لَا وَالله مَا تَلِيقُ شَيْئًا، وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، قَالَ أبو رَافع: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ، فَقُلْتُ: وَالله تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ، فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ، فَضَـرَبَ وَجْهِي وَثَاوَرْتُهُ، فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ حَتَّى بَرَكَ عَلَى صَدْرِي، فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ فَاحْتَجَزَتْ، وَرَفَعَتْ عَمُودًا مِنْ عُمَدِ الْحُجْرَةِ فَضَـرَبَتْهُ بِهِ، فَعَلَّقَتْ فِي رَأْسِهِ شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَالَتْ: يَا عَدُوَّ الله، اسْتَضْعَفْتَهُ، أنْ رَأَيْتَ سَيِّدَهُ غَائِبًا عَنْهُ، فَقَامَ عَنِّي مُوَلِّيًا ذَلِيلًا). مستدرك الحاكم (٥٤٠٣) ومسند البزار (٣٨٦٦).

🟡 اللهُ يَنْتَقِمُ لأَوليَائِه:

قال اللهُ -عز وجل- في الحديث القدسي: (مَنْ عادَى لي وليًّا فقدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ). رواه البخاري (٦٥٠٢).
فهيا بنا نستمع لأبي رافع وهو يحدثنا كيف انتقم له اللهُ -عز وجل- من أبي لهب: (قَالَ أَبُو رَافِعٍ -رضي الله عنه-: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ وَقُلْتُ: تِلْكَ وَالله الْمَلَائِكَةُ، فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَـرَبَ بِهَا وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً، وَثَاوَرَتْهُ فَاحْتَمَلَنِي فَضَـرَبَ بِي الْأَرْضَ، ثُمَّ بَرَكَ عَلَيَّ يَضْرِبُنِي وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا، فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ فَاحْتَجَزَتْ، وَرَفَعَتْ عَمُودًا مِنْ عُمَدِ الْحُجْرَةِ فَضَـرَبَتْهُ بِهِ، فَعَلَّقَتْ فِي رَأْسِهِ شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَالَتْ: يَا عَدُوَّ الله، اسْتَضْعَفْتَهُ إِنْ رَأَيْتَ سَيِّدَهُ غَائِبًا عَنْهُ، فَقَامَ مُوَلِّيًا ذَلِيلًا، فوَالله مَا عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى رَمَاهُ اللهُ بِالْعَدَسةِ -العدسة: داء يظهر في الإنسان كالقرحة، انظر الطب النبوي لأبي نعيم (٤٩٢)-. فَقَتَلَهُ، فَلَقَدْ تَرَكَهُ بَنَوْهُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً مَا يَدْفِنُوهُ حَتَّى أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّقِي الْعَدَسَةَ كَمَا يَتَّقِي النَّاسُ الطَّاعُونَ حَتَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِابْنَيْهِ: أَلَا تَسْتَحِيَانِ، إِنَّ أَبَاكُمَا قَدْ أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ؟ فَقَالَا: إِنَّا نَخْشَى هَذِهِ الْقُرْحَةَ، فَقَالَ: انْطَلِقَا فَأَنَا مَعَكُمَا، قَالَ أبو رافع: فَوَالله مَا غَسَّلُوهُ إِلَّا قَذْفًا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ فَقَذَفُوهُ فِي أَعْلَى مَكَّةَ إِلَى جِدَارٍ، وَقَذَفُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ). مستدرك الحاكم (٤٥٠٣) ومسند البزار (٣٨٦٦).

🟡 هِجْرَتُهُ لله وَرَسُولِه:

وبعد غزوة بدر الكبرى وَهَبَ العباسُ أبا رافعٍ لرسول الله ﷺ، فهاجر مسْرعًا إلى المدينة، وأقام بها مع النبيِّ ﷺ، فأعتقه النبيُّ ﷺ، وزَوَّجَهُ مِن مَولاته سَلمَى، فولدت له عُبيد الله الذي أصبح كاتبًا لعلي بن أبي طالب في خلافته -رضي الله عنهم-. أسد الغابة (٣١٥/١) والإصابة (١١٣/٧).

🟡 ما الذي أبكى أبا رافع؟

وها هو ذا أبو رافع -رضي الله عنه- يُعْتِقُه النبيُّ ﷺ من الرّقِّ، ويَمْنَحُهُ الحرية التي يَحُلُم بها كلُّ العبيد في تلك العصور، ولكنَّ العجيب أنَّ أبا رافع لمَّا جاءه خبر عتقه أجهش بالبكاء، فيا تُرى ما الذي أبكاه؟!
يخبرنا أبو هريرة -رضي الله عنه-، فيقول: (إنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: «إِذَا أَطَاعَ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَسَيِّدَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ»، فَلَمَّا أُعْتِقَ أَبُو رَافِعٍ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ - يَا أبَا رَافع -؟ قَالَ: كَانَ لِي أَجْرَانِ فَذَهَبَ أَحَدُهُمَا). رواه أحمد (٨٥٣٧) وأبو يعلى (٦٤٢٧) وصححه الأرناؤوط.
وهكذا كان حال هذا الجيل الرائع ومَن سلَكَ نهجهم يحزن الواحد منهم لدرجة البكاء على الحسنة تفوته، والأمثلة في ذلك لا تُعدُّ ولا تحصى.

🟡 وهكذا أصبح من آل بَيت النبيّ ﷺ:

وبعدما أعتق النبيُّ ﷺ أبا رافع أصبح يُقال له "أبو رافع مولى رسول الله ﷺ" -المولى لفظ له عدَّة معان، منها: العبد إذا أعتق-.
وبعد بكائه على ذهاب أحد الأجرين عنه يَلقى النبيَّ ﷺ فيبشـره ببشارة هي خير له من الدنيا وما فيها.
فعن أبي رافع -رضي الله عنه-، قال: أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَة، فَقَالَ لأبي رافع: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيب مِنْهَا، فقال له: لَا، حَتَّى آتِيَ رَسُولَ الله ﷺ فَأَسْأَلَهُ، قال أبو رافع: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ ﷺ: «يَا أَبَا رَافِعٍ، إِنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ». أحمد (٢٣٨٦٣) والترمذي (٦٥٧) والسلسلة الصحيحة (١٦١٣).
أي: إنَّك يا أبا رافع أصبحتَ من آل محمد ﷺ، وإنَّ الصدقة لا تحلُّ لمحمد وآله، عليهم صلوات الله وسلامه.
فكأنَّ هذه الكلمات هي اليد الحانية التي مسحت دموع أبي رافع، فهنيئًا له.

🟡 خَيْرُ الناسِ أبو رَافِع:

جلس أصحاب الرسول ﷺ معه يومًا فسألوه عن خير الناس فقالوا: يَا رَسُولَ الله، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ ﷺ: «ذُو الْقَلْبِ الْمَخْمُومِ، وَاللِّسَانِ الصَّادِقِ»، فقالوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟، قَالَ ﷺ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، الذي لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ، فقَالُوا: فَمَنْ يَلِيهِ يَا رَسُولَ الله؟، قَالَ ﷺ: «الَّذِينَ يَشْنَأُ -أي: يبغض- الدُّنْيَا وَيُحِبُّ الْآخِرَةَ»، فقَالُوا: مَا نَعْرِفُ هَذَا فِينَا إِلَّا أَبَا رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ الله ﷺ. ابن ماجه (٤٢١٦) والسلسلة الصحيحة (٩٤٨).
فهذه الشهادة من أصحاب رسول الله ﷺ وفي حضوره وسَامُ شَرَفٍ على صدر أبي رافع -رضي الله عنه- من أُناس قال لهم النبيُّ ﷺ: «مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْــهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّـــارُ، أَنْتُمْ شُهَـدَاءُ الله فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الْأَرْضِ». رواه البخاري (٣٦٥١) ومسلم (٢٥٣٥).

🟡 مِنْ مَواقفه الطريفة مع النبيِّ ﷺ:

يَروي أبو رافع -رضي الله عنه- أنَّ شاةً أُهدِيَتْ له أيام حصار المشـركين للمسلمين في معركة الخندق، فجعلها في القِدْرِ، فدخل عليه النبيُّ ﷺ فقال له: «ما هذا يا أبا رافع؟، فقال: شَاةٌ أُهْدِيَتْ لَنَا يَا رَسُولَ الله، فَطَبَخْتُهَا فِي الْقِدْرِ، فقال ﷺ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ يَا أَبَا رَافِعٍ» -وكان ﷺ يعجبه الذراع-، قال أبو رافعٍ: فناولته، ثم قال: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ يَا أَبَا رَافِعٍ»، قال: فناولته، ثم قال: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ يَا أَبَا رَافِعٍ»، قال: فقلت يا رسول الله: وكم للشاة من ذراع؟! إنَّما للشاة ذراعان، فقال ﷺ: «والذي نفسي بيده لو سَكَتَّ لأعطيتني أَذْرُعًا مَا دَعَوْتُ بِهِ». ابن حبان (٦٤٨٤) والدارمي (٤٥) والمعجم الكبير (٨٤٢).

🟡 جهاده في سبيل الله:

كانت أُحُد هي أولى غزواته مع رسول الله ﷺ، ثم شهد معه المشاهد كلها، وكان ممن شهد الحديبية وبايع تحت الشجرة؛ ليفوز بقول الله -تعالى-: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [سورة الفتح: ١٨]، ثم شهد فتح خيبر مع النبيِّ ﷺ، وها هو يُحدِّثنا عن شيء من بطولات الصحابة في ذلك الفتح فيقول -رضي الله عنه-: (خَرَجْنَا مَعَ عَلِيِّ بن أبي طالب حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ الله ﷺ بِرَايَتِهِ -يعني: إلى حصون خيبر-، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ فَقَاتَلَهُمْ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَطَرَحَ تُرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ، فَتَرَّسَ بِهِ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ، حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي نَفَرٍ مَعِي سَبْعَةٌ أَنَا ثَامِنُهُمْ نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ، فَمَا نَقْلِبُهُ). أخرجه أحمد في المسند (٢٣٨٥٨).
وبعد وفاة الرسول ﷺ استكمل أبو رافع رحلة الجهاد في سبيل الله، فقد خرج في خلافة أبي بكر الصديق مع جيوش المسلمين لفتح الشام، ثم خرج في خلافة عمر بن الخطاب في جيش عمرو بن العاص لفتح القدس، ثم يأتيه الخبر أن عمرو بن العاص يراود أمير المؤمنين عن فتح مصـر، فتتوق نفسه لموطنه الأصلي، حيث ملاعب الصبا والذكريات الجميلة، ويَحْلُم بنفسه يَحمل مصباح الهدى لأهله وقومه، وبالفعل خرج -رضي الله عنه- في جيش الفتح الإسلامي لمصر، فجزاهم الله عنا خيرًا. معرفة الصحابة لأبي نعيم (٢٠٧/١).

🟡 وحان وقت الرحيل:

وبعد حياة طويلة عاشها أبو رافع في سبيل الله -تعالى-، يقف به قطار العمر على أعتاب منازل الآخرة، فينام على فراش الموت بالكوفة في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وتخرج روحه إلى بارئها سنة ست وثلاثين من الهجرة، وقيل سنة أربعين، وكان -رضي الله عنه- قد أوصى أميرَ المؤمنين عليًّا -رضي الله عنه- ببنيه من بعده، فكان عَليٌّ -رضي الله عنه- يتعهدهم ويرعاهم، ويُزَكِّي أَمْوَالَهم وَهُمْ أَيْتَامٌ. الوافي بالوفيات (٣٣/٩) وأسد الغابة (١٥٦/١) وسير أعلام النبلاء (١٦/٢).
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..