في سجل الإنسانية، حين تُعرض التهم وتشتعل الدعوى والادعاء، يقف الدليل المادي شاهدًا لا يكذب، ويظهر الحق في وضوحه. ولعل أبلغ مثال على ذلك ما ورد في القرآن الكريم مع يوسف عليه السلام، حين وُجهت إليه تهمة باطلة من امرأة العزيز. لم يكن الدفاع بالكلام وحده، بل جاء شاهد من أهلها ليضع قاعدة قانونية راسخة:
"إن كان قميصه قدّ من قُبُل فصدقت، وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت".
بهذه اللحظة، سُطر أول مبدأ للدفاع عن المتهم بالاعتماد على القرائن والأدلة المادية، لتتجلى براءة يوسف عليه السلام، ويظهر أن العدالة تقوم على الدليل لا على الادعاء.
ومع مرور الزمن، تتكرر هذه المبادئ في قصص الأنبياء، فتتجلى حكمة الله في إقامة العدالة:
مريم عليها السلام، حين وُجهت إليها التهمة العظمى، لم تتكلم بلسانها، بل أشارت إلى ابنها، فجاء عيسى عليه السلام يتحدث في المهد، ليكون أول شاهد ناطق ببراءة لا سبيل إلى ردها.
موسى عليه السلام، حين اتهم بقتل القبطي، أوضح أنه كان خطأ غير عمد، مؤسسًا بذلك للفصل بين القتل العمد والقتل الخطأ.
ونبينا محمد ﷺ، قال لليهود والنصارى الذين زعموا أن الجنة لا يدخلها إلا من كان منهم: "أحضروا حجتكم ودليلكم على صحة دعواكم هذه إن كنتم صادقين، لم يطلب سوى البرهان: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، لتتجذر قاعدة أزلية: البيّنة على من ادعى.
وامتد البحث عن العدالة إلى فض النزاعات وإرساء ميزان الحق، كما في قصة داوود وسليمان عليهما السلام، حين قضيا في قضية غنم القوم التي نفشت في الحرث، فكان حكم داوود أوليًا، ثم جاء حكم سليمان أدق وأعدل. وهنا يتجلى أن البحث عن العدالة ليس اجتهادًا بشريًا محضًا، بل هو مفهوم رباني ممتد عبر العصور.
وهكذا، نقرأ في هذه الوقائع أن الدفاع الجنائي والعدالة ليست اختراعًا حديثًا، بل سنّة إلهية متجددة عبر التاريخ، وأن العدالة الحقة تقوم على الدليل والبرهان، لا على الدعوى ولا على الصراخ.
💢 كتبه/ مازن المليح.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..