عندما كنا صغاراً كان أساتذتنا في حلقة التحفيظ يطرحون علينا فتوى ابن تيمية "الشهيرة" في الطائفة النصيرية ـ وكانوا يذكرونها حين يتكلمون عن سورية في سياق أحداث حماة ـ تلك الفتوى التي أكد ابن تيمية فيها أن النصيرية "أكفر من اليهود والنصارى ؛ بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم ؛ فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل السالفة بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها ؛ يدعون أنها علم الباطن ؛ من جنس ما ذكره السائل ومن غير هذا الجنس ؛ فإنه ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله تعالى ورسوله عن مواضعه ؛ إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها .. إلخ".
وأن " الصلوات الخمس " معرفة أسرارهم و " الصيام المفروض " كتمان أسرارهم " وحج البيت العتيق " زيارة شيوخهم "، وأنهم "وحقيقة أمرهم أنهم لا يؤمنون بنبي من من الأنبياء والمرسلين ؛ لا بنوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولا بشيء من كتب الله المنزلة ؛ لا التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن . ولا يقرون بأن للعالم خالقا خلقه ؛ ولا بأن له دينا أمر به ولا أن له دارا يجزي الناس فيها على أعمالهم غير هذه الدار".
وأنه "قد اتفق علماء المسلمين على أن هؤلاء لا تجوز مناكحتهم ؛ ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ولا يتزوج منهم امرأة ولا تباح ذبائحهم . وأما " الجبن المعمول بإنفحتهم " ففيه قولان مشهوران للعلماء كسائر إنفحة الميتة وكإنفحة ذبيحة المجوس؛ وذبيحة الفرنج الذين يقال عنهم إنهم لا يذكون الذبائح".
وأن " أوانيهم وملابسهم " فكأواني المجوس وملابس المجوس على ما عرف من مذاهب الأئمة . والصحيح في ذلك أن أوانيهم لا تستعمل إلا بعد غسلها"!
وأنهم حتى لو أظهروا التوبة والإنابة فإنهم "إذا أظهروا التوبة ففي قبولها منهم نزاع بين العلماء ؛ فمن قبل توبتهم إذا التزموا شريعة الإسلام أقر أموالهم عليهم . ومن لم يقبلها لم تنقل إلى ورثتهم من جنسهم ؛ فإن مالهم يكون فيئا لبيت المال ؛ لكن هؤلاء إذا أخذوا فإنهم يظهرون التوبة ؛ لأن أصل مذهبهم التقية وكتمان أمرهم وفيهم من يعرف وفيهم من قد لا يعرف . فالطريق في ذلك أن يحتاط في أمرهم فلا يتركون مجتمعين ولا يمكنون من حمل السلاح ولا أن يكونوا من المقاتلة ويلزمون شرائع الإسلام : من الصلوات الخمس وقراءة القرآن . ويترك بينهم من يعلمهم دين الإسلام ويحال بينهم وبين معلمهم".
هذا أهم ما جاء في فتوى ابن تيمية في النصيرية أو الطائفة العلوية في الشام، وعلى هذه الفتوى يعتمد من يعتمد في تكفير العلويين.
هذه الفتوى اليوم انتشرت كثيرًا جدًا وتدوولت كثيرًا جدًا عبر وسائل الإعلام المرئية وفي مواقع الإنترنت بسبب الأحداث التي تشهدها سورية، ينشرها من يظن أن الانتفاضة السورية اليوم هي انتفاضة أهل السنة!! على النظام العلوي النصيري "الكافر" فيصبغ الانتفاضة الشعبية السورية على الظلم والقمع والفساد بصبغة طائفية تضر أكثر مما تنفع إذ ستكون تحت شعار: (الطائفة تريد)، لا تحت شعار: (الشعب يريد)! بل هي لا تعبر أصلاً عن طبيعة الانتفاضة السورية القائمة على الحقوق العامة والمواطنة والمساواة والديموقراطية للشعب السوري كله بعيدًا عن النفس الطائفي البغيض، ولا خدمة يمكن أن تقدم للنظام السوري اليوم أكثر من هذه الخدمة التي تجعل الانتفاضة انتفاضة طائفية بما يترتب عليها من إشعال الفتنة والبغضاء بين أبناء الشعب السوري وضرب بعضهم ببعض وتأجيج الخلاف المذهبي والعقائدي بينهم فيكون أول عوامل فشل هذه الانتفاضة العادلة والمشروعة.
ومن أجل هذا يقوم النظام السوري اليوم ـ كما أخبرني بهذا الشيخ السوري العالم مجد بن أحمد مكي وفقه الله ـ بطبع فتوى ابن تيمية وتوزيعها على المناطق العلوية في الشام معتمدًا على هذا النفس الطائفي البغيض ليقرأ العلويون تلك المقتطفات السابقة من الفتوى فيهتاجوا على إخوانهم من أهل السنة! فهم ـ أي العلويين ـ أكفر من اليهود والنصارى، ولا يجوز مناكحتهم، والواجب الاحتياط في توبتهم ... إلخ.
لقد سمعنا جميعًا كلام أحد شيوخ السلفية ـ بما فيه من نفس طائفي ـ والذي وجهه إلى الشعب السوري لم يعنه فيه إلا انتصار طائفة أهل السنة على تلك الطائفة النصيرية لأسباب طائفية حتى لو ذهب ثلث الشعب السوري في تحقيق هذا المطلب ـ فما أرخص الدماء ـ، وإذا كان هذا الشيخ قد وقف موقف الضد من الإخوان المسلمين في اليمن وضد توليهم السلطة فيها بحجة أنهم لا يهتمون بالعقيدة مع كونهم من أهل السنة فما القول في الطائفة النصيرية "الملعونة الخبيثة الملحدة؟".
إن النفس الطائفي البغيض من شأنه أن يقضي على هذه الانتفاضة الشعبية والتي يؤكد قادتها أنها شعبية تصب في مصلحة جميع طوائف وشرائح الشعب السوري بلا استثناء، كما يؤكد المراقب العام للإخوان المسلمين الأستاذ البيانوني على هذه القضية وأنها مطالب شعبية على ضوء المساواة والحقوق والديموقراطية بعيدًا عن الطائفية بكل أشكالها وأن العبرة بصناديق الاقتراع دون التفريق بين المواطنين السوريين بدين أو عقيدة أو انتماء فكري.
تلكم هي فتوى ابن تيمية التي يعتمد عليها طوائف عريضة من المتحمسين والذي ينظرون إلى الأمور بمنظار طائفي، هذا لو افترضنا أصلاً صحة أحكام هذه الفتوى ودقة وصفها، فهل النصيرية في الشام بعامة هم فعلاً كما وصفهم الإمام ابن تيمية يرحمه الله؟ وهل تلكم هي عقائدهم؟
بين يدي ثلاثة كتب تتكلم عن العلويين في الشام:
الكتاب الأول: هو الكتاب الشهير "إسلام بلا مذاهب" للشيخ "مصطفى الشكعة". وقد قدّم له إمام الأزهر "الشيخ محمود شلتوت"، وقد خصص المؤلف فيه فصلاً بأكمله للعلويين، وأوضح أن تسميتهم بالنصيرية هو اسم أطلقه عليه أعداؤهم، وأن تسمية النصيرية لحقتهم إما للانتساب إلى محمد بن نصير ولا غضاضة في هذا ـ بحسب تعبير الشكعة ـ فهو رجل كبير من رجالاتهم، أو للانتساب إلى جبل (النصيرة) الذي لجؤوا إليه وأقاموا فيه احتماء من الأذى، وهو ما يرجحه المؤلف ويعده هو الحقيقة في هذه النسبة. إلا أنهم لا يحبون الانتساب إلا إلى الاسم الأثير لديهم العزيز على قلوبهم وهو (العلويون).
وسرد المؤلف من الأحداث التاريخية ما يبين أن العلويين ليسوا موالين لأعداء الدين بل لهم من البطولات ضد الصليبيين قديمًا والمستعمر الفرنسي حديثًا والجهاد سابقًا ولاحقًا ما يشهد لهم بالفضل.
أما عقائد العلويين فيبين الشكعة أنهم فريقان: فريق هو السائد المنتشر وهم شيعة إمامية جعفرية بلا شك، قوم يصلون ويزكون ويحجون، ويعتقدون عقائد الشيعة الإمامية حذوك القذة بالقذة.
وفريق آخر وهو قليل جدًا غلا حتى ابتعد عن الإسلام، ومنهم المرشدية وهم الفريق الأقل.
ويؤكد الشكعة أن عقلاء العلويين من الفريق الأول يبذلون الجهود لإعادة الفريق الثاني إلى الصواب. ويتألمون لحال انتشار هذا الجهل المؤلم في بعض المنتسبين للعلوية.
وهو لا ينفي وجود مغرضين أدعياء مارسوا الضلالة والإضلال في بعض الطوائف والمناطق ولكن هذا لا يصح تعميمه على جميع العلويين. فيحكم عليهم بحكم عام.
ونقل الشكعة عن مجموعة من علماء العلويين (عبد الرحمن الخيّر، محمود الصالح، عبد الله الفضل، أحمد حيدر وغيرهم من العلويين) كتابات توضح أن المذهب العلوي ليس كما يصوره أعداؤه مع الاعتراف بوجود جهالة وضلال في بعض الطوائف التي انعزلت عن العلم بطريقة أو بأخرى فاستغل ذلك بعض المندسّين وبظروف موضوعية لم تعد الآن موجودة.
هذا لا ينفي وجود ما نرفضه نحن من بدع ما تزال موجودة في العلويين غير أنها لا تخرج بهم إلى أن يحكم فيهم بحكم عام يشمل جميعهم ويصورهم بتلك الصورة التي نقرأها في فتوى ابن تيمية يرحمه الله والتي لا شك أنها لا تنطبق على السائد فيهم والكثرة الكاثرة منهم.
الكتاب الثاني:
كتاب بعنوان: العلويون والتشيع، ألفه الشيخ علي عزيز الإبراهيم، وقدم له العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، الذي بيّن في مقدمته لهذا الكتاب نقطتين مهمتين:
الأولى: أن المذاهب يعتريها التغير بحسب تطور الزمن واختلاف الأمكنة وظهور المجددين والمجتهدين، فلا يصح محاكمة المعاصرين بمقولات القدماء، بل يحاسبون الآن على ما يعتقدونه الآن ويمارسونه عبر الحوار الهادئ العقلاني.
والثانية: أن تكذيب المخالف حين يعلن عن عقائده بسبب اتخاذه خطًا فرضته عليه ظروفه القاسية (كالتقية) مثلاً لا بد أن يسبقه فهم لطبيعة هذا الخط الوقائي الذي لا يقتصر على الشيعة وحدهم، وله ظروفه المبررة ليتحول إلى شأن إنساني، مؤكدًا أن الشيعة قد نشروا تراثهم دون اتقاء؛ حتى التراث الذي كانوا يتقون من ظهوره؛ بحيث إن الذين يطلقون الاتهامات يعتمدون على ذلك التراث الذي لم يتق الشيعة حين نشروه! دلالة على أن الشيعة أنفسهم تركوا تلك التقية في الجانب الفكري كما يقول.
ويدعو فضل الله في مقدمة هذا الكتاب جميع طوائف المسلمين إلى إعلان أفكارهم الحقيقية لأن إخفاءها لن يخدم استمرارها في الطائفة نفسها فضلاً عن غيرها؛ لأن الواقع المعاصر لا يتقبل فكرة باطنية خفية تخاف من الخروج إلى الشمس، مؤكدًا أن هذا الكتاب الذي يقدّم له "يمثل حركة واعية صريحة في اتجاه الإعلان عن عقيدة العلويين الذين يمثلون جمهوراً كبيرًا في الواقع الإسلامي في أكثر من موقع".
أما مؤلف الكتاب الشيخ الإبراهيم فقد رفع صوته في مقدمته لكتابه بقوله في حق من يتهم العلويين بتلك العقائد المغالية: "اتقوا الله في هؤلاء الناس فهم في الحقيقة ليسوا إلا شيعة جعفرية إمامية".
ويفنّد الشيخ الإبراهيم حقيقة الانتماء إلى ذلك اللقب الذي ينسبه أعداء العلويين إليهم مبينًا أن فيه من التناقض والاضطراب ما لا يقطع بنسبتهم إلى شخصية محمد بن نصير الذي اختلف فيه الشيعة أنفسهم جرحًا وتعديلاً. ويرى الشيخ الإبراهيم أن إطلاق لقب (النصيرية) إنما هو من أعدائهم، وهو شبيه بإطلاق لقب (الروافض) على الشيعة، أو (النواصب) على السنة.
وينقل المؤلف لمجموعة من علماء الطائفة العلوية بيانًا أصدروه عام 1938م يردون فيه على اتهامات الخصوم إبان الاحتلال الفرنسي لسورية مؤكدين بكل قوة أن مذهبهم جعفري إمامي عار عما يرميهم به الخصوم، وأن ما يقولونه في الطائفة العلوية محض افتراء.
ولا ينكر مؤلف الكتاب وجود طائفة ضئيلة مغالية ولكنها انقرضت أو تكاد وهي على خلاف الكثرة الكاثرة من العلويين.
ويؤكد الإبراهيم في كتابه أن عقائد العلويين هي هي ذاتها عقائد الشيعة وينفي اتهامهم بالتفسير الباطني للقرآن ويؤكد الالتزام بتفسير آل البيت، وينفي أيضًا القول بتناسخ الأرواح في عموم الطائفة العلوية.
وينقل الإبراهيم بيان مؤتمر أقامه علماء الطائفة العلوية (أكثر من ثمانين عالمًا ومرجعًا علويًا سوريًا ولبنانيًا) في اللاذقية عام 1972م، يبينون فيه بشكل قاطع أن عقائدهم هي عقائد الشيعة الجعفرية الإمامية، ويشنعون على هؤلاء الذين يتناقلون التهم بلا دليل، وينبشون من كتب الماضي دعاوى على أنها حقائق تاريخية. وقد سردوا عقائد الطائفة العلوية باختصار كما ذكروا مذهبهم في الفروع وهي لا تخرج البتة عما يقرره الشيعة الإمامية. (أين كان الإخوان المسلمون عن هذه الوثائق المنشورة قبل أن يتخذوا فتوى ابن تيمية ذريعة لتكفير العلويين إبان أحداث حماة؟)
أما الكتاب الثالث:
فهو كتاب الباحث السوري منير الشريف والذي أكد أن عقائد العلويين هي عقائد الشيعة الإمامية، ونقل فتوى مهمة عن مفتي فلسطين المجاهد الشيخ أمين الحسيني يرحمه الله نشرت في صحيفة الشعب الدمشقية (31 تموز 1936م) قال فيها ما نصه:"إن هؤلاء العلويين مسلمون، وأنه يجب على عامة المسلمين أن يتعاونوا معهم على البر والتقوى، ويتناهوا عن الإثم والعدوان، وأن يتناصروا جميعًا ويتضافروا ليكونوا قلبًا واحدًا في نصرة الدين ويدًا واحدة في مصالح الدين؛ لأنهم إخوان في الملة، ولأن أصولهم في الدين واحدة، ومصالحهم في الدين مشتركة، ويجب على كل منهم بمقتضى الأخوة الإسلامية أن يحب للآخر ما يحب لنفسه، وبالله التوفيق".
ويشنع الكاتب (السني) منير الشريف على المستشرقين الفرنسيين الذين افتروا على المذهب العلوي بهدف التفريق بين أبناء الوطن الواحد.
ويذكر الكاتب من وطنية العلويين وبطولاتهم وحسهم العروبي ما ينفي عنهم دعاوى الخصوم، فهم كما وقفوا في ظلال الدولة الحمدانية العلوية ضد الصليبيين في السابق، قاوموا الاستعمار الفرنسي أيضًا في الحاضر، وذكر منهم الشيخ صالح العلي الذي ثار على الفرنسيين في ذلك الوقت ثورة مشهورة.
وأوضح الكاتب منير الشريف أن الفرنسيين بذلوا جهودًا في الدس بين العلويين والسنيين إبان عام 1938م.
أعتقد بعد هذا أن إطلاق النصيرية بعقائدها التي أوضحها الإمام ابن تيمية وجعلها أكفر من اليهود والنصارى إن كانت تنطبق على طائفة غالية من العلويين لا تمثل إلا الأقلية ـ لو سلمنا بوجودها ـ فهي لا تنطبق على جميعهم، ولو سلّمنا ـ جدلاً ـ أنها تنطبق على جميعهم في عصر ابن تيمية، فهي لا تنطبق على جيمعهم الآن لأسباب موضوعية وواقعية، وأن استثمار تلك الفتوى طائفيًا سواء من جهة بعض من لا يفقه الواقع من أهل السنة، أو من النظام السوري الساعي إلى إفشال هذه الانتفاضة الشعبية، سيخرج الانتفاضة السورية العادلة عن مسارها وسيدخلها في خندق يفرق فيه بين طوائف الشعب، وسيؤدي إلى خسارة العلويين المعارضين للنظام السوري والشقاق معهم لا لشيء إلا لانتمائهم الطائفي، وهذا هو غاية ما يتمناه النظام الحاكم اليوم لتشتيت الجهود وصرفها عن القضية الوطنية الشاملة إلى النزاع الطائفي؛ فمتى يفهم المغفلون؟ ومتى يفهم دعاة الطائفية خطر تكرار ونشر فتوى تاريخية ولى زمانها لا تتفق مع الواقع المعاصر البتة، إن لم نقل إنها لا تتفق كذلك مع واقع العلويين القديم بشكل دقيق.
وقد أوضح الكاتب نبيل شبيب في مقالة له منشورة بعنوان:"براءة ثورة شعب سوريا من فتنة طائفية" أن أبناء الطائفة العلوية ليسوا أحسن حالاً من غيرهم في تعرضهم للاستبداد إن لم يكونوا الأوفر حظًا في وقوع الظلم عليهم من النظام الحاكم. وقد ذكر الكاتب في تلك المقالة أسماء شخصيات علوية بل إسماعيلية ودرزية شهيرة نالها قهر وظلم النظام السوري الحاكم. كما ذكر أسماء شخصيات سنية شهيرة وقفت مؤيدة للنظام الحاكم!
إن العدو الذي يجب مقاومته هو الظلم والاستبداد الذي لا يفرق بين علوي وسني، ولا شيء غير الظلم والاستبداد، وإن من حق الشعب السوري التحرر من هذا الظلم بعيدًا عن فتنة طائفية يشعلها المغفلون هي على الضد من مصلحة الشعب السوري وعلى الضد من حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية التي يهتفون بها صباح مساء ويسعون إلى تحقيقها بالدماء.
وبعد؛ فحتى لو سلمنا افتراضًا وجدلاً بأن العلويين اليوم ما يزالون يعتقدون تلك العقائد الشاذة الغريبة الوثنية التي ذكرها ابن تيمية بل حتى لو افترضنا أن العلويين يصرحون بالكفر المحض فسيبقون مواطنين مظلومين ينتمون إلى شعب مظلوم مقهور شأنهم شأن الصابئة والمجوس واليهود، الواجب نصرهم لا التهييج عليهم، ولن يكون نشر الفتوى ـ بافتراض تلك الحالة ـ عملاً صحيحًا يؤدي إلى نشر العدل ورفع الظلم والاستبداد لكافة شرائح الشعب وطوائفه، وحتى لو سلمنا أن الطائفة العلوية هي على أشد العقائد فسادًا فليس من السديد البتة رفع العقيرة بأن قبول توبتها هو محل نظر وخلاف وشك وريب كما قال ابن تيمية، فكيف وهم ـ كما نقلنا ـ شيعة جعفرية إمامية؟!
رائد السمهوري
وأن " الصلوات الخمس " معرفة أسرارهم و " الصيام المفروض " كتمان أسرارهم " وحج البيت العتيق " زيارة شيوخهم "، وأنهم "وحقيقة أمرهم أنهم لا يؤمنون بنبي من من الأنبياء والمرسلين ؛ لا بنوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولا بشيء من كتب الله المنزلة ؛ لا التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن . ولا يقرون بأن للعالم خالقا خلقه ؛ ولا بأن له دينا أمر به ولا أن له دارا يجزي الناس فيها على أعمالهم غير هذه الدار".
وأنه "قد اتفق علماء المسلمين على أن هؤلاء لا تجوز مناكحتهم ؛ ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ولا يتزوج منهم امرأة ولا تباح ذبائحهم . وأما " الجبن المعمول بإنفحتهم " ففيه قولان مشهوران للعلماء كسائر إنفحة الميتة وكإنفحة ذبيحة المجوس؛ وذبيحة الفرنج الذين يقال عنهم إنهم لا يذكون الذبائح".
وأن " أوانيهم وملابسهم " فكأواني المجوس وملابس المجوس على ما عرف من مذاهب الأئمة . والصحيح في ذلك أن أوانيهم لا تستعمل إلا بعد غسلها"!
وأنهم حتى لو أظهروا التوبة والإنابة فإنهم "إذا أظهروا التوبة ففي قبولها منهم نزاع بين العلماء ؛ فمن قبل توبتهم إذا التزموا شريعة الإسلام أقر أموالهم عليهم . ومن لم يقبلها لم تنقل إلى ورثتهم من جنسهم ؛ فإن مالهم يكون فيئا لبيت المال ؛ لكن هؤلاء إذا أخذوا فإنهم يظهرون التوبة ؛ لأن أصل مذهبهم التقية وكتمان أمرهم وفيهم من يعرف وفيهم من قد لا يعرف . فالطريق في ذلك أن يحتاط في أمرهم فلا يتركون مجتمعين ولا يمكنون من حمل السلاح ولا أن يكونوا من المقاتلة ويلزمون شرائع الإسلام : من الصلوات الخمس وقراءة القرآن . ويترك بينهم من يعلمهم دين الإسلام ويحال بينهم وبين معلمهم".
هذا أهم ما جاء في فتوى ابن تيمية في النصيرية أو الطائفة العلوية في الشام، وعلى هذه الفتوى يعتمد من يعتمد في تكفير العلويين.
هذه الفتوى اليوم انتشرت كثيرًا جدًا وتدوولت كثيرًا جدًا عبر وسائل الإعلام المرئية وفي مواقع الإنترنت بسبب الأحداث التي تشهدها سورية، ينشرها من يظن أن الانتفاضة السورية اليوم هي انتفاضة أهل السنة!! على النظام العلوي النصيري "الكافر" فيصبغ الانتفاضة الشعبية السورية على الظلم والقمع والفساد بصبغة طائفية تضر أكثر مما تنفع إذ ستكون تحت شعار: (الطائفة تريد)، لا تحت شعار: (الشعب يريد)! بل هي لا تعبر أصلاً عن طبيعة الانتفاضة السورية القائمة على الحقوق العامة والمواطنة والمساواة والديموقراطية للشعب السوري كله بعيدًا عن النفس الطائفي البغيض، ولا خدمة يمكن أن تقدم للنظام السوري اليوم أكثر من هذه الخدمة التي تجعل الانتفاضة انتفاضة طائفية بما يترتب عليها من إشعال الفتنة والبغضاء بين أبناء الشعب السوري وضرب بعضهم ببعض وتأجيج الخلاف المذهبي والعقائدي بينهم فيكون أول عوامل فشل هذه الانتفاضة العادلة والمشروعة.
ومن أجل هذا يقوم النظام السوري اليوم ـ كما أخبرني بهذا الشيخ السوري العالم مجد بن أحمد مكي وفقه الله ـ بطبع فتوى ابن تيمية وتوزيعها على المناطق العلوية في الشام معتمدًا على هذا النفس الطائفي البغيض ليقرأ العلويون تلك المقتطفات السابقة من الفتوى فيهتاجوا على إخوانهم من أهل السنة! فهم ـ أي العلويين ـ أكفر من اليهود والنصارى، ولا يجوز مناكحتهم، والواجب الاحتياط في توبتهم ... إلخ.
لقد سمعنا جميعًا كلام أحد شيوخ السلفية ـ بما فيه من نفس طائفي ـ والذي وجهه إلى الشعب السوري لم يعنه فيه إلا انتصار طائفة أهل السنة على تلك الطائفة النصيرية لأسباب طائفية حتى لو ذهب ثلث الشعب السوري في تحقيق هذا المطلب ـ فما أرخص الدماء ـ، وإذا كان هذا الشيخ قد وقف موقف الضد من الإخوان المسلمين في اليمن وضد توليهم السلطة فيها بحجة أنهم لا يهتمون بالعقيدة مع كونهم من أهل السنة فما القول في الطائفة النصيرية "الملعونة الخبيثة الملحدة؟".
إن النفس الطائفي البغيض من شأنه أن يقضي على هذه الانتفاضة الشعبية والتي يؤكد قادتها أنها شعبية تصب في مصلحة جميع طوائف وشرائح الشعب السوري بلا استثناء، كما يؤكد المراقب العام للإخوان المسلمين الأستاذ البيانوني على هذه القضية وأنها مطالب شعبية على ضوء المساواة والحقوق والديموقراطية بعيدًا عن الطائفية بكل أشكالها وأن العبرة بصناديق الاقتراع دون التفريق بين المواطنين السوريين بدين أو عقيدة أو انتماء فكري.
تلكم هي فتوى ابن تيمية التي يعتمد عليها طوائف عريضة من المتحمسين والذي ينظرون إلى الأمور بمنظار طائفي، هذا لو افترضنا أصلاً صحة أحكام هذه الفتوى ودقة وصفها، فهل النصيرية في الشام بعامة هم فعلاً كما وصفهم الإمام ابن تيمية يرحمه الله؟ وهل تلكم هي عقائدهم؟
بين يدي ثلاثة كتب تتكلم عن العلويين في الشام:
الكتاب الأول: هو الكتاب الشهير "إسلام بلا مذاهب" للشيخ "مصطفى الشكعة". وقد قدّم له إمام الأزهر "الشيخ محمود شلتوت"، وقد خصص المؤلف فيه فصلاً بأكمله للعلويين، وأوضح أن تسميتهم بالنصيرية هو اسم أطلقه عليه أعداؤهم، وأن تسمية النصيرية لحقتهم إما للانتساب إلى محمد بن نصير ولا غضاضة في هذا ـ بحسب تعبير الشكعة ـ فهو رجل كبير من رجالاتهم، أو للانتساب إلى جبل (النصيرة) الذي لجؤوا إليه وأقاموا فيه احتماء من الأذى، وهو ما يرجحه المؤلف ويعده هو الحقيقة في هذه النسبة. إلا أنهم لا يحبون الانتساب إلا إلى الاسم الأثير لديهم العزيز على قلوبهم وهو (العلويون).
وسرد المؤلف من الأحداث التاريخية ما يبين أن العلويين ليسوا موالين لأعداء الدين بل لهم من البطولات ضد الصليبيين قديمًا والمستعمر الفرنسي حديثًا والجهاد سابقًا ولاحقًا ما يشهد لهم بالفضل.
أما عقائد العلويين فيبين الشكعة أنهم فريقان: فريق هو السائد المنتشر وهم شيعة إمامية جعفرية بلا شك، قوم يصلون ويزكون ويحجون، ويعتقدون عقائد الشيعة الإمامية حذوك القذة بالقذة.
وفريق آخر وهو قليل جدًا غلا حتى ابتعد عن الإسلام، ومنهم المرشدية وهم الفريق الأقل.
ويؤكد الشكعة أن عقلاء العلويين من الفريق الأول يبذلون الجهود لإعادة الفريق الثاني إلى الصواب. ويتألمون لحال انتشار هذا الجهل المؤلم في بعض المنتسبين للعلوية.
وهو لا ينفي وجود مغرضين أدعياء مارسوا الضلالة والإضلال في بعض الطوائف والمناطق ولكن هذا لا يصح تعميمه على جميع العلويين. فيحكم عليهم بحكم عام.
ونقل الشكعة عن مجموعة من علماء العلويين (عبد الرحمن الخيّر، محمود الصالح، عبد الله الفضل، أحمد حيدر وغيرهم من العلويين) كتابات توضح أن المذهب العلوي ليس كما يصوره أعداؤه مع الاعتراف بوجود جهالة وضلال في بعض الطوائف التي انعزلت عن العلم بطريقة أو بأخرى فاستغل ذلك بعض المندسّين وبظروف موضوعية لم تعد الآن موجودة.
هذا لا ينفي وجود ما نرفضه نحن من بدع ما تزال موجودة في العلويين غير أنها لا تخرج بهم إلى أن يحكم فيهم بحكم عام يشمل جميعهم ويصورهم بتلك الصورة التي نقرأها في فتوى ابن تيمية يرحمه الله والتي لا شك أنها لا تنطبق على السائد فيهم والكثرة الكاثرة منهم.
الكتاب الثاني:
كتاب بعنوان: العلويون والتشيع، ألفه الشيخ علي عزيز الإبراهيم، وقدم له العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، الذي بيّن في مقدمته لهذا الكتاب نقطتين مهمتين:
الأولى: أن المذاهب يعتريها التغير بحسب تطور الزمن واختلاف الأمكنة وظهور المجددين والمجتهدين، فلا يصح محاكمة المعاصرين بمقولات القدماء، بل يحاسبون الآن على ما يعتقدونه الآن ويمارسونه عبر الحوار الهادئ العقلاني.
والثانية: أن تكذيب المخالف حين يعلن عن عقائده بسبب اتخاذه خطًا فرضته عليه ظروفه القاسية (كالتقية) مثلاً لا بد أن يسبقه فهم لطبيعة هذا الخط الوقائي الذي لا يقتصر على الشيعة وحدهم، وله ظروفه المبررة ليتحول إلى شأن إنساني، مؤكدًا أن الشيعة قد نشروا تراثهم دون اتقاء؛ حتى التراث الذي كانوا يتقون من ظهوره؛ بحيث إن الذين يطلقون الاتهامات يعتمدون على ذلك التراث الذي لم يتق الشيعة حين نشروه! دلالة على أن الشيعة أنفسهم تركوا تلك التقية في الجانب الفكري كما يقول.
ويدعو فضل الله في مقدمة هذا الكتاب جميع طوائف المسلمين إلى إعلان أفكارهم الحقيقية لأن إخفاءها لن يخدم استمرارها في الطائفة نفسها فضلاً عن غيرها؛ لأن الواقع المعاصر لا يتقبل فكرة باطنية خفية تخاف من الخروج إلى الشمس، مؤكدًا أن هذا الكتاب الذي يقدّم له "يمثل حركة واعية صريحة في اتجاه الإعلان عن عقيدة العلويين الذين يمثلون جمهوراً كبيرًا في الواقع الإسلامي في أكثر من موقع".
أما مؤلف الكتاب الشيخ الإبراهيم فقد رفع صوته في مقدمته لكتابه بقوله في حق من يتهم العلويين بتلك العقائد المغالية: "اتقوا الله في هؤلاء الناس فهم في الحقيقة ليسوا إلا شيعة جعفرية إمامية".
ويفنّد الشيخ الإبراهيم حقيقة الانتماء إلى ذلك اللقب الذي ينسبه أعداء العلويين إليهم مبينًا أن فيه من التناقض والاضطراب ما لا يقطع بنسبتهم إلى شخصية محمد بن نصير الذي اختلف فيه الشيعة أنفسهم جرحًا وتعديلاً. ويرى الشيخ الإبراهيم أن إطلاق لقب (النصيرية) إنما هو من أعدائهم، وهو شبيه بإطلاق لقب (الروافض) على الشيعة، أو (النواصب) على السنة.
وينقل المؤلف لمجموعة من علماء الطائفة العلوية بيانًا أصدروه عام 1938م يردون فيه على اتهامات الخصوم إبان الاحتلال الفرنسي لسورية مؤكدين بكل قوة أن مذهبهم جعفري إمامي عار عما يرميهم به الخصوم، وأن ما يقولونه في الطائفة العلوية محض افتراء.
ولا ينكر مؤلف الكتاب وجود طائفة ضئيلة مغالية ولكنها انقرضت أو تكاد وهي على خلاف الكثرة الكاثرة من العلويين.
ويؤكد الإبراهيم في كتابه أن عقائد العلويين هي هي ذاتها عقائد الشيعة وينفي اتهامهم بالتفسير الباطني للقرآن ويؤكد الالتزام بتفسير آل البيت، وينفي أيضًا القول بتناسخ الأرواح في عموم الطائفة العلوية.
وينقل الإبراهيم بيان مؤتمر أقامه علماء الطائفة العلوية (أكثر من ثمانين عالمًا ومرجعًا علويًا سوريًا ولبنانيًا) في اللاذقية عام 1972م، يبينون فيه بشكل قاطع أن عقائدهم هي عقائد الشيعة الجعفرية الإمامية، ويشنعون على هؤلاء الذين يتناقلون التهم بلا دليل، وينبشون من كتب الماضي دعاوى على أنها حقائق تاريخية. وقد سردوا عقائد الطائفة العلوية باختصار كما ذكروا مذهبهم في الفروع وهي لا تخرج البتة عما يقرره الشيعة الإمامية. (أين كان الإخوان المسلمون عن هذه الوثائق المنشورة قبل أن يتخذوا فتوى ابن تيمية ذريعة لتكفير العلويين إبان أحداث حماة؟)
أما الكتاب الثالث:
فهو كتاب الباحث السوري منير الشريف والذي أكد أن عقائد العلويين هي عقائد الشيعة الإمامية، ونقل فتوى مهمة عن مفتي فلسطين المجاهد الشيخ أمين الحسيني يرحمه الله نشرت في صحيفة الشعب الدمشقية (31 تموز 1936م) قال فيها ما نصه:"إن هؤلاء العلويين مسلمون، وأنه يجب على عامة المسلمين أن يتعاونوا معهم على البر والتقوى، ويتناهوا عن الإثم والعدوان، وأن يتناصروا جميعًا ويتضافروا ليكونوا قلبًا واحدًا في نصرة الدين ويدًا واحدة في مصالح الدين؛ لأنهم إخوان في الملة، ولأن أصولهم في الدين واحدة، ومصالحهم في الدين مشتركة، ويجب على كل منهم بمقتضى الأخوة الإسلامية أن يحب للآخر ما يحب لنفسه، وبالله التوفيق".
ويشنع الكاتب (السني) منير الشريف على المستشرقين الفرنسيين الذين افتروا على المذهب العلوي بهدف التفريق بين أبناء الوطن الواحد.
ويذكر الكاتب من وطنية العلويين وبطولاتهم وحسهم العروبي ما ينفي عنهم دعاوى الخصوم، فهم كما وقفوا في ظلال الدولة الحمدانية العلوية ضد الصليبيين في السابق، قاوموا الاستعمار الفرنسي أيضًا في الحاضر، وذكر منهم الشيخ صالح العلي الذي ثار على الفرنسيين في ذلك الوقت ثورة مشهورة.
وأوضح الكاتب منير الشريف أن الفرنسيين بذلوا جهودًا في الدس بين العلويين والسنيين إبان عام 1938م.
أعتقد بعد هذا أن إطلاق النصيرية بعقائدها التي أوضحها الإمام ابن تيمية وجعلها أكفر من اليهود والنصارى إن كانت تنطبق على طائفة غالية من العلويين لا تمثل إلا الأقلية ـ لو سلمنا بوجودها ـ فهي لا تنطبق على جميعهم، ولو سلّمنا ـ جدلاً ـ أنها تنطبق على جميعهم في عصر ابن تيمية، فهي لا تنطبق على جيمعهم الآن لأسباب موضوعية وواقعية، وأن استثمار تلك الفتوى طائفيًا سواء من جهة بعض من لا يفقه الواقع من أهل السنة، أو من النظام السوري الساعي إلى إفشال هذه الانتفاضة الشعبية، سيخرج الانتفاضة السورية العادلة عن مسارها وسيدخلها في خندق يفرق فيه بين طوائف الشعب، وسيؤدي إلى خسارة العلويين المعارضين للنظام السوري والشقاق معهم لا لشيء إلا لانتمائهم الطائفي، وهذا هو غاية ما يتمناه النظام الحاكم اليوم لتشتيت الجهود وصرفها عن القضية الوطنية الشاملة إلى النزاع الطائفي؛ فمتى يفهم المغفلون؟ ومتى يفهم دعاة الطائفية خطر تكرار ونشر فتوى تاريخية ولى زمانها لا تتفق مع الواقع المعاصر البتة، إن لم نقل إنها لا تتفق كذلك مع واقع العلويين القديم بشكل دقيق.
وقد أوضح الكاتب نبيل شبيب في مقالة له منشورة بعنوان:"براءة ثورة شعب سوريا من فتنة طائفية" أن أبناء الطائفة العلوية ليسوا أحسن حالاً من غيرهم في تعرضهم للاستبداد إن لم يكونوا الأوفر حظًا في وقوع الظلم عليهم من النظام الحاكم. وقد ذكر الكاتب في تلك المقالة أسماء شخصيات علوية بل إسماعيلية ودرزية شهيرة نالها قهر وظلم النظام السوري الحاكم. كما ذكر أسماء شخصيات سنية شهيرة وقفت مؤيدة للنظام الحاكم!
إن العدو الذي يجب مقاومته هو الظلم والاستبداد الذي لا يفرق بين علوي وسني، ولا شيء غير الظلم والاستبداد، وإن من حق الشعب السوري التحرر من هذا الظلم بعيدًا عن فتنة طائفية يشعلها المغفلون هي على الضد من مصلحة الشعب السوري وعلى الضد من حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية التي يهتفون بها صباح مساء ويسعون إلى تحقيقها بالدماء.
وبعد؛ فحتى لو سلمنا افتراضًا وجدلاً بأن العلويين اليوم ما يزالون يعتقدون تلك العقائد الشاذة الغريبة الوثنية التي ذكرها ابن تيمية بل حتى لو افترضنا أن العلويين يصرحون بالكفر المحض فسيبقون مواطنين مظلومين ينتمون إلى شعب مظلوم مقهور شأنهم شأن الصابئة والمجوس واليهود، الواجب نصرهم لا التهييج عليهم، ولن يكون نشر الفتوى ـ بافتراض تلك الحالة ـ عملاً صحيحًا يؤدي إلى نشر العدل ورفع الظلم والاستبداد لكافة شرائح الشعب وطوائفه، وحتى لو سلمنا أن الطائفة العلوية هي على أشد العقائد فسادًا فليس من السديد البتة رفع العقيرة بأن قبول توبتها هو محل نظر وخلاف وشك وريب كما قال ابن تيمية، فكيف وهم ـ كما نقلنا ـ شيعة جعفرية إمامية؟!
رائد السمهوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..