قرأت مقال الدكتور هاشم الصالح بعنوان: "الريال والدولار.. علاقة
ممتدة وارتباط معقد" الذي نشر في هذه الجريدة يوم الجمعة الماضي 21/3/08م ص
11، الذي احتوى على معلومات مفيدة وحقائق واقعية، استعرض فيه علاقة الريال
بالدولار منذ زمن بعيد وحاول فيه الدفاع عن استمرار ربط الريال بالدولار،
وأن الدولار هو العملة الدولية الأولى رغم ضعفه الحالي، "ولكنه سيعاود
النهوض مجددا وسيبقى هو الاقتصاد الأضخم على الأقل للعقود الثلاثة المقبلة "
وهذه العبارة مشكوك فيها لأن الاقتصاد الصيني سيكون هو الاقتصاد الأكبر
والأقوى في العالم خلال العقدين المقبلين على أكبر تقدير وسينكمش الاقتصاد
الأمريكي إلى المرتبة الثالثة بعد الصين وأوروبا، وذلك على حسب تقديرات
الأمريكيين أنفسهم !!!
ولكنه خلص إلى أن علاقة بهذا التعقيد لا يمكن أن ننهيها من طرف واحد "
فالمطلوب مراجعة هذه العلاقة والعمل على إعادة تشكيلها ولو بشكل تدريجي في
إطار ما تقتضيه مصالحنا الاقتصادية والاستراتيجية".
ولا أحد يختلف معه في تلك النتيجة، فلا أحد يرغب في فك الارتباط بالدولار نهائيا، لا أحد يسعى إلى الطلاق بين الريال والدولار، على الأقل في الوقت الراهن، ولكن الجميع يطالب بإعادة النظر في السعر الحالي للدولار، ولماذا يستمر هذا السعر عند مستوى 3.75 ريال لمدة 22 عاما متواصلة دون تعديل، رغم تغير الأوضاع الاقتصادية للبلدين خلال ربع القرن الماضي؟؟
ليس هناك تفسير منطقي أو اقتصادي مقنع لتلك العلاقة التي أصابها التجمد، رغم أن المكونات الاقتصادية لكلا العملتين قد تغيرت عبر السنين، بل إن مصالحنا الاقتصادية مع أمريكا أصبحت متعاكسة، حيث إن الارتفاع المستمر في سعر البترول يضعف الاقتصاد الأمريكي، ولكنه في المقابل يقوي الاقتصاد الخليجي، وفي حين يحتاج الاقتصاد الأمريكي إلى تخفيض أسعار الفائدة لضخ مزيد من السيولة، فإن الاقتصاد السعودي يحتاج إلى رفع أسعار الفائدة لامتصاص السيولة الزائدة وتخفيض معدل التضخم، وفي الوقت الذي يستفيد فيه الاقتصاد الأمريكي من انخفاض سعر الدولار لزيادة صادراته والحد من وارداته وتصحيح العجز في ميزان مدفوعاته، فإن الاقتصاد السعودي يتضرر من انخفاض الريال بسبب ارتفاع قيمة وارداته من الخارج وزيادة معدل التضخم وزيادة الفائض في ميزان المدفوعات حيث تصبح صادراتنا غير البترولية أرخص في الخارج وكأننا نستقطع من قوت أبنائنا (الخبز والرز والحليب وغيرهم) لنعين طبقة المصدرين الذين لا تتجاوز صادراتهم 5 في المائة من حجم الواردات التي ارتفع سعرها.
ولذلك فإن تخفيض الريال عن مستواه الطبيعي الذي تفرضه عوامل العرض والطلب يشكل إعانة غير منظوره وغير عادلة للصادرات المحلية !!
هذه الجزئية لم يلتفت إليها كثير ممن كتب في هذا الموضوع، ولذلك كلما قيل لنا إن رفع سعر الريال سيضر بالصادرات، ترددنا واعتقدنا أن تشجيع الصناعة الوطنية يتطلب منا التضحية بقوت أولادنا من أجل تشجيع الصادرات الوطنية، ولكن كيف كان المصدرون المحليون يصدرون للخارج قبل الانخفاض الحالي لسعر الريال (الدولار) ؟؟
لقد تزايدت الضغوط على الريال السعودي وستستمر بسبب انخفاض الدولار الذي سيستمر خلال المستقبل المنظور، وذلك لأن ضعف الدولار ناتج عن ضعف الاقتصاد الأمريكي لأسباب هيكلية تعود لضعف القدرة التنافسية أمام الشركاء التجاريين مثل أوروبا والصين، وليس ناتجا عن أسباب وقتية (الدورة الاقتصادية، وما يصاحبها من صعود وهبوط)، كما يظن المسؤولون في مؤسسة النقد !!
رحلة الهبوط
لقد كان سعر الدولار = 4.50 ريال في عام 1971م حين خرجت أمريكا عن نظام الربط بالذهب وعومت عملتها حسب العرض والطلب، فانخفض سعره إلى 4.14 ريال.
واستمر سعر الدولار في الانخفاض مما دفع مؤسسة النقد (ساما) إلى تخفيض الدولار إلى 3.73 ريال في شباط (فبراير) عام 1973م، ثم تم تخفيضه مرة أخرى في آب (أغسطس) من العام نفسه إلى 3.55 ريال.
ومع استمرار ضعف وانخفاض الدولار قررت السعودية في آذار (مارس) عام 1975م فك الربط بالدولار، والربط بوحدة (حقوق السحب الخاصة) التابعة لصندوق النقد الدولي المكونة من سلة عملات دولية يدخل فيها المارك الألماني والجنيه الاسترليني والين الياباني والفرنك الفرنسي بجانب الدولار.
وقد هبط سعر الدولار خلال تلك السنوات حتى وصل إلى أدني حد له نحو 3.20 ريال. ثم عاود الدولار صعوده في بداية الثمانينيات حتى وصل إلى 3,75 ريال في عام 1986م . ولا أدري ماذا حصل بعد ذلك وجعل مؤسسة النقد تتخلى عن سياسة المرونة في تعديل سعر الصرف (الدولار) من وقت إلى آخر حسب حاجة الاقتصاد المحلي وللمحافظة على القوة الشرائية للريال والمحافظة على مستوى التضخم منخفض، وجمدت سعر الدولار عند ذلك المستوى؟؟
لم يحدث في التاريخ أن تم تجميد سعر الصرف بين عملتين دوليتين لمدة 22 سنة متواصلة (من 1986 إلى 2008) دون تغيير ولو طفيف، لأن ذلك التجميد يلغي قدرة السلطة النقدية المحلية (ساما) على اتخاذ أي سياسات نقدية مستقلة لمعالجة المشكلات الاقتصادية المحلية، بل يلغي استقلالية وقدرة مؤسسة النقد على التأثير في الاقتصاد الوطني ويلغي دورها بالكامل !!
المصدر
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ولا أحد يختلف معه في تلك النتيجة، فلا أحد يرغب في فك الارتباط بالدولار نهائيا، لا أحد يسعى إلى الطلاق بين الريال والدولار، على الأقل في الوقت الراهن، ولكن الجميع يطالب بإعادة النظر في السعر الحالي للدولار، ولماذا يستمر هذا السعر عند مستوى 3.75 ريال لمدة 22 عاما متواصلة دون تعديل، رغم تغير الأوضاع الاقتصادية للبلدين خلال ربع القرن الماضي؟؟
ليس هناك تفسير منطقي أو اقتصادي مقنع لتلك العلاقة التي أصابها التجمد، رغم أن المكونات الاقتصادية لكلا العملتين قد تغيرت عبر السنين، بل إن مصالحنا الاقتصادية مع أمريكا أصبحت متعاكسة، حيث إن الارتفاع المستمر في سعر البترول يضعف الاقتصاد الأمريكي، ولكنه في المقابل يقوي الاقتصاد الخليجي، وفي حين يحتاج الاقتصاد الأمريكي إلى تخفيض أسعار الفائدة لضخ مزيد من السيولة، فإن الاقتصاد السعودي يحتاج إلى رفع أسعار الفائدة لامتصاص السيولة الزائدة وتخفيض معدل التضخم، وفي الوقت الذي يستفيد فيه الاقتصاد الأمريكي من انخفاض سعر الدولار لزيادة صادراته والحد من وارداته وتصحيح العجز في ميزان مدفوعاته، فإن الاقتصاد السعودي يتضرر من انخفاض الريال بسبب ارتفاع قيمة وارداته من الخارج وزيادة معدل التضخم وزيادة الفائض في ميزان المدفوعات حيث تصبح صادراتنا غير البترولية أرخص في الخارج وكأننا نستقطع من قوت أبنائنا (الخبز والرز والحليب وغيرهم) لنعين طبقة المصدرين الذين لا تتجاوز صادراتهم 5 في المائة من حجم الواردات التي ارتفع سعرها.
ولذلك فإن تخفيض الريال عن مستواه الطبيعي الذي تفرضه عوامل العرض والطلب يشكل إعانة غير منظوره وغير عادلة للصادرات المحلية !!
هذه الجزئية لم يلتفت إليها كثير ممن كتب في هذا الموضوع، ولذلك كلما قيل لنا إن رفع سعر الريال سيضر بالصادرات، ترددنا واعتقدنا أن تشجيع الصناعة الوطنية يتطلب منا التضحية بقوت أولادنا من أجل تشجيع الصادرات الوطنية، ولكن كيف كان المصدرون المحليون يصدرون للخارج قبل الانخفاض الحالي لسعر الريال (الدولار) ؟؟
لقد تزايدت الضغوط على الريال السعودي وستستمر بسبب انخفاض الدولار الذي سيستمر خلال المستقبل المنظور، وذلك لأن ضعف الدولار ناتج عن ضعف الاقتصاد الأمريكي لأسباب هيكلية تعود لضعف القدرة التنافسية أمام الشركاء التجاريين مثل أوروبا والصين، وليس ناتجا عن أسباب وقتية (الدورة الاقتصادية، وما يصاحبها من صعود وهبوط)، كما يظن المسؤولون في مؤسسة النقد !!
رحلة الهبوط
لقد كان سعر الدولار = 4.50 ريال في عام 1971م حين خرجت أمريكا عن نظام الربط بالذهب وعومت عملتها حسب العرض والطلب، فانخفض سعره إلى 4.14 ريال.
واستمر سعر الدولار في الانخفاض مما دفع مؤسسة النقد (ساما) إلى تخفيض الدولار إلى 3.73 ريال في شباط (فبراير) عام 1973م، ثم تم تخفيضه مرة أخرى في آب (أغسطس) من العام نفسه إلى 3.55 ريال.
ومع استمرار ضعف وانخفاض الدولار قررت السعودية في آذار (مارس) عام 1975م فك الربط بالدولار، والربط بوحدة (حقوق السحب الخاصة) التابعة لصندوق النقد الدولي المكونة من سلة عملات دولية يدخل فيها المارك الألماني والجنيه الاسترليني والين الياباني والفرنك الفرنسي بجانب الدولار.
وقد هبط سعر الدولار خلال تلك السنوات حتى وصل إلى أدني حد له نحو 3.20 ريال. ثم عاود الدولار صعوده في بداية الثمانينيات حتى وصل إلى 3,75 ريال في عام 1986م . ولا أدري ماذا حصل بعد ذلك وجعل مؤسسة النقد تتخلى عن سياسة المرونة في تعديل سعر الصرف (الدولار) من وقت إلى آخر حسب حاجة الاقتصاد المحلي وللمحافظة على القوة الشرائية للريال والمحافظة على مستوى التضخم منخفض، وجمدت سعر الدولار عند ذلك المستوى؟؟
لم يحدث في التاريخ أن تم تجميد سعر الصرف بين عملتين دوليتين لمدة 22 سنة متواصلة (من 1986 إلى 2008) دون تغيير ولو طفيف، لأن ذلك التجميد يلغي قدرة السلطة النقدية المحلية (ساما) على اتخاذ أي سياسات نقدية مستقلة لمعالجة المشكلات الاقتصادية المحلية، بل يلغي استقلالية وقدرة مؤسسة النقد على التأثير في الاقتصاد الوطني ويلغي دورها بالكامل !!
المصدر
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..