الأربعاء، 12 مارس 2025

400 مليون شخص مصابون بـ«كوفيد طويل الأمد» في العالم

الأبحاث ترسم صورة أوضح للتأثيرات الدائمة له على الجسم
نيويورك: داني بلوم وأليس كالاهان

بعد 5 سنوات -ومئات الملايين من الحالات- من إعلان منظمة الصحة العالمية عن جائحة «كوفيد-19»، يحصل العلماء على صورة أوضح لكيفية تأثير الفيروس على الجسم فترة طويلة، بعد انحسار العدوى وانتهائها كما يبدو.
400 مليون شخص مصابون بـ«كوفيد طويل الأمد» في العالم

عدوى خطيرة

أصبحت بعض تأثيرات «كوفيد-19» واضحة بعد وقت قصير من بدء انتشار الفيروس. لقد فهمنا بسرعة مدى خطورة العدوى، وخصوصاً بالنسبة لأولئك الذين يعانون حالات كامنة، مثل مرض السكري وأمراض القلب. لكن الأمر استغرق سنوات من البحث لبدء فهم كيف يمكن أن تؤدي نوبة «كوفيد-19» إلى تغييرات دائمة وغير مرئية في بعض الأحيان في أجزاء مختلفة من الجسم.

التعب المزمن وضباب الدماغ

تعد بعض هذه التأثيرات، مثل التعب المزمن وضباب الدماغ: «كوفيد-19 طويل الأمد». وتُعرف بأنها أعراض من عدوى تستمر لمدة 3 أشهر على الأقل. ووفقاً لبعض التقديرات، تم تشخيص 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بنوع من «كوفيد-19 طويل الأمد». ولكن العدوى يمكن أن تؤدي أيضاً إلى مشكلات أخرى، بما في ذلك تلف الرئة والقلب وتغيرات الميكروبيوم في الأمعاء التي قد لا يتم التعرف عليها دائماً على أنها «كوفيد طويل الأمد»، ولكن لا يزال من الممكن أن يكون لها تأثير دائم على صحتنا.

لدينا الآن إحساس أفضل بما قد يكون وراء هذه التغييرات، بما في ذلك دور الالتهاب الواسع النطاق الذي يمكن أن يسببه «كوفيد».

بالنسبة لمعظم الناس، يهدأ الالتهاب بمجرد اختفاء الفيروس. ولكن بالنسبة للبعض، إذا «اشتد» أو استمر كـ«حرق بطيء» فترة طويلة، فقد يسبب دماراً في جميع أنحاء الجسم، كما قال الدكتور برادن كو، اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي العصبي في مستشفى ماساتشوستس العام.

التهابات وتأثيرات متواصلة

إليك ما تعلَّمه العلماء حتى الآن عن الالتهاب والعوامل الأخرى التي تدفع هذه التأثيرات.

- الرئتان: يسبب «كوفيد» تهيجاً للرئتين، ويمكن أن يسبب مشكلات طويلة الأمد، مثل ضيق التنفس المستمر والسعال. وفي حالات نادرة، يمكن أن يؤدي «كوفيد» إلى إصابة المرضى بالالتهاب الرئوي، وترك ندبات وكتل صغيرة من الأنسجة، تسمى العقيدات، في جميع أنحاء الرئتين. ويمكن أن تجعل هذه الندوب التنفس أكثر صعوبة.

وأشارت دراسات صغيرة إلى أن أكثر من 10 في المائة من الأشخاص الذين دخلوا المستشفى بسبب عدوى «كوفيد-19» أصيبوا بندوب في الرئة ومشكلات أخرى بعد عامين.

ويكمن السبب في أن الفيروس يغزو الخلايا على طول مجرى الهواء، مما يسبب التهاباً يمكن أن يهاجم ويدمر أحياناً أنسجة الرئة السليمة. وقال الدكتور زياد العلي، باحث أول في الصحة العامة السريرية بجامعة واشنطن في سانت لويس، إن هذا يمكن أن يضعف قدرة الرئتين على توصيل الأكسجين إلى جميع أنحاء الجسم.

وعندما تحاول الرئتان التعافي والإصلاح، تتشكل الندوب. وهذا النسيج الندبي نفسه يسبب تصلُّب الرئتين ويقلل من سعتهما، ما يؤدي إلى أعراض دائمة، مثل السعال وضيق التنفس.

التهابات الجهاز الهضمي

- الأمعاء: يمكن أن يسبب «كوفيد» أعراضاً قصيرة المدى، مثل الغثيان والقيء والإسهال.

ولكن في بعض الأشخاص، يمكن أن يؤدي «كوفيد» إلى مشكلات مزمنة في الجهاز الهضمي، مثل الارتجاع والإمساك والإسهال وآلام البطن. يمكن أن تستمر هذه المشكلات لأشهر أو حتى سنوات.

في دراسة أجريت عام 2024، قدر الباحثون أن نوبات «كوفيد» تركت ما يصل إلى 10 في المائة من الأشخاص يعانون آلاماً دائمة في البطن، و13 في المائة يعانون مشكلات في الجهاز الهضمي بعد عام.

أما السبب، فلا يعرف العلماء السبب الدقيق وراء قدرة «كوفيد» على إعاقة وظيفة الأمعاء الطبيعية كثيراً؛ لكنهم يحصلون على فهم أفضل لما قد يكون على المحك. على سبيل المثال، أصبح من الواضح الآن أن الفيروس يمكن أن يعطل ميكروبيوم الأمعاء، ما يقلل من الميكروبات المفيدة ويزيد من أعداد الميكروبات الضارة. يمكن أن تساعد الميكروبات «الجيدة» في كبح الالتهاب، بينما يمكن للميكروبات «السيئة» أن تزيده.

قد يؤدي الالتهاب الناتج عن العدوى نفسها، وكذلك بسبب الميكروبات المعوية المتغيرة، إلى إلحاق الضرر ببطانة الأمعاء. وقد يسمح هذا للسموم ومكونات الطعام المتحللة بالتسلل من الأمعاء إلى أنسجة أخرى من الجسم. وقد تستجيب الخلايا المناعية بعد ذلك لحساسية تجاه بعض الأطعمة، مما يؤدي إلى عدم تحمل الطعام.

وقال كو إن الالتهاب قد «يمضغ» أيضاً الأعصاب التي تشير إلى الألم في الأمعاء، أو التي تتحكم في تقلصات الأمعاء التي تحافظ على تحرك الطعام. وقد يتسبب هذا في حدوث آلام في المعدة أو الأمعاء، أو يجعل الطعام يتحرك بسرعة كبيرة أو ببطء شديد عبر الجهاز الهضمي، مما يؤدي إلى أعراض مثل الإسهال أو الإمساك.

مشكلات الدماغ

- الدماغ: في ذروة العدوى، غالباً ما يصاب المرضى بالصداع، وقد يشعرون بالدوار والارتباك. ويكافحون أحيانا للعثور على الكلمات المناسبة، ويواجهون صعوبة في التركيز أو متابعة محادثة، أو يجدون أن لديهم فجوات في ذاكرتهم.

وقد تستمر هذه الأعراض؛ إذ وجدت الدراسات أن ما يقرب من 20 في المائة إلى 30 في المائة من المصابين بـ«كوفيد» يعانون ضباب الدماغ بعد 3 أشهر على الأقل من الإصابة الأولية. كما تظهر الأبحاث أن «كوفيد» يمكن أن يؤدي إلى حالات مثل القلق أو الاكتئاب، أو تفاقم مشكلات الصحة العقلية الموجودة.

أما الأسباب، فلا يزال العلماء يعملون على تحديد جميع العوامل التي تساهم في استمرار المشكلات العصبية بعد «كوفيد». ولكن يبدو أن أحد الجناة واضح: الالتهاب المستمر الذي يتلف الخلايا العصبية ويمنع إنشاء اتصالات رئيسية بين المشابك (العصبية). كل هذا قد يسبب أعراضاً مثل تلك الموصوفة أعلاه.

يعتقد بعض الباحثين أيضاً أن مناطق الدماغ المعنية بالإدراك والعاطفة معرضة بشكل خاص للالتهابات، ما يساعد في تفسير سبب قدرة العدوى على إحداث أو تفاقم مشكلات الصحة العقلية. وتقول نظرية أخرى إن الفيروس يعطل حاجز الدم في الدماغ الذي يحمي أنسجة المخ، وهو أمر حيوي للوظيفة الإدراكية.

قد تبقى أجزاء من الفيروس أيضاً في الدماغ لفترة طويلة، مما قد يفسر سبب استمرار بعض الأعراض المعرفية بعد الإصابة الأولية.

القلب والأوعية الدموية

- القلب: تزيد عدوى «كوفيد-19» من خطر الإصابة بأمراض القلب، بما في ذلك النوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وتلف عضلة القلب، وعدم انتظام ضربات القلب. وجدت إحدى الدراسات الكبيرة أن الإصابة بـ«كوفيد-19» تضاعف خطر الإصابة بحدث قلبي وعائي كبير لمدة تصل إلى 3 سنوات.

وتكمن الأسباب في أن عدوى «كوفيد» الحادة، يمكن أن تؤدي إلى حمى شديدة والتهابات تضغط ضغطاً زائداً على القلب. في شخص يعاني بالفعل من تراكم اللويحات في الشرايين أو عضلة القلب التي بدأت تصبح متيبسة، يمكن أن يؤدي هذا الضغط إلى عدم انتظام ضربات القلب أو النوبة القلبية.

لكن العلماء يعتقدون أن الأمر الأكثر شيوعاً هو أن الفيروس يثير التهاباً يؤذي عضلة القلب.

وقد يتسبب الفيروس أيضاً في تلف الخلايا المبطنة للأوعية الدموية، مما يؤدي إلى التهاب هناك. ويمكن أن يتسبب هذا في تكوين جلطة جديدة أو انفصال اللويحات الموجودة وانسداد الأوعية الدموية. يمكن أن يتسبب هذا النوع من الانسداد في الوفاة المفاجئة بسبب نوبة قلبية، أو يؤدي إلى تلف لاحق لعضلات القلب والأنسجة الأخرى، مما قد يؤدي إلى فشل القلب أو عدم انتظام ضربات القلب.

الأشخاص الذين تم إدخالهم إلى المستشفى بسبب «كوفيد» لديهم أعلى خطر قصير وطويل المدى للإصابة بمضاعفات القلب. وتشير بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين لديهم فصيلة دم غير O - A أو B أو AB - لديهم خطر متزايد بشكل خاص؛ ربما لأن فصيلة الدم قد تكون مرتبطة بكيفية تجلط الدم.

- الجهاز الدوري للأوعية الدموية: تُظهر دراسات المرضى المصابين بـ«كوفيد طويل الأمد» أن أجسامهم تواجه صعوبة في نقل الدم من الساقين والبطن والعودة إلى القلب. يمكن أن يقلل ذلك من كمية الدم التي يضخها القلب، مما يسبب التعب وضيق التنفس والشعور بالإعياء بعد التمرين.

وأما عن السبب، فليس من الواضح سبب حدوث هذه المشكلات في الدورة الدموية؛ لكن العلماء يفترضون أنه في بعض المرضى، يضر الالتهاب بألياف عصبية معينة خارج الدماغ والحبل الشوكي التي تنظم قدرة الأوعية الدموية على الضغط. وقال الدكتور ديفيد سيستروم، طبيب أمراض الرئة والعناية الحرجة في مستشفى «بريغهام والنساء» في بوسطن، إن هذا قد يؤدي إلى ضعف تدفق الدم.

وأضاف أن لدى بعض المرضى المصابين بـ«كوفيد طويل الأمد»، يبدو أيضاً أن العضلات أقل قدرة على استخراج الأكسجين من الدم عن المعتاد، ما يعيق قدرتها على مواكبة التمارين الرياضية. بالإضافة إلى ذلك، قد لا تعمل الميتوكوندريا (محطات توليد الطاقة في الخلايا) بشكل صحيح أو بكامل طاقتها، مما يوجه ضربة أخرى للأنسجة العضلية.

* بمشاركة نينا أغراوال، خدمة «نيويورك تايمز».

----

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..