د.
مامـَدُو
لايختلف اثنان ولا تنتطح
عنزان ، في أن التشدد والغلو عانت منهما ـ
كغيرها ـ حكومة المملكة .
لكن التعاطي مع علاجه
منذ أكثر من عشرة أعوم ، والبرامج التي
قدمت بعد تقويمها ، فاشلة بمعنى الكلمة
بتصريح المسئولين أنفسهم ، حتى صار المواطن البسيط يقول : كيف أصدق أنكم تحاربون
الإرهاب مع أفعالكم هذه في تنكيلكم بالبرئ والمذنب على حد سواء ! أم كيف أصدق وسجونكم تحولت
إلى مدرسة تخرج أهل الغلو، أو ما
تسمونه الإرهاب !!
قال الدكتور( مامـَدُو)
عفا الله عنه : لا أحب النظرة المتشائمة ، ولا استجرار وإسقاط نظرية المؤامرة على كل ماحولنا ، ولا يعجبني أبدا رمي الكلام على
عواهنه في الأمور العامة بدون تثبت ، كمن يقول
: بأن ملف حرب الإرهاب البقرة الحلوب التي تحلب منها الميزانيات ، ولا من يقول إن العنترية منطقٌ لازال (والينا ) ـ حتى اليوم ـ يظن جدواه وفاعليتَه ، رغم أن أرباب العنتريات اليوم ، تهاوو واحدا تلو الآخر، كدُمى طفلٍ رمى بها بعد
أن مَلـّها .
لكنْ ماذا لو جربت
حكومتـُنا الرشيدة ، تجرِبة قطر، في تعاملها الراقي الحضاري مع الغلاة المتشددين ، وفصّـلتها على ( قدّها )
وطورتها ، ولايهمنا حساسيتنا معهم ، ولا قلة ُ عددهم وكثرة المتشددين عندنا ؟
(ناصر) .. شاب ، يـُقبض عليه بتقريرٍ من جهات أمنية خارجية
، بتهمةِ تهريب أموال لتمويل القاعدة من
حدود إيران إلى أفغانستان ، تـَسـَلـَّـمـتـْه الحكومة القطرية ، وحققت معه فاعترف ، فأوُقـِف أسبوعين ، يتبسط معه الضابط بأن توقيفه حمايةً له ، ولترتيب أوضاع دمجه في الحياة العامة ، واستنـْباته ليكون مواطنا يَبنى ويساهم ويـُنـتـج
، بعد شكٍ وريبةٍ في صدق نواياهم وحسن
تعاملهم ، يصدّقه (ناصر) حين يخيـّره في الوظيفة التي يريدها ، وما إن يخرج (ناصر)
بعد أسبوعين ، إلا وإجراءات الوظيفة
الجديدة التي اختارها قد انتهت ، و صدر قرار التوظيف والمباشرة واستلمه ، ومعه بعض
المساعدات المالية والتسهيلات ، يخرج ( ناصر) وقد كسـَرَ الإحسانُ قلبَه وليّـنَه ، واستل
سـُخـْمَه ، لكنّ ( رفاق الغلو ) بدؤوا من جديد يشحنونه ضد الحكومة ، فلم يقتنع بإلحاق الضرر العام تدينا ، وإنما
اكتفى من الإنكار بكتابة نصيحةٍ لحاكمه ، صدّرها بقوله " السلام على من اتبع
الهدى!"
تصل الرسالة للديوان
الأميري وتـُحلل ، ويدرسها العقلاء فتتفق كلمتـُهم ، على أن الرد عليه ، فضلا عن ما هو أكبرُ منه ،
يجعل منه بطلا وطنيا ، ورمزا ثوريا تلتف حوله الناس ، قد يحلم هو به ، فلا نخدمه به .
أرسـَلـَتْ إليه الجهةُ الأمنية مع ضابط التحقيق بعضَ العقلاء الحكماء من الدعاة الذين يُجـلـُّهم
ويقدرهم (هو).
( خالد
) .. من الموظفين الذين وقع عليهم اختيار الدولة ، ولايخفى على المسئولين إيمانُ ( خالدٍ ) بالدعوة ولا عملـُه لها ، و هو من الحريصين على
مثل هذه الأعمال ، وهي نصح وانتشال الشباب
من تيار أهل الغلو، ويعتبر( خالد ) عمله
هذا قربةً ودعوةً وواجبا للولاة عليه ،
وليس فقط مجرد وظيفة وأداء مهمة عمل ، فأكسبه ذلك مصداقية وثقة عند الحكومة وعند
الشباب .
فزاروا (ناصرا ) في بيته ... كتب الضابط ما يريد في جو أسري ، ثم ناقشوه ،
وودعهم ( ناصر ) على الباب ، وما إن رجع ـ كما أسَـرَّ لبعضٍ ـ حتى تفككتْ بعض القناعات ، وتخلْخَلتْ بعض المعطيات المسلمات عنده ، وزُرعت
بعضُ الشبهات في عقله وقلبه حول ما يراه أدلة ً دامغة ،وحججا بيـّنةً تدين النظام
وتوجب محاربته .
( ناصر ) جرّب ونـفَـّسَ ونفـَثَ واستفرغ كل مايراه دينا
وجهادا وتغييرا وأمرا بمعروف ،ثم ماذا ؟
قال الدكتور ( مامـَدُو)
عفا الله عنه : حدثني من قابله في مناسبة ، وإذا به يقول : يا إخوان لازم من الحكمة والتعقل
والتغيير السلمي وبالحوار !! ولا نستغرب فإن العرب تقول " الـلـُّهاة ُـ بضم
اللام العَطِـيـّة ـ تفتح ُالـلـَّهاة َ " الحلق .
لا.. بل وأكثر من ذلك
أن ( خالدا ) حين خرج اثنان من الغلاة ، ، ممن سـُلِّـموا للحكومة القطرية وأحدهما
كان في ( قوانتيناموا ) وسمع أنهما تعرضا للظلم
والضرب والإهانة ، مع الأوامر المشددة ألا
يضرب أمثال هؤلاء ، اتصل بهم ثم دخل على كبار المسئولين في الدولة وأخبرهم ،
فأمروا بإحضار الضابط الذي ضرب ، وجمعوه بالاثنين ، وخلوا بينهما وبينه ليقتصا منه ، أحدهما عفى
والثاني قام وضرب الضابط .
ماذا لو جربنا في
بلادنا مع المتشددين الغلاة ، ماجربته قطر
، وحلت مشكلتها معهم ، ولماذا لايشعر(ولاتنا ) بضرورة تغيير الأسلوب والتكتيك الاستراتيجي
بعد تجربة أساليب لاتجدى ، وتجربة هذه
الحلول لأهم قضية تشغل الشارع والمواطن ، وهي أعداد الموقوفين المتزايدة في سجون
بلادنا وحكومتنا ، ولو تأملنا ورجعنا قليلا لتذكرنا أنه لم
تحصل ولا حادثة اغتيال واحدة في سنوات قوة
تيار الصحوة في المملكة ، ولا في أعوام تشجيع الحكومة الشباب للذهاب إلى أفغانستان
، فهل يعنى ذلك أن إجراءاتنا هي التي تفرز
الإرهاب ؟
عموما .. لعلي أجمل
الخطوات المقترحة التي أراها (وقاية )
لموضوع الغلو والغلاة في هذه النقاط
الخمسة :
أولا:
فرز الغلاة الموقوفين ، والتفريق بين ذوي النوايا الطيبة منهم المصلحين وبين
الناقمين ،فلا نستعدي فضلاء الغلاة الناقدين بإجراءات تخدمهم ولا تزيد الوضع إلا تأزما و تعقيدا ، مئات بل
آلاف من المسجونين يكتسبون الغلو ويتشربونه بعد دخولهم السجن ، والأمثلة حاضرة
عندي كثيرة من واقع تعاملي واحتكاكي بهم لا أثقل علي قارئ الكريم بها ، وخذوا
مثالا مستفيضا معروفا عند الناس ، الدكتور سعيد ابن زعير لم يكن من أهل الغلو أبدا
، كان من المعتدلين ، بل ما أبعدنا في
النُّـجـْعـَة ِ ـ طلبُ الكلأ ِ والمرعى ـ لو قلنا بأنه كان من أنصار الدولة الموالين ، ولكنّ الظلم الذي رآه ، وشدة ُ عناده
، جعلاه يسلك وينهج منهج جماعات وأفكار
الغلو .
ثانيا :
العدل والمحاكمة العلنية ، وتسليم ملفهم للقضاء الشرعي بدون ضغوط عليه وتنفيذ
الأحكام مباشرة وفوريا ، خاصة أن معظم هؤلاء المسجونين أبرياء وسجناء رأي وفكر،
وهل تقتلع الأفكار بالسجن والتقتيل ؟ لا بل بالسجن والتقتيل تعطى مصداقية ، وعاملا مهما لكسب أتباع وأنصار
للفكرة كما هو معلوم .
ثالثا :
تأمين أهليهم وذويهم ، ومعاملتهم معاملة راقية كريمة ، لأنهم لاذنب ولا جرم لهم أنْ صارفي العائلة متشدد ، والإسراع في حل مشكلاتهم المالية ، وسد فراغ الموقوف إن وجد ، وتأمين مستقبل الأسرة والأبناء المعيشي ، فنجعل من الأسرة رقيبا حسيبا عَـذيرا
ـ من يلوم فلانا ولايلومني ـ من هذا المتشدد ، بدل من إجراءاتٍ تجعل من
الأسرة كلها أسرة تبغض النظام والوالي ، وتتهامس بكرهه وظلمه وإهانتها في أبنائها ،
فتنثر بين الأهالي بذور الكراهية لولاة الأمر وهي البدايات الأولى التي يدخل منها
الغلاة وينشروا فكرهم ويجندوا غيرهم كما في إشارته عليه الصلاة والسلام في قوله
كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنها: ( من كره من
أميره شيئا فليصبر... ) الحديث .
رابعا :
ترك متنفس لأهل الغلو يكتبون ويتكلمون ويُخرجون ماعندهم ،فإن كان صحيحا غيّرنا
وأصلحنا أحوالنا وتراجعنا ، وفي تراجعنا قوة ومصداقية ، وشفافية تتطلبها المرحلة ،
وأفعالنا وواقعنا يؤكد ويترجم دعوانا، أننا جادون في محاربة الغلو والتشدد ، وإن كان
باطلا كذّبه واقعـُنا، وردّ تـْه أفعالـُنا ، وألسنة الناس أقلام الحق ، ولا عدمنا
عدوا يكمّـلنا ، والشاعر يقول : عداتي لهم فضلٌ
علي ّومـِنـَّة ٌ..الخ .
خامسا :
تقريب المصلحين
الوطنيين المخلصين ، وجعلهم بطانة ناصحة وتمكينهم وإعطائهم قدرهم ، والصدق في
الأخذ بآرائهم وعدم الضغط عليهم ، بعد تسريح شأن
مرتزقة ( أكـَلـْجـِيـّةِ )
برنامج حرب الإرهاب من المسئولين والمشايخ
والأكاديميين والكتـَبة المطبلين النفعيين ، سامحهم الله ، إذ أكلوا تحت دعوى حكماء وخبراء وأطباء
ومستشاري لجان المناصحة ما أكلوا ،
وجـُربوا فلم يـَنـْفعوا ، وخَطـّـطوا ففشلوا ،وتكلموا فأ
َحرَجوا وأوغروا ، فحتى لايعطونا نفس
النتائج السابقة ، فلا أقل من التسريح والله تعالى الحق يقول : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) . والله
المستعان .
وكتـَـبه
في الأشهر الحُرم :( د. ما مَدو، كان ولـيَّـه الصمدُ)
جزاني الله
خيرا ، وأخرج بلدي إلى بر الأمان والإيمان . ( ووقى أبا أسامة شرّ السجن والسجان..قاسم)
3ـ
ذي القـَعْدة المحرم ـ 1432هــ
ع ق 726
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..