قبل حوالي ستة أشهر كانت الأرض مفروشة بالحرير والورد والأمل
والعاطفة الجياشة أمام محمد مرسي
ليصبح زعيمًا عربيًا وليس مصريًا فقط، كانت فرحة الانتصار في أعقاب إعلان النتائج الرسمية لانتخابات الرئاسة أشبه بطوفان من العواطف والثقة بالمستقبل والشعور بالأمل والفخر بمصر وثورتها وشعبها، بكينا وبكى الملايين كما لم يبكوا من قبل فرحًا وتفاؤلًا، واحتضن الناس بعضهم بعضًا، وبعضهم احتضن جدران المكاتب والبيوت والحجر والشجر مفعمًا بالإحساس بانتصار وطن وقطع دابر الظالمين،
وخطب محمد مرسي في ميدان التحرير بصدر مفتوح وسط ملايين في الميدان ومئات الملايين في العالم كله تحجرت عيونهم على هذا المشهد المهيب، ورأى العرب والمسلمون والعالم أنهم أمام زعيم جديد مؤهل لصناعة تاريخ جديد لبلاده، كان الأفق أمامه مفتوحًا للمجد وصناعة نهضة حقيقية لوطنه ونموذجًا للعرب جميعًا واحتشد في الميادين المحتفلة كل أطياف الوطن وتياراته وبدا أن الثورة ولدت من جديد بنفس تلاحمها الذي عرفته يوم أسقطت مبارك، والآن بعد ستة أشهر فقط، المشهد ما ترونه الآن، من بؤس وتمزق وطني واحتراب سياسي واضطراب للقرار الرئاسي وغياب أي رؤى اقتصادية وإحباط شعبي غير مسبوق وشماتة الكارهين للربيع العربي ودولة هشة حتى لا نقول فاشلة وغياب اليقين بالمستقبل وشعور بالخوف على مصر بدأ يتسلل إلى الجميع، ثم بعد ذلك إذا وقفت وقلت له يا مرسي راجع نفسك وأنقذ نفسك وأنقذ وطنك معك واخرج من عباءة الجماعة إلى رحابة الوطن، يقولون لك: ما الذي غير كلامك وموقفك؟!!،
لقد كنا نعلم ونرصد مظاهر الخلل والفساد السياسي التي تتنامى وبلعناها وقلنا ندعمه لعله يصلح من الأوضاع، لكنّا فوجئنا بأننا أمام رئيس أسير حقيقي لتاريخه القديم، هو لا يتصور أنه رئيس دولة، يتصرف كعضو في تنظيم ديني بكل رؤاه وحساباته وأفقه الضيق ومصالحه ورجاله وشهوته الطاغية للهيمنة وإقصاء الآخرين، ومنذ اللحظة التي اطمأن فيها مرسي إلى ابتعاد المجلس العسكري عن القرار، ولم تكن بطولة شخصية منه على كل حال وسيحكي التاريخ بعد ذلك التفاصيل، منذ تلك اللحظة وقد فتح دولاب الدولة المصرية وسلم مفاتيحه لنفوذ جماعته، وبدأ يتحول من رئيس لمصر إلى رئيس للإخوان، والناس تفهم والناس ترصد والناس تشعر والناس ليست بالغباء الذي يتصوره الإخوان في استعلائهم وكبرهم،
فبدأت رحلة الانفضاض من حوله، وكل يوم يخسر قطاعًا من الشعب، وكل يوم تتآكل مساحة حركته، وكل يوم يفقد جزءًا من قدرته على إدارة الدولة، ودعك من التخبط في قرارات والرجوع عنها لأن "المطبخ" الذي كان يعتمد عليه مطبخ هواة ومغامرين، وليس مطبخ كفاءات قانونية وسياسية تتعامل مع دولة بحجم مصر، وشيئًا فشيئًا بدأ ينزوي في حركته ثم في إقامته حتى حوصر في النهاية تمامًا داخل أسوار قصره، وأصبح همه هو كيف يحمي نفسه داخل القصر، كيف يعلي الأسوار كيف يغري سلاح الشرطة بالمال لمواجهة خصومه، كيف يعزز موكب انتقالاته الذي بدأ بثلاث سيارات وانتهى بثلاثين خلال ستة أشهر، واختفى الصدر المفتوح، واختفت الجولات، وحل الخوف من الشعب مكان الاحتضان للشعب.
كان يعرف محمد مرسي منذ اليوم الأول أنه سيواجه مؤسسات وأجهزة دولة عتيدة مخاصمة للثورة بشكل عام وللتيار الإسلامي بشكل خاص، وكان يعرف منذ اليوم الأول أنه سيواجه معارضة شرسة من شركاء بالثورة شعروا بأنهم همشوا وتم تجاهلهم وإقصاؤهم بل واحتقارهم حتى تحولت معارضتهم إلى عناد وكراهية عميقة،
وكان يعرف منذ اليوم الأول أنه سيواجه مجتمعًا دوليًا متربصًا وقلقًا وراصدًا ويتحفظ على أولئك المغامرين الجدد الذين أتت بهم ثورات الربيع العربي، وكان يعرف أنه يواجه حالة اقتصادية مهترئة وهشاشة أمنية غير مسبوقة في تاريخ مصر، وكان يعرف أنه سيواجه مؤامرات فلول النظام القديم التي تملك قدرات مالية وإعلامية هائلة، كان مرسي يعرف كل ذلك، وبدلًا من أن يحيد قسمًا من تلك التحديات ويبدأ حكمه بشراكة وطنية واسعة وجبهة وطنية قوية تحمل مسؤولية اللحظة الفارقة والصعبة، اتجه ـ تحت هيمنة جماعته ـ إلى وضع نفسه في خندق يواجه فيه الجميع دفعة واحدة ويخسر فيه الجميع تدريجيًا، وظن أنه ضحك على الجميع بوضع بعض قطع الديكور من حوله من غير الإخوان لا دور لهم ولا صلاحيات، مجرد منظرة، ظنًا أن الناس ستصفق للرئيس التوافقي!، فهربوا جميعًا الواحد تلو الآخر من هذه المهزلة، وأتى بحكومة هي مثال لبؤس الرؤية والتفكير والضحالة وضعف القدرة على الإنجاز وضعف الإحساس باللحظة،
ولكن الجماعة كانت تبحث عن هذه النوعية بالضبط لكي تكون ستارًا لعمليات تسكين كوادر الجماعة والهيمنة المتسارعة والصامتة على مفاصل الدولة، وظن أن "عشيرته" ستكفيه الجميع وتصنع له المعجزات، فانتهت به إلى أن يكون محاصرًا في قصره حائرًا لا يعرف كيف يلملم أطراف دولة بدأت تستعصي عليه وتتمرد وهو عاجز، من السهل جدًا أن نحمل فشلنا على الآخرين، ودائمًا للآخرين صلة بفشلنا بكل تأكيد، ولكن من الصعب أن نواجه أنفسنا بأخطائنا وخطايانا وأن نعترف بانتهازيتنا وسوء إدارتنا للأزمات، وسوء اختيارنا، ومسؤوليتنا عن تمزيق الوطن وتعريض ثورته وحلمه للضياع، لأن الوطن لم يكن في بؤرة العين وإنما الجماعة،.. لم نحبط بعد، وما زلنا نتمسك بالأمل، ولكنّا لن نتسامح مع الأخطاء من الآن فصاعدًا،
ولقد قال لنا مرسي في خطبة التحرير الشهيرة: لا خير فيكم إن لم تقولوها، ونحن لن ننتظر حتى تغرق السفينة ثم نقولها، سنجلده بها من الآن لعله يفيق من غفلته وينقذ نفسه والسفينة كلها معه.
..........
الأستاذ
جمال سلطان، لا يشك أحد في توجهه الاسلامي،وغيرته الحقيقية، وأرجوكم أن
تتأملوا هذا المقال، ففيه توضيح لحقيقة حاول الكثيرون من محبي مرسي التغاضى
عنها...الحب الجارف يعمينا دوما عن الحقيقة ..شكرا جمال سلطان على
موضوعيتك.. عبدالعزيز قاسم
المصريون
-----------------------
مواضيع مشابهة -أو- ذات صلة :
ليصبح زعيمًا عربيًا وليس مصريًا فقط، كانت فرحة الانتصار في أعقاب إعلان النتائج الرسمية لانتخابات الرئاسة أشبه بطوفان من العواطف والثقة بالمستقبل والشعور بالأمل والفخر بمصر وثورتها وشعبها، بكينا وبكى الملايين كما لم يبكوا من قبل فرحًا وتفاؤلًا، واحتضن الناس بعضهم بعضًا، وبعضهم احتضن جدران المكاتب والبيوت والحجر والشجر مفعمًا بالإحساس بانتصار وطن وقطع دابر الظالمين،
وخطب محمد مرسي في ميدان التحرير بصدر مفتوح وسط ملايين في الميدان ومئات الملايين في العالم كله تحجرت عيونهم على هذا المشهد المهيب، ورأى العرب والمسلمون والعالم أنهم أمام زعيم جديد مؤهل لصناعة تاريخ جديد لبلاده، كان الأفق أمامه مفتوحًا للمجد وصناعة نهضة حقيقية لوطنه ونموذجًا للعرب جميعًا واحتشد في الميادين المحتفلة كل أطياف الوطن وتياراته وبدا أن الثورة ولدت من جديد بنفس تلاحمها الذي عرفته يوم أسقطت مبارك، والآن بعد ستة أشهر فقط، المشهد ما ترونه الآن، من بؤس وتمزق وطني واحتراب سياسي واضطراب للقرار الرئاسي وغياب أي رؤى اقتصادية وإحباط شعبي غير مسبوق وشماتة الكارهين للربيع العربي ودولة هشة حتى لا نقول فاشلة وغياب اليقين بالمستقبل وشعور بالخوف على مصر بدأ يتسلل إلى الجميع، ثم بعد ذلك إذا وقفت وقلت له يا مرسي راجع نفسك وأنقذ نفسك وأنقذ وطنك معك واخرج من عباءة الجماعة إلى رحابة الوطن، يقولون لك: ما الذي غير كلامك وموقفك؟!!،
لقد كنا نعلم ونرصد مظاهر الخلل والفساد السياسي التي تتنامى وبلعناها وقلنا ندعمه لعله يصلح من الأوضاع، لكنّا فوجئنا بأننا أمام رئيس أسير حقيقي لتاريخه القديم، هو لا يتصور أنه رئيس دولة، يتصرف كعضو في تنظيم ديني بكل رؤاه وحساباته وأفقه الضيق ومصالحه ورجاله وشهوته الطاغية للهيمنة وإقصاء الآخرين، ومنذ اللحظة التي اطمأن فيها مرسي إلى ابتعاد المجلس العسكري عن القرار، ولم تكن بطولة شخصية منه على كل حال وسيحكي التاريخ بعد ذلك التفاصيل، منذ تلك اللحظة وقد فتح دولاب الدولة المصرية وسلم مفاتيحه لنفوذ جماعته، وبدأ يتحول من رئيس لمصر إلى رئيس للإخوان، والناس تفهم والناس ترصد والناس تشعر والناس ليست بالغباء الذي يتصوره الإخوان في استعلائهم وكبرهم،
فبدأت رحلة الانفضاض من حوله، وكل يوم يخسر قطاعًا من الشعب، وكل يوم تتآكل مساحة حركته، وكل يوم يفقد جزءًا من قدرته على إدارة الدولة، ودعك من التخبط في قرارات والرجوع عنها لأن "المطبخ" الذي كان يعتمد عليه مطبخ هواة ومغامرين، وليس مطبخ كفاءات قانونية وسياسية تتعامل مع دولة بحجم مصر، وشيئًا فشيئًا بدأ ينزوي في حركته ثم في إقامته حتى حوصر في النهاية تمامًا داخل أسوار قصره، وأصبح همه هو كيف يحمي نفسه داخل القصر، كيف يعلي الأسوار كيف يغري سلاح الشرطة بالمال لمواجهة خصومه، كيف يعزز موكب انتقالاته الذي بدأ بثلاث سيارات وانتهى بثلاثين خلال ستة أشهر، واختفى الصدر المفتوح، واختفت الجولات، وحل الخوف من الشعب مكان الاحتضان للشعب.
كان يعرف محمد مرسي منذ اليوم الأول أنه سيواجه مؤسسات وأجهزة دولة عتيدة مخاصمة للثورة بشكل عام وللتيار الإسلامي بشكل خاص، وكان يعرف منذ اليوم الأول أنه سيواجه معارضة شرسة من شركاء بالثورة شعروا بأنهم همشوا وتم تجاهلهم وإقصاؤهم بل واحتقارهم حتى تحولت معارضتهم إلى عناد وكراهية عميقة،
وكان يعرف منذ اليوم الأول أنه سيواجه مجتمعًا دوليًا متربصًا وقلقًا وراصدًا ويتحفظ على أولئك المغامرين الجدد الذين أتت بهم ثورات الربيع العربي، وكان يعرف أنه يواجه حالة اقتصادية مهترئة وهشاشة أمنية غير مسبوقة في تاريخ مصر، وكان يعرف أنه سيواجه مؤامرات فلول النظام القديم التي تملك قدرات مالية وإعلامية هائلة، كان مرسي يعرف كل ذلك، وبدلًا من أن يحيد قسمًا من تلك التحديات ويبدأ حكمه بشراكة وطنية واسعة وجبهة وطنية قوية تحمل مسؤولية اللحظة الفارقة والصعبة، اتجه ـ تحت هيمنة جماعته ـ إلى وضع نفسه في خندق يواجه فيه الجميع دفعة واحدة ويخسر فيه الجميع تدريجيًا، وظن أنه ضحك على الجميع بوضع بعض قطع الديكور من حوله من غير الإخوان لا دور لهم ولا صلاحيات، مجرد منظرة، ظنًا أن الناس ستصفق للرئيس التوافقي!، فهربوا جميعًا الواحد تلو الآخر من هذه المهزلة، وأتى بحكومة هي مثال لبؤس الرؤية والتفكير والضحالة وضعف القدرة على الإنجاز وضعف الإحساس باللحظة،
ولكن الجماعة كانت تبحث عن هذه النوعية بالضبط لكي تكون ستارًا لعمليات تسكين كوادر الجماعة والهيمنة المتسارعة والصامتة على مفاصل الدولة، وظن أن "عشيرته" ستكفيه الجميع وتصنع له المعجزات، فانتهت به إلى أن يكون محاصرًا في قصره حائرًا لا يعرف كيف يلملم أطراف دولة بدأت تستعصي عليه وتتمرد وهو عاجز، من السهل جدًا أن نحمل فشلنا على الآخرين، ودائمًا للآخرين صلة بفشلنا بكل تأكيد، ولكن من الصعب أن نواجه أنفسنا بأخطائنا وخطايانا وأن نعترف بانتهازيتنا وسوء إدارتنا للأزمات، وسوء اختيارنا، ومسؤوليتنا عن تمزيق الوطن وتعريض ثورته وحلمه للضياع، لأن الوطن لم يكن في بؤرة العين وإنما الجماعة،.. لم نحبط بعد، وما زلنا نتمسك بالأمل، ولكنّا لن نتسامح مع الأخطاء من الآن فصاعدًا،
ولقد قال لنا مرسي في خطبة التحرير الشهيرة: لا خير فيكم إن لم تقولوها، ونحن لن ننتظر حتى تغرق السفينة ثم نقولها، سنجلده بها من الآن لعله يفيق من غفلته وينقذ نفسه والسفينة كلها معه.
..........
المصريون
-----------------------
مواضيع مشابهة -أو- ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..