في مقالٍ سابق بيّنتُ أنّ من الأهداف الإستراتيجية لرؤية 2030
إصلاح الخطاب الديني بالعودة إلى الإسلام النقي الذي يمثله العهدان النبوي
والراشدي.. وتنقية الأحاديث النبوية من الموضوع والضعيف والأحادي والشاذ،
طبقاً لما جاء في حديث ولي العهد لمجلة أتلانتك في 3 /3 /2022م.
ومن الأمور الاجتهادية التي ينبغي إعادة النظر فيها، التوريث بالتعصيب للذكور، فمن أخطاء الخطاب الديني في مسائل التوريث بالتعصيب للذكور أنّه لم يُبنَ على نصٍ قرآني، وإنّما بُني على حديث واحد رواه البخاري مفاده: قال رسول اللّه: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر، وقد رواه مسلم أيضاً في صحيحه، والترمذي وأبوداود في سننهما، وجعلوه حكمًا ثابتًا نسبوه إلى شرع الله، مع أنّ الله جل شأنه لم يُشرِّعه في كتابه، وهذه الرواية موضوعة:
1- لنفي ابن عباس وطاووس روايتها. فقال أبوإسحاق (عمرو بن عبدالله بن عبيد السبيعي)، عن قاربة بن مضرب قال: جلست عند ابن عباس وهو بمكة، فقلت: يا ابن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك وطاووس مولاك يرويه: إنّ ما أبقت الفرائض فلأوْلَى عصبة ذكر؟ قال: أمن أهل العراق أنت؟ قلت: نعم، قال: أبلغ من وراءك أنّي أقول: إنّ قول اللّه عزّ وجلّ: (آباؤكُم وأبناؤكُم لا تدرونَ أيُّهم أقربُ لَكُمْ نَفعاً فريضة مِنَ اللّه) وقوله: (أُولُوا الأرحام بَعضُهم أولى بِبَعض في كتابِ اللّه)، وهل هذه إلاّ فريضتان، وهل أبقتا شيئاً؟ ما قلت هذا، ولا طاووس يرويه عليّ، قال قاربة بن مضرب: فلقيت طاووسًا، فقال: لا واللّه ما رويت هذا عن ابن عباس قط، وإنّما الشيطان ألقاه على ألسنتهم.
2- يخالف القاعدة الأساسية لآيات المواريث، وهي أنّ الأنثى هي الأساس في احتساب الحصص، وأنّ الذكر تابع لها، وحظّه من الميراث يتوقف على عدد الإناث.
3- حرمان الإناث من الميراث من الموروثات الجاهلية التي نبذها الإسلام، قال تعالى: (للرجالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا). وإن كان سياقها يبيّن علاقتها بالوصية، فهي تؤكد بذلك على مساواة الإناث للذكور في حق الإرث، كمساواتهن في حق الوصية.
فكيف يأخذ الفقهاء وعلماء الفرائض بهذه الرواية رغم نفي راويها لروايته لها، ويحرمون بموجبها إناثًا من الإرث، أو يُدخلون ذكورا شركاء لبنات المتوفى بالتعصيب؟. فمثلًا: لو خلف الميت إناثًا فقط، يشاركهن في إرث أبيهم؛ أعمامهن أو بنو عمومتهن بالتعصيب، بحجة أنهم مسؤولون عن الإنفاق، وهنا أقول: ما علاقة مشاركة الإناث المتوفى والدهن في اقتطاع ثلث ميراثهن، ليعطى للأعمام أو أولادهم لينفقوه على أسرهم؟.
والسؤال: لماذا إذا توفى رجل أو امرأة عن ولد ذكر واحد، تكون تركته أو تركتها كاملة للولد، بينما إذا توفى أو توفيت عن أنثى واحدة أو مجموعة إناث يشاركها/هن في ثلث التركة عصبة ذكور، بينما تسقط عصبة الذكور إن لم يكن للميت وارث إلّا من أعتقه ليرث التركة بكاملها، وهذا يتنافى مع شرع الله.. أمّا مقولة: «إنّ مسائل الإرث لا اجتهاد فيها وأنّ مردها إلى النصوص، فآيات المواريث الثلاث (11، 12، 176) من سورة النساء محدودة، إذ لا نجد فيها من الورثة سوى الأبناء ذكورًا وإناثًا، والأبويْن والزوجيْن والإخوة ذكورًا وإناثًا، ولا تسع كل تلك التفريعات وأنواع الإرث التي ذكرها الفقهاء.
وممّا يؤكد أنّ مسائل الإرث اجتهادية بنسبة كبيرة؛ مسألة الجد مع الإخوة، والتي لا يستطيع فقيه إنكارها، فمسائل الجد مع الإخوة لا تكاد تنضبط، وتفاريع مسائله لا تكاد تنحصر؛ حيث إنّه يرث بكيفيات مختلفة، وله مع الإخوة قضايا طال فيها الكلام، ووقع فيها الخصام، واضطربت فيها النقول والآراء من لدن الصحابة الكرام، حتى إنّه ليُروى عن الصحابي الواحد عدة آراء مختلفة.. فيقول مثلاً عبيدة بن عمرو: (إنّي لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية، كلها ينقض بعضها بعضًا).
والذي يستوقفني هنا أنّ التعصيب بالذكور ومسائله لا تستند على نص قرآني، وإنّما على مسائل اجتهادية بُنيت على رواية لابن عباس عنه عليه الصلاة والسلام، وقد نفى روايته لها، ونجد أغلب الاجتهادات مبنية على العادات والواقع والعرف.
وما دامت إستراتيجية رؤية 2030 قائمة على إصلاح الخطاب الديني، أقترح أنّ يكون إسقاط علة توريث الذكور بالتعصيب من أسس هذه الإستراتيجية، باعتبار أنّها مسائل اجتهادية لا تستند على نص قرآني، وإنّما اجتهادات قائمة على انفراد الرجل بالإنفاق، والرجل في زمننا هذا لم يعد منفردًا بمسؤولية الإنفاق، فقد باتت المرأة كالرجل تنفق على بيتها وأبنائها ووالديها، وأحياناً زوجها وإخوتها الذكور.
- جريدة المدينة
ومن الأمور الاجتهادية التي ينبغي إعادة النظر فيها، التوريث بالتعصيب للذكور، فمن أخطاء الخطاب الديني في مسائل التوريث بالتعصيب للذكور أنّه لم يُبنَ على نصٍ قرآني، وإنّما بُني على حديث واحد رواه البخاري مفاده: قال رسول اللّه: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر، وقد رواه مسلم أيضاً في صحيحه، والترمذي وأبوداود في سننهما، وجعلوه حكمًا ثابتًا نسبوه إلى شرع الله، مع أنّ الله جل شأنه لم يُشرِّعه في كتابه، وهذه الرواية موضوعة:
1- لنفي ابن عباس وطاووس روايتها. فقال أبوإسحاق (عمرو بن عبدالله بن عبيد السبيعي)، عن قاربة بن مضرب قال: جلست عند ابن عباس وهو بمكة، فقلت: يا ابن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك وطاووس مولاك يرويه: إنّ ما أبقت الفرائض فلأوْلَى عصبة ذكر؟ قال: أمن أهل العراق أنت؟ قلت: نعم، قال: أبلغ من وراءك أنّي أقول: إنّ قول اللّه عزّ وجلّ: (آباؤكُم وأبناؤكُم لا تدرونَ أيُّهم أقربُ لَكُمْ نَفعاً فريضة مِنَ اللّه) وقوله: (أُولُوا الأرحام بَعضُهم أولى بِبَعض في كتابِ اللّه)، وهل هذه إلاّ فريضتان، وهل أبقتا شيئاً؟ ما قلت هذا، ولا طاووس يرويه عليّ، قال قاربة بن مضرب: فلقيت طاووسًا، فقال: لا واللّه ما رويت هذا عن ابن عباس قط، وإنّما الشيطان ألقاه على ألسنتهم.
2- يخالف القاعدة الأساسية لآيات المواريث، وهي أنّ الأنثى هي الأساس في احتساب الحصص، وأنّ الذكر تابع لها، وحظّه من الميراث يتوقف على عدد الإناث.
3- حرمان الإناث من الميراث من الموروثات الجاهلية التي نبذها الإسلام، قال تعالى: (للرجالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا). وإن كان سياقها يبيّن علاقتها بالوصية، فهي تؤكد بذلك على مساواة الإناث للذكور في حق الإرث، كمساواتهن في حق الوصية.
فكيف يأخذ الفقهاء وعلماء الفرائض بهذه الرواية رغم نفي راويها لروايته لها، ويحرمون بموجبها إناثًا من الإرث، أو يُدخلون ذكورا شركاء لبنات المتوفى بالتعصيب؟. فمثلًا: لو خلف الميت إناثًا فقط، يشاركهن في إرث أبيهم؛ أعمامهن أو بنو عمومتهن بالتعصيب، بحجة أنهم مسؤولون عن الإنفاق، وهنا أقول: ما علاقة مشاركة الإناث المتوفى والدهن في اقتطاع ثلث ميراثهن، ليعطى للأعمام أو أولادهم لينفقوه على أسرهم؟.
والسؤال: لماذا إذا توفى رجل أو امرأة عن ولد ذكر واحد، تكون تركته أو تركتها كاملة للولد، بينما إذا توفى أو توفيت عن أنثى واحدة أو مجموعة إناث يشاركها/هن في ثلث التركة عصبة ذكور، بينما تسقط عصبة الذكور إن لم يكن للميت وارث إلّا من أعتقه ليرث التركة بكاملها، وهذا يتنافى مع شرع الله.. أمّا مقولة: «إنّ مسائل الإرث لا اجتهاد فيها وأنّ مردها إلى النصوص، فآيات المواريث الثلاث (11، 12، 176) من سورة النساء محدودة، إذ لا نجد فيها من الورثة سوى الأبناء ذكورًا وإناثًا، والأبويْن والزوجيْن والإخوة ذكورًا وإناثًا، ولا تسع كل تلك التفريعات وأنواع الإرث التي ذكرها الفقهاء.
وممّا يؤكد أنّ مسائل الإرث اجتهادية بنسبة كبيرة؛ مسألة الجد مع الإخوة، والتي لا يستطيع فقيه إنكارها، فمسائل الجد مع الإخوة لا تكاد تنضبط، وتفاريع مسائله لا تكاد تنحصر؛ حيث إنّه يرث بكيفيات مختلفة، وله مع الإخوة قضايا طال فيها الكلام، ووقع فيها الخصام، واضطربت فيها النقول والآراء من لدن الصحابة الكرام، حتى إنّه ليُروى عن الصحابي الواحد عدة آراء مختلفة.. فيقول مثلاً عبيدة بن عمرو: (إنّي لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية، كلها ينقض بعضها بعضًا).
والذي يستوقفني هنا أنّ التعصيب بالذكور ومسائله لا تستند على نص قرآني، وإنّما على مسائل اجتهادية بُنيت على رواية لابن عباس عنه عليه الصلاة والسلام، وقد نفى روايته لها، ونجد أغلب الاجتهادات مبنية على العادات والواقع والعرف.
وما دامت إستراتيجية رؤية 2030 قائمة على إصلاح الخطاب الديني، أقترح أنّ يكون إسقاط علة توريث الذكور بالتعصيب من أسس هذه الإستراتيجية، باعتبار أنّها مسائل اجتهادية لا تستند على نص قرآني، وإنّما اجتهادات قائمة على انفراد الرجل بالإنفاق، والرجل في زمننا هذا لم يعد منفردًا بمسؤولية الإنفاق، فقد باتت المرأة كالرجل تنفق على بيتها وأبنائها ووالديها، وأحياناً زوجها وإخوتها الذكور.
تاريخ النشر: 19 يوليو 2023 22:37 KSA
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..