الأحد، 11 سبتمبر 2011

كيف أسقط الربيع العربي الإعلام الإيراني

تعالت بكائيات الإعلام الإيراني على احتجاجات البحرين بينما سدت أذنها عن ما يحدث في سوريا. واصبح شخص يقتل في البحرين اعظم وأهم لدى الإعلام الإيراني من عشرات المقتولين في سوريا، بل واثبت هذا الإعلام عدم رحمته حينما وصف الشهداء السوريين بأنهم عملاء للمخابرات الاميركية ووهابيون مجرمون.


ميدل ايست أونلاين 

بقلم: عبدالعزيز الخميس

حاولت وسائل الإعلام الإيرانية استبعاد البعد الديموقراطي من الثورات العربية عن مادتها الإعلامية التي تقدمها للمشاهدين والمستمعين الإيرانيين. ركزت على ان هذه الثورات تشتعل فقط ضد الأنظمة والغرب. واشبعت وسائل الإعلام الإيرانية جماهيرها بأن هذه الثورات فقط ضد الغرب وتواجده في المنطقة، بينما أفلت الحديث الإيراني عن أسباب ودواع الثورة السورية ان لم تكن قد تجاهلتها. وتعاظم الكذب الإعلامي الإيراني فبلغ مبلغه في حديث وسائله عن ان سبب القيام بهذه الثورات هو بناء جمهوريات إسلامية مماثلة لإيران وإستحضار لنموذجها الثوري، وان الثورات هي لأجل استرجاع سلطة الشعوب على قطاع النفط من الغرب، وكأن تونس ترقد على بحر من النفط يستغله الغرب. ووسط هذه الأكاذيب وجد المشاهد الإيراني نفسه يبحث عن معلومات أكثر واقعية، فتحول الى قنوات مثل البي بي سي الفارسية ان كان لا يجيد لغة اجنبية، او قنوات تتمتع على الاقل بواقعية مثل السي ان ان والبي بي سي الدولية او الجزيرة الدولية. في ظل التعتيم الإيراني قامت حرب من نوع خاص حيث وقفت البي بي سي العربية والفارسية بالتعاون سوية لعمل برامج تشرح للمواطن الإيراني ما يحدث في العالم العربي وما هي الأسباب الحقيقية للثورات العربية. وفي الوقت الذي تصدت البي بي سي للتضليل الإيراني، كانت وسائل الاعلام العربية الضخمة لا تعير المشاهد الايراني اي اعتبار. ولعل قناة صغيرة خاصة مثل وصال بخدمتها الفارسية هي من يعمل وحيدا بينما تقوم قنوات مثل ام بي سي الفارسية بالتركيز على بث افلام اميركية للمشاهد الايراني لا معلومات سياسية تهمه وتساعد في الرد على الدعاية الايرانية. ويبدو ان برامج البي بي سي ودراسة التغطية الإعلامية العربية لقنوات عربية مهمة مثل الجزيرة والعربية وغيرها، ستمكنا الإعلام الإيراني المستقل من الوقوف على قدميه جيدا في حال بدأت الثورة الإيرانية المقبلة وخاصة كيفية استخدام هذه القنوات للمواطن كمراسل وما يرفعه من مواد عبر الانترنت ويتاح عبر القنوات للمجموع العام لمشاهدته أو بحسب المصطلح الانجليزي user-generated content in reporting. في الثورة الخضراء التي وقعت في إيران كان هناك استخدام كبير لوسائل التواصل الاجتماعي للتحشيد. لكن كان هناك استخدام محدود للمحتوى المصنوع من المستخدم user-generated content، وبالتالي لا بد وان الثوار الإيرانيين اصبحوا على وعي وقناعة في قوة هذه المواد وهم يرون كيف اصبحت صورة الفتاة الإيرانية التي قتلت في الشارع رمزا للثورة الخضراء. وايضا يرون ان استخدام السوريين للمواد المصورة المرفوعة عبر الانترنت يسهم في ابقاء جذوة الثورة السورية على قيد الحياة، إذ تعمل هذه المواد عملها المحرض ضد القمع والطغاة. يحمل المحتوى المصنوع والمقدم من المستخدم تنوعات كبيرة جديرة بالاهتمام والدراسة، ويسهم في اثراء المقاومة والممانعة للديكتاتورية ويجعل عمليات الصراع ضد الأنظمة اكثر ديناميكية وثراء معرفيا، ويرهق النظام المقاوم للحرية بسبب تعددية الاصوات واختلافاتها. يقول سابا صادق المسؤول عن بي بي سي الفارسية ان ما قامت به محطته من برامج خلال الثورات العربية احرج الإعلام الإيراني الرسمي، وكشفه وقدمه عاريا امام المتلقي الايراني. واتضح للإيرانيين ان اعلامهم الرسمي قد اظهر بلاهته وخداعه ونفاقه. وبعد سلسلة من التقارير الساخرة تراجع هذا الإعلام عن بعض من تقاريره البعيدة عن المصداقية وحاول استعادة شيء من المصداقية رغم ان هذا الإعلام لا يزال يدور في حلقة مفرغة يحاول عبرها عدم اظهار ما يحدث في سوريا ويركز على البحرين كثيرا. الحقيقة ان التعاطي الإعلامي الإيراني الرسمي مع الثورات العربية هو في إضطراب كبير، فإيران لم تتخل عن نظرتها لما يحدث في المنطقة عن التقليد السياسي المتبع لديها تجاه الدول العربية او كما يصفه الإعلامي الإيراني ناصر كالون بأن إيران تتعامل مع الدول العربية بطريقة اشبه بالمصارعة الاميركية. كل ما يدور في عقل صانع القرار السياسي الإيراني هو انهاك خصمه العربي، والربح والخسارة، والإعلام ووسائله جزء يساعده لتحقيق اهدافه. ولا ينفصل الإعلام واستعماله عن ان يكون ضمن الادوات السياسية الإيرانية كما يؤكد كالون. لكن الاضطراب الإيراني تجاه الثورات العربية يخلق الكثير من علامات الاستفهام اعلاميا وسياسيا. فبعد الثورة ضد الانتخابات المزورة في إيران ظهر خامنئي ليؤكد انه لا تراجع عن اعتماده نتائج الانتخابات وقام بكل قوة بقمع الاصوات المطالبة بالحرية واعادة التصويت. في الثورات العربية في تونس ومصر أول ما فعله النظام الإيراني هو ترويج انها ثورة اسلامية ضد اميركا واذنابها في الوقت الذي يعرف جميع الإيرانيين ان خامنئي يهرف بما لا يعرف او يحاول ان يستخدم ما يحصل في تلك الدول لتوجيه رسائل محلية لشعبه. وزاد من ذلك ان الإعلام الإيراني بتوجيه مباشر من خامنئي ونجاد روج وبقوة ان ما يحصل في الربيع العربي ناتج من ثورة الخميني واحد منتجات هذه الثورة. فلا يخجل مجلس خبراء القيادة الإيرانية إلى حد يوم أمس من القول أن خريف أنظمة الاستبداد العربية هو ربيع إيراني كما تناقلته وكالة مهر الايرانية. بعد فشل هذا المنطق وثبات تهافته لدى الشعب الإيراني عمدت وسائل الإعلام الإيرانية حسب قول الإعلامية الإيرانية ناهد سيامدوست الى تقليل تغطية الثورات وما يحدث فيها واسبابها. وكانت ان جاءت الطامة الكبرى في الثورة السورية وضد اكثر نظام عربي متحالف بل وعميل لخامنئي، فأوقع في يد نجاد وحكومته ووجدوا انفسهم يستخدمون إعلامهم لتصوير ما يحدث في سوريا بأنه لعبة إستخبارية وأمنية غربية، ونسي هؤلاء انهم بشروا بأن الثورات فعل من نتاج ثورة خامنئي وضد الغرب. وزاد خامنئي الطين بلة بأن اوعز لإعلامه أن يجعلوا ما يحدث في البحرين اشبه بما حدث في كربلاء وتعالت بكائيات الإعلام الإيراني على احتجاجات البحرين بينما سدت أذنها عن ما يحدث في سوريا. واصبح شخص يقتل في البحرين اعظم وأهم لدى الإعلام الإيراني من عشرات المقتولين في سوريا، بل واثبت إعلام إيران عدم رحمته حينما وصف الشهداء السوريين بأنهم عملاء للمخابرات الاميركية ووهابيون مجرمون. في الداخل الإيراني، يحدث حاليا ما يشبه حفلات سخرية من التغطية الإعلامية الإيرانية الرسمية للثورات العربية. ويتفنن الإيرانيون في عد التناقضات وبيان التخبطات التي يقع فيها اعلامهم تجاه ما يحدث في العديد من الدول العربية. ولعل اهم مقارنات يقوم بها الإيرانيون هي هل ما يحدث في العالم العربي يختلف عن ما حدث عندهم عام 2009. وهل ثورة اهل البحرين لتغيير نظامهم واسترداد حقوقهم كما يصوره الإعلام الإيراني تختلف عما قام به شباب الثورة الخضراء في مدن إيران. حال بدء الثورة السورية غاب الإعلام الإيراني عنها في غيبوبة طالت نوعا ما، وبعد منشطات صبها الجمهور الإيراني المتسائل في فم الته الإعلامية عادت للحياة لكن لتتهم السوريون بآنهم يثورون لصالح الغرب في تناقض صارخ مع تبشير إيران بالثورات التي ادعت انها استلهمت روحها من الخميني وثورته. عمد الإعلام الإيراني على تصنيف الثورات العربية على مبدأ من مع الغرب ومن ضده. لم يهتم بما تريده الشعوب الثائرة بل انغمس في صفاقة مستهينا بارواح شهداء سوريا وليبيا وغيرهم. لم ينتبه الإعلام الإيراني ومن وراءه مموليه أن الثوار العرب لا يغفرون لمن يستهين بشهدائهم، وهنا اسهم الإعلام الإيراني باسقاط كل ما تبقى من احترام لإيران وثورتها ونظامها. وبصدق في الثورات يعرف الانسان من هو صديقه ومن هو الصادق والنبيل. 



عبدالعزيز الخميس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..