نشرت الصحف العربيّة والعالميّة مؤخراً نتائج دراسة عائدة إلى كلية إدارة الأعمال في جامعة مدريد تفيد بأن 47
% من الجاليات المهاجرة في إسبانيا يعانون من الفقر، وبخاصة القادمون من
خارج دول الاتّحاد الأوروبي. وأفادت الدراسة أنه في الوقت الذي يبلغ فيه
معدل دخل الفرد الإسباني10297 يورو سنوياً، لا يزيد معدل دخل العامل المهاجر من دول الاتّحاد الأوروبي على 8099 يورو، مقابل متوسط دخل يقارب6647 يورو سنوياً فقط للمهاجرين من دول خارج الاتّحاد الأوروبي.
يأتي هذا الخبر ليؤكّد مرّة أخرى مقولة المفكّر الهولندي بول ترينور Paul Treanor من أن اللامساواة بين طبقات الشعب داخل الدولة الديمقراطية تتعمق بقدر ما تتسع الفجوة بين الديمقراطيات الغنية والدول الأخرى، فضلاً عن فشل الدول الغنية في إنقاذ العالم من الفقر أو منع المجاعات. كما لاحظ حينها أن الديمقراطيات الغنّية تحدّ من قبول المهاجرين بكلّ الطرق، وأن أغلب هذه الدول أنفقت مبالغ ضخمة من دخلها القومي لاستحداث أجهزة مراقبة إلكترونية على الحدود لمنع تسلّل المهاجرين، فيما تقبل الدول الغنّية غير الديمقراطية "مثل دول الخليج" أعداداً كبيرة من الوافدين(هل فشلت الديمقراطية؟ دورية العراق17 /11 /2003). وإذا كانت الدول الغنّية، مثل دول أوروبا وأميركا تحديداً، قد تأثرت بالأزمة المالية إلى درجة كبيرة، بحيث أصبح الفقر قضية رئيسة، بحسب مسح صادر عن الاتّحاد الأوروبي في يونيو العام 2010 يشير إلى أن نسبة كبيرة من الأوروبيّين يجدون صعوبة في توفير سبل العيش، وإلى أن واحداً من كلّ ستة أوروبيّين يجد صعوبة في تسديد فواتيره ، فضلاً عن تصريح نحو 30% من الذين شملهم هذا المسح بأنه أصبح من الصعب عليهم تغطية نفقات الرعاية الصحية ورعاية الأطفال والرعاية الطويلة الأمد لأنفسهم ولأقربائهم؛ لئن كان كلّ ذلك صحيحاً، فإن الصحيح أيضاً أن المهاجرين، وبخاصة المهاجرون من خارج دول الاتّحاد الأوروبي، يتلّقون تبعات هذه الأزمات بشكل مضاعف. تراتبيّة التمايز الطبقي يندرج هذا التمايز ضمن خارطة التمايز الطبقي العالمي القائم بين بلدان الشمال الغنية وبلدان الجنوب الفقيرة، والذي يليه تمايز بين بلدان أوروبا الغربية وشمال أميركا الغنية من جهة وبلدان أوروبا الشرقية وأميركا الجنوبية الفقيرة من جهة ثانية، وصولاً إلى التمايز الطبقي الإتني القائم داخل أوروبا نفسها بين متحدّرين من أصل أوروبي وأولئك المتحدّرين من بلدان العالم الثالث في إفريقيا والمتوسط وغيرهما من مناطق العالم الثالث. فعلى صعيد الدول الأوروبية نفسها، تلاحظ عدم المساواة هذه من خلال ارتفاع معدلات الفقر في دول أوروبا الشرقية:23 % لرومانيا و21 % لبلغاريا مثلاً، مقابل 15 % لكلّ من ألمانيا وبلجيكا، و14 % لفنلندا و13 % لفرنسا...إلخ(أوروستات، 2008). أما داخل الدول الأوروبية نفسها، وإضافة إلى ما ورد حول أوضاع المهاجرين في إسبانيا، تشير دراسة حديثة حول دخل الأسر في فرنسا عائدة إلى المعهد العالي للإحصاء والدراسات الاقتصادية (INSEE) ونشرت في أبريل الماضي، إلى أن أولاد المهاجرين الأفارقة هم الأكثر فقراً أو الأكثر تعرضاً للفقر مقارنةً بأبناء المهاجرين الأوروبيّين أو أولاد الفرنسيّين. وتحدّد الدراسة الفرق في مستوى الحياة بين فرنسيّ مولود من أهل فرنسيّين وآخر مولود من أهل مهاجرين من أفريقيا بـ30%. وينسحب الأمر على سوق العمل حيث يتمتّع أبناء المهاجرين الأوروبيّين بأوضاع أفضل من أقرانهم الأفارقة، فيما تبلغ نسبة العاطلين عن العمل من بين المهاجرين الناشطين اقتصادياً المتحدّرين من آباء فرنسيّين 11 % مقابل 7 % لأقرانهم من المهاجرين الأفارقة. في السويد، ونقلاً عن صحيفة " journal TheLocal.se"(4/12/2011)، أن ثلثيّ السكان الذين يحصلون على مساعدات اجتماعية هم من أصول غير سويدية، وأن فقر أطفال المهاجرين يتعاظم بشدّة. وبحسب أستاذ علم الاجتماع في جامعة غوتنبرغ السويدية بيورن هالورود Björn Halleröd، فإن 67 % من السكان العاطلين عن العمل هم من المولودين في الخارج. من المعروف أن أغلبية المهاجرين يتحدّرون من دول منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث يعيش في ألمانيا حوالى 2.15 مليون شخص أغلب أصولهم من تركيا والمغرب ولبنان، بحسب نتائج دراسة أعدها معهد Carim الذي يموّل من قبل الاتّحاد الأوروبي. ويعيش في دول الاتّحاد الأوروبي ما يقارب 5.8 مليون مهاجر من منطقة البحر الأبيض والشرق الأدنى، ثلاثة أرباعهم في ألمانيا وفرنسا. نصيب ألمانيا وحدها منهم 37%. بينما تتوزع بقية النسبة على كلّ من هولندا وإسبانيا وإيطاليا. ويتحدّر المهاجرون هؤلاء من تركيا (2.65 مليون) والمغرب (1.63 مليون) والجزائر (0.76 مليون). ومن حيث تصنيف المهاجرين بحسب المستوى التعليمي، أشارت الدراسة الى أن دول الاتّحاد الأوروبي أقل جذباً للكفاءات العلمية مقارنةً بالولايات المتّحدة وكندا الّلذين يشكّل الجامعيون فيهما نسبة 56% من إجمالي المهاجرين. بينما تشكل نسبة المتدنين تعليمياً أو غير المتعلمين نسبة 87 % من المهاجرين إلى الاتّحاد الأوروبي. وهو الأمر الذي أكّده أيضاً تقرير بعنوان" أثر الشراكة الأوروبية على أوضاع المهاجرين" صادر عن مركز الأرض في القاهرة(يوليو2010) ضمن سلسلة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية العدد رقم (81)، والذي يشير إلى أن الاتّحاد الأوروبي يستقطب الخبرات ذات الكفاءة العالية للعمل على أراضيه وهو ما بات يعرف بالهجرة الانتقائية، إذ لا تتعدّى نسبة الكفاءات العالية الأجنبية العاملة في الاتّحاد سوى ما نسبته 1.7% من مجموع العمال الأجانب، ما يعني أن الاتّحاد الأوروبي متخلّف عن باقي دول العالم بالنسبة إلى استقطاب الخبرات العالية، حيث ترتفع النسبة في أستراليا إلى 9.9% وفي كندا إلى 7.3% وفي الولايات المتّحدة الأمريكية إلى 3.2%. لا شك في أن نسبة المهاجرين العرب تشغل حيّزاً واسعاً، وأن ما يطال المهاجرين عموماً يطالهم أيضاً. إذ جاء في التقديرات الأولية لتقرير مركز الأرض أن أكثر من 3.8 ملايين مواطن من دول جنوب المتوسط يعيشون حالياً في مختلف دول أوروبا، من دول (المغرب، الجزائر، تونس) ، وأن عدد أفراد هذه الجالية المغربية يبلغ نحو 2 مليون نسمة، تتكوّن أغلبيتهم من عمال يدويّين نزحوا من أوطانهم تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية المزرية، بحثاً عن عمل في المعامل والمصانع الأوروبية. فيما، وبحسب ويكيبيديا، يشكّل المغاربة في إسبانيا 14 % وفي بلجيكا 9 % وفي فرنسا 11.1 %، ويشكّل الجزائريون في فرنسا نحو 11.2 %، والتونسيون 4.3 %..إلخ. فقر ونقمة على الرغم من كلّ ما أثبتته التقارير والمسوح والدراسات حول فقر المهاجرين العرب وغير العرب، ولاسيما في ظلّ عولمة لا تني رؤوس الأموال تنتقل معها من الأطراف (أي البلدان النامية) إلى المراكز (أي الدول الغربية)، لم يسلم هؤلاء، وبخاصة المسلمون والعرب منهم، من السياسات العنصريّة التي، وبحجة انتشارهم الواسع، تؤجّج مشاعر الكراهية والحقد ضدّهم. وقد نبّه "تقرير الهجرة العالمية لعام 2011"، الصادر عن المنظمة الدولية للهجرة في السادس من ديسمبر2011، إلى أن مواطني دول الاستقبال يقدرون عدد المهاجرين في بلدانهم بـ3 أضعاف عن العدد الحقيقي، وأنهم يبالغون في تحديد حجم السكان المهاجرين، ومن ذلك مثلاً أن النسبة الفعلية للمهاجرين في إيطاليا بلغت العام 2010 نحو7%، فيما يعتقد الإيطاليّون أن النسبة تصل إلى 25%، وأن المواطنين في الولايات المتّحدة يعتقدون أن المهاجرين يشكلون 39% من السكان العام 2010، فيما تؤكد الإحصاءات أن الرقم الفعلي هو14% فقط. وأضاف التقرير أن ثمة اعتقادات شائعة بأن المهاجرين يضيّعون فرص العمل على مواطني الدولة. إذ يتمّ تناسي أن هذه اليد العاملة الرخيصة تستورد بأقل التكاليف للقيام بأعمال يأبى مواطنو دول المقصد القيام بها، كما يتمّ تناسي إسهام الكفاءات العلمية العربية المهاجرة والأثرياء العرب في بناء رأسمال اجتماعي ومالي...ويتمّ الاكتفاء بتأجيج المشاعر السلبية تجاه الأجانب. هذا غيض من فيض ما تنتجه اللامساواة المصحوبة أكثر فأكثر بتعارض بين المقول والمعلن من قيم تتبناها الدول "الديمقراطية" من جهة، والواقع المحكوم بالمصالح الخاصة لتلك الدول من جهة ثانية. ولعلّ الأمر قد يدفع، شأن بول ترينور،إلى التفكّر بالنظام الديمقراطي على النسق الغربي. نشرة فكر |
السبت، 24 ديسمبر 2011
الديمقراطية وأسئلتها العصيّة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..