الخميس، 22 ديسمبر 2011

الليبراليون في امتحان خريفهم السياسي!


محمد بن عيسى الكنعان *
ع ق 1056 
بالنظر إلى مطالب شعوب دول الثورات العربية ، وأدبيات وأفكار الليبراليين العرب نجد قواسم مشتركة متعددة ، لكنها أكثر تحديداً في ثلاث مسائل رئيسة هي : (إقرار الحريات العامة) لأنها العامل الرئيس في نهضة أية أمة وتحقيق إنسانية مواطنيها ، و(تطبيق العملية الديمقراطية) لأن الانتخابات تجعل السلطة في يد الشعب ، وتفرز الأفضل لإدارة شؤون الدولة ، و(فرض سيادة القانون) لأنها تحقق المساواة والعدالة بين الناس أمام القضاء ، وتقضي على الفساد وتحفظ المال العام . كما أن تلك الثورات قد أسهمت في جمع التيارات الفكرية المتخاصمة وبالذات التيارين الليبرالي والإسلامي فوقفا على أرضية واحدة ، واتجها نحو هدف واحد يتمثل بالعمل على الانتقال السلمي للسلطة إلى عهد ما بعد الاستبداد السياسي ، الذي كان يسوس أنظمة الحكم في مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا ، فضلاً عن الفساد الاقتصادي ، الذي انكشفت عورته بالأرقام الفلكية لأرصدة أقطاب تلك الأنظمة ، فلا عجب أن يُعلن الليبراليون ابتهاجهم ويطير الإسلاميون فرحاً بتلك الثورات ، ويتسابقون على مدارات الإعلام للتحليل والتنظير والتعليق ونسج الأماني .

غير أن الشهور الأخيرة من عمر الثورات العربية الملتهبة كشفت حالة من القلق الحقيقي لدى الليبراليين ، وهم يشاهدون مداً في ساحة الجماهير لصالح الإسلاميين مقابل جزراً لديهم ، بل إن نتائج انتخابات تونس التي أفضت إلى فوز الإسلاميين بنـزاهة واقتدار قد دقت جرس الإنذار بشكل مدوي عن فرضية استبدال أنظمة عسكرية جائرة بأخرى دينية متطرفة في حال وصل الإسلاميين لسدة الحكم في مصر تحديداً ، التي كشفت مرحلتها الأولية للانتخابات تقدماً كبيراً للإسلاميين ، ولم يقف الأمر عند الإخوان المسلمين من خلال حزبهم (الحرية والعدالة) ، فحتى السلفيين كان لهم نصيباً انتخابياً يفوق الليبراليين ، أضف إليه أن ذلك القلق الليبرالي مرتبط بتأثير مصر الإقليمي باعتبارها قلب العرب النابض ، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي وثقلها الدولي ، بل حتى غيرها من بلدان عربية تعيش ثوراتها ، سيظل القلق الليبرالي موجوداً إذا ما وصل الإسلاميين الحكم وهو ما حذر منه القذافي سابقاً ، والأسد حالياً كوسيلة لتخويف الغرب من الإسلاميين .

فهل يعني ذلك أن الليبراليين قد حل خريفهم السياسي ؟، وتساقطت أوراقهم الانتخابية عن دولة القانون والديمقراطية ، وذبلت شعاراتهم الحضارية عن قيم الحرية والعدالة والمساواة ؟ لأن تداعيات واقع الثورات العربية تتجه نحو الإسلاميين ، وموقف الدول الغربية (الجديد) من الحركات الإسلامية ، الذي بدأ متصالحاً معها أو على الأقل محايداً ، ونجاح تجربة الحركة الإسلامية في تركيا ، فضلا ً عن افتقار التيار الليبرالي لإنجاز واحد ُيحسب له في مقاومة استبداد الأنظمة العربية ، بدلالة أن وقود تلك الثورات هم شباب (الإنترنت) وليس أعضاء الأحزاب الليبرالية واليسارية والقومية .


يبدو من المشهد السياسي العربي العام أن الليبراليين العرب فعلاً أسُقط في أيديهم ، لأنهم أصبحوا أمام خيارين أحلاهما مُرّ ، إما أن يواصلوا إعلان مبادئهم الحضارية الموجودة في أدبياتهم السياسية ، التي تنادي بالديمقراطية ، وتطالب بالحرية ، وتدعو للعدالة وتكريس الإنسانية ، بالاستمرار في دعم الثورات العربية حتى صناديق الانتخابات مهما كانت نتائج هذه الصناديق ، رغم أن هذه المجازفة تضعهم في اختبار حقيقي بالنسبة لرصيدهم التاريخي وثقة الجماهير بهم مقابل الإسلاميين ، الذين يستعدون لالتهام الكعكة الديمقراطية بحصص انتخابية كبيرة وفقاً لمؤشرات الواقع السياسي ، أو ينقلبوا على تلك المبادئ ، سواءً بالتراجع عن دعم تلك الثورات والوقوف في منتصف الطريق ، فيخسروا شباب الثورات ويكون انتحارهم السياسي ، أو بالتضامن مع الأنظمة السابقة أو ما تبقى منها ، وبهذا ينقضوا كل القيم الإنسانية والمبادئ الحضارية ، التي طالما نادوا بها وتحدثوا عنها ، منذ أن تلقفوا الفكرة الليبرالية من الغرب في القرن التاسع عشر الميلادي ، وصنعوا لهم أحزاباً وإعلاماً وشعارات .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..