بحور الشعر مبنيّة على علم الدوائر الذي وضعه الخليل، وما وافقه لا تمجّه الأذن إلقاءً أو غناءً؛ لأن الدوائر كالعجلة المنتظمة موسيقياً، باستثناء: (المنسرح والمضارع والمقتضب) موسيقاها لا تُقبل رغم موافقتها للدوائر!
وكانت بداية الشعر النبطي على البحور الخليلية ولعل أقدمها البحر الطويل ومع مرور الوقت نظم الشعراء على معظم البحور الستة عشر، بل استعملوا أيضاً البحور التي أهملها الخليل كالمُمتد والمُطَّرد والمستطيل، ولعل البداية على البحر الطويل ثم البحور الأخرى كالسريع ومنه المسحوب والهزج -ومنه الصخري- والرجز والبسيط والمتدارك والرمل والمديد والمتقارب والمجتث، ثم الممتد والمُطَّرد والمستطيل.
ولكن بعد خروج فنون غنائية جماعية
يصلح لها ما لا يصلح لغيرها من الأوزان، فإذا أرادوا كتابة نص لفنٍّ معين اختاروا ما يناسبه وزناً، (كالعرضة الحربية) نكاد نحصر شواهدها على بحريّ المديد والمُطّرد، (وفن الحداء وفن الزومالة) لا يخرجان عن الرجز وهكذا، وحديثنا عن الأوزان التي خرجت عن الدوائر، (كفنّ المجرور وفن يا حيوما) معظم أوزانهما مبتكرة، أي أنه تولّد من هذه الفنون ألحاناً نشأ منها أوزاناً تمتاز بالطول تتناسب مع هذه الفنون، ومما عزّز لهذه الأوزان في الانتشار (فنّ العرضة الجنوبية) الذي نشأ من خلاله أوزاناً مبتكرة، كذلك (فنّ المحاورة) الذي انتشر أكثر، وبعد ما رسَخَت هذه الأوزان في الفنون الجماعيّة تسرّبت للنظم، وتكاد تنحصر في (غرض الغزل)؛ لأنه يُغنّى أكثر من غيره، ثم قام بعض شعراء المحاورة الذين جمعوا بين المحاورة والنظم بابتكار أوزان أخرى، بعضها أوزان طويلة ولا تتناسب مع المحاورة؛ لثقلها على الصفوف، ولا تُقدم إلا بشكل غنائي فردي، وهذا النوع أقل تأثيراً من الفنون الجماعية.
وقد تكون أقدم الشواهد التي شاعت وتناقلها الرواة، ويظهر أن منطلقها من فن المجرور، هذه القصيدة للشاعر: بديوي الوقداني، المتوفى عام 1244هـ:
الأوّلةْ ياَ الّلهْ يا اللي على الأمةْ رقيبي،
يا غافر الزلاتْ تمحىِ الذنوب اللي عليّهْ-
تكتبْ لي الجنةْ ليا أمسيتْ فِي قبْري غريبي،
ماليِ مهرّجْ غيرْ دُودَ القبورَ العَامريَّه.
وتفعيلة هذا الوزن:
مستفعلن مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن،
ولهذا الوزن انتشار في المحاورة.
وقصيدته الأخرى:
يا بارقٍ لاح بالقطر اليماني بات نوه يقود، دن الرعد وامطرا.
سريت أخيله وعيني ساهرة يوم الخلايق رقود، والفكر ما غيَّرا.
واوجْد روحي على أيامٍ مضت يا ليتها لي تعود، لو كان بالمشترا.
وتفعيلة هذا الوزن:
مستفعلن فاعلن مستفعلن مستفعلن فاعلان، مستفعلن فاعلن.
ومن هذه الأوزان التي انتشرت ولازالت تسمى بالمجرور وهذا الشاهد من التراث:
ونّيت ونّة وأنا بادي كرى وارتجّ نعمان.
وارتجّ من ونّتي كبكب وقصر العابديّة.
وعليه قصيدة للشاعر: عبدالله بن دويرج المتوفى عام 1365هـ
بعض العرب ينصحون ونصحهم ماهوب صايب،
يحرّمـون الجـواب ويستحـلّـون السبـابـةْ.
ووزنه : مستفعلن فاعلن مستفعلن مستفعلاتن.
يسمى بالمجرور عند العامة ويمكن أن نقول أنه من محرّفات بحر البسيط.
ومن الأوزان التي يظهر أنها من التراث وشواهده قليلة في النظم والمحاورة وعليه قصيدة الشاعر: سليمان بن شريم، المتوفى عام 1363هـ
ليلة العيد واجهني مسلّي حادرٍ للمبيعة،
حزّة الفطر والصوّام بلشينٍ بطيب المعاشي.
ومن شواهده في المحاورة، قول: صياف الحربي:
ياسلامي سلامٍ فيك يامطلق مسوّي صنيعة.
مار مما يحزّ بْخاطري حطّيت لك سمّ خافي.
وتفعيلة هذا الوزن:
فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن.
يمكن أن نقول أنه من محرّفات البحر الممتد، على مجزوء الممتد مع الترفيل:فاعلن فاعلاتن فاعلاتن، ثم يكرر: فاعلن فاعلاتن.
ويمكن أن تقول أنه مزيج بين مجزوء الممتد: فاعلن فاعلاتن فاعلن.
ومجزوء المجتث: مستفعلن فاعلاتن.
ويمكن أن يقال أنه مزيج بين المطرد:
فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن.
ومجزوء المتقارب: فعولن فعولن.
يُلاحظ أنّ معظم الأوزان التي خرجت عن الدوائر ضعيفة الأصل عند تخريجها، تُنسب لكذا بحر، فلو كان لها دائرة لم تتذبذب، فهي إما مزيج بين مجزوء وآخر، أو بإضافة تفعيلة بالحشو أو بالنهاية؛ ولذلك يقال عنها (أوزان مبتكرة)، ولا يطلق عليها (بحور)، ولأنها مستحدثة لا تجد مصطلحاً عند العروضيين القدامى ينزّل عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..