لا يمكن لصحيفة أن تقوم بأكثر مما قامت به «الحياة» عندما نشرت صوراً عن فضائح شراء الأصوات في انتخابات غرفة جدة. والمرشحون هم من «نُخب» قطاع الأعمال، وتلك
الممارسات تخبر عن واقع حال عينّة من الوسط التجاري في بلادنا ومستوى الأخلاق والأمانة فيه. لحقتها صحيفة «المدينة» بصورة رسالة هاتف جوال، هذا يجيب عن أسئلة حيرت الكثير، تبدأ بأسباب استمرار رفع الأسعار والإيجارات وعدم جدوى الإعانات التي تقدمها الدولة، حيث تذهب هباء، فلا يصل منها شيء للمستهلك، ولا تنتهي تلك الأسباب بإخفاق وزارة العمل في حل قضية البطالة. الذين اقترفوا تلك الممارسات في غرفة جدة يشوهون تجربة الانتخابات ليأتي من يقول إنها لا تصلح لنا! والسبب أن لا رقابة صارمة ولا ردع، وما حدث في انتخابات غرفة جدة ليس حالة استثنائية سوى أنه «شاهد ظاهر»، النقود تظهر بالصور. في انتخابات غرفة الرياض ترددت الأخبار عن تذاكر سفر و إقامات مجانية، وقبلها بأعوام كانت أجهزة الفاكس المجانية لمن يقدم صوته سلماً للوصول إلى كرسي الغرفة، حدث التطور من الفاكس إلى الكاش، الزبدة «هؤلاء هم طليعة رجال أعمالكم».
وقد يقول قائل إنها غرفة التجار، وهم أحرار فيها. لو كان الأمر ينتهي هنا لما كتبت حرفاً، لكن الغرف التجارية تدخل في كل نشاط تنموي وهي تقوم بدور الاستشاري، وربما المخطط لمعظم الجهات الحكومية من خلال لجان معروفة؛ بل إنها تشارك حتى في لجان الرقابة، ويعلم كبارها عن المشاريع وتوجهاتها قبل غيرهم من الناس، إذاً كيف يمكن لنا الاطمئنان والحال كما أظهرت تغطيات «الحياة» المتتابعة؟ كيف يمكن لنا أن نصدّق الحديث عن حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وكل هذا يحدث من دون إنكار أو كرت أحمر.

ويتصاعد الزيف عندما يخرج لنا أحد المرشحين ليتحدث عن الوطنية والوطن والإخلاص والأمانة، الكلام مجاني، وتزيد المرارة عندما تشير «الحياة» إلى شراء صحافيين وهو أمر معروف. الصحافة فيها ما فيها وأهلها أعلم بحالها، فتسأل «الحياة» أمين هيئة الصحافيين عن ذلك، ليرد أن نظام المطبوعات، يقول كذا، من دون أن يذكر ماذا عمل لتطبيق هذا النظام، كأن الأنظمة في بلادنا لها أرجل وأجنحة لتطبق نفسها بنفسها، كأن الغبار لا يعلو أوراقاً حفظتها في الأدراج.

واقع شاهدناه عبّر أعمق تعبير عن مستوى أخلاق نخب تجارية، فما هي حال تجار التجزئة وأصحاب المعامل؟ هذا من ذاك. طوفان الغش التجاري والتعثر التنموي لم يأت من فراغ، بربكم بماذا تختلف هدايا الغرف التجارية المادية والعينية لجهات حكومية مثل وزارة التجارة والعمل عن أموال شراء الأصوات في الانتخابات؟ يحدث هذا مع صمت مطبق، فهل أُصِبنا بالتبلد؟