إن النصّ الجنائي ليس مجرد مادةٍ تُسطّر في مدوّنة النظام، بل هو أساسُ العدالة التي تنبض في المجتمع، ومرشدٌ لكلّ من المحقق والقاضي، يوجّه خطواتهم قبل أن يُنطق الحكم، ويحدد المعايير التي تُقاس بها الأفعال وتُوزَن بها الحقوق والواجبات. فهو السيف الذي يضرب المجرم، والدرع الذي يحمي الإنسان، وميزان يوازن بين ضبط الحريات وحماية النظام، ويضمن استقرار المجتمع وسلامته.
فالنصّ الجنائي حين يُصاغ، لا يُكتب اعتباطًا، ولا يُنحت ارتجالًا، بل يُسبك بعناية، كما يُسبك الذهب في كير الحرفة، ليكون واضحًا، محكمًا، لا يحتمل الغموض، ويقود المحقق والقاضي على حد سواء نحو تحقيق العدالة بميزان مضبوط وعقل متزن. الكلمة في هذا المقام ليست زينة بيان، بل عهد عدل ومسؤولية تُحاسب عليها الأرواح قبل الأقلام.
والغموض في النصّ الجنائي خيانة لمبدأ الشرعية، وإضعاف لقوة النظام، لأنه يفتح باب الظنّ، ويضعف سلطة العدالة. لذلك وجب أن يكون النصّ قاطعًا كالسيف، صريحًا كالنهار، يحدد كيف تكون العدالة، ويضبط الحريات، ويحصّن أمن المجتمع واستقراره، ويُرشد من يطبقه نحو الحكم الصائب.
إنّ النصّ المحكم هو القاضي الصامت الذي ينطق بالحق قبل أي قرار، ومرشد المحقق قبل أي خطوة، ومقياس كلّ فعل يُرتكب في المجتمع. فالتجريم والعقاب ليسا ساحة للعاطفة، بل ميدان العقل والنظام، حيث يوازن المشرّع بين الردع وحماية الحقوق، وبين ضبط الحريات وحفظ النظام، ليظل النظام الجنائي سيفًا على المجرم، وأمانًا للإنسان، وضمانًا لاستقرار المجتمع.
ويجب تعاهده وتجديده، وتحديثه باستمرار، بما يواكب الأنظمة الحديثة التي تراعي الزمان والمكان، ليظل فعالاً وراشداً في تحقيق العدالة. فالنظام الجنائي لا يُزهر إلا في تربة البيان، ولا يثمر إلا تحت شمس الوضوح، حيث تُكتب الأنظمة لتبقى، ويُصاغ الحكم ليحكم، ويُجسّد النصّ الجنائي هيبة الدولة وعدل المشرّع، فيتجلّى الحق في أبهى معانيه، ناطقًا بلسان البيان.
💢كتبه/ مازن المليح.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..