حينما تقرر قبيلة إفريقية صيد فيل لتبيع لحمه وعاجه لتجار الممنوع من
أوروبة تحفر حفرة كبيرة في طريق قطيع الفيلة وتغطيها بقش، ليقع فيها الفيل
المغلوب على أمره، ثم يأتي أفراد القبيلة الأفريقية ويوسعونه ضربا في حفرته
مدة ساعات في كل يوم ثم يأتي رجل بزي مختلف تماما
ويمنعهم من ضربه ويقدم له الماء والطعام حتى إذا ما اطمأن له انقاد له بلا مقاومة ليخرجه من تلك الحفرة ثم يبيعه للتجار بعد تلك الخدعة...
يذكرني طيب أردوغان وهو يطوف البلاد العربية المنكوبة بالمجاعات والثورات الشعبية بصائد الفيلة البدائي في أدغال أفريقيا قديما وبخاصة بعد دعوته لتطبيق العلمانية في الدستور المصري وتلميع وجهها أمام المنكوبين وإلغاء المادة الثانية من الدستورالمصري التي تنص على إسلامية مصر وعروبتها أثناء لقائه في برنامج حواري على إحدى الفضائيات إذ دعا المصريين إلى صياغة دستور يقوم على مبادئ العلمانية، وقال: «الآن في هذه الفترة الانتقالية في مصر وما بعدها أنا مؤمن بأن المصريين سيقيمون موضوع الديمقراطية بشكل جيد، وسوف يرون أن الدول العلمانية لا تعني (اللادينية)، وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه».
وأردف: «لذا على المصريين ألا يقلقوا من هذا الأمر، وعلى المناط بهم كتابة الدستور في مصر توضيح أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، وتكفل لكل فرد ممارسة دينه. وأوضح أيضا أن العلمانية لا تعني أن يكون الأشخاص علمانيين، فأنا مثلا لست علمانيا، لكنني رئيس وزراء دولة علمانية». وأوضح أن: «99 في المئة من السكان في تركيا مسلمون، وهناك مسيحيون ويهود وأقليات، لكن الدولة في تعاملها معهم تقف عند نفس النقطة، وهذا ما يقره الإسلام ويؤكده التاريخ الإسلامي».
وقفت مذهولا كغيري من الشعوب الإسلامية من تصريح طيب أردوغان الذي تبين لي أنه يجهل الإسلام تماما، ولايعرف شيئا من مبادئه ومسيرة تاريخه الإنساني مع الطوائف والأقليات والأديان، ولايعني أن التطبيق الخاطئ للإسلام في الدولة العثمانية على من كانوا فيها اتهام للدين الذي أرسى قواعد حقوق الإنسان قبل منظمات القرن العشرين.
إن النخب الفكرية في العالم الإسلامي تدرك تماما ماذا عملت العلمانية بتركيا التي فقدت هويتها وتميزها بعد أن قهرت مسلميها وهجرت طوائفها وقتلت علماءها، ولذلك فرح المسلمون بفوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا حالياً، وبسببه وجدت تركيا نفسها ذات جماهيرية تتكلم باسم الإسلام وتهتم بشؤون المسلمين الذين استحضروا قيمة تركيا التاريخية بيد أن الفرحة تبددت ونحن نسمعه في ذلك اللقاء يروج للعلمانية في مصر الحبيبة، ويحارب الإسلام، وهو وحده يعلم أن العلمانية لا تؤمن بحرية الأديان ولا حق الأقليات كما عرفها في لقائه السالف..
نعم إن العلمانية وليس الإسلام في تركيا ياطيب هي التي أدت إلى انتهاك حقوق الأقليات العرقية كالأكراد على سبيل المثال لا الحصر والدينية كالأرمن والسريان الأرثوذكس. واتبع أتاتورك ومن خلفه من قادة أتراك سياسة دمج الأكراد أو كما سماهم «الأتراك الذين يعيشون في الجبال». وراح ضحية هذه السياسة 30 ألف شخص.
إن العلمانية وليس الإسلام في تركيا هي التي طمست هوية البشر ومنعتهم من ممارسة الشعائر الدينية مثل حظر ارتداء بعض أنواع الملابس على الرجال كالسراويل التقليدية والقبعات الحمراء (الطربوش) وتم سن قوانين تجبر الرجال على وضع قبعات أوروبية حديثة وكان كل من يخالف هذه القوانين يعاقب عقاباَ شديداً. إضافة إلى ذلك دعت إلى خلع الحجاب التقليدي، وحاربت اللغة العربية (لغة القرآن) المرتبطة بشكل مباشر بالتعاليم الإسلامية فاستبدلت العلمانية الأحرف العربية التي كانت اللغة التركية تكتب بها بأحرف لاتينية وأحلت التأريخ الميلادي محل التأريخ الإسلامي الهجري. ولذلك أدرك النشطاء الأتراك المسلمون في السياسة خطر العلمانية على تركيا وشعبها ذي الغالبية المسلمة (99%) مثل نجم الدين أربكان الذي حارب العلمانية بالحجة والبرهان مؤكداً أن دخول الإسلام في كافة جوانب الحياة هو الشرط الوحيد لقيام دولة إسلامية، وفي هذا المجال قال نجم الدين أربكان: « قبل كل شيء يجب أن تكون الدولة إسلامية، إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الدين الإسلامي في خطر» وعلى هذا الأساس، فقد انتقد أربكان حزب الاتحاد والترقي قائلا:» ثم نشأ حزب الإتحاد والترقي، وكانت له علاقة باليهود والماسونية، ومن ثم استطاع إسقاط السلطان عبدالحميد، وبدأ في إبعاد تركيا عن النمط الإسلامي وتغريبها بطرق عديدة أهمها العلمانية التي كانت تعني في تركيا بالتحديد اضطهاد المسلمين). إن التفسير المنطقي لتصريحات اردوغان بتلميع وجه العلمانية وتصديرها للعالم العربي كما تصدر إيران ثورتها تؤكد مغازلته للرئاسة في تركيا وبخاصة أن «حزب العدالة والتنمية» الحاكم بتركيا قرر ترشيح عبدالله غول وزير الخارجية بالحكومة لرئاسة الجمهورية التركية بدلاً من أردوغان نفسه رئيس الحزب، وكان العلمانيون الأتراك قد دأبوا على مدى شهور عام 2007م؛ على التنديد بخيانة أردوغان وحزبه للمبادئ العلمانية للدولة، والتهديد بعملٍ ما ضدَّه إذا ما رشَّح نفسَهُ للرئاسة، وبلغت الاحتجاجات والتنديدات ذروتها بتظاهُرةٍ يوم 14 أبريل بلغ عدد المشاركين فيها - فيما يقال - قُرابة الثلاثمائة ألف من حول ضريح ونُصُب مصطفى كمال (أتاتورك) يرفعون الرايات، ويشيدون بأتاتورك وبالعلمانية المستنيرة، ويصرخون بأنهم سيحفظون الجمهورية والعلمانية بسواعدهم ودمائهم إذا لزمَ الأمر...
والسؤال هل فكر أردوغان بمصلحته الشخصية من أجل كرسي الرئاسة وهو يعرف أن أرضية مصر لاتقبل غير الإسلام؟ وهل كان مدركا وهو يتحدث عن العلمانية أنه يتحدث لنخب فكرية تعرف منها أكثر مما يعرفه عنها؟ وهل توقع أن تلك النخب وتلكم الشعوب توافقه على تعريف العلمانية أنها حرية الأديان وليست اللادينية وهم يراقبون حال تركيا في رحم العلمانية منذ عقود تثبت أنها تحارب الدين والتراث والأيديولوجيا والأقليات وكل حقوق الإنسان؟
كان ذلك اللقاء الذي فضح نوايا أردوغان وكنت أتمنى أن يكون الرد عليه من علماء جامعة الأزهر الشريف الذين مازالوا غائبين عن مسرح الأحداث والقضايا الكبرى كالاعتداء على السفارات والسفراء وضرورة احترام المعاهدات في مصر الحبيبة التي تثمن للإخوان المسلمين ردهم عليه بأن هذا الترويج للعلمانية في الدستور المصري تدخل في الشؤون الداخلية لمصر فموقفهم يستحق الإشادة صدقا حتى وإن كان الاختلاف معهم حول بعض القضايا.. فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ياطيب أردوغان، والله من وراء القصد.
د. عبدالله بن ثاني
ع ق 660
ويمنعهم من ضربه ويقدم له الماء والطعام حتى إذا ما اطمأن له انقاد له بلا مقاومة ليخرجه من تلك الحفرة ثم يبيعه للتجار بعد تلك الخدعة...
يذكرني طيب أردوغان وهو يطوف البلاد العربية المنكوبة بالمجاعات والثورات الشعبية بصائد الفيلة البدائي في أدغال أفريقيا قديما وبخاصة بعد دعوته لتطبيق العلمانية في الدستور المصري وتلميع وجهها أمام المنكوبين وإلغاء المادة الثانية من الدستورالمصري التي تنص على إسلامية مصر وعروبتها أثناء لقائه في برنامج حواري على إحدى الفضائيات إذ دعا المصريين إلى صياغة دستور يقوم على مبادئ العلمانية، وقال: «الآن في هذه الفترة الانتقالية في مصر وما بعدها أنا مؤمن بأن المصريين سيقيمون موضوع الديمقراطية بشكل جيد، وسوف يرون أن الدول العلمانية لا تعني (اللادينية)، وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه».
وأردف: «لذا على المصريين ألا يقلقوا من هذا الأمر، وعلى المناط بهم كتابة الدستور في مصر توضيح أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، وتكفل لكل فرد ممارسة دينه. وأوضح أيضا أن العلمانية لا تعني أن يكون الأشخاص علمانيين، فأنا مثلا لست علمانيا، لكنني رئيس وزراء دولة علمانية». وأوضح أن: «99 في المئة من السكان في تركيا مسلمون، وهناك مسيحيون ويهود وأقليات، لكن الدولة في تعاملها معهم تقف عند نفس النقطة، وهذا ما يقره الإسلام ويؤكده التاريخ الإسلامي».
وقفت مذهولا كغيري من الشعوب الإسلامية من تصريح طيب أردوغان الذي تبين لي أنه يجهل الإسلام تماما، ولايعرف شيئا من مبادئه ومسيرة تاريخه الإنساني مع الطوائف والأقليات والأديان، ولايعني أن التطبيق الخاطئ للإسلام في الدولة العثمانية على من كانوا فيها اتهام للدين الذي أرسى قواعد حقوق الإنسان قبل منظمات القرن العشرين.
إن النخب الفكرية في العالم الإسلامي تدرك تماما ماذا عملت العلمانية بتركيا التي فقدت هويتها وتميزها بعد أن قهرت مسلميها وهجرت طوائفها وقتلت علماءها، ولذلك فرح المسلمون بفوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا حالياً، وبسببه وجدت تركيا نفسها ذات جماهيرية تتكلم باسم الإسلام وتهتم بشؤون المسلمين الذين استحضروا قيمة تركيا التاريخية بيد أن الفرحة تبددت ونحن نسمعه في ذلك اللقاء يروج للعلمانية في مصر الحبيبة، ويحارب الإسلام، وهو وحده يعلم أن العلمانية لا تؤمن بحرية الأديان ولا حق الأقليات كما عرفها في لقائه السالف..
نعم إن العلمانية وليس الإسلام في تركيا ياطيب هي التي أدت إلى انتهاك حقوق الأقليات العرقية كالأكراد على سبيل المثال لا الحصر والدينية كالأرمن والسريان الأرثوذكس. واتبع أتاتورك ومن خلفه من قادة أتراك سياسة دمج الأكراد أو كما سماهم «الأتراك الذين يعيشون في الجبال». وراح ضحية هذه السياسة 30 ألف شخص.
إن العلمانية وليس الإسلام في تركيا هي التي طمست هوية البشر ومنعتهم من ممارسة الشعائر الدينية مثل حظر ارتداء بعض أنواع الملابس على الرجال كالسراويل التقليدية والقبعات الحمراء (الطربوش) وتم سن قوانين تجبر الرجال على وضع قبعات أوروبية حديثة وكان كل من يخالف هذه القوانين يعاقب عقاباَ شديداً. إضافة إلى ذلك دعت إلى خلع الحجاب التقليدي، وحاربت اللغة العربية (لغة القرآن) المرتبطة بشكل مباشر بالتعاليم الإسلامية فاستبدلت العلمانية الأحرف العربية التي كانت اللغة التركية تكتب بها بأحرف لاتينية وأحلت التأريخ الميلادي محل التأريخ الإسلامي الهجري. ولذلك أدرك النشطاء الأتراك المسلمون في السياسة خطر العلمانية على تركيا وشعبها ذي الغالبية المسلمة (99%) مثل نجم الدين أربكان الذي حارب العلمانية بالحجة والبرهان مؤكداً أن دخول الإسلام في كافة جوانب الحياة هو الشرط الوحيد لقيام دولة إسلامية، وفي هذا المجال قال نجم الدين أربكان: « قبل كل شيء يجب أن تكون الدولة إسلامية، إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الدين الإسلامي في خطر» وعلى هذا الأساس، فقد انتقد أربكان حزب الاتحاد والترقي قائلا:» ثم نشأ حزب الإتحاد والترقي، وكانت له علاقة باليهود والماسونية، ومن ثم استطاع إسقاط السلطان عبدالحميد، وبدأ في إبعاد تركيا عن النمط الإسلامي وتغريبها بطرق عديدة أهمها العلمانية التي كانت تعني في تركيا بالتحديد اضطهاد المسلمين). إن التفسير المنطقي لتصريحات اردوغان بتلميع وجه العلمانية وتصديرها للعالم العربي كما تصدر إيران ثورتها تؤكد مغازلته للرئاسة في تركيا وبخاصة أن «حزب العدالة والتنمية» الحاكم بتركيا قرر ترشيح عبدالله غول وزير الخارجية بالحكومة لرئاسة الجمهورية التركية بدلاً من أردوغان نفسه رئيس الحزب، وكان العلمانيون الأتراك قد دأبوا على مدى شهور عام 2007م؛ على التنديد بخيانة أردوغان وحزبه للمبادئ العلمانية للدولة، والتهديد بعملٍ ما ضدَّه إذا ما رشَّح نفسَهُ للرئاسة، وبلغت الاحتجاجات والتنديدات ذروتها بتظاهُرةٍ يوم 14 أبريل بلغ عدد المشاركين فيها - فيما يقال - قُرابة الثلاثمائة ألف من حول ضريح ونُصُب مصطفى كمال (أتاتورك) يرفعون الرايات، ويشيدون بأتاتورك وبالعلمانية المستنيرة، ويصرخون بأنهم سيحفظون الجمهورية والعلمانية بسواعدهم ودمائهم إذا لزمَ الأمر...
والسؤال هل فكر أردوغان بمصلحته الشخصية من أجل كرسي الرئاسة وهو يعرف أن أرضية مصر لاتقبل غير الإسلام؟ وهل كان مدركا وهو يتحدث عن العلمانية أنه يتحدث لنخب فكرية تعرف منها أكثر مما يعرفه عنها؟ وهل توقع أن تلك النخب وتلكم الشعوب توافقه على تعريف العلمانية أنها حرية الأديان وليست اللادينية وهم يراقبون حال تركيا في رحم العلمانية منذ عقود تثبت أنها تحارب الدين والتراث والأيديولوجيا والأقليات وكل حقوق الإنسان؟
كان ذلك اللقاء الذي فضح نوايا أردوغان وكنت أتمنى أن يكون الرد عليه من علماء جامعة الأزهر الشريف الذين مازالوا غائبين عن مسرح الأحداث والقضايا الكبرى كالاعتداء على السفارات والسفراء وضرورة احترام المعاهدات في مصر الحبيبة التي تثمن للإخوان المسلمين ردهم عليه بأن هذا الترويج للعلمانية في الدستور المصري تدخل في الشؤون الداخلية لمصر فموقفهم يستحق الإشادة صدقا حتى وإن كان الاختلاف معهم حول بعض القضايا.. فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ياطيب أردوغان، والله من وراء القصد.
د. عبدالله بن ثاني
ع ق 660
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..