الاثنين، 8 سبتمبر 2025

نقد نقد العقل العربي؛ وحدة العقل العربي الإسلامي 

نقد نقد العقل العربي؛ وحدة العقل العربي الإسلامي - لـ جورج طرابيشي
"هذا الكتاب هو الجزء الثالث من مشروع طرابيشي الكبير «نقد نقد العقل العربي»، حيث يتوجه بالنقد إلى أطروحة محمد عابد الجابري التي أقامت ثنائية بين عقل مشرقي (إشراقي ـ عرفاني) وعقل مغربي (برهاني ـ عقلاني).
يرى طرابيشي أن هذه الرؤية تقوم على إبستمولوجيا جغرافية زائفة، أي على تقسيم أيديولوجي للمعرفة بحسب المكان (مشرق/مغرب)، بينما الحقيقة أن العقل العربي الإسلامي يشكل بنية معرفية واحدة، له مركز مشترك رغم تنوع دوائره واتجاهاته.

الكتاب يسعى إذن إلى تفكيك ثنائية القطيعة والانفصال لصالح رؤية وحدوية: العقل العربي الإسلامي، سواء في المشرق أو المغرب، ظل يتحرك ضمن نظام معرفي واحد تحكمه بنية مشتركة، حتى وإن اختلفت أساليبه ومقاصده.

المحاور الرئيسية

1. نقد القطيعة المعرفية عند الجابري

يبدأ طرابيشي بتفنيد أطروحة الجابري التي اعتبرت أن مدرسة المشرق قامت على العرفان والإشراق (ابن سينا، السهروردي، الغزالي)، بينما مدرسة المغرب اتسمت بالبرهان والعقلانية (ابن حزم، ابن رشد، الشاطبي…).

يرى طرابيشي أن هذا الفصل ليس إلا إسقاطاً أيديولوجياً، وأن التداخل بين المدرستين كان عميقاً: فالمغاربة استفادوا من المشرقيين، والمشرقيون تأثروا بالمغاربة، ولا وجود لقطيعة حقيقية.

2. وحدة البنية المعرفية للعقل العربي الإسلامي

حتى مع وجود دوائر معرفية متعددة (البيان، العرفان، البرهان)، إلا أنها جميعاً صدرت عن مركز واحد. التحول من البيان إلى العرفان أو البرهان لا يعني التحرر من المركز ذاته، بل التنقل ضمن رقعة شطرنج واحدة.

هذا يعني أن النظام المعرفي العربي الإسلامي حافظ على بنية موحدة رغم اختلاف الشخصيات والاتجاهات.

3. إعادة قراءة المدرسة الأندلسية ـ المغربية

يتوقف طرابيشي عند أعلام المدرسة الأندلسية الذين اعتبرهم الجابري ممثلين للقطيعة مع المشرق:
ابن حزم: فقيه وظف البيان والبرهان معاً، متأثراً بالمشرق كما مؤثراً فيه.

ابن طفيل: فيلسوف العرفان (حي بن يقظان) الذي استثمر في الموروث المشرقي الصوفي والفلسفي.
ابن رشد: رمز البرهان، لكنه ابن لبيئة معرفية واحدة مشتركة مع المشرق.

ابن مضاء القرطبي والشاطبي: رغم نزعات التجديد عندهما، إلا أنهما لم ينفصلا عن المركز العربي الإسلامي الجامع.

النتيجة: المدرسة الأندلسية لم تكن مشروعاً مستقلاً، بل امتداداً عضوياً للفضاء الفكري الإسلامي العام.

4. إعادة فتح ملف "الفلسفة المشرقية" عند ابن سينا

يتناول طرابيشي مسألة الفلسفة المشرقية التي نسبها ابن سينا إلى نفسه. يقدّم حلاً جديداً للغزها، معتبراً أن هذه الفلسفة ليست خروجاً عن النظام العقلي الإسلامي، بل تجلياً داخلياً له بصيغة إشراقية خاصة.

5. توظيف حفريات المعرفة

يعتمد طرابيشي على منهجية فوكوية في حفريات المعرفة لإثبات وحدة العقل العربي الإسلامي، رافضاً أي قراءة انقطاعية (discontinuous) للتاريخ الفكري، ومؤكداً أن الاستمرارية (continuity) هي السمة الأعمق.

الخلاصة

كتاب «وحدة العقل العربي الإسلامي» يمثل محطة مركزية في مشروع طرابيشي، حيث يسعى إلى إعادة بناء صورة التراث العربي الإسلامي بعيداً عن التقسيمات الجغرافية أو الأيديولوجية.

أطروحته الأساسية: العقل العربي الإسلامي واحد في بنيته ونظامه، مشرقيه ومغربيه، بيانيه وعرفانيه وبرهانيه، جميعهم يتحركون ضمن فضاء إبستمي مشترك.
أهمية الكتاب تكمن في أنه:

يُخرج الفكر من حدود ثنائية مشرقي/مغربي.

يبرهن أن التراث الإسلامي تراكمي واتصالي، لا يقوم على قطيعة وانفصال.

يضع المدرسة الأندلسية في سياقها الطبيعي كجزء من وحدة عقلية أشمل.

يقترح قراءة جديدة لفلسفة ابن سينا الإشراقية.
إنه كتاب يؤكد على الاستمرارية التاريخية والمعرفية، ويدعو إلى تجاوز القراءات الإقليمية الضيقة لفهم التراث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..