الأحد، 25 ديسمبر 2011

بحث كل أسبوع .. ودي أصدق يا جامعة الملك سعود


بحث كل أسبوع ..
ودي أصدق يا جامعة الملك سعود


٢٠١١/١٢/٢١



ذات يوم سألتُ البرفسور جون مورتاج (يسمى أبوطب الأسرة) في أحد ممرات كلية الطب في جامعة موناش في أستراليا، عن عدد البحوث والكتب التي نشرها؛ فقال لي «إن الجودة في الكيفية وليست الكمية!»، ثم أضاف «خلال تجربتي العلمية والأكاديمية التي تجاوزت 55 عاماً، نشرتُ أقل من مائة بحث وكتاب!».
هذا السؤال أعادني للتقرير الذي نشرته مجلة ساينس الأمريكية العلمية عن جامعتي الملك سعود والملك عبدالعزيز، حول قيام الجامعتين بشراء ذمم وأسماء علماء بارزين بملايين الدولارات، تحت غطاء الأساتذة الزائرين من أجل إضافة اسمي الجامعة في بحوثهم وسجلاتهم الأكاديمية، وهم في الواقع غير منتسبين فعلياً، وربما لا يعرفون عن الجامعتين سوى الاسم والأموال الكاش التي دخلت حساباتهم!.
كل ذلك للوصول إلى مراتب العالمية، عبر إغداق المال بطريقة مشوهه لا ترتقى للعرف الأكاديمي والعمل الاحترافي.
عدتُ لمقولة البرفسور مورتاج، التي جعلتني أصاب بدوار من المغص الفكري والعقلاني! يقول تقرير مجلة ساينس إن أحد الدكاترة، الذي حصل على الدكتوراة عام 1992، لم ينشر سوى 14 بحثاً خلال 15 عاماً.
ولكن عندما نزل عليه وحي البحث العلمي والقدرة العجيبة، شارك في نشر 139 ورقة بحث خلال أربعة أعوام من عام 2008 إلى 2011! أمسكت بالآلة الحاسبة لمعرفة الإنتاج الحقيقي لهذا الدكتور الذي نشر 49 ورقة بحث فقط خلال عام 2010، وهذا يعني أن الدكتور العزيز كان ينشر بحثاً كل أسبوع على مدار العام الكامل! هذه القدرة العجيبة والفوق السحرية تعطينا دلالة واضحة على أن الدكتور العزيز لم يسترح يوماً في ذلك العام، ولم يأخذ أي إجازة بعيدة عن العمل الأكاديمي!
لا يمكن للعاقل الملم بأبجديات وصعوبة وعناء البحوث العلمية أن يصدق هذا الإبداع العلمي الذي انجرف كالسيل. اتضحت الصورة للناس حول كيفية التحول السحري من مرتبة الآلف بترتيب (2910) عام 2006 إلى مرتبة المئات ضمن أفضل خمسمائة جامعة في العالم عام 2010! هذه القفزات البهلوانية لا يمكن هضمها خلال فترة بسيطة من الزمن.
الجامعات التي تعي معنى قيمة البحث الحقيقي، لا تستطيع أن تفعل ما فعلته جامعة الملك سعود. فالذي ينظر مثلاً لجامعة الملك عبدالله، التي هي في الأصل مختصة بالبحوث، لم تحاول مجرد الإعلان أو التسويف أو التسويق لنفسها منذ افتتاحها عام 2009، وهي التي تمتلئ بالعلماء الحقيقين الحاصلين على جوائز، ولهم باع طويل في البحوث والدراسات. يجب ألّا تمر القضية مرور الكرام على أهم جهتين رقابيتين، وهما ديوان المراقبة العامة، وهيئة مكافحة الفساد، وتضاف لهم لجنة أخرى حول أخلاقيات العمل الأكاديمي.
الآن عرفنا سبب تزاحم جامعة الملك سعود على الإعلان في الصحف السعودية، من خلال صفحة كاملة، وأحياناً صفحتين عن صعودها للنجومية. بدأت الجامعة تتقاذف التهم داخل إدارتها، خصوصاً بعد خبر «الشرق» يوم الأحد الماضي، عن التحذيرات التي دارت بين مدير الجامعة ووكيل الجامعة للبحث العلمي.
إعلانات الوهم من (غزال 1) إلى قفزات العالمية تتطلب إعادة التفكير في هذه الجامعة عمّا يحدث في الخفاء. كل شيء أصبح مصدر شكوك، وحق مكتسب لكل شخص أن يسأل عما يحدث داخل أروقة الجامعات من اتفاقيات تبيع الوهم! مخطئ من يظن أن المطلوب من الجامعات هو النشر العلمي من أجل تسنّم أعلى المناصب.
النشر العلمي عنصر واحد من مهام الجامعات، ولكن يبقى الأهم هو القيام بتنمية المجتمع تجاه دور الجامعة في بناء جسور من المد المعرفي، لا النظر إليها كمؤسسة تعليمية تعطي الطلاب شهادات قد لا تسمن ولا تغني من جوع!
بالأموال نستطيع أن نشتري أسماء العلماء؛ ليرفعوا مرتبة الجامعات السعودية تجاه العالمية.
بالكاش يمكن أن نجعل الدكتور السعودي قادراً على نشر بحث كل يوم، بل ربما كل ساعة. بالشيكات يمكننا أن نملأ الصحف بالإعلانات عن إنجازات وإبداعات وابتكارات الوهم.
ولكن الشيء الوحيد الذي لا يمكننا شراؤه هو العقل! ليس عيباً أن نبقى في ذيل القائمة، ولكن العيب والعار هو التدليس العلمي بحفنة من المال. لنركز على بناء العقل وصنع البيئة المحفزة للتفكير، بدلاً من التركيز على صعود نجومية الوهم
ظهرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٧) صفحة (١٧) بتاريخ (٢١-١٢-٢٠١١)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..