الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

الفقد عند السفر ..

في أحد المجالس التي جمعت مجموعة من الآباء والمثقفين ، 
دار نقاش عفوي لكنه عميق في دلالاته ، حول سؤال بسيط في ظاهره : 
*"من الذي يفتقدك إذا سافرت !!؟*

*ومن الذي يتواصل معك اذا سافرت !!!؟"*

تباينت الآراء ، لكن الغالبية أجمعوا *– بألم مغطى بابتسامة –* أن أحدًا لا يسأل عنهم إذا سافروا ، ولا يفتقدهم حقًا ، إلا إذا تعلق الأمر بالمال أو بالحاجة إلى أمر ما . 

فحين يكون الأب حاضرًا في المكان ، حاضرًا في الدور ، يشعر بشيء من التقدير ، أما إن غاب ، فالغالب أن الغياب لا يُلحظ إلا حين تمس الحاجة !!!.

وسط هذا الحديث ، علّق أحد الحاضرين بعبارة لامست شيئًا في قلوب الجميع  . 
فقال  : 
"هذا الغياب في السفر ، وهذه اللامبالاة ، ما هي إلا صورة مصغّرة عن ما سيحدث بعد الموت …!!! 
من سيفتقدك فعلاً؟ ربما لا أحد."

*صورة مصغّرة من الحقيقة الكبيرة!!*

السفر والرحيل المؤقت يكشفان بجلاء عن ملامح الغياب الدائم. حين يسافر الإنسان، يبتعد عن محيطه، عن دوره، عن تفاصيله اليومية، فينكشف له من الذي يتذكّره لذاته، لا لحاجته. وهذا في جوهره، يضعنا أمام سؤال أكبر

إذا لم يُفتقد الإنسان وهو حيّ، فكيف سيكون الحال بعد موته؟؟

الحقيقة القاسية أن معظم الناس لا يُفتقدون لذواتهم، بل يُفتقدون لأدوارهم. 

الأب يُفتقد حين تتعطل المصاريف، والأم حين تغيب عن الطهو والرعاية، والصديق حين يتوقف عن تقديم الدعم. 
وحين تُسلب هذه الأدوار – بالسفر أو الموت – يتلاشى حضور الشخص من المشهد إلا في حالات قليلة جدًا، تكون فيها المحبة صافية، والوفاء نادرًا.

ماذا يترتب على هذا الإدراك؟؟؟؟

١- مراجعة علاقاتنا

حين نفهم أن وجودنا في قلوب الآخرين قد يكون مشروطًا بما نقدمه لا بما نكونه، نحاول أن نعيد تشكيل دوائرنا. نسعى للعلاقات التي تبقى حتى في الغياب، التي تتذكرنا في الدعاء، وتشتاق لنا بلا مصلحة.

٢- التخفف من التوقعات

الإدراك بأن أحدًا قد لا يفتقدك فعلاً، هو بوابة للسلام النفسي. فبدلاً من أن تثقل قلبك بالخذلان، تبدأ في ممارسة العطاء دون انتظار، وتقلل من حاجتك للاعتراف أو الامتنان.

٣- إعادة توجيه البوصلة نحو الذات والآخرة.

إذا كانت الحياة تفرغ من معناها في عيون الآخرين عند غيابك، فربما حان الوقت لملء حياتك بمعنى داخلي، يرتبط بذاتك، وبتقربك من الله، وبما تتركه من أثر لا يُقاس بالذكر فقط، بل بالدعاء والعمل الصالح والنية الطيبة.

*في الختام*

الغياب يكشف ، والسفر يُعرّي . والموت ، في نهاية المطاف ، ليس سوى الرحلة الكبرى التي تضع كل شيء في حجمه الحقيقي . 
فلا تأسَ إن لم يسأل عنك أحد ، ولا تنتظر الوفاء في كل موضع ، بل كن وفيًا أنت ، واصنع لنفسك مكانًا في قلوب من يعرفونك بصفائك ، لا بمقدار ما تعطيهم .

لعلنا حين نفهم هذه الحقيقة ، لا نكتئب ، بل نطمئن .
لأننا أدركنا أن الرحيل لا يُعرّي الآخرين فقط … بل يُعرّينا من التعلق بهم أيضًا .


*مختارات اعجبتني  .*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..