الاستنزاف العاطفي الذي تمارسه وسائل الإعلام الأميركية يعيد إنتاج عاشوراء لأغراض أقرب للدعاية وأبعد عن الرمزية الحقيقية للحدث.
ميدل ايست أونلاين
لا يمكن إلا الوقوف مع آلام الحسين وآله رضوان الله عليهم، أو الولايات المتحدة ومصابها بسبب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. الا ان ما يحدث على وسائل الاعلام الاميركية من احتفالية حزينة وبكائية، لو استمرت بهذه الطريقة السنوية، ستجعل من الحادي عشر من سبتمبر عاشوراء اميركية، ولصنعت من الجزء الجنوبي من مانهاتن كربلاء اميركية.
كلنا يعرف المصاب الاميركي، ووقفنا جميعا مع عائلات المفقودين بسبب اعتداء مجرم ضد ابرياء لا علاقة لهم بالصراع الاسلاموي الاميركي إلا انهم مواطنون يؤدون مهامهم الوظيفية في بناية كتب الله ان تكون رمز قوة الاقتصاد الاميركي.
ما يدعوني لوصف الإسترجاع السنوي الاميركي لحدث الحادي عشر من سبتمبر بأنه اصبح كربلاء اميركية هو هذا الكم الكبير من البكائيات وجلد الذات.
ما الفرق بين ما يفعله اصحاب فوكس نيوز ومخرجوها ومذيعوها من استذكار سنوي مكرر ومعتاد من انه كان بالامكان ايقاف الارهابيين من تنفيذ جريمتهم، مع ما يحدث على قنوات مثل الانوار وال البيت وغيرها سنويا في عاشوراء.
كل عام تخرج نفس الوجوه لتقول لنا ان المخابرات الاميركية ومكتب المباحث الفيدرالي أخفقا في التنبؤ ومنع الجريمة. ثم تبدأ البكائية. بعدها يبدأ مسلسل البحث عمن يقف وراء الجريمة. وهنا يتفنن الاعلام الاميركي في القاء القبض على يزيد وبالطبع مرة يكون يزيد اسامة بن لادن ثم يبدع برنامج اخر ليقول ان المجرم الحقيقي هو السعودية الممول الرئيس للارهاب دوليا، وفجأة يخرج علينا احد المحافظين الجدد الذين لا يزالون على قيد الحياة ليقول لنا بل كان صدام حسين هو المخطط. وقبل ان يسدل الستار على احتفالية كربلاء الاميركية يلقي محلل سياسي من منافي تكساس بقنبلة ان يزيد هو ايران وان ملاليها هم من اوجد المناخ المناسب لتنفيذ العملية ويستشهد بأن ايران هي من وقفت مع اول عمليات اختطاف الطائرات ونبهت العرب لهذا السلاح الخطير.
لعل الشيخ محمد حسين فضل الله رحمه الله كان أعقل من هؤلاء في رفضه لبكائية عاشوراء واعتباره كربلاء رمز للتحدي ضد الظلم وليست حفلة بكائية يتم فيها جلد الذات وتعذيبها.
الاميركيون ينقادون عاما وراء عام في مراسيم منظمة لجعل الحادي من سبتمبر عاشورائهم ومن مركز التجارة الدولي كربلائهم. كنت في زيارة قبل اشهر قليلة الى موقع المركز ورأيت ما ينصب حوله من مواقع تذكارية. وقد اوافق على ذلك فيجب تذكر هذا المصاب لكن بتعقل ودون بكائيات. نساء يصطحبن اطفالهن الصغار ويبكين بجوار اسوار مشروع بناء البنايات البديلة. رجال يمرون ويرسمون بايديهم علامات الصليب وكأنهم يمرون من الصحن الشريف. يكفيك تلك الحفرة الكبيرة التي يعملون على انشائها وسط المشروع والتي ستكون بركة ماء التي يسمونها بركة الحياة والتي يراد منها قول ان الماء يروي تراب اختلط بدماء واجساد الضحايا، تكاد تعيد الينا قصة عطش الحسين رضي الله عنه وابعاده عن الماء وبخل المجرمين عليه بشربة ماء.
لم يبق الا ان يحج الاميركيون من كاليفورنيا ويعودون ومعهم حصوات من تربة مانهاتن او ان يقلبوا ماراثون نيويورك الى ركضة طويرج برعاية الملا مايكل بلومبرج.
هذا التشبه ببكائيات عاشوراء هو دليل على ان الانسان هو نفسه ذلك المخلوق الضعيف، مهما بلغت به الحضارة والتقدم. يظل هذا الانسان صغيرا ضعيفا باكيا امام المصاب. يريد ان يستذكره حتى يعزي نفسه ويقنعها بأنه يدفع نصيبه من العقاب وانه يشارك الضحايا آلامهم.
الاعلام الاميركي يبكي سنويا ويكرر نفسه بنفس المواد ويحاول ان يبتعد عن الاسباب الحقيقية لمصاب مانهاتن. لا يريد مكاشفة نفسه بأن سياسات بلاده كانت سببا لما حل بها في الحادي عشر من سبتمبر. صحيح ان الجهود الاميركية ساعدت في القضاء على بن لادن وحجمت القاعدة، لكن هذه الجهود لم تكن لتنجح من دون جهود الانظمة العربية التي وقفت بقوة مع الاميركيين.
وعلى الرغم من هذه الجهود الا انها ليست السبب القوي الذي يقضي على القاعدة بل ان اكثر من طرف يقدم خدمة للبشرية هو ذلك الشاب العربي الحر الثائر الذي يخرج ضد نظامه في تونس ومصر وسوريا. وهو من يقضي على فكر القاعدة الذي اقتات على انه هو الحل والمنقذ لعذابات هذا الشباب.
وبدلا من ان يفجر الشاب نفسه في مجموعة من الابرياء، اصبح الشاب العربي يفجر افكاره التحررية في اعتصامات واحتجاجات وقلب انظمة باستعمال ادوات سلمية مسقطا وقاضيا على خيار وحل فكر القاعدة البائس.
نجح شباب الربيع العربي في ما لم تنجح فيه قوات مسلحة اميركية انفق عليها بلايين الدولارات، بل ان الاميركيين اخفقوا وبشكل ذريع في هجومهم على العراق وصعدوا من العداء لهم داخل الوطن العربي. وقد يرى بعضنا انه لما اصبح لدى الاميركيين كربلاؤهم تقاطعت مصالحهم مع كربلائية ايران فسلموا لها العراق.
نجحت يد شاب عربي ممدودة للهواء وفم يصرخ بالحرية فيما لم تنجح فيه مئات المحطات ووسائل الاعلام التي أنشأها التحالف الغربي لايقاف مد القاعدة. والحرية لا تنتظر معلما لها يأتي من قنوات لا مصداقية لها بل المعلم الأول هو ما يعتمر في قلب الشاب العربي من تحد لا بكائي بل شجاعة تقف ضد الظلم والظالم لا تدور قرونا طويلة تبكي على دم مسفوح.
لذا لا نريد كربلاء جديدة وبطعم هولوكوستي وصناعة جديدة تستغل الالم الاميركي. نريد ان تعلم اميركا انه حتى لا تحدث احدى عشر سبتمبر اخرى عليها ان تقف مع قضايا الحرية العربية وان تكون سياساتها محورية وتدور حول المواطن العربي والعلاقة معه وليس الاكتفاء بعلاقات جيدة مع انظمة لا تمثل شعوبها.
وكل حادوشاء اميركية وانتم بخير.
عبدالعزيز الخميس
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..