الخميس، 7 مايو 2009

رد الشيخ طه الدليمي على ياسر الزعاترة

نحن لا نملك عيوناً لمن لا يرى في وضح النهار/ مقالة هامة للشيخ طه الدليمي

السلام عليكم
لم يكن أمامي إلا أن أُجيبه بكلمة واحدة: (عذراً.. فنحن لا نملك عيوناً لمن لا يرى في وضح النهار). كان
يعظ ويعترض، ويتحدث بكلمات تنضح بالخيال، بينما شواخص الأرض تنطق بغير ما يتخيل ويقول! كان هذا في يوم من الأيام.
واليوم.. ما زال بعض الخائضين، يتغافل عن الواقع ليضرب - في وضح النهار - على معزوفة التهوين من خطر إيران، ويسفه المخاوف من مشروعها، ويقحم الإسلام إقحاماً في الموضوع. ولا يكتفي حتى يلمز المخالف بالسذاجة أو العمالة أو التطرف! ويرجع ذلك إلى تداخلات السياسة؛ فكل الذين يحذِّرون الأمة من خطر إيران، أو يستغيثون من جرائمها: مدفوعون من خارج ذواتهم، ينفذون أوراقاً سياسية أعدت لهم سلفاً. فهم إما عملاء مأجورون، أو ساذجون لا يعلمون، وإن رأوا الخطر بأعينهم، ولمسوه بأيديهم.
لماذا لا يكون العكس هو الصحيح؟ فالمتهِم أولى بالتهمة! لكنه يراوح بين حيلة فكرية أو أخرى نفسية، ليرمي بسيئاته خارج ذاته. أما الحيلة الأُولى فالهجوم خير وسيلة للدفاع، وأما الثانية فـ(الإسقاط)، تلك الخصلة النفسية التي بها يلقي المحتال بنواقصه ونواقضه على الآخرين.
نحمد الله تعالى أن الأمور تتكشف يوماً بعد يوم؛ فالثوب يتمدد كلما تقدم الزمن بحبَل غير مشروع، ما عاد التستر ينفع معه كثيراً. وإن أغمض المتغافلون أبصارهم، واستغشوا ثيابهم.

وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون
هل بقي أحد لم يسمع بالحزام الشيعي وهلاله الذي يكاد اليوم يصير بدراً؟ أم تخلف خائب لا يعلم بالكوارث التي ألحقتها جارة السوء بالعراق عموماً، وأهل السنة خصوصاً؟ لن أتكلم عن الحوادث أو الشواهد والتفاصيل؛ لأن الخلاف – كما قيل – خلاف نفوس لا خلاف نصوص. ولأني لا أملك عيوناً لمن لا يرى الواقع في وضح النهار. إنما أقول: هل بقي من البشر من لا يعرف بهذه الحقيقة؟ وصدق الله إذ يقول: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ) (يونس:43).
المفارقة أن بعض هؤلاء صحفيون وإعلاميون! وإسلاميون ضمن خط (المقاومة) أيضاً! فهل هؤلاء في عصر أهل الكهف فلم يتابعوا أحداث العراق؟! اسأل اليوم أي عراقي من مختلف الصنوف والاتجاهات الدينية والعرقية والسياسية، عن إيران وعداوتها واعتداءاتها ضد العراق، التي يسميها البعض تخفيفاً بـ(التدخلات)، حتى إنه – قبل أيام – تشكلت حركة شيعية باسم (حركة تحرير الجنوب)! موجهة ضد الاحتلال الإيراني. حتى الحكومة العراقية - ورغم علاقتها الحميمة بإيران - تعترف وتتكلم اليوم عن (تدخلاتها) في شؤون العراق! والقصف الإيراني للحدود العراقية تجاوز المدفعية إلى الطائرات المروحية، والطائرات الموجهة عن بعد تسرح وتمرح في سماء البلد!
أما المشروع الطائفي وعمليات التشييع فلا أظن أمثال الأخ (ياسر الزعاترة) يخفى عليه كيف تحولت البصرة خلال نصف قرن إلى مدينة شيعية بعد أن كانت سنية؟ وفي الفترة نفسها غزا التشيع بغداد! حتى يكاد اليوم يتغلب عليها. ناهيك عن مناطق أخرى. ودعك من تشييع إيران نفسها بعد أن كانت سنية.
ومع هذا وجدته يقول: "ما ينبغي أن يقال ابتداءً هو أن أكثر إخواننا الشيعة قد ورثوا مذهبهم، تماما كما ورث السنة مذهبهم. وأن قلة من بين الطرفين قد غيّر مذهبه، ما يعني أن كل طرف يؤمن بأنه الأقرب إلى الصواب، ولذلك فإن تكفير هؤلاء أو هؤلاء بالجملة لا يمكن أن يكون صحيحا بحال" (الدستور الأردنية: 26/4/2009). ما علاقة التكفير بالموضوع؟ هل كان الخوارج كفرة حتى يقاتلهم سيدنا علي فمن بعده؟ وهل يرضى السيد الزعاترة أن أقتل ولده وأحرق داره؛ فلا يقتص مني؛ بحجة أنني وإياه مسلمان لا يصح تكفيرنا بحال؟ ما علاقة هذا بهذا؟! إذا صار العاقل يزن الذهب بميزان البطيخ، فلا يلومن من وصمه بالجنون! أم يراد تحويل دفة الكلام إلى مسألة يكثر فيها الجدل ليضيع أصل الموضوع؟

التشييع الاجتماعي
يتكلم السيد الزعاترة عن طريقة واحدة من طرق تغيير الفكر والمذهب، ألا وهي الطريقة الفكرية الفردية. وفاتته الطرق الأخرى، وهي الأخطر! وليست هذه معضلة الرجل فقط، إنما هي معضلة فكرية مزمنة عند الدعاة، تناولتها في كتابي (لا بد من لعن الظلام) قبل أكثر من سبع سنين، وخطبي ومحاضراتي قبل حوالي عقد من الزمن.
تعتمد إيران على وسائل التغيير الجماعي لا الفردي، والتشييع الاجتماعي لا الفكري، ومن أخطرها وسيلة (التوطين) الشيعي في المناطق السنية. هكذا شيعوا كثيراً من مناطق عراقنا. بالتوطين! الذي لا يختلف عن توطين اليهود في مناطق العرب في فلسطين، رغم عدم تحول الفلسطيني إلى يهودي. بل المشكلة الفلسطينية ولدت أساساً بهذه الطريقة. وليست بطريقة الدعوة والتحول. هل يقبل مني السيد زعاترة أن أرد عليه بضاعته فأقول: إن أكثر (إخواننا) اليهود قد ورثوا دينهم، تماماً كما ورث الفلسطينيون دينهم. وأن قلة من بين الطرفين قد غيّر دينه، ما يعني أن كل طرف يؤمن بأنه الأقرب إلى الصواب؛ فعلام الخوف من التوطين اليهودي؟ وإن ذبحوا أبناءكم، واستحيوا نساءكم، وأخربوا دياركم. لا بأس فأنتم إخوة في أصل الخلقة، وعليكم أن تتعايشوا وتحلوا مشاكلكم بالحوار. ما مثل الوردة - يا سِيدي! - يقف في وجه الطلقة!
قبل أيام قليلة طالب محافظ كربلاء بسلخ قضاء النخيب عن الأنبار وضمها لكربلاء. ربما لن يتشيع أهل النخيب بالسرعة المنظورة، ولكن طبقاً لقاعدة (الأواني المستطرقة) ستكون إيران على حدود الأردن! وسيكون ضخ النفط من الجنوب الشيعي إليها مباشرة، وبعد مدة ستبدأ المساومات الاقتصادية لكسر الإرادة الأردنية. والتغلغل الاقتصادي الشيعي في الأردن محاولاته جارية، وله اليوم وجود. بهذا أيضاً يحققون عزل الأنبار عن السعودية! هذا مظهر من مظاهر الخطر الإيراني الشيعي! أما تشييع النخيب وما بعدها فآتيك لا تعجل! ومن مدة ليست بالقليلة سمعنا بمحاولات بناء مرقد سيدنا (جعفر بن أبي طالب) رضي الله عنه في مدينة (الكرك) الأردنية على الطريقة الإيرانية، وإقامة تجمعات شيعية للطم والنياحة في بعض المواسم. كما يجري توطين شيعي خفي في المنطقة.
هذه أخطار إيرانية شيعية تتهدد القطر الأردني الشقيق، مطلوب منك أن تتحسسها، وتنذر قومك منها، بدل التغاضي عنها، والتهوين من شأنها، حتى تقع الكارثة لتقول: ها؟ والله ما كنا ندري! كما قالها الكثيرون في بلدنا بعد الاحتلال، وقد أنذرناهم من قبل فلم يفيقوا!
التشييع الاجتماعي (بالتوطين والتحكم بالسياسة والاقتصاد) أخطر من التشييع الفردي. إنه بعد مدة – تطول أو تقصر – يؤدي إلى ظاهرة لم تنتبهوا إليها، وهي التحول الجماعي إلى المذهب الآخر، بدل تحول أفراد من المجتمع. على أن التحول الفردي موجود أيضاً. والطريقة الجماعية هي طريقة الإسلام، وقد اتبعها النبي صلى الله عليه وسلم، وإليها الإشارة بقوله تعالى: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً) (النصر:2). عندما سيطر النبي على مكة (أم القرى) ومهوى أفئدة الناس، ومركز تطلعات العرب، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وصارت خاضعة لحكمه مباشرة، بدأ التحول الجماعي في عقائد الناس، بعد أن كان فردياً، وتحقق النصر أخيراً: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) (النصر:1)، النصر بتحول المجتمع ككل، لا كأفراد. وهي الطريقة التي طبقها الصفويون في إيران، وخلفاؤهم في جنوب العراق، وبغداد، وتطبق اليوم في سامراء وغيرها من مدن العراق. والمسلسل ماضٍ ما دام في الأمة (عباقرة) لا ينتبهون إلى الخطر حتى تصل النار إلى جلودهم.
طريقة التومان
وللنائمين أقول: تمعنوا فيما يجري اليوم في مدينة (6 أكتوبر) المصرية! والحبل على يد الجرار. والكارثة قريبة منكم يا أهل فلسطين. وعندها فقط ستدركون، ولكن بعد فوات الأوان، أن التومان الإيراني ملغوم بالسموم، وأن من ابتلعه من قياداتكم لم يكونوا يسعون في صالحكم وإن لم يكونوا يشعرون، أو كانوا ربما. يوم يتشيع في غزة حفنة آلاف لا أكثر، فتبدأ بين ظهرانيكم مسيرات جلد الظهور وتطبير الرؤوس وشتم الخلفاء وأمهات المؤمنين، كما هو الحال في بغداد وبيروت، بل والبقيع! ثم تظهر الخلافات العقائدية الحاقدة بين أبناء المجتمع الواحد... وبعدها يبدأ مسلسل الذبح بالعرض على شاشات الأرض. وحينها ستلعنون اليوم الذي أراكم فيه مشعل وشلح وجبريل وجه خامنئي وحسن نصر الله وعماد مغنية قاتل الطيارين والضباط العراقيين، الذين كأنهم ليسوا من العرب ولا يمتون للفلسطينيين ولا لفلسطين وغزة وجنين بصلة! ولا حموا بصدورهم بوابة الأمة الشرقية ثماني سنين! حتى إذا انهارت البوابة تفرعنت إيران واستطال أقزامها.
يا أسفاً على دينار العراق كيف غلبه تومان إيران! ولكن عذراً فقد كان صدام حسين يدفع لهم بالدولار، لا بالدينار؛ الظاهر أنه لم يكن يدري أن الجماعة في جبهة (ممانعة) ضد الأمريكان.
إن طريقة التومان أحد وسائل (التشييع الجماعي) الخطيرة!

نحن لا نملك عيوناً لمن لا يرى في وضح النهار/الجزء الثاني
نحن لا نملك عيوناً
لمن لا يرى في وضح النهار
(2)

عليل يدّعي الطب

من أعجب ما جاء في المقال: "هل إن هذه الأنظمة التي تتولى كبر الحشد معنية بالفعل بمذهب أهل السنة، أم أنها تفعل ذلك من أجل أهدافها السياسية التي تلتقي غالبا مع أهداف نخبها الحاكمة أكثر من أهداف الشعوب والأمة"؟
ولي أن أسأل هنا فأعيد الكلمات نفسها: هل إيران التي تتولى كبر التباكي على فلسطين معنية بالفعل بالإسلام أو مذهب أهل السنة، أو بفلسطين أصلاً؟ أم إنها تفعل ذلك من أجل أهدافها السياسية التي تلتقي غالباً مع أهدافها القومية العنصرية أكثر من أهداف الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية والإسلامية؟ وهل صديقتكم روسيا معنية بشيء من هذا، حتى تقيموا معها أحسن العلاقات، وتضعوا أيديكم بأيديها الملطخة بدماء إخوانكم من الشيشان والأفغان وغيرهم من عشرات الملايين من شعوب الجمهوريات الإسلامية الذين أبادوهم بالقتل والتجويع والتشريد في متاهات سيبيريا الجرداء إلا من الثلوج؟ أم إن الله جل وعلا لم يخلق عدواً سوى أمريكا واليهود؟ أم إن بني البشر يتفاوتون في غلاوة دمائهم: فدم الفلسطيني غير دم العراقي غير دم الشيشاني...؟ أم إنكم لطول عشرتكم لمن لا يشعرون بغير أنفسهم صرتم لا تتحسون غير آلامكم؟ أم لأن إيران تتعطف على البعض بما تلمع به قفاها؛ إذن قضي الأمر فليحترق الدين والسنة وأهل السنة في العراق والمسلمون في بقية البلدان! ثم إني أشك بمن يشيح بوجهه عني وعن أحداث مأساتي، ويضع يده بيد عدوي يدافع عنه ويهون من شأن جرائمه ومخاطره: أن يكون معنياً بي أو بمذهب أهل السنة، أو بأهل السنة أنفسهم؟ ولم لا وهو قد سكت عن مأساة أولي رحمه من الفلسطينيين الذين نحرتهم إيران في العراق، وما تبقى منهم عادوا للتشرد من جديد في أصقاع الأرض؟ فمن فرط بحق الأقرب فرط، من باب أولى، بحق الأبعد. على أننا - ولله الحمد - لسنا بحاجة إلى أحد، ولا ننتظر عوناً ممن خذلنا في (عز) مأساتنا.

سواسية
بعدها: "هل تنسى الأنظمة التي تحشد ضد الشيعة هذه الأيام كانت ترفض ذلك في مرحلة سابقة"؟ وأقول: كما ترفضون اليوم ما رفضوه من قبل، ولكن الفرق أنهم استيقظوا قبلكم بعد أن وصل الخطر إليهم. وأنت تعرف أن من هو في موقع المسؤولية يستشعر الأمور قبل غيره. فكونوا بمستوى المسؤولية حتى تستيقظوا قبل أن تصل النار إلى أذيالكم فتحرقكم من وراء. ولا أراني على قدر كافٍ من الجرأة عند ربي، ولا القسوة مع إخواني، لأدعو الله لكم أن تكون إيران بجواركم حتى تذوقوا من طعم إسلامها وحلاوة تشيعها وشيعتها ما ذقناه منهم جميعاً. ولكن لم العجلة؟ ها هي تدور حولكم تخومكم.
بعدها: "وهل نتجاهل أن من يحشدون ضد إيران وحزب الله، لا يفعلون ذات الشيء مع حلفاء إيران الشيعة في العراق لأن الأمريكان لا يسمحون بذلك؟ ألا يعني ذلك أن الموقف لا علاقة له بالدين بقدر علاقته بالسياسة". عذراً سيد زعاترة إن أحرجتك بتوجيه السؤال نفسه إليك فأقول: وهل نتجاهل أن من يحشدون ضد أمريكا واليهود، لا يفعلون الشيء نفسه مع إيران وحلفائها الشيعة في العراق وهم يقتلون الفلسطينيين كما يقتلهم اليهود وأشنع - دعك من العراقيين؛ فهؤلاء دماؤهم ماء - وقد أخرجوهم من ديارهم وشردوهم في شتى أنحاء الأرض، والفرق في مكان القتل لا في القتل نفسه؟ أم لأن إيران والعلاقة معها لا تسمح بذلك؟ ألا يعني ذلك أن الموقف لا علاقة له بالدين بقدر علاقته بالسياسة؟ ثم من أولى بأن يُطالب بأن يلتزم بضوابط الدين: العلمانيون؟ أم أنتم أيها (الإسلاميون)؟
بعده: "وهنا تحديدا ينبغي أن نسأل عن المصلحة السياسية في تقديم الخطر الإيراني على الخطر الأمريكي الصهيوني، وهل مثل هذه الأجندة مخلصة للأمة، أم أنها جزء من منظومة تقف على النقيض من مصالح بعض الأنظمة؟ ومصالحنا؟". ولم لا نسأل نحن سؤالاً مشابهاً عن المصلحة السياسية في تقديم الخطر الأمريكي على الخطر الإيراني؟ وهل مثل هذه الأجندة مخلصة للأمة؟ أم إنها جزء من منظومة تقف على النقيض من مصالحها ومصالحنا، لصالح بعض الأنظمة والمنظمات والفئات الحزبية؟
هذا إن كانت (قضيتنا) واحدة. أما إذا جزأنا قضايانا – كما هو واقع حال هذه المنظمات والفئات الحزبية – فليفعل كل واحد منا ما يشاء بما يتلاءم ومصالحه الخاصة، دون لوم لا اتهام ولا تخوين.

ظالم يتباكى من الظلم
ويستمر المقال بهذه المغالطات المقلوبة، ولا أريد الاستمرار في إيرادها. غير أن أغرب ما وجدته منها قوله: "من المؤكد أن لإيران مشروعها في المنطقة، وهي قوة كبرى معنية بالتمدد والنفوذ". ثم يقوم بالالتفاف على هذه الحقيقة الخطيرة بقوله: "تركيا السنية لها ذات الطموح أيضا.. كما أن أحدا لا يرفض أن تكون لمصر على سبيل المثال طموحاتها في التمدد والنفوذ وقد كان لها شيء من ذلك أيام الحقبة الناصرية". ولا يترك هذه المغالطة حتى يعقب عليها بالتباكي قائلاً: "ما هذا الظلم؟"!
وأعجب من ظالم يدّعي المظلومية!!!
هل تدرون ما معنى هذا؟ معناه ما دام أن الآخرين يريدون احتلالكم، ويخططون للتمدد وبسط النفوذ بين ظهرانيكم؛ فلم الاعتراض على إيران أن تفعل الشيء نفسه بكم؟ اسمحوا لها بذلك دون نكير ولا شخير! بمعنى آخر أن من كان معرضاً للإصابة بمرض ولو على سبيل الوهم أو الافتراض، عليه أن لا يشكو ولا يسعى في علاج مرض خطير قد استوطن جسمه!
بأي منطق تم تخريج هذا الكلام؟!!!
هل يسمح لي الأخ ياسر زعاترة هنا بسؤال: كيف تكون التسوية بين دولة بذلت كل ما في وسعها لتحقيق احتلال العراق، ومسؤولوها يتفاخرون علناً بهذا الفعل الشنيع، وبين دولة أخرى لم تسمح بدخول الأمريكان إلى العراق من أراضيها. وليس لهم إلى اليوم قنصلية في كركوك المدينة التي يكثر فيها التركمان الذين يهمها مصيرهم؟ قارن ذلك بقنصليات إيران المتعددة في محافظات العراق.
لكن ما لا ينقضي العجب إزاءه أن تقارن مصر العربية السنية وتساوى بإيران العجمية الشيعية؟ وأستسمح السيد ياسر أن أسأل أيضاً: لو دخل إخوتنا المصريون بلاد الرافدين هل يتوقع أنهم سيفعلون بنا كما فعلت الإيرانيون؟ إذن كيف يطالب الفلسطينيون المصريين بالقتال إلى جانبهم لدخول فلسطين وتحريرها من اليهود؟ أليس هذا – بناءً على هذا المنطق – استبدال محتل بمحتل؟ ما هذا المنطق المقلوب؟ وأضرب لك مثلاً من الواقع القريب: قوات البيشمركة تضامنوا مع القوى الشيعية على احتلال العراق، ووقفوا مع المحتل ضد المقاومة السنية وأهلها، وكانوا يطلقون علينا لقب (إرهابيين). هذا وهم في جبال كردستان. لكنهم عندما دخلت قواتهم بعض أحياء بغداد في بعض الفترات التي كانت تصول فيها المليشيات على مساجدنا وبيوتنا ومناطقنا أمام أنظار المحتل وقوى الحكومة، وشاهدوا الظلم الواقع علينا بأنفسهم: حنوا لأصلهم السني، وانقلبوا فصاروا مدافعين عنا يحمون مناطقنا ضد هذه المليشيات. فتآمرت عليهم الحكومة وأخرجتهم من مناطقنا ليستمر مسلسل الذبح. لماذا هذه المفارقة؟ لأن هؤلاء ليس في بالهم مخطط حاقد لإبادتنا. هذا وهم أكراد لا عرب؛ أفيكون المصري العربي أقل رحمة بنا؟ ألم تعلم أن الأمريكان كانوا – وما زالوا - أرحم بنا من شيعة إيران؟ وأن بعض المعتقلين اليوم يطالبون الأمريكان بالإبقاء عليهم في سجونهم، ولا يسلموهم إلى الحكومة (العراقية)؟

منكم نتعلم ومنكم نتألم
لن أتابع بقية فقرات المقال، سوى أن أذكر الأستاذ زعاترة بما سطره هو لا غيره منذ سنة ونيف فقط على إحدى صفحات جريدة السبيل (25/3/2008) حينما قال بالحرف الواحد: "قبل عام ونصف التقيت في مبنى إحدى القنوات الفضائية في لندن بنائب الرئيس الإيراني أيام (خاتمي)، السيد عطاء الله مهاجراني، ولما سألته مباشرة عما تريده إيران في العراق أو من العراق؟ لم يتردد الرجل في القول، إنها تريد دولة تابعة سياسياً واقتصادياً وثقافياً. وللتذكير فنحن هنا إزاء رجل إصلاحي يعيش في لندن ويؤمن بحوار الحضارات وعموم مفاهيم الانفتاح، وهو ليس من التيار القومي المتعصب، ولا حتى من التيار الديني المتعصب الذي يريد تحويل العالم العربي والإسلامي إلى المذهب الشيعي، وبالطبع تحت اللواء الإيراني". فكيف إذن لو كان مهاجراني من التيار الديني المتعصب، وعلى رأسه المرشد الذي يمسك بحبال السياسة الإيرانية كلها؟! ماذا سيقول؟ وبم سيصرح من نوايا وخفايا؟ وماذا سيخرج لنا من خبايا وبلايا ؟
لا أرى أخي السيد ياسر الزعاترة بحاجة إلى التذكير. سوى أن نسأل الله تعالى أن يمنح إخواننا بصيرة بها يرون الواقع على ما هو عليه. وحكمة يتداركون بها أنفسهم قبل فوات الأوان.
الخميس
7/5/2009



الكاتب / الشيخ الدكتور طه حامد الدليمي
المشرف العام لموقع القادسية


(1)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..