لم أكن يوما أشعر بالحاجة للكتابة عن يزيد بن معاوية في ميدان أهل السنة والجماعة ،وذلك لأن خلافته
تبقى تاريخاً ؛وموقفُ أهل السنة من أحداث التاريخ معروف ، وهو أنها تُروى مثل سائر الأحداث في الإسلام ،فليست عقيدة المُسلم مرتَهَنَةً بأحدها أو مُتوَقِفةً عليه ، فعثمان ابن عفان رضي الله عنه قُتِل كما قُتِل غيره بعده ، وإن كانت الجريمة فيه أكبر وأظهر ، وعليٌ ومعاويةُ رضي الله عنهما اختلفا خلافاً سياسياً وحسب ،ولا ينبغي أن يكون للمسلم موقف ضد أحدهما ، وكذلك الحسين رضي الله عنه ثار وقمعت ثورته وانتهى الأمر ، وكذلك عبد الله بن الزبير وأهل الحرة ، ثاروا وكان مصير ثورتهم الفشل ، فليس لهذه الأحداث جميعها رغم عظمها ما يجعل المسلم يبقى رهينةً في إيمانه بالله وبرسوله ودينه من صلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحجٍ لموقفه من هذه الأحداث سواء أصاب علي أم معاوية ، وأخطأ الحسين أم يزيد ، كل تلك الأحداث وكل أولئك الرجال لا يؤثرون في معتقده في الله وفي رسوله وفي صحابته وفي كتابه وملائكته ورسله ، هذا موقف أهل السنة لذلك يرون التوقف فيما شجر بين الصحابة ، ومن باب أولى التوقف فيمن بعدهم ، والله تعالى أعلم بهم وهو العليم الخبير .لكنني فوجئت بأن الحديث عن الموقف من يزيد ينشغل فيه أهل السنة هذه الأيام انشغالاً عظيماً ، وظني أن من بواعث ذلك: التغريدتان اللتان أرسلهما خامنئي يذم أهل السنة بوصفهم حزب يزيد ، فكان الناس بعدها بين ذامٍ ليزيد وعاذر له أو مادح ، لكنني هنا لن أتعرض لمدحه أو ذمه ،فهو ملك من ملوك الإسلام تولى الحُكم في فترة قريبة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت النفوس متشوفة إلى حاكم على غرار ،أبي بكر وعمر ، والرجل وعصره كله لم يكونوا على هذا الغرار فاستُكثِر منه كل شئ ، حتى رموه بشرب الخمر وفعل الموبقات ، ومع أنهم لم يُثبتوا ذلك إلاَّ أنهم أصروا عليه كما صح النقل في حوار محمد ابن الحنفية مع الخارجين على يزيد من أهل المدينة إذ ذكر لهم أنه لم يره يصنع ذلك فهل رأوه هم يصنع ذلك فلم يذكر أحد منهم أنه رآه بل نفوا ذلك ، لكنهم أصروا على خَلْعِ بيعته اعتماداً على هذا الأمر ، وشربُ الخمر وإن كان كبيرة من كبائر الذنوب ،ذوات الحد في الدنيا والإثم العظيم في الآخرة فإنه من الأمور التي لا تنتقض بها البيعة ، وقد أخبر عبدُ الله بن عمر أهلَ المدينة عن ذلك ، وكذلك جابرُ بنُ عبد الله وعدد من أحياء الصحابة .
وكانت موقعة الحرة كغيرها من المواقع التي كانت في بداية الدولة الإسلامية ، فلم يُقتل فيها عشرة آلاف لأن مدينة رسول الله لم يكن يسكنها هذا العدد ، ولم تنتهك فيها ألف بكر لأن هذا العدد لم يكن موجوداً في المدينة أصلاً ، كما أنه ورد عن أناس متروكين في الحديث ، وخير ما قيل فيه قول مالك بن أنس رحمه الله أن القتلى ثلاثمائة وعشرون ، ولم يكن ثَمَّ صحابة كبار حتى يقال إن المدينة قد قُتِل فيها كل من كان فيها من الصحابة ، لأن الموقعة كانت سنة ثلاث وستين للهجرة ، فوجود الصحابة من الكبار عزيز جداً ، ووجودهم من الصغار عزيز أيضاً لأن الانتقال إلى سائر العالم الإسلامي كان هو الدأب آن ذاك ، نعم بقي أفراد كعبد الله بن حنظلة رضي الله عنه ، وقد قتل ، وقيل إن عبد الله بن مطيع كان من الصحابة وقد فر من المعركة وقتل بعد ذلك مع ابن الزبير رضي الله عنهم ، وكانا الاثنان رأسين في هذه الفتنة.
المهم أن هذه المعركة لا تعدو أن تكون مثل بقية المعارك سواء ءَأيدنا أسبابها أم اعترضنا عليها ، فإنها لاتصل إلى أن تكون محركاً عقدياً ، فالعلم بها وبتفاصيلها كالجهل ، ليس له أثر عقدي البتة .
وقبل موقعة الحرة كانت الموقعة التي قُتِل فيها الحسين بن علي رضي الله عنهما ، ويُسميها بعضهم بيوم الطُفِ وبعضهم بيوم كربلاء ، والمعلومات الصحيحة عمَّا جرى في هذه المعركة نادر ة جداً ، وإن امتلأت كتب التواريخ بكثير من الأقاصيص حولها ، إلا أن الذي نوقن بحصوله هو قتل الحسين رضي الله عنه وجميع من معه ، أما بقية التفاصيل فلا شيء منها يصح ، فالمتوفَون كلُ جيش الحسين رضي الله عنه٬ أما جيش أهل الكوفة فليسو محل ثقة كلهم ، فلا أدري عمن يؤخذ خبر المعركة ٬كما أننا لا نعلم أن يزيد أمر بقتال الحسين ٬ ولا نعلم أنه رضي به ٬ وكل ما نعلمه أن الحسين اتجه إلى أهل الكوفة بناء على طلب أهلها منه ذلك ، وأن الصحابة الذين كانوا في وقته قد نصحوه بعدم الذهاب وأبى هو إلا ذلك .
وسواء أقلنا إن الحسين رضي الله عنه أصاب أم أخطأ ، فليس أخذنا بأحد القولين مؤثراً في معتقدنا ، كما أن القول بأن يزيد قد أمر أو لم يأمر ، فعقيدتنا تامة ولو لم يولد يزيد ، كما أنها تامة ولو لم يولد الحسين رضي الله عنه.
ومن شؤم إدخال التاريخ في الدين :أن الذين ابتُلُوا به هم من كذب فيه ، فتجد حادثة كربلاء وقعت في جزء يسير من الأرض وفي وقت معين وقصير أيضا ، ولكنها عند هؤلاء أصبحت تأخذ من أوقاتهم وأموالهم ومشاعرهم بل ومن أنفسهم أضعاف ما أخذته في واقعها ، وأصبح يبنى عليها مما يُزعم أنه عبادات يتقرب بها إلى الحسين ما يُخرج من الإسلام بالكلية .
بل إن أبناء السنة حين يدخلون في هذا النفق ،فَيُخْرِجُونَ يزيد من كونه ملِكاً نُصِّبَ ثُمَّ مات وانتهى عصره بخيره وشره ، فلا بد أن يخسروا شيئاً من عقيدتهم .
ولو عاملنا هذه الأحداث معاملة عقدية لكان لزاماً علينا أن نعامل ما بعدها كذلك ، وبذلك نخسرُ الدولة الأموية والعباسية وغيرها من دول الإسلام فلا يبقى لنا تاريخ نحتفي به ، كما أنه ينبغي علينا أن لا نصدق التاريخ حتى ندرس مصادره ، فكثير من المؤرخين يتعمدون التأليف في كتاباتهم نصرة لقضاياهم ، وكثير منهم من خلط قصصاً وضعها بعض الأدباء في التاريخ لمَلَاحَتِها بقصص التاريخ فجاءت مشوِّهة أكثر مما ينبغي ، وبعض الصلحاء من المؤرخين كالذهبي وابن كثير لم يستوعبوا النقد التاريخيّ لكل الأحداث ، فتركوا خلفهم واجباً عينياً على دارسي التاريخ في عصرنا لنقد ما اعتمدوه من روايات .
الخلاصة : أن هذا يزيد بن معاوية فمن شاء أن
يشغل نفسه بحبه أو بغضه فليفعل ، ومن شاء أن يجعله ملكاً من ملوك المسلمين
له ماله وعليه ما عليه دون حب مسرف أو حقد مقرف ، فليفعل وعند الله الملتقى
.
موقفي من يزيد ابن معاوية وغيره
يزيد بن معاوية الخليفة المفترى عليه/ هزاع الشمري pdf
📖قراءة الكتاب اونلاين | إقرء الكتاب |
📥 رابطة التحميل: | تنزيل كتاب PDF |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..