الاثنين، 23 أكتوبر 2023

أوراق من ذكريات أحد المعلمين

في عام ١٤١٤ تعينت معلما في أبها وتم توجيهي لمدرسة في قطاع ردوم قحطان اسمها الفارابي ..
أوصلني أحد الأصدقاء إلى نقطة المجاهدين في القرعاء وكان الوقت في الصباح الباكر ولم يرض أحد من سكان تلك القرى بتوصيلي فجلست كضيف عند المجاهدين جزاهم الله خيرا وأفطرت معهم وأيضا تغديت معهم وأنا في انتظار سيارة توصلني ..
كنت في غاية الإحراج والقلق النفسي وكانوا يحاولون تهدئتي حتى آذان العصر من ذلك اليوم وحينها أتى صاحب جيب شاص وأوقفه أحد المجاهدين وأجبره على أخذي إلى تلك المدرسة حيث هدده بإبلاغ الأمير خالد الفيصل أمير عسير ذلك الوقت بأنه امتنع عن نقل أحد المعلمين ..
و كان برفقة صاحب الجيب امرأة وحينها رد وقال إذا كان سيركب في الصندوق فلا مانع ..
سألني المجاهد قلت موافق ، وكان الجيب محملًا بأكياس الشعير
فصعدت وجلست على أكياس الشعير ممسكًا أغراضي بيد وبيدي الأخرى ممسكًا عارضة السيارة كي لا أسقط مما تسبب في تمزق أوتار الكف التي أعاني منها إلى الآن ..
طبعا الطريق غير معبد ويتسع لسياره واحدة فقط وبين الهاوية وكفر السياره حوالي ٣٠ سم تقريبا وبعد مرور ساعتين وصلنا إلى قرية الجهيفة وكانت في قطاع شهران ، فرحت عندما وصلت .
ولكنهم أخبروني أنها ليست المدرسة التي أنا موجه لها وحينها أصابني الهم من جديد ..
أنزلني صاحب الجيب عند مدرسة الجهيفة واستقبلني مديرها (مصري الجنسية )ومعه ١٠ معلمين من الأردن وتونس وسوريا ومصر وكان معهم معلم سعودي وحيد تخصص رياضيات اسمه ( سعيد ناصر الماعز  ) من تمنية  /حاصل على مرتبة الشرف الثانيه..
نمنا تلك الليلة في الوادي ، والمدرسة كانت عبارة عن غرف مبنية من حجر وكانوا قد وضعو أسرة بجانب المدرسة ووضعوا أرجل الأسرة في علب حليب بها ديزل
لكي لاتصعد الثعابين أو الزواحف عليهم وكان منظرا مدهشا ومخيفا وكنا جالسين بين أغنام أهل القريه والتي أبت إلا أن تسامرنا  وكان العشاء خبزا يابسا مع الجبن المصري والزيتون وجزاهم الله خيرا فقد قدموا كل ماعندهم..
وكانت تمر السيارات فإذا سمعنا صوت سيارة قادمة 
تكفل أحدنا بإيقافها لكي أذهب معه إلى مدرستي والتي كانت تبعد حوالي ساعتين أخرى لكن الجميع رفضوا ذلك رغم أني عرضت عليهم مبلغ  وصل إلى ألف ريال وحجتهم وجود مشاكل قبلية في تلك الأماكن ..
وحين أذن الفجر وصلينا كان إمامنا رجل من أهل القريه تبدو عليه علامات الصلاح والعلم والثقافة اسمه (محمد بن رفدان)
كان في عمر ٧٠ سنه تقريبا..
وفي النهار الثاني طلب مني المعلمون أن أذهب إلى المستوصف القريب لأخذ حبوب للوقاية من الملاريا حيث كانت منتشرة ذلك الوقت فذهبت للمستوصف ، وكان عباره عن غرفتين مطبطبة بالاسمنت وفيه  طبيب سوداني 
أعطاني حبتين خضراء كبيرة كسرتها عدة كسر وبلعتها
وقال كل أسبوع ستأخذ حبتين..
وكان العرض على توصيلي لا زال قائما لكن الجميع يرفضون، فقررت العودة إلى أبها ، 
فاقترح علي مدير المدرسة أن يعطيني مشهدا يثبت مجيئ إلى المدرسة ويختمه بالختم الرسمي ..
فعلت ذلك وفي اليوم التالي كان لدى الشيخ محمد بن رفدان موعد في الرياض وسيتجه إلى أبها فطلبت منه  أن يوصلني معه إلى أبها لكنه رفض بحجة أنني معلم سعودي وهو فرح بذلك ولا يريدني أن أغادر المنطقة وبحكم مكانته فهو سيطلب من المسؤلين أن أبقى عنده في الجهيفه ، و بعد كثير من التودد والإلحاح ووعد بعودتي بعد أن أجلب سيارتي وترك أغراضي لدى زملائي حتى يطمأن قلبه  وهي عبارة عن شنطة وبطانية وهي التي لم أرها حتى هذه اللحظه 

ركبت معه في سيارته الجيب وكان  يقودها سائق وهو جالس في الوسط وأنا على الباب
وصلنا للمجاهدين بعد ساعتين 
ونزلت هناك وأخذت سياره أوصلتني إلى إدارة تعليم أبها وقابلت مدير الشؤون الفنيه وأخبرته بكل ماحدث كاملا فقال إن المعلمين الجدد يتملصون من خدمة الوطن واتهمني بأنني لم أذهب إلى هناك ولم أحاول ، 
فما كان مني الا ان اخرجت تلك الورقه وعليها ختم المدرسة حيث شرح المدير فيها كل شيء حتى المبلغ المالي الذي عرضته على العابرين لإيصالي إلى مدرستي فكأنه اقتنع نوعا ما ، 
وخرجت من إدارة التعليم  ينتابني الشعور بالهم والغبن 
واتصلت على مكتب الأستاذ القدير سياف آل خشيل مدير تعليم بيشة وكانت المكالمات عن طريق الكبائن التى أمام إدارة التعليم وكان أبي رحمة الله عليه يعمل مع سياف في مكتبه ، و  /رد علي الأستاذ . جلوي بن لزهر ، وأخبرته بما حصل فدخل هو وأبي على سياف وأخبروه بقصتي فتشفع لي في تعليم أبها ، فتم توجيهي إلى
قطاع وادي بن هشبل /مدرسه ابن رشد في "يعرا " /عطفة ناهس
فجزاه الله خير الجزاء 
والشكر موصول لمدير مدرسه الجهيفه وكل من ساعدني ووقف معي خصوصا ناصر الأسمري صديقي الوفي الذي لن أوفيه حقه مهما أثنيت ..
(  )
وسلامتكم جميعا .
٨:٠٢ م · ١٩ أكتوبر ٢٠٢٣
·

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..