لم يكن العدل يومًا شعارًا يُرفع، بل كان نورًا يتجلى في حياة رسول الله ﷺ، حين جاءه اليهود بقضية زنا أرادوا أن يُخففوا عقوبتها ويختبروا حكمه. فجاؤوا يطلبون القضاء عنده، فطلب ﷺ أن يأتوا بالتوراة، فجاؤوا بها يقرؤون ما شاءوا ويخفون ما شاءوا، حتى كشف عبد الله بن سلام رضي الله عنه تحريفهم، فبانت آية الرجم التي أخفوها، فقضى النبي ﷺ بما أنزل الله عليهم، فرُجم الزانيان بحكم التوراة.
لكن ما كانت تلك الحادثة حكمًا دائمًا، بل كانت فضيحة لتحريفهم وإقامة للحجة عليهم، حتى أنزل الله بعد ذلك حكمه الخاتم:
﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: 49].
فاستقرّ الأمر على أن المرجع في القضاء هو شرع الإسلام وحده، لأنه الشريعة الخاتمة التي نسخت ما قبلها، وجعلت الناس سواء أمام ميزان الحق وهذا تبيين ان الشرائع حكمها واحد لأنها من واحد .
الحديث دليل للقاعدة الأصولية: أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه بشرعنا.
وهنا تتجلّى دقة الإسلام في العدل:
في القضاء: لا يُحكم بين الناس إلا بما أنزل الله في الإسلام، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، إذا لجؤوا إلى قضاء المسلمين. فالعدل لا يعرف تحريفًا ولا هوى، بل مرجعه الكتاب والسنة.
وفي الأيمان والتحليف: يُستحلف كل إنسان بما يعظمه في دينه، ليكون أصدق في يمينه، لا لاعتبار شرعه قائمًا، بل لإلزامه بما يعتقد. قال ابن القيم رحمه الله: "إذا استُحلف الكافر، استُحلف بما يعظِّمه في دينه، لأنه أبلغ في إلزامه." وهذا من تمام الحكمة، حتى لا يتحايل الإنسان بيمين لا يراها مُلزِمة.
أقوال العلماء في ذلك:
قال ابن قدامة في المغني: "وأما أهل الأوثان والذين لا كتاب لهم، فلا يُحكم بينهم إلا بحكم الإسلام."
وقال الشافعي: "الذمي إذا اختصم إلينا حكمنا بينهم بحكم الإسلام، لأنه لا حكم إلا بما أنزل الله."
وقرر ابن القيم أن الاستحلاف يكون بما يعظمه الحالف، أما الحكم فبشريعة الإسلام.
وهكذا يظهر أن الإسلام لم يُكره أحدًا على أن يَدين بدينٍ غير دينه في عباداته ومعتقداته، لكنه أقام العدل في الأرض بميزان واحد: ميزان الإسلام، لأنه شريعة الله الخاتمة التي لا تتبدل ولا تُنسخ.
فالقضية لم تكن حكمًا في واقعة زنا فحسب، بل كانت درسًا خالدًا:
أن الحق لا يُغيّره هوى، والعدل لا يتعدد، وأن الأيمان والعهود تُلزم كل امرئ بما يعظمه، أما القضاء والفصل بين الخصومات فله ميزان واحد لا يتغير: شريعة الله التي ختمت بها الرسالات.
💢 كتبه / مازن المليح.
يوم الأثنين بتاريخ 1447/04/14هـ الموافق 2025/10/06م .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..