الجمعة، 9 ديسمبر 2011

رسالة مفتوحة الى عبد الملك الحوثي

محمد بن موسى العامري
الأثنين 21 نوفمبر 2011

الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام وعلى أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فلقد كان دافعي إلى كتابه هذه الأسطر إليكم أمران.

أحدهما: تجديد عرض دعوة الشيخ مقبل عليكم، وبيان فضلها ومحاسنها، وكيف صرفتم عنها واستفاد منها الآخرون من مختلف البلدان.

ثانيهما: حصاركم الظالم لدار الحديث بدماج، التي أسسها شيخنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى.
فأما الشق الأول من هذه الرسالة، فحاصله أن رجلاً منكم -يا أهل صعدة- عاش في بداية عمره في وادي دماج -وادعة من بلاد همدان- ونشأ على ما كان عليه أسلافه من التقليد للمذهب الهادوي، وقدر له أن يلتحق بحلقات التعليم في جامع الهادي في مقتبل عمره، فدرس على جملة من علماء المذهب الزيدي بمن فيهم علامة المذهب مجد الدين المؤيدي، وغيره من شيوخ الهادوية، وقد استفاد في تلك الفترة من علوم اللغة العربية وفنونها بصورة أخص كما كان يحدثنا بذلك.
وبعد قيام الثورة اليمنية على حكم الأئمة هاجر إلى نجران ثم إلى مكة المكرمة فالمدينة النبوية، وهناك واصل طلبه للعلم الشرعي، وشرح الله صدره لعلوم السنة خصوصاً علم الحديث ورجاله وعلله، وتعرف على كبار العلماء في أرض الحرمين ولازمهم, واستفاد منهم حتى برز في علم الحديث وفاق أقرانه، وحاز في ذلك درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وكان رحمه الله جامعاً بين العلم والعمل، حريصاً على التأسي بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فتتلمذ على يديه في أرض الحرمين جمُّ غفير من الطلاب، وذاع صيته في الآفاق، ثم عاد إلى اليمن داعياً إلى الله ومعلماً وناصراً للسنة، فاستجاب لهذه الدعوة المباركة آلاف من الناس، وهاجر إليه الطلاب من أصقاع الأرض، ولا أبالغ إن قلت: إني لا أعلم أحداً رحل الناس إليه في هذا العصر كالشيخ مقبل رحمه الله، وأنتم تعلمون بذلك وتشاهدونه بأعينكم، وقد كنتم أحق الناس بهذه الدعوة، وأولاهم بالاستجابة لها لقربكم منه، ولكونه من أهل بلدتكم، ولكنكم حرمتم من دعوته وعلمه، وفاتكم قطار أخذ العلم على يديه، وتلك حكمة الله في خلقه وفضله يؤتيه من يشاء.
وبكل تأكيد فإن الشيخ مقبلاً كان حريصاً على نفع أهل بلدته مشفقاً عليهم مما هم فيه من الجهل والتقليد الأعمى؛ بدليل مكثه في بلده وعدم انتقاله منها طيلة هذه السنين، داعياً ومعلماً، وكنا نرى السرور والفرحة تغمره حينما يجد طالباً من أهل صعدة في مركزه، وكان يتألف من جاء منهم للعلم ويداريه، ممتثلاً قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]، وكان أحياناً يسلي نفسه عند إعراضهم بقول جابر بن عبد الله: "أزهد الناس في العالم أهله، قالوا: ومن أهله؟ قال جيرانه".
فما هو السر الذي جعلكم تعزفون عن دعوته؟ وتسعون إلى تشويهها وتنفير الناس عنها؟
هل فطنتم لأمر لم يتفطن له الناس الذين استفادوا من علمه ودعوته من سائر الآفاق؟ هل وجدتم في دعوته ما يخالف القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية؟ هل دعاكم إلى عصبية جاهلية أو مذهبية حزبية؟ هل جاءكم بغير دعوة التوحيد والعودة إلى المنبعين الصافيين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟
كل ذلك لم يحصل منه شيء، ولكني أصدقكم القول وأبين لكم حقيقة صدودكم!
فأقول: إن الذي منعكم من الاستجابة لدعوته والاستفادة من علمه هو مانع أهل الكتاب - بكل أسف- الحسد والبغي والتعالي تماماً "كما رفض أهل الكتاب دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].
نعم لقد كان مستغرباً في بيئتكم أن يتعلم القبيلي -غير الهاشمي- فضلاً عن أن يكون عالماً أو مفتياً، وكنتم تقولون: من أين يأتي العلم لابن قائدة(1).
لأنكم دأبتم على تجهيل القبائل في اليمن خصوصاً في صعدة، واحتكرتم العلم في بعض الأسر الهاشمية، الأمر الذي جعل كثيراً من أبناء القبائل ينفرون عنكم وعن دعوتكم بسبب هذه النعرة التي مورست عليهم باسم سيدي وابن سيدي! وتقبيل الركب والأيادي! وأخذ النذور والزكوات من الناس.
ولقد كان شيخنا مقبل بن هادي الوادعي على دراية تامة بهذا المانع العنصري لدى كثير منكم، وهو ما تخشون ظهوره لبعض المخدوعين بكم، فكان رحمه الله يؤكد دائماً في دعوته من منطلق عقيدته وعلمه على فضائل أهل البيت رضي الله عنهم، وذكر محاسنهم ومناقبهم، ويحث طلابه على إبراز هذا الجانب لكي يقطع تخرصات الذين يرمونه بالنصب منكم، وهو من ذلك براء.
نعم. ليس معصوماً من الخطأ، وأهل السنة لا عصمة عندهم إلا للأنبياء، فقد كان عنده شيء من الشدة في عرض دعوته وفي تعامله مع مخالفيه، وهي شدة على القريب والبعيد، وقد نالنا حظ منها، واختلفنا معه في حياته في مسائل ولم نجامله كما تعلمنا منه، لكنها شدة الناصح الحريص على السنة في ما نحسبه والله حسيبه، وهو مأجور إن شاء الله بكل حال.
غير أن هذه القسوة أو الشدة لا يجوز أن تحول بين نافذ البصيرة وبين الحق الذي يدعو إليه، ولا ينبغي أن تكون الوسيلة حاجبة عن مضمون دعوته وجوهرها ولبها، واليوم، وكما قيل: "من ثمارهم تعرفونهم" إذا قارنا بين دعوة الشيخ مقبل وآثارها وبين دعوتكم وآثارها، فالنتيجة تقول:
1- علم الشيخ مقبل آلافاً من الطلاب من مختلف مناطق اليمن بل ومن خارجها، وقتلتم أنتم آلافاً من أبناء اليمن.
2- رحل إلى الشيخ مقبل الآلاف ليستفيدوا من علمه، ورحّلتم أنتم الآلاف وشردتموهم من أبناء محافظة صعدة من ديارهم، وجعلتموهم في عداد المنكوبين.
3- نشر الشيخ مقبل السنة والآثار في مختلف مناطق اليمن، وأتاه الطلاب راغبين صابرين على شظف العيش، وضيق الحال والفاقة، وجدد في علم الحديث النبوي، ونشرتم أنتم البدع والمحدثات، وسب الصحابة رضي الله عنهم.
4- لم يمد الشيخ مقبل يده لا إلى الحكومة اليمنية ولا إلى غيرها من الحكومات، وزهد في المناصب وحب الرياسات التي عرضت عليه، واختار الجلوس للعلم، بينما قامت دعوتكم على دعم الحكومة اليمنية، وتركت لكم المعاهد والمدارس تديرونها كيفما شئتم، وأطلقت لكم الحبل على الغارب لتجمعوا من الناس الزكوات في صعدة، وهي الحكومة التي طالما تغنيتم بعمالتها لأمريكا وإسرائيل في كل مناسبة! ولم تقفوا عند هذا الحد حتى سال لعابكم للمعونات الإيرانية، وتشوفتم إلى زعامة نصر الله في لبنان على حساب قتل أبناء الشعب اليمني بدعوة عداوة أمريكا وإسرائيل والضحايا من أهل اليمن، ولأَن يكون المرء ذنباً في الحق خير من أن يكون رأساً في الباطل.
5- في كل منطقة من مناطق اليمن طلبة للشيخ مقبل أو محبون لدعوته، وفي كل منطقة من مناطق اليمن قتيل قتلتموه، وجريح عوقتموه، وطفل يتمتموه، وامرأة رملتموها، وعجوز حرمتوه من ولده وهكذا.
فشتان مابين دعوته ودعوتكم، وتلكم هي ثمار دعوتكم التي خرجتم بها عن جماعة المسلمين، وفارقتم السواد الأعظم من هذه الأمة بما في ذلك أئمة المذهب الزيدي الذين لم تستجيبوا لنصحهم كمجد الدين المؤيدي، وغيره الذين أصدروا بياناتهم وفتاواهم في خروجكم عن مذهب الزيدية، واختياركم طريقة الغلو فيها من أتباع الجارودية، وميلكم وتأثركم بالمذهب الجعفري الإثني عشري الذي حكم عليه أئمة الزيدية بالضلال، والمروق من الدين بل والتكفير أيضاً.
وهنا أذكركم فقط ببعض أقوال أئمة الزيدية في الرافضة الذين أصبحتم من ضحاياهم، وفارقتم مذهب آبائكم وأجدادكم من الزيدية المعتدلة الذين كان يقال عنهم: شيعة السنة وسنة الشيعة.
1- أولهم: الإمام زيد بن علي رحمه الله ت 122هـ، وهو من أئمة أهل السنة وإليه تنسب الزيدية، أليس هو القائل حينما طلبت منه الرافضة أن يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "اذهبوا فأنتم الرافضة" وقال: "اللهم واجعل لعنتك ولعنت آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب حتى حاربوه"، وقال: "الرافضة مرقوا علينا"(2).
2- القاسم بن إبراهيم ت 246هـ، حيث قال في معرض رده على الرافضة بشأن الوصية والأوصياء: "وما قالت به الرافضة في هذا فقد تعلم أن كثيراً منهم لم يقصد فيه لما قصد أو يعتقد من الشرك بالله في قوله به ما اعتقد، ألا وإن كل ما قالوا به في الله أشرك الشرك بالله، فنعوذ بالله من الشرك في ربوبيته، والجهل بما انفرد به من وحدانيته، وهذا الذي أتوا به من الضلال بقولهم في الوصية، وما أعظموا على الله ورسوله في ذلك من الدعوى والفرية التي ليس بها في العقول حجة ولا برهان، ولم ينزل بها من الله وحي ولا فرقان، وما قالت الرافضة من الأوصياء في هذه المقالة فهو قول فرقة كافرة من أهل الهند يقال لهم البرهمية". اهـ بنصه(3).
3- الهادي يحيى بن الحسين ت 298هـ، وإليه تنسب الهادوية، فقد وردت عنه أقوال كثيرة في ذم الرافضة، والحكم عليهم بالزيغ والفسق والمروق من الدين، وبأنهم أتباع الشهوات وحزب الشيطان، ومن ذلك قوله: "حزب الأمامية الرافضة للحق والمحقين(4)"، وقال: "وقول هؤلاء الإمامية الذين عطلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد"، وقال: "وقول هذا الحزب مما لا يلتفت إليه في المقال لما هم عليه من الكفر والإيغال والقول بالكذب والفسوق والمحال؛ فهم على الله ورسوله في كل أمر كاذبون"، وقال في بيان معتقده إلى أهل صنعاء: "إلى الله أبرأ من كل ثنوي رافضي غوي، ومن كل حروري ناصبي، ومن كل معتزلي غالي، ومن جميع الفرق الشاذة"(5).
وهكذا ما كتبه المنصور بالله عبدالله بن حمزة ت 614هـ في الرافضة، وكذلك الإمام يحيى بن حمزة ت749هـ، ومن المعاصرين العلامة مجد الدين المؤيدي الذين فارقتم دعوته، ونابذتموه العداء، وخرجتم عليه بسبب ألاعيب السياسة والاختراقات الإيرانية لصفوفكم، فقد قال في شرحه لخروج الإمام زيد بن علي على الأمويين: "ولم يفارقه إلا هذه الفرقة الرافضة التي ورد الحديث الشريف بضلالها"، وقال: "إن الأمة أجمعت على أن الرافضة هم الفرقة الناكثة على الإمام زيد بن علي"، وقال: "واقتدت هذه الفرقة بسلفها المارقة الحرورية".
وبالجملة فقد رد على أباطيل الرافضة جمع غفير من العلماء والأئمة من مجتهدي الزيدية قديما وحديثاً؛ كمحمد بن إبراهيم الوزير صاحب العواصم والقواصم، والصنعاني، والشوكاني، والمقبلي، والمرتضى محمد بن الهادي، ومن المعاصرين القاضي أحمد سلامه، ويحيى الفسيل، ومحمد بن إسماعيل العمراني، والدكتور عبدالوهاب الديلمي، والشيخ حمود هاشم الذارحي، ومحمد بن علي المؤيد، والقاضيان محمد وإسماعيل ولدي الأكوع، والشيخ عبدالله بن محمد الحاشدي وغيرهم كثير، وهؤلاء الأصل أنهم زيدية لكنهم خرجوا عن دائرة التعصب للمذهب، وأصبحوا مستقلين بآرائهم بحسب صحة الدليل عندهم، وكلهم قد حذر من الرافضة.
فهل بعد هؤلاء الذين سبقوكم من حجة لكم في التشبث بما أنتم عليه من الغلو والميل إلى ترهات الرافضة؟ وهل يحق لكم بعد هذا كله أن تنسبوا أنفسكم إلى الزيدية أو الهادوية؟!
وقد حرصت على أن لا أنقل لكم شيئاً من أقوال أئمة أهل السنة؛ لعلمي بأن الجواب عندكم جاهز بأنهم وهابية حتى ولو كانوا قبل الإمام محمد بن عبدالوهاب!!
وما ذكرته لكم إنما هو غيض من فيض، والمقصود هو تذكيركم ونصحكم، وإبراء للذمة، وتحذير من لم يقف من الناس على حقيقة أمركم(6).
ودعوني أقول لكم -بكل أسف-: لقد استغلت غفلتكم سفارة إيران، واخترقتكم بهذا الفكر الدخيل على اليمن، وهيئتكم لتنفيذ أجندتها، وكنتم ضحية لهذه المؤامرة، فهل ستعودون إلى رشدكم وتنفضوا أيديكم ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..