الخميس، 31 أكتوبر 2024

الرد على مزاعم إسلام بحيري في برنامجه إسلام حر

      لم يكتفِ «بحيري» بوصف الإسلام بأنَّه «قطعة من اللؤلؤ في بحر من الطين»، في برنامج «توتر عالي» في قناة المشهد؛ إذ سبق وأنْ وصف الإسلام في برنامجه «إسلام حر»، بأنَّه: «أكبر دين دمويٍّ في العالم.. كيف سيغيِّر صورته؟».

وهو هنا لا يختلف عن أستاذه إبراهيم عيسى، الذي يقوم مشروعه النهضويُّ على تصوير الإسلام، وصحابة رسول الله بأنَّهم دمويُّون، وأطلق عليهم «القتلة الأوائل» في روايته «رحلة الدم».

وردًّا عليهما أقولُ:

بحيري وعيسى، يردِّدان مزاعم المستشرقين «أنَّ الإسلام انتشر بحدِّ السيف»، وهذا يخالف التوصيف القرآني لحقيقة نبوَّة سيِّد الأوَّلين والآخرين، بأنَّه رحمة عامة شاملة، تجلت مظاهرها في كل موقف لرسول الله.. الإسلامُ دينُ رحمةٍ وليسَ دينَ دمٍ وقتلٍ، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).

لقد ظلَّ الرسول الكريم، على مدى ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وحارب كفَّارُ قريش الدعوةَ الإسلاميَّةَ، وآذوا النبيَّ وأصحابَه، وكان الله -جلَّ شأنُهُ- يقوِّيه ليصبرَ فيقول تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ).

وكان المسلمون كثيرًا ما يأتون إلى النبيِّ ما بين مضروب ومشجوج ومعذَّب، شاكين إليه، فيثبِّتهم ويضرب لهم الأمثال والعِظات، ويقول لهم: «اصبرُوا فإنِّي لم أُؤمر بقتالٍ»، حتَّى هاجر النبيُّ والمسلمُون إلى المدينة، وأصبح لهم كيانٌ وسلطانٌ ووطنٌ «إقليمٌ»، وأضحُوا ذوي عدد وقوَّة، فلم يكن بدٌّ من أنْ يأذنَ اللهُ لهم بالقتالِ. لقد مكث رسولُ الله في مكَّة يَدعو بالحُجَّةِ والموعظةِ الحسنةِ بلا قتالٍ، وكان وأصحابُه مُستضعَفين يتعرَّضون للتَّعذيب والتَّنكيل؛ ليَرجعوا عن دينهم، فما صرَفَهم هذا عن الإسلام. وقد دخل الإسلامُ إلى أهل يثرب بلا أيِّ قتالٍ؛ حيث اقتنع سادتهم بالإسلام، حين عرضه عليهم الرسولُ الكريمُ، فبايعوه بيعتَي العقبة الأُولَى والثَّانية، ثمَّ أرسل إليهم مصعب بن عمير، فاجتهدَ في دعوة أهل المدينة، حتَّى دخل معظمهم في دين الإسلام، فأين شبهةُ الإجبار في إسلام أهل المدينة؟.

فقد صار من المسلَّمات أنَّ المهاجرين والأنصار قد دخلوا في دِين الله عن اقتناعٍ وتسليمٍ، وتحمَّلوا في سبيله الاضطهادات؛ ممَّا يَنفي أيَّة شبهةِ إكراهٍ وإجبارٍ، وعندما شُرع الجهادُ في السنة الثانية من الهجرة، فالحروب الإسلاميَّة في العصر النبويِّ غالبها لم يكن بمُبادرةٍ من المسلمين؛ فقد غُزي المسلمون مثلًا في بدر وأُحُد والأحزاب، وأمَّا حروبُ اليهود، وفتحُ مكَّة، ومؤتة، وتبوك، وغيرها، فكانت تأديبًا لمَن خانوا العقود، وخالفوا العهود والمواثيق، وبدأوا بالاعتداءِ أو محاولة قتل رُسل الرسولِ الكريم، فكان المسلمون يدخلون في الغالب في معارك غير متكافئة، من حيث العدد والعدَّة؛ ففي غزوة مؤتة، نجد أنَّ عدد جنود المسلمين ثلاثة آلاف رجل، في حين كان عدد جيش الخصوم مئتي ألفِ مقاتلٍ، ناهيك عن التفوُّق في العدَّة والآلة الحربيَّة، فهل يظن بهذه القلة المستضعفة أنَّ تغرَّها قوتها، وتشرع في فرض ما معها من الحق على هذه الجموع الغفيرة؟.

إنَّ العقائد لا تستقرُّ في النفوس تحت وطأة السيف والقهر على الإطلاق؛ وإنَّما تستقر بالإقناع وبالحُجَّة الواضحة.. وممَّا يؤكد بطلان هذه الفِرية ما أثبته التَّاريخ أنَّ بعض القوات والجيوش التي حاربت المسلمين، وانتصرت عليهم كالتتار مثلًا، قد أسلموا ودخلوا في دين الله أفواجًا، في سابقةٍ لعلَّها لم يعرف لها التاريخ مثيلًا، فأنَّى للمُنتصِرِ أنْ يدخل في دين المَهزومِ؟ وأيُّ شبهةِ إكراهٍ هنا؟.. فتشريع الجهاد لم يكن لإرغام أحدٍ على الدخول في الإسلام؛ وإنَّما لإقامة الحق.. ومن نصوص الشرع ما يشهد على عدم الإكراه والإجبار في الدِّين كقوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).

والجهاد في الإسلام حرب في غاية النقاء والطهر والسمو، وهذا الأمر واضح -تمام الوضوح- في جانبي التنظير والتطبيق في دين الإسلام، وعند المسلمين، وبالرغم من الوضوح الشديد لهذه الحقيقة، إلا أن التعصب والتجاهل بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف، والإصرار على جعله طرفاً في صراع، وموضوعاً للمحاربة، أحدث لبساً شديداً في مفهوم الجهاد عند المسلمين، حتى شاع أن الإسلام قد انتشر بالسيف، وأنه يدعو إلى الحرب وإلى العنف.

ولقد قال كاتبٌ غربيٌّ يُدعى توماس كارليل: «إنَّ اتَّهامه أيَّ -سيدنا محمدًا- بالتَّعويل على السَّيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته، سخف غير مفهوم؛ إذ ليس ممَّا يجوز في الفهم أنْ يُشهر رجل سيفه ليقتل به الناس، ليستجيبوا له، فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم، فقد آمنُوا به طائعِين مصدِّقين، وتعرَّضوا للحرب من غيرهم قبل أنْ يقدروا عليها».

ويقول المؤرِّخ الفرنسي غوستاف لوبون -في كتابه «حضارة العرب»، وهو يتحدَّث عن سر انتشار الإسلام في عهد الرسول الكريم، وفي عصور الفتوحات من بعده-: «قد أثبت التَّاريخ أنَّ الأديان لا تُفرض بالقوَّة...، ولم ينتشر القرآن إذن بالسَّيف، بل انتشر بالدَّعوة وحدها، وبالدَّعوة وحدها اعتنقته الشعوبُ المختلفةُ».

للحديث صلة...

د. سهيلة زين العابدين حماد

 
المصدر :
صحيفة المدينة |  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..