حوادث ما يسمى «الاستخلاف» في الصلاة، بمعنى أن يستخلف الإمام غيره من المأمومين لتكميل الصلاة بهم لسبب ما، من الحوادث النادرة، ويحفظ التاريخ الحديث واقعتين من مسائل الاستخلاف، في الحرمين الشريفين، في زمنين مختلفين، بينهما حوالي 13 سنة، وعولجت كل حالة برأي فقهي متقابل ومختلف عن الآخر، ما يزيد في يقين العقلاء من أن الاختلافات في غير الثوابت القطعية المجمع عليها، سواء أكانت في الفقه أو حتى في العقيدة، نعمة وأي نعمة، وأن التشدد واقتياد الناس نحو رأي واحد، نقمة وبئس بها من نقمة.
الحادثة الأولى، وقعت في المسجد النبوي، بتاريخ 10/26/ 1432، حيث أم المصلين لصلاة المغرب الشيخ علي عبدالرحمن الحذيفي، وخرج من المحراب قاطعًا صلاته عقب 34 ثانية من تكبيرة الإحرام، مرددًا وموجهًا المصلين عبر مكبرات الصوت: «انتظروا دقيقة.. انتظروا دقيقة»، ونزع عباءته، وترجل مسرعا نحو غرفة الأئمة، لإعادة وضوئه، وعاد من جديد، وكبر تكبيرة الإحرام بعد دقيقة ونصف الدقيقة من قطعه الصلاة، وفي هذه الحادثة التزم الشيخ بنص رأي الإمام أحمد بن حنبل: «كنت أذهب إلى جواز الاستخلاف؛ وجبنت عنه»، والذي ذكره الشيخ ابن قدامة، في الجزء الثاني من كتاب «المغني» أحد أهم مراجع الفقه الإسلامي، اعتمادًا على ما ورد في الحديث الصحيح، أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- جاء إلى الصَّلاةِ، أي الفجر، فلمَّا كبَّرَ انصَرَفَ، وأَومَأَ إليهم -أنْ كما أنتم- ثم خرَجَ، ثم جاء ورَأْسُه يَقطُرُ، فصَلَّى بهم.
الحادثة الأخرى قريبة العهد، وحدثت في المسجد الحرام، الجمعة قبل الماضية، بتاريخ 25 /1 /1445، حيث ألمّ بالشيخ ماهر حمد المعيقلي إرهاق في آخر الخطبة وأول الصلاة، ولم يستطع إكمالها فتأخر، وأَتَمَّ بالناس الصلاة الشيخ عبدالرحمن عبدالعزيز السديس، اعتمادًا على الرأي الفقهي المشهور من أن المشروع في مثل هذا الظرف أن يتأخر الإمام ويقدم رجلًا من القوم يتم بهم الصلاة ويأتم هو به، المستند على استخلاف عُمر بن الخطاب في الصَّلاةِ لعبدالرحمن بن عوف، وكان بمحضَرٍ من الصَّحابةِ، ولم يُنكِروا عليه، فكان إجماعًا.
ولاحظ المصلون أن الشيخ السديس، بدأ في القراءة من حيث انتهت إليه قراءة الشيخ المعيقلي: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم}، ولم يبدأ من أول سورة الفاتحة، كما هو النص عليه عند بعض الفقهاء الأعلام، وذكره الشيخ المرداوي، في الجزء الثاني من كتابه -الذي لا يستغني عنه العلماء فضلا عن طلبة العلم- (الإنصاف في معرف الراجح من الخلاف)، وفيه قال: «لابد من قراءة ما فات من الفاتحة سرًا، وجزم به، أي الشيخ ابن مفلح، في كتاب (الفروع)، وقال، أي الشيخ ابن تيمية، في كتاب (المجد في شرح الهداية): والصحيح عندي أنه يقرأ سرًا ما فاته من فرض القراءة، لئلا تفوته الركعة، ثم يبني على قراءة الأول جهرًا إن كانت صلاة جهر»؛ وبنى الشيخ السديس على ترتيب الشيخ ماهر، وهو كذلك منصوص عليه ومقدم في الفقه.
أختم بالتأكيد على ضرورة عدم الانزعاج من الاختلافات في الفروع الدقيقة، التي لا يوجد فيها نص صريح، فقهًا كانت أو معتقدًا أو فكرًا أو غير ذلك، وضرورة عدم تضييع الأعمار والأموال فيما لا يخدم التواصل والتكامل، وأخص هنا ترجيح قول واحد في المسائل التي اختلف أو يختلف فيها العلماء، فهذا أمر ليس بممكن، بل من المستحيلات.
المصدر :جريدة الوطن السعودية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..