الخميس، 12 ديسمبر 2024

سوريا : إحرازات واحترازات 

سوريا : إحرازات جديدة ومتسارعة بشكل مثير ، دخول الجبهات المعارضة الإسلامية إلى حلب ثم إلى حماة و

معرة النعمان وريف البلدين ، وحمص ، ودير الزور ، ودرعا ، وجنود الحكومة السورية ينسحبون من هذه الجهات ، ووزراء مختلفون يتركون وزاراتهم ، ومسؤولون آخرون يتزاحمون في مطار رفيق الحريري يَرْحَلُون أو يُرَحِّلُون عائلاتهم ، والأمريكان لا يتدخلون وكأن شيئاً لم يكن ، والروس يتركون الوضع العسكري في سوريا ويحذرون الروسيين من البقاء هناك ، والصهاينة الذين كانوا يتتبعون الإيرانيين بالقصف توقفوا عن ذلك ، والإيرانيون والجنسيات التابعة لهم وحزب الشيطان الذين كانوا استبدلوا سوريا بلبنان بعد قتل حسن نصر الله أصبحوا يُغادرون سوريا ، بل إن السفارة الإيرانية تجمع أوراقها وأفرادها إلى مكانٍ آخر ، ثم بعد ذلك كلِّه :مغادرة بشار الأسد سوريا، وإلقاء جميع الجنود للسلاح ، ودخول القوات الإسلامية إلى قلب دمشق ، وخطبة قائدها في داخل المسجد الأموي أعزه الله ، وكل شيء من هذه الأخبار وغيرها لا يُشير سوى إلى انتصار الإسلاميين في مختلف الجبهات . 

وحين نبحث عن هؤلاء الإسلاميين وأين كان مكانهم في بداية الثورة ووسطها نجد أنهم كانوا عدداً من الجبهات التي يحارب بعضها بعضا ، فبعضهم ينتمي إلى الجيش الحر وبعضهم ينتمون إلى جبهة النصرة وآخرون إلى أحرار الشام وآخرون إلى جيش الإسلام ، وجيش الإيمان ولواء التوحيد وحركة نور الدين زنكي ،وغيرهم كثير  من الفصائل الكبيرة والصغيرة ، يختلف فكر بعضهم عن بعض بين متخفف من التكفير وبين متشددين آخذين من التكفير بما لا يليق ، لكننا لم نعد نسمع أحداً منهم يجادل عن التكفير منذ ١٤٣٨ ـ وهذه إيجابية نحمد الله عليها ،ونعتقد يقيناً أنها أحد أسباب هذا الاجتماع المهيب لهم ، بعد أن أعلنوا اتحادهم باسم جبهة تحرير الشام ، كما يمكننا أن نضيف أسباباً أخرى بعد قليل ، لكنه  لا يمكننا أن نربطهم بالتكفير ، فقد استفادوا من دروس ما مضى :أن العجلة في التكفير لا تنفعهم شيئاً ، بل تجعل قلوبهم قاسية ومتسلطة  وبخاصة على بعضهم ،فيكفر بعضهم البعض الآخر فضلاً عن غيرهم ، كما يحول بينهم حيلولة كاملة دون التعامل مع الكافرين الأصليين من السياسيين والمنظمات والمؤسسات  ، وفي حال توسطهم في التكفير ، وهو أن يفقهوه جيداً كما أراده الله ، فستجري أمورهم في كل ذلك على خير وجه بإذن الله :

فأولاً : سوف يقف عامتهم وطلاب العلم الشرعي فيهم عن التكفير ، فلا تجده يصدر منهم ذلك في حق من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله شيئا ويوكلون الأمر في ذلك إلى كبار أهل العلم . 

ثانيا : وتجد كبار أهل العلم فيهم لا يتفوهون بشىء  منه إلا إذا استُفْتُوا ، أي إذا سُئلوا عن واقعة معينة ابتُلِي فيها الناس .

ثالثاً : وتجد أهل العلم أيضا لا يحكمون بكفر امرئٍ مسلم إلا بعد أن تقام عليه الحجة فيما قال ، ويعلم أن ما جاء به ليس من الشرع ثم يوضع لهذا القائل مدة لكي ينزجر .

رابعاً : وينبغي أن لا يُنصب التكفير إلا بما جاء التكفير به بإجماع أهل العلم ، فإن جاء خلاف بين العلماء في مسألة هل يُكَفَّر بها أم لا ، فالجواب الواضح عند أهل العلم أنه لا يكفر فيها .

خامساً: أن الحكم بكفر إنسان لا يكون إلا في مجالس القضاء المستندة إلى فتاوى كبار العلماء ،بحيث إذا تحقق الحكم ترتب على المنتقل عن الإسلام  ما يترتب عليه من أحكام في النفس والزوجة والميراث وغير ذلك . 

فهم بهذا يستطيعون بإذن الله أن يحفظوا علاقاتهم ويطوروها .

هذا مع التنبيه إلى أن كبار أهل العلم في وقتنا الحاضر لا يوجدون فيما بينهم  ، بل أقصى ما لديهم هم طلبة العلم ، هذا أمر يجب أن يعرفوه .

أما بقاء نصرهم فعليهم أن يعرفوا من هو العدو الذي ينبغي التصريح بمعاداته ، ومن هو العدو الذي ينبغي أن تعالج معاداته بالأخذ بالمصالح ، وتقديم شيء من التنازلات  ، فليس كل عدوٍ لك تقاتله برفع السلاح ، فكثيراً ما يكون رفع السلاح حمق في وجوه الأعداء ، وذلك لأن العدو قد يكون غِراً تستطيع أن تأخذ حقك منه دون محاربة ، وقد يكون مساوياً لك في قوته أو مقارباً لدرجتك تخشى أن تمتد الحرب معه أزماناً عديدة ، وقد يكون للعالَمِ بأسره ميلٌ إلى عدوك فليس لك إلا أن تعمل رويداً في وجه مشاركة العالم معه ، وقد يكون عدوك أضخم وأقوى منك بمراحل ، فرَفعُ السلاح في وجه كل عدو بلاء قد ابتُلِيَتْ به عددٌ من الأنظمة الاستبدادية فنالت ما نالته من القهر ، كما ابتليت به جميع الحركات العسكرية ومنها الإسلامية بكل أسف ،فاستفاد أعداؤها منها ولم تستفد هي من نفسها ، بل تحطمت وعاد بلاؤها عليها وعلى أهلها . 

وهذا الذي ذكرته هو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ،يعلمه كل من تتبع سيرته ، سواء سيرته قبل الهجرة ، أم سيرته في غزوة الخندق أم غزوة الحديبية أم ما صنعه صلى الله عليه وسلم إزاء العائدين من غزوة مؤتة ، ولم يكن ذلك فعلاً قليلاً منه صلى الله عليه وسلم ؛بل مَن سبر وجد نماذجه في كل كتب السيرة . 

ولا يغرنك اغترارُ المسلمين بأنفسهم في كل زمان واجتنابهم هذا الهدي النبوي ، فما كان ذلك إلا لغلبة الرأي الخاطئ فيهم كما حدث في زمن عثمان والحسين رضي الله عنهما وما حدث في زمن يزيد والوليد بن عبدالملك ، إلى آخر ما هنالك من قصص لم يكن ثمرتها إلا ضعف المسلمين وانحدارهم . 

فليس لنا أمام أهل سوريا وخصوصا الفاتحين منهم إلا أن نذكرهم بخصائص أهل الإسلام الأول وأسباب ارتفاعهم كاجتماع الكلمة وضعف التكفير وحسن الحيلة.

 ولنا أن نتذكر ونحن ننظر إلى حركةِ تحرير سوريا  اليومَ موقفاً قريباً يحسن التأمل فيه وهو موقف داعش ، وهي حركة لا تمثلنا ، وأيضاً لا تمثلهم حسب نهجهم الذي نستطلعه الآن منهم ، وذلك حينما احتلت الموصلَ سنة ١٤٣٥ هـ فنجد بتلك السهولة دخلت حركة داعش إلى الموصل واستولت على المدينة وفر جنود الحكومة ، وأخذ أتباع الدواعش المعدات المقاتلة والدبابات ، ثم تقدموا إلى بغداد وأخذوا ما في طريقهم من مدن، ولما أقبلوا على العاصمة توقفوا ثُم عدَّلوا طريقهم لمحاربة أربيل في بلاد الأكراد دون سابق عداء ، واستمرت الموصل عاصمة لهم زمناً حتى عَلِم الناس أن قدوم الدواعش إلى الموصل كان بخطة إيرانية أمريكية ويعلم عنها جيداً رئيس وزراء العراق آنذاك نوري المالكي ، ولها أهداف غير نظيفة لا أعتقد الآن أن أحداً يجهلها وقد أصبح كل ما فيها معلوماً .

هذه الخطة ينبغي أن نأخذ في حسباننا أنها قد تكون هي المرادة بالتكرار ، أو قد يكون المراد بالتكرار خطة فشل لأهل السنة غيرها ،كما ينبغي أن نلاحظ أيضا احتمالاً ثالثا، وهو أن هذه الحرب التي قامت بها المقاومة السورية ضد النظام على تلقائيتها ، قد تكون مرادة من القوى الخارجية لإخراج الإيرانيين والجنسيات الأخر على أيدي السوريين ثم يتم إيقادها بينهم ، كل ذلك لأسباب لا أستطيع الآن تفسيرها ، ولكن  يجب على السوريين ولا سيما الفاتحين التأهب لها إن وقعت ؛ فهي أسباب لا ينبغي أن يضعها المحللون نصب أعينهم فقط ، بل على الفصائل التي تقاتل الآن أن تضعها أيضاً نصب أعينها ، فتعلم أن هذه الدول كالولايات المتحدة وروسيا والكيان الإسرائيلي الغاصب ؛وكلها جهات صامتة حتى الآن صمتاً  رهيباً لم تظهر الانهزام ، فصمتها قد لا يكون سببه هزيمةً أو مللاً  من دعم النظام الأسدي  ، وإنما عدم وجود قيادة للنظام السوري تجمعها ؛فالنظام الأسدي نظام أقلّي ولا يمكنه جمع فصائل علوية لتكون في عداد جيش يقاتل جميع المعارضين  ، وهذا ليس عيباً موجوداً في النظام من اليوم ؛ بل عيب قديم مصاحب لنشأة النظام ولكنه كان يُسخِّره بقوته الشديدة في أطوار أمنه ، ثم بقوة حلفائه بعد الثورة ، والآن حلفاؤه قد تخلوا عنه إلى الأبد فلا بد أن يزول ، ولذلك صمتوا ، ولكن من الذي يأتي ، هل يأتي الإسلاميون وهم مضطهدون من النظام العالمي ، أم يستخدم النظامُ العالمي الإسلاميين كأداة يُنظفون فيها الميدان ثم يقضون عليهم بطريقة عسكرية أو مدنية ؟

كل ذلك محتمل لكن الذي علينا منه الآن أن الثوار لا ينبغي عليهم أن يغتروا بحالهم الحاضرة ، فصحيح أن الله نصرهم في ما مر من مواضع ، وصحيح أن حالهم الحالية هي نصر من الله مهما قلنا إن صمت الدول المهيمنة عالمياً ساعدهم ، فهو نصر جلبه الله إليهم ،والله قد ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر ؛ لكن ليس من الضروري أن يكون نصرهم دائما أو طويل المدة ، فالخوف أن ينتهي بسرعة ، ووجود النصر دائما أو طويل العهد وهو ناقص خير مائة ألف مرة من عدم وجوده . 

وقد أعجبني حقاً اقتصار أحمد الشرع فيمن يحيط به على السوريين ، وعدم دخول الأجانب معه وهذه خطوة أتمنى أن أكون قد فهمتها كما ينبغي ، فالأجانب أياً كانوا سعوديون أم عراقيون أم مصريون أم أعاجم أم أوربيون ،لا ينفعونك أمام مواطنيك ، فهم يملئون لك المكان ويضعفون قيمتك أمام أبناء بلدك ، إضافة إلى إنهم يأتونك بفكر بعيد عن الواقع يمكن أن أوصفه لك بأنه فكر غير حكومي ، ينبغي أن يُعاقب اليوم كلُ من يقول به .

  • 10 ديسمبر, 2024
  • 04:45 ص
مقال : محمد بن إبراهيم السعيدي
المصدر

-------------
مواضيع مشابهة -او-ذات صلة:
ابو محمد الجولاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..