الأحد، 1 يناير 2012

القصة الحقيقية لأنقلاب السلطان قابوس على والده ودور الأنجليز في ذلك ؟

    الدافع الذي دفعني إلى كتابة قصة إنقلاب السلطان قابوس على والده .. ما يلمز أحياناً في هذا المنتدى إلى الأنقلابات التي عرفتها منطقة الخليج في فترات زمنية متفاوتة .. وخاصة إنقلاب صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد :

رغم حقيقة إنقلاب السلطان قابوس إلا هنالك إن الصورة مغلوطة حسب ماهي متدوالة وخاصة إن
الكثير يجهل الأسباب والدوافع وراء ذلك .. ودور الأنجليز في الإنقلاب ..

هذا الموضوع ليس الهدف منه إنكار حقيقة الدور الأنجليز في عمان فنعم عمان أرتبطت بمعاهدة مع الأنجليز منذ عام 1798م .. وكانت في الإساس إتفاقية صداقة وأجبر عليها السيد سلطان بن أحمد مكرهاً ولأن بريطانيا في ذلك الوقت محتلة الهند وأغلب المؤن العمانية وأهل الخليج من الهند .. هددت بريطانيا بمنع السفن العمانية من إرتياد السواحل العمانية إذا ما أصر سلطان بن أحمد على موقفه الرافض ..

بعد تلك الأتفاقية توالت الأتفاقيات مع سلاطين عمان ومن ينظر في خلفيات تلك الأتفاقيات جاء نتجية لسطوة بريطانيا كقوة عظمى " والمثل السائد "اليد التي تستطيع كسرها بوسها "


طبعاً من الصعب سرد تاريخ الوجود البريطاني في صفحات بل بحاجة إلى مجلدات ولكن مايهمنا في هذه العجالة الدور البريطاني منتصف القرن العشرين :


السيد سعيد بن تيمور والد السلطان قابوس جاء إلى الحكم في عام 1932م .. بعد تنازل والده السيد تيمور عن السلطة مفضلاً العيش في الهند بكرامة بدلاً إن يكون ألعوبة في يد بريطانيا وخاصة إنه لايحكم إلا منطقة ساحلية ضيقة أكبرها مدينة مسقط في حين أغلب عمان كانت تحكم حكم حاكماً منتخب هو الإمام محمد بن عبدالله الخليلي الذي أنتخبه زعماء عمان بعد وفاة سالم بن راشد الخروصي

جاء السلطان سعيد بن تيمور إلى الحكم وكان مازال شاباً لم يتجاوز عمره الـ 20 سنة وقد درس في الهند ويجيد اللغة الأنجليزية إيجادة تامة وكان على إطلاع واسع بنواحي المعرفة ...

سعيد بن تيمور سلطاناً قوي الشخصية وذو دهاء سياسي منقطع النظير .. ولكن عمان كانت مقسمة إلى قسمين :
القسم الأول : عمان الداخل : وهي تحت حكم إماما منتخب
القسم الثاني : عمان الساحل : وهي تحت حكم السلطان سعيد بن تيمور

وكانت العلاقة بين الحاكمين علاقة ود وتفاهم وكان الوضع مستقراً لأن لم تتفجر بعد إنابيع النفط في الصحاري العمانية وفي هذه الفترة الزمنية كان هاجس سعيد بن تيمور توحيد عمان في دولة واحدة بدلاً من حالة الأنقسام والتشرذم ولكن الوضع لم يكن مهئياً خاصة وإن حاكم عمان الداخل محمد بن عبدالله الخليلي يحظي بشعبية لدى القبائل العمانية عامة ولدى الزعماء خاصة لذلك أنتظر سعيد بن تيمور وفاته ..
وقبل وفاة إمام القسم الداخلي من عمان ظهرت بشائر النفط ومن هنا بدأت ملامح الصراع تتجلى وبقوة وبدأ لعاب العجوز بريطانيا يسيل ..
وبدأت أيضاً تلعب لعبتها القذرة في التخطيط في التحكم بمقدرات ومصادر عمان كان السلطان سعيد بن تيمور قالها لبريطانيا في أكثر من مناسبة حسب الوثائق البريطانية " إن بريطانيا محتاج له وهو محتاج لبريطانيا "
هذا المبدأ السياسي المتكأفئ لم يكن يعجب بريطانيا ولكن مجبر أخاك لا بطل ..

وفي هذه الأثناء توفي حاكم عمان الداخل : الإمام محمد بن عبدالله الخليلي وهي اللحظة التي أنتظرها سعيد بن تيمور طويلاً ولكن قبل وفاته قد طلب من زعماء القبائل بمبايعة حاكماً يخلفه وتم الإتفاق على الإمام غالب الهنائي الذي كان لاجئ في السعودية في الدمام إلى وفاته قبل ثلاث سنوات ..

أصبح الإمام غالب إماماً على عمان الداخل بتوافق أغلب القبائل العمانية .. ولكن السلطان سعيد بن تيمور رأء في هذا الفعل قضاء على حلمه بإن تكون عمان دولة واحدة ...

وفي الوقت نفسه بدأت الصراعات تدب في جسم إمامة غالب وكله بسبب ظهور النفط وسمعت القبائل العمانية عن الذهب الأسود في مناطقها .. وبدأت الصراعات تدب فيما بينها على حدود كل قبيلة وبدأت أيضاً طموحات بعض الزعمات القبلية في الظهور - وبدأ أل سعود يلعبون من تحت الطاولة في دعم بعض الجهات على حساب الأخر ..

فكانت بدايات إنحلال عقدة الإجتماع والتوافق وسحبت بعض القبائل العمانية إعترافها بحكومة الداخل وتطلعت إلى السلطان سعيد بن تيمور ...... وأنسحبت بعض الشخصيات العمانية وتطلعت إلى السلطان سعيد بن تيمور -------
وبدأ السلطان سعيد يلوح بإلغاء إتفاقية السيب (الإتفاقية التي قضت بإستقلال عمان الداخل بعد حروب عن سلطة أل سعيد في عام 1920م )


وأعلنها السلطان سعيد بن تيمور علانية :
إن إتفاقية السيب لا تمثلني في شي وإن الذي وقعها والده وكان مجبراً " هذا كلامه في المعنى ..

ولكن :
سعيد بن تيمور صادق في رغبته الجامحة في توحيد عمان فهو في النهاية عمانياً يؤلمه حالة الأنقسام وتردي الأحوال في عمان ولكن ماهو غرض بريطانيا وماعلاقتها في الشؤون العمانية ...

1- أغلب المناطق التي ظهر فيها النفط هي خارج سلطة السلطان سعيد بن تيمور وأعلن الإمام محمد بن عبدالله الخليلي في أكثر من مناسبه رفضه المطلق حتى مجرد زيارة إي أجنبي لأراضيه وخاصة أهل بريطانيا ...

2- الإمام الذي خلف الخليلي هو غالب الهنائي وكان موقفه في نفس الإتجاه وهذا ما يفقد بريطانيا الموارد النفطية

لذلك ألقت بكل ثقلها من أجل القضاء على إمامة غالب الهنائي فهي تريد إن تروى عطشى بريطانيا بجدوال نفط عمان  وسعيد بن تيمور يريد إن يكون أهل عمان واحداً

الصورة لم تتضح بعد :
ففي الساحة ليس بريطانيا وحدها بل أكثر من لاعب ففي هذا الوقت بدأت طموحات أل سعود تتجدد وكان السلطان سعيد بن تيمور لهم بالمرصاد
وكانت الساحة العربية وإذاعة صوت العرب تغرد ليل ونهار بالقومية العربية

وسعيد بن تيمور عميل بريطاني من خلال أفواه إذاعة صوت العرب وعمان عربية حرة وفي النهاية بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد ..:d

وكان غالب الهنائي وأخيه طالب وبعض الشخصيات العمانية المعول الذي سوف يهدم به الجدار البريطاني في عمان فدعمت السعودية غالب وكذلك مصر وبلدان عربية أخرى .. ونوقشت المسألة العمانية في أروقة الجامعة العربية مراراً وتكراراً

وضع سعيد بن تيمور في حرج خاصة بعد تأسيس جيش في المملكة العربية السعودية وكان يتدرب " في منطقة الدمام " أطلق على الجيش "جيش تحرير عمان "

عناصر هذا الجيش عناصر وطنية حتى النخاع وأستطاع إن يقلب الموازيين وهدد كرسي سعيد بن تيمور أو بالأحرى الوجود البريطاني والوثائق البريطانية سجلاً لمن أراد العودة إليها للخسائر التي منيت بها بريطانيا ...

جيش تحرير عمان لم يكن يحارب سعيد بن تيمور بل بريطانيا والقبائل العمانية التي كانت موالية لسعيد بن تيمور أنسحبت عندما رأت بريطانيا تقصف القرى والمزارع العمانية وتقتل النساء والأطفال وأنظموا إلى أخوانهم في مواجهة العدو البريطاني

ولكن سعيد بن تيمور وضعه مختلف : فأنا لا ألومه على موقفه فهو في النهاية لايريد إن ينتهي حكم أسرته على يده لذلك ساند بريطانيا في مجازرها ضد الشعب العماني الحر الأبي ..


أصبحت عمان الداخل وخاصة نزوى وما يجاورها ساحة للمعارك .. وقصفت بريطانيا نزوى - وتنوف وأزكي - وبهلا معقل المعارضة العمانية - ودمرت البشر والحجر - وبدأ أل سعود في التردد في دعم الثوار مادياً على الأقل تقدير .....

غريب إن يتوافق أهل سعود ذات الفكر الوهابي المخالف للفكر المعارضة العمانية الفكر الأباضي الذي يقوم على الإنتخاب الحر والنزيه للحاكم ..

ولكن السياسة وما أدراكم ما السياسة ذابت الفوارق المذهبية والفكرية والعقائدية وظل الدعم السعودي وإن كان بشكل خجول جداً ..

فأل سعود رغم طموحاتهم في واحة البريمي ولكنها بريطانيا ومن يقدر يزعل بريطانيا لا أل سعود ولا طوائف أل سعود

من هنا كان الإتجاه إلى مصر وأصبح النشاط الأكثر من مصر وكما قلنا من خلال إذاعة صوت العرب
ورغم ذلك تذكر الوثائق البريطانية

إن أغلب الأسلحة التي تم مصادرتها في محاولات تهريبها إلى عمان كان مصدرها السعودية ولكن كثير من تلك الأسلحة لم تصل إلى يد الثوار
وهو لسبب بسيط

إن شيوخ ساحل عمان مثل " أل نهيان والقواسم الـخ " كانوا مع بريطانيا وضد المعارضة العمانية ثم إن المنافذ البحرية العمانية تحت المراقبة البريطانية الدقيقة لذلك شكلوا وحدة مخابرات فقط هدفها مراقبة دخول الأسلحة إلى عمان ...

ولكن هنالك سلاح أخر في يد المعارضة العمانية
هي " إرادة شعب أبي حر يرفض الضيم والهوان " وبدأت بريطانيا تتلقى ضربات موجعة خاصة عندما تحولت المواجهة إلى قمم الجبل الأخر

وإليكم ما قيل شعراً في الجبل الأخضر الذي أصبح معقل للمعارضة
- أيها الأخضر يا معقلهم .... إيها الشامخ كالنسر العتيق
-ليس ثوارك إلا أمتي ......زحفت من كل أخدود عميق
-في عمان جذوة من فجرها ........وعلى المغرب تزر بروق
أنا لا أعرفهم ولكنهم في دمي ..أحرار شعبي في عروقي

وهذه القصيدة من قصائد سليمان العيسي

في الجبل الأخضر أصبحت المواجهة شرسة
ذلك الجبل الذي ظل إلى وقت قريباً شبه ثكنة عسكرية ولايدخل إليه إلا من يحمل بطاقة شخصية وبعد عمليات تفتيش ليست بالدقيقة ..

تضرر أهل الجبل كثيراً من نقل المواجهة إلى جبلهم ولكنها كما يروى عنهم إنها برداً وسلاماً مادامت المواجهة من أجل إعادة الكرامة ومواجهة عدواً غاشم وهي بريطانيا

من الصعب الإطالة في أحداث الجبل الأخضر ومن الصعب الأختصار أيضاُ حتى لانظلم أهل الجبل الأبطال ولكن أقول :
ألقت بريطانيا بكل ثقلها وقواتها من أجل إخماد ثورة الجبل وأستخدمت شتى أنواع الأسلحة المحرمة دولياً ودكت بها كفهوف وجلاميد البشر ولكنها لم تستطيع إن تدك قلوب أهلها ..

وخرج زعماء المعارضة من الجبل ومن ثم إلى السعودية وبعض البلدان العربية ورغم ذلك لم تتوقف المقاومة العمانية لبريطانيا ولكن كانت محدودة بسبب عسر ذات اليد وشراسة العدو ...وكان ذلك في عام 1959م ..

أصبح عقد التسينات من القرن العشرين مواجهة سياسية بين المعارضة وحلفائها في مواجهة بريطانيا وأدانت كثير من الدول الأحتلال البريطاني لعمان والجرائم التي تترتكبها قواتها في عمان وأصبح الجدال في أورقة الأمم المتحدة ....

في هذه الفترة ظهرت "جبهة تحرير ظفار " والجبهة التي كانت ذات هوى إشتراكي شيوعي صرفة وبدعم من الدول الشيوعية حينها الأتحاد السوفياتي والصين الـخ ..

هذه هي عمان في العقد السادس من القرن العشرين :
1- معارضة إشتراكية في الجنوب بدعم من الدول الشيوعية والأشتراكية وتنادى بدحر القوى الآمبريال والقوى الرجعية

2- معارضة شمالية بزعامة الآمام غالب الهنائي ذات توجه ديني عروبي بدعم من ال سعود وبعض الدول العربية وصوت العرب ..

طرفين لم يكن بينهم إي رابط فهم كما ترى في خلاف إيدلوجي متطرف فالجبهة الظفارية ترى في نظام الإمامة قوى رجعي قبلي والإمامة ترى في الجبهة حركة إلحادية قفزت على قيم المجتمع العماني العربي الإسلامي ..

والقاسم المشترك هو مواجهة بريطانيا وحلفيها السيد سعيد بن تيمور الذي بدأت بريطانيا تضيق منها ومن مواقفه إتجاه بريطانيا فلم يعد السيد سعيد بن تيمور الحليف المفضل لبريطانيا وأثبت في أكثر من موقف لبريطانيا إنه ينبغى إن يحكم بلده هو لبريطانيا ومن أجل مواجهة بريطانيا حاول التقرب من الولايات المتحدة الأمريكية وقع عقد مع شركة نفط أمريكية للتنقيب عن النفط في المنطقة التي لا تدخل ضمن حدود إمتياز الشركة البريطانية

هذا العمل أزعج بريطانيا كثيراً ورأت فيه مؤشراً على رغبة السلطان سعيد بن تيمور في الأستقلال على بريطانيا وبدأت تفكر جدية في البحث عن بديل له ....

ومن هو البديل ؟؟

ومازلنا العقد السادس من القرن العشرين :

عمان نتجية الخلفيات السياسية التي شهدت خلال بدايات القرن العشرين لم تكن تشبه باقي دول الخليج التي قيض لها إن تعيش حالة من الأستقرار السياسي ...
ثم إن عمان أصلاً معقلاً للفكر الأباضي السياسي الحر الفكر الذي يرفض حكم الفرد والوارثة وهذا المبدأ رغم جمالياته وإيجابيته إلا إن طبيعة عمان القبلية أفقده بريقه بعض الشي ..
وتجلى ذلك في صراعات القرن العشرين
بين أنصار الفكر الملكي الوارثي وأنصار الفكر الديني الديمقراطي إن صح التعبير

ولكن الرجل العماني البسيط لا يهتم كثيراً بشكل السلطة بقدر ما يهتم بدورها وتأثيرها على حياته اليومية فعندما رأ إن السلطان سعيد بن تيمور الذي ورث أباه سلطاناً هو سبب تعاسته وهو سبب بحثه عن لقمة العيش في بلدان الخليج العربي ..
فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار فأنقسم وجدان الشعب العماني بين ميالاً إلى الجبهة الشيوعية التي أوهمته شعارتها إنه سيكون في رغداً من العيش إن هو وقف بجانبها ألتحق بالجبهة من أقتنع بالشعارات الشيوعية الأشتراكية خاصة الطبقة الكادحة ومن هم خارج دائرة أبناء القبائل وكثيراً من أبناء القبائل ..
والقسم الثاني :
كان ميالاً للفكر الديني وخاصة إتباع المذهب الأباضي

وأصبح سعيد بن تيمور وحيداً وخاصة بعد إن فرض قيوداً لم ينزل بها من سلطان ومنها رفضه القاطع إن يتعلم الشعب العماني

رغم إن بريطانيا ظاهرياً حاولت إن تقنع نفسها إن خلافها مع سعيد بن تيمور لرفض التحديث والتطوير وخاصة بالنواحي الأنسانية ولكن في الواقع غير ذلك ...

فبريطانيا ليس حباً في الشعب العماني ولكن إن يستمر السلطان سعيد بن تيمور في سياسته يعني إن تتسع المعارضة العمانية مما يؤدى إلى طرده نهائياً وطرد بريطانيا ...

بريطانيا تعلم إن الشعب العماني لن يرضخ للظلم طويلاً ثم إن السلطان نفسه لم يعد ألعوبة ولم يكن في يدها ..

كل هذه مؤشرات على تهديد موقع بريطانيا في عمان والأهم من كل ذلك بدأت بوادر لتحركات شعبية ضد
ولكن هذه التحركات وطنية خالصة :
لا علاقة لها بالخارج لا بأل سعود والقومية العربية ولا بالفكر الشيوعي

هذه المؤشرات هي التي أخافت بريطانيا وهي من سرعت في عمليات نقل السلطة من الأب إلى الأبن حينها كان السلطان قابوس مسجوناً في صلالة ولا يسمح له أبيه بزيارته إلا بعض الشخصيات ..

لماذا السلطان قابوس سجنه أبيه ؟!

وضع السلطان سعيد بن تيمور وأبنه في السجن الآبن الذي كان قد درس في بريطانيا وكان يزوره في بريطانيا وفي المدرسة التي تعلم فيها ويستمع إلى تقارير مستواه وتقدمه العلمي كان السلطان سعيد بن تيمور يعده لخلافته .. ثم إنه بعد عودته من بريطانيا أصر عليه في دراسة التاريخ العربي عامة والتاريخ العماني خاصة ..
نعم إنه التاريخ فيوماً قال سيدنا عمر بن الخطاب لواحد من ولاته هل "تعرف شي من أخبار العرب " قال لا قال عمر " عزلناك "

ليس من المقنع أبداً إن يسجن السلطان سعيد بن تيمور أبنه جزافاً ولمجرد أوهام أو هواجس من الأنقلاب ولكن لابد إن يكون سعيد بن تيمور وجد مؤاشرت من أبنه فيها دلالة على نيته الأنقلاب ..

حيث إن روى أحد الشخصيات العمانية إن هنالك بعض الشخصيات على إتصال بالسلطان قابوس إن يخلف والداه وإن كان هذا في فترة متأخرة ولكن وأقول ربما إن يكون هنالك إتصال مبكر وقبل السجن وإن غفلتها المصادر

ثم إن عندما كان السلطان سعيد بن تيمور رغم وإنه في السجن كان سعيد بن تيمور وهو خائف منه وطلب من أحد الزعامات القبلية إن يكشف حقيقة السلطان قابوس ونواياه إتجاه والداه ..


المصادر العمانية التي متوفر الآن عن تلك الحقبة لم تعطي توضيحاً للصورة كاملة للوضع والعلاقة بين السلطان وأبنه قابوس والوثائق البريطانية رغم إنها أفرج عن البعض منها ولكن هي الأخر توجد بها فجوات

ولكن أهم ما في الـموضوع :
إن المصادر تذكر والروايات تقول : إن السلطان قابوس عندما كان في السجن ورغم الإلحاح البريطاني بضرورة إزاحة سعيد بن تيمور إلا تلك المصادر والروايات تركز على العلاقة الأبوية التي يكنها السلطان قابوس لوالده .. حيث رفض السلطان قابوس مبدئياً فكرة الإنقلاب

وقد يكون هذا الرفض من باب إن السلطان قابوس لايريد إن يقال إن الإنجليز هم من جاء بالسلطان قابوس إلى الحكم ..
ولكن بريطانيا كانت في عجلة من أمرها وتريد إن تسوي مشكلة الحكم في عمان وخاصة إن السلطان سعيد بن تيمور تعرض لمحاولة إغتيال أكثر من مرة .. وخاصة من قبل " جبهة تحرير ظفار " وكان السلطان سعيد بن تيمور
لا يقابل أحد إلا بعازل ضد الرصاصة .. مؤشرات أردكها السلطان سعيد بن تيمور ويعلم إن لم يعد أحد يطيق الصبر تحت إدارته في البلاد

ثم إن الموازيين السياسية أنقلبت وجبهة تحرير ظفار بدأت تنشط وغيرت من نهاجها السياسي وحدوها الجغرافي إلى إن بعد ذلك غير مسماها "من جبهة تحرير ظفار " إلى جبهة تحرير عمان والخليج العربي وأعلنت العداءه للإمامة الإباضية

وتعرضت المصالح البريطانية في عمان وخاصة إمدادات النفط وأعمالها التشغيلية للهجوم والبعض للتدمير وزادت عمليات تهريب الإسلحة لعمان وكلها في الإساس موجهة إلى بريطانيا

مع نهاية العقد السادس من القرن العشرين . أصبحت الأوضاع الداخلية في عمان مقلقة للغاية وخاصة لبريطاني في حين أصبحت بريطانيا نفسها في وضع لا تحسد عليه فقد بدأ نجمها في الأفول أصلاً وبدأت تبحث عن مخرج للخروج من منطقة الخليج عامة ..
ومع ذلك لا تريد بريطانيا إن وتودع "مرمسها على خير " بل تريد إن تصبح لها أذرع في المنطقة على الأقل تريد إن تكون السلطات في الخليج ظلها في منطقة الخليج أو بالأحرى هكذا هي تعتقد وليس بالضرورة إعتقادها صحيح ..


الشخص الوحيد المرشح إن يتولى السلطة في عمان بعد سعيد بن تيمور هو أبنه السلطان قابوس وقتها في السجن وهنالك شخص أخر وهو أخ السلطان وهو قومي عروبي وعلى خلاف مع أخيه حول إدارته للبلاد وعلى عداء مع بريطانيا وكان متعاطفاً مع عناصر المعارضة خاصة المعارضة التي تمثل إتجاه الإمامة ..

السلطان قابوس وهو في السجن أو بالأحرى أودع في السجن لأنه لم يكن راضياً عن ما آلت إليه الأوضاع المحلية في عمان حيث أصبح العماني "يطوف بلدان الخليج " بحثاً عن لقمة العيش رغم لا يعيب الرجل حله وترحاله من أجل كسب الرزق ولكن ولكن يروى عن رسول الله " من تعذر عليه الرزق فعليه بعمان " بل إن السفن العمانية كانت تمخر عباب المحيط الهندي من إجل إطعام أهل الخليج العربي وكانت سفنهم عندما تصل إلى مواني البصرة كان وصولها تمثل " أعياد وأفراح "

أم في عهد السلطان سعيد بن تيمور أصبح العماني في بلدان الخليج مثل الكويت والسعودية مثالاُ للتندر والأحتقار وللأسف هذه النظرة باقية إلى اليوم .. رغم إن نكد الحياة وضنكها عاشها أهل الخليج عامة ...

تذكر بعض المصادر والروايات الشفوية إن العماني المغترب في دول الخليج وخاصة السعودية يرحل تاركاً أهله وطنه من أجل توفير لقمة العيش ولكن عندما يصل إليها عليه إن يلتحق بجيش تحرير عمان
وكانت فئة كبيرة من عناصر ذلك الجيش أصلاً هم من طلاب الرزق والحياة الكريمة ولم يدور يوماً في خلدهم إنهم سوف يصبحونا محاربون لمن أجبرهم على الرحيل من وطنهم ...

لم يبقى إلا إن نقول إن الأوضاع الأقتصادية والحياتية والمعيشية في عمان أصبحت في وضع يكاد إن يصل إلى الأنفجار وهذا ما كانت تقرأه بريطانيا لذلك عملت على الإتصال بالسجين السلطان قابوس بداخل معتقله في القصر رغم الأوامر الصرامة من قبل إبيه بمنع إي كائن من الإتصال به ...

أقتنع السلطان قابوس بإزاحة والده من الحكم وأعتقد لم يفعل رجال المخابرات البريطانية الشي الكثير من أجل إقناع السلطان قابوس .. الذي في أصلاً يعلم ظروف بلده وحالة أفراده المعيشية ويعلم تفرقهم في البلدان والأفاق من أجل لقمة العيش ...

لم تكن موافقة السلطان قابوس على إزاحة والداه مردها إلى الرغبة البريطانية أو حماية النفوذ البريطاني في عمان إنما خوفاً وغيرة على أبناء وطنه وهذا ما أثبتته الأيام حيث منذ تسلم مقاليد الحكم قالها " إن الثورة كانت مشروعة "


لحظة الأنقلاب :

كانت موافقة السلطان قابوس على إزاحة أبيه من الحكم مشروطة إن لا يتعرض والده للأذى ولا تتطلق فيها رصاصة واحدة .. ومع ذلك لم يكن السلطان سعيد بن تيمور بالرجل السهل أو الجبان وقد تبرع إبن والي محافظة ظفار إن يواجه السلطان سعيد بن تيمور ويطلب منه التنحى عن السلطة ...

وفي إثناء المواجهة ومحاولة إقناع سعيد بن تيمور أطلق سعيد بن تيمور الرصاص على أبن الوالي وتم تبادل إطلاق الرصاص وإستغاث السلطان سعيد بن تيمور بالحرس ولكن كانت التعليمات إن لا تتم الإستجابة لإي نداء يطلقه سعيد بن تيمور
أصيب السلطان سعيد بن تيمور بطلقة وأصيب أبن الوالي وتم نقل الأثنان في طائرة بريطانية إلى البحرين للعلاج ثم إلى سعيد بن تيمور في بريطانيا ..

وفي الطائرة طلب من السلطان سعيد بن تيمور إن يوقع ورقة تنازل على الحكم ولكنه رمى بالقلم في وجه الرجل البريطاني ..

عاش سعيد بن تيمور بقية حياته في إحدى ضواحي لندن وظلت بعض الشخصيات البريطانية التي عملت معه في وقت مبكر تزوره في مكان إقامته .. ويروى عنه إنه كان مهتماً بمعرفة أخبار التحديث والتطوير الذي بدأ في عمان وعندما كان يسمع أو يقرأ خبر التطوير يبتسم ..


لم يعيش سعيد بن تيمور طويلاً بعد إزاحته من الحكم حيث توفي بعد سنتان من تركه السلطة مجبراً وتوفي في لندن ودفن في مقبرة المسلمين فيها .. في عام 1972م ..رحل سعيد بن تيمور عن الدنيا ومازالت حركات المعارضة في عمان نشطة بعض الشي وخاصة جبهة تحرير عمان والخليج العربي وأمتدت نشاط الجبهة إلى المناطق الشمالية من عمان ...

هذا موضوع في غاية الأهمية يلقى الضوء على فترة ولحظات الأنقلاب ودور الأنجليز بعد ذلك .الموضوع للمرحوم مازن الطائي أبن الأديب عبدالله الطائي الذي كان مديراً لتحرير مجلة "العربي الكويتية الشائعة الصيت " والموضوع منقول من منتدى الحارة العمانية ..
( بقلم المهندس / مازن بن عبدالله بن محمد الطائي

في صيف عام 1970 م كنت أقضي إجازة الصيف المدرسية في قرية حمانا في جبل لبنان الجميل مع عائلة سيدي المرحوم الوالد ، و كان عمري آنذاك خمسة عشر سنة. وقع في صيف ذلك العام حدثان لا يمكن محيهما من ذاكرة الوجدان و الخاطر ، الأول هو مدعاة للحزن و الفخر معا ألا وهو مقتل و إستشهاد إبن خالي علي المولود في عام 1948 م ، و هو الإبن الثاني للأخ الغير الشقيق لسيدتي الوالدة الشيخ الجليل العلامة القاضي هاشم بن عيسى بن صالح الطائي إثر هجوم على ثكنة للضباط الإنكليز التابعين لجيش سلطان مسقط و عمان في ولاية إزكي بداخلية عمان ، و كان المرحوم علي قائدا للفرقة التي نفذت الهجوم في 12 يونيو من عام 1970 م ، و قيل أن هذه الفرقة تابعة لجبهة تحرير عمان و الخليج العربي و قد تناولت المجموعة وجبة الغداء لدى الشيخ ........... أحد مشايخ المنطقة لداخلية ....، ...... .

قابلت الأخ المرحوم علي بن هاشم لأول مرة في الكويت عام 1964 م عندما كانت الأسرة مقيمة هناك ، و قد قصد هذا البلد العربي الكريم إسوة ببقية الطلبة و المواطنين العمانيين الذين أغلقت في وجوههم وسائل العلم و المعرفة و فرص العمل في بلادهم في العهد البغيض للسلطان سعيد بن تيمور الذي كثر فيه المحظور و الممنوع ... فكان صدر الكويت رحبا لهم ، كان عليا شابا سمح المعشر ذو خلق عال و معتد بدينه و عروبته و عمانيته ، إقتبس من شخصية المرحوم والده القاضي روح المداعبة و النكته و بساطة الإنسان العماني الأصيل ، و قد إقتبس سيدي المرحوم الوالد من هذا الشاب شخصية حمد إبن عم خلفان الشخصية الرئيسية في قصة المغلغل التي إنتهى من تأليفها عام 1972 م.

الحدث الثاني الذي وقع ذلك الصيف هو إنفراج و نشوة و إبتهاج وبشرى إنبلاج فجر جديد على الوطن ... ألا و هو سماع و توارد الأنباء عن عزل السلطان سعيد بن تيمور عن العرش و تولي نجله السيد قابوس بن سعيد مقاليد الحكم إثر إنقلاب أبيض خطط له السلطان الشاب و هو تحت الإقامة الجبرية في فيلا كانت مخصصة له في قصر الحصن بمدينة صلالة في مقاطعة ظفار.

لم يعلم العمانيين و العالم بهذا التغيير في "سلطنة مسقط و عمان و ظفار" التي أصبح إسمها "سلطنة عمان" إلا بعد أيام من الحادثة ، حيث تم تطبيق تعتيم إعلامي حول تطور الأحداث في صلالة حتى تاريخ 25 يوليو 1970 م ، و بدأنا نتابع القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية حيث كانت ال “BBC” هي مصدر الأخبار لشريحة كبيرة من العرب و خصوصا في منطقة الخليج ، و بدأنا نرى صورة شاب حنطي البشرة حليق الذقن بالزي العسكري تتصدر في الصفحات الأولى من الصحف اليومية اللبنانية إبتداء من 27 يوليو 1970 م و تعرفه بأنه السلطان الجديد لعمان المحب للموسيقى الكلاسيكية ، و بأنه رجل طموح إختلف مع والده إثر عودته من الدراسة في المملكة المتحدة حول رفع القيود المفروضة على الشعب و تطوير و تنمية القطاعات المختلفة في أجـهزة الدولة و الإنفتاح على الدول الـعربية و العالم ، إلا أن السلطان الوالد آثر إبقاء الوضع على ما هو عليه ، فكان أن فرض على نجله العزلة و عدم السماح له بلقاء الناس و الأهل إلا بإذن و موافقة منه ... و كان ذلك مسموح لعدد محدد من الضباط الإنكليز الذين يثق فيهم السلطان سعيد

كان للحدث الأول الذي ذكرت تأثيرا نفسيا سلبيا على معنويات المؤسسة العسكرية لقوات السلطان سعيد بن تيمور المسلحة لاسيما الإنكليز منهم ، و ذلك وفق ما ذكرته المصادر و المطبوعات البريطانية التي صدرت في التسعينات من القرن العشرين ، و كيف لا و هم يتحكمون في داخلية عمان معقل حرب الجبل الأخضر و القبائل العمانية الكبرى ، كما أن الأوضاع في مقاطعة ظفار لا تطمئن لاسيما أن متمردي جبهة تحرير ظفار أصبحوا يسيطرون على المناطق الإستراتيجية في المنطقة ، كما أن السلطان سعيد بن تيمور و إثر تتدفق الأموال إلى خزينة الدولة بدأ يستقل برأيه و قراراته عن المستشارين الإنكليز ، و ها هو يتباطأ في تنفيذ بعض المشاريع التي وعد بتنفيذها مما سيحرم الشركات الإنكليزية من فرص التنفيذ و يؤخر إستلامها للعوائد المالية ... فكان التذمر و كان السخط و كان الإستياء من الرجل الذي قضى فترة حكمه يخدم مصالحهم و تعزيز مكانتهم في هذا البلد العربي الذي كبلوا سلاطينه بإتفاقيات سياسية و إقتصادية و عسكرية ... فتحمل السلطان الإبن ما إلتزم به السلطان الأب فكان تدهور الأوضاع في البلاد ، و كان إمتهان الشعب و حرمانه من أبسط وسائل العيش الكريم و سبل الراحة و الخدمات بكافة أنواعها ، حتى أن ضائقة الفقر أصابت بعض أفراد الأسرة المالكة أبناء و أحفاد الإمام أحمد بن سعيد الرجل الذي رفض أن يوقع مع الأوروبيين أي إتفاقية تقيده و تقيد شعبه.

بدأ المسؤولون في (Whitehall) ال و هي مقر الحكومة البريطانية الإعداد لشيئ ما يحفظ وجودهم في عمان رغم أن المملكة المتحدة أعلنت أنها ستنسحب "إسميا" من منطقة الخليج العربي بنهاية عام 1971 م ، و كان أن بدأ التخطيط بالإطاحة بالسلطان سعيد بن تيمور و ذلك لعدة أسباب أهمها الخوف من إزدياد نفوذ جبهة تحرير عمان و الخليج العربي و جبهة تحرير ظفار قي البلاد و توسع النفوذ اليساري في جنوب شرق الجزيرة العربية و إمارات ساحل عمان.

بهذا إستطاع المستشارون الإنكليز إقناع السلطان سعيد بن تيمور و على رأسهم البريجادير مالكوم دينيسون ، الذي شارك في حرب الجبل الأخضر و كاد الشيخ طالب بن علي الهنائي أن يقتله لولا أنه "إستغلى عليه الرصاصة التي كانت في بندقيتة" حسب ما ورد في دراسة للجيش الأمريكي حصلت عليها إثر تصفحي للشبكة العنكبوتية (الإنترنت) و الذي أصبح فيما بعد رئيسا لجهاز الأمن الداخلي العماني ، إقناع السلطان سعيد بن تيمور السماح لضابط إنكليزي شاب تجمعه مع السيد قابوس بن سعيد ذكريات الدراسة في بريطانيا ، و كان أن لبى السلطان سعيد ذلك لثقته أن الإنكليز لن يغدروا به فالحكومة البريطانية وقفت إلى جانبه في أحلك الأمور و الأوضاع ، فكيف و أن تباشير تتدفق النفط بدأت تتوالى ، و أن السيد قابوس و منذ عودته من دراسته في بريطانيا أثبت أنه الإبن البار المطيع لأمر والده.

كان هذا الضابط الشاب الذي رأت فيه الإستخبارات البريطانية المنفذ في تحقيق إتصالها مع السيد قابوس بن سعيد و من ثم إقناعه بخطورة الوضع في البلاد ، و أن عهد السلطان سعيد بن تيمور أصبح غير مرغوب فيه من القبائل و شرائح عدة في عمان و الخارج ، و أن النظام أصبح معزولا حتى عن أقرب الأصدقاء ، مع إدراك السيد الشاب بتردي الأحوال في البلاد شعبيا و معنويا و حرصه و غيرته أن تعود عمان إلى سابق مجدها و عنفوانها ... كان هذا الضابط هو جيمس تيموثي وتينجتون لاندن المولود في 20 أغسطس 1942 م في جزيرة فانكوفر بكندا من أب إنكليزي عمل بالجيش البريطاني بكندا و أم كندية ، و حسب المصادر الإنكليزية بأنه درس مع جلالة السلطان السيد قابوس بن سعيد في كلية ساندهيرست العسكرية ، و قد كانت لصداقتهما التأثير الكبير في التعاون و تربع السلطان قابوس على عرش أبيه و أجداده و إستمرارية حكم آلبوسعيد ، و كذلك المساهمة بشكل فاعل في إدارة شؤون البلاد (سلطنة عمان) بعد الإنقلاب الناجح في 23 يوليو 1970 م ، و قيل أنه كان يقف إلى صف السيد قابوس في المشاحنات التي تحدث بين الطلبة في ساندهيرست. و نشرت مجلة المصور القاهرية في إحدى أعدادها الصادر عام 1966 م نقلا عن إحدى الصحف البريطانية تقريرا صحفيا عن علاقة الصداقة الحميمة التي ربطت السيد قابوس بن سعيد نجل سلطان مسقط و عمان بتيم لاندن مدعمة التقرير بصورة للرجلين الأول باللباس المسقطي (الدشداشة و الكمة) و الآخر بالبنطلون و القميص الأبيض في حديقة قصر الحصن بمدينة صلالة.

و لا نغفل دور ضباط إنكليز آخرين في المرحلة الإنتقالية التي تلت نجاح الإنقلاب أو الحركة التصحيحية ، ففور تسلم السلطان الجديد مقاليد الحكم قام بإنتداب بعض العسكريين من قواته المسلحة للقيام بتصريف شؤون الأجهزة المدنية ، و قد تم تشكيل مجلس إستشاري مؤقت لتصريف أمور أجهزة الدولة ، و قد تكون المجلس من:

1. الكولونيل هيو أولدمان رئيسا و يشغل سكرتيرا للدفاع ، و قد لعب دورا كبيرا في الإطاحة بالسلطان سعيد بن تيمور.
2. البريجادير مالكولم دينيسون الذي أصبح فيما بعد رئيسا لجهاز الإستخبارات و عضوا في مجلس الدفاع الوطني.
3. الميجر جنرال جون جراهام عضوا و سكرتيرا للمجلس.

كما قام بيتر ماسون مدير عام البنك البريطاني للشرق الأوسط و سكرتير السلطان لشؤون النفط بشرح موزج للسلطان الجديد عن الوضع المالي في خزينة الدولة و ذلك فور عودته من لندن من الإجازة السنوية.

عين صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد عمه صاحب السمو السيد طارق بن تيمور الذي إنشق عن أخيه السلطان السابق رئيسا لأول حكومة في العهد الجديد يكون أعضائها من العمانيين ، إلا أن الأمور لم تتجه نحو ما هو منظور له و مطموح من قبل الشخصيات الوطنية في الحكومة مما أدى إلى إستقالة رئيس الوزراء و بعض الوزراء الذين رأوا "أن تدخل الموظفين الأجانب في أعمالهم و بسط نفوذهم على مجريات الأمور و التشكيك في العناصر الطيبة من الأسرة المالكة و الوزراء و المواطنين و الذين لا يريدون لعمان إلا ما خطه التاريخ منذ عهد الجد الأكبر للسلطان الإمام أحمد بن سعيد" ، هذا ما ذكره أحد الوزراء في رسالة إستقالته.

بقي تيم لاندن قريبا من السلطان قابوس و عونا له في إدارة دفة الحكم ، و كان مستشاره للشؤون العسكرية و الأمنية ، و نقطة إتصاله في العلاقات الخارجية مع الدول الغربية مع بعض مستشاريه من العمانيين الذين قربهم تيم لاندن و يدينون له بالخير على الثـراء و الجاه اللذين جنوهما نتيجة من قربهم له ، و وسيط الصفقات التجارية التي تبرهمها السلطنة مع شـركات إنتاج الأسـلحة و مضاربي تجارة النفط ، كما تم منحه الجنسية العمانية و حمل بحكم عمله جواز السفر العماني الدبلوماسي ، و منح منصب مستشار في السفارة العمانية في لندن ليتم تسهيل مهامه و إتصالاته ، و فيما يلي تسلسلا لبعض الأمـور في سـيرة هذا الضابط الإنكليزي الكندي المولد و العماني الهوى و المأرب و الإنكليزي الولاء ، الذي له بصمات واضحة في التاريخ العماني الحديث و التي إستطعنا الحصول عليها من بعض المصادر الإنكليزية:

1. ولد جيمس تيموثي وتينجتون لاندن في جزيرة فانكوفر إحدى المقاطعات الكندية في 20 أغسطس 1942 م من أب إنجليزي يعمل بالجيش البريطاني في كندا و أم كندية ، و توفى في 5 يوليو 2007 م إثر صراع مع مرض سرطان الرئة.

2. تلقى تعليمه في إنجلترا بكلية إيستبورن بسسكس ، و التي درس فيها أشقائه الثلاثة الأكبر منه سنا ، و إثر إنتهائه من الدراسة في هذه الكلية تم قبوله بالأكاديمية العسكرية البريطانية المعروفة ب "ساند هيرست" حيث إلتقى هناك بالسيد قابوس بن سعيد نجل السلطان سعيد بن تيمور سلطان مسقط و عمان.

3. تخرج من ساندهيرست عام 1962 م ، و كان ترتيبه 182 من بين 208 مرشح ضابط.

4. حصل على تدريب قصير في كتيبة الخيالة (Hussars) العاشرة لمدة ثلاث سنوات.

5. في أغسطس دخل كتيبة فرسان الخيالة الذكية (Smart Cavalry).

6. في عام 1965 م و عند إنتهاء فترة التدريب تم منحه فرصة عمل و إنتداب للعمل في قوات سلطان مسقط و عمان حيث بدأت في جنوب البلاد حركة تمرد يقودها ثوار ينتمون إلى التيار اليساري العالمي. و كانت هذه فرصة له لسداد ديونه المتعثرة.

7. في عام 1967 م أبتعث من عمان إلى بريطانيا لدراسة علوم الإستخبارات العسكرية و ذلك لإعداده للعمل مستقبلا في عمان في هذا المجال.

8. عند عودته إلى عمان أثار إنتباه البريجادير مالكوم دينيسون الذي كلفه بمهمة خاصة ألا وهي الإلتقاء بالسيد قابوس بن سعيد و هو تحت الإقامة الجبرية بأمر من والده السلطان و ذلك للأسباب التالية:
• التفكر في مستقبل عمان و الأوضاع السائدة في المنطقة.
• إزدياد حدة التوتر و التمرد في مقاطعة ظفار.
• أصبح توجه صناعة القرار عند السلطان سعيد بن تيمور أكثر إستقلالية عن ذلك الذي يريده الإنكليز.

9. بهذا إستطاع البريجادير مالكولم دينيسون الحصول على إستثناء من السلطان سعيد بن تيمور لتيم لاندن بزيارة السيد قابوس دون تحديد شروط. ومن خلال الزيارات المتعدده قام لاندن بإقناع السيد قابوس بن سعيد الشروع بالإطاحة بوالده السلطان ، و إذا لم يوافق السيد قابوس بذلك ستضيع ظفار و كذلك سيضيع معها المال و النفط ... و حكم آلبوسعيد.

10. في اليوم المحدد لإنقلاب كان لاندن إلى جانب السيد قابوس يترقبان بقلق أنباء عملية و خطة الإنقلاب حيث كان الفشل ليس في قاموس اللعبه أو أي شخص من الإنقلابيين. و مع حلول الظلام أتت بشائر الأنباء السارة بنهاية ثمانية و ثلاثين عاما من حكم السلطان سعيد بن تيمور و بزوغ فجر جديد و سعيد على عمان بتسلم صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم. و قد قام بتنفيذ عملية الإنقلاب الشيخ بريك الغافري و الماجور سبايك باول (Spike Powell ). و قبل وفاته في عام 1972 م سؤل السلطان السابق سعيد بن تيمور عن أمر يندم عليه ، فكان الرد: "عدم إطلاق الرصاص على لاندن".

11. حفظ جلالة السلطان قابوس بن سعيد الصداقة و الجميل لتيم لاندن حيث أصبح من حاشيته و من المقربين له و يستشيره في الشؤون المحلية و الدولية و في المجالات السياسية و العلاقات الدولية و التجارية و المالية ، و إستثمر لاندن هذه العلاقة المتميزة فأطلق طاقاته و إبداعاته و إستغل ثقة السلطان به و العلاقة المتميزة بإن أصبح من المستثمرين الدوليين في التجارة في مختلف بلدان العالم ، و ظهر إسمه لسنوات عدة ضمن قائمة أغنياء العالم في السنداي تايمز اللندنية ، و تقدر السيولة المالية التي ملكها لاندن في 7 أبريل 2007 م بين 400 مليون إلى 500 مليون جنيه إسترليني حصدها من صفقات الأسلحة و تجارة الألماس و مضربات النفط و الأسهم ، هذا عدا الأموال التي أغدقها عليه صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد الصديق الذي إحترم صداقة العمر و العمل.

12. تولي عدة مناصب هامة في المؤسسات العسكرية و الأمنية في سلطنة عمان ، و أشرف على تأسيسها ، و هو الذي أسس وزارة المكتب السلطاني (الجهاز الذي يدير و يشرف على الأجهزة الأمنية في سلطنة عمان) و الذي كان يعرف بمكتب القصر. و لتيم لاندن الفضل الكبير مع البريجادير مالكوم دينيسون في تزكية ترشيح و تعيين شخصيات أمنية و عسكرية و مدنية عمانية في مناصب وزارية و قيادية و يدينون لهما بالفضل و الولاء لما حازوا عليه من ثقة و رفعة لدى صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد.

13. وصف و رئيسه السابق في كتيبة الفرسان الملكية البريطانية "توني آشوورث" المستشار الإعلامي و وزير الإعلام الحقيقي في سلطنة عمان بأنهما أقوى شخصيتين نافذتين في حكومة سلطنة عمان في فترة السبعينات و الثمانيات و التسعينات من القرن العشرين و مطلع سنوات الألفية الثانية.

14. أطلقت عليه الصحافة البريطانية لقب "السلطان الأبيض" للثراء الفاحش الذي كسبه خلال سنوات قليلة من سلطنة عمان و علاقته القوية بصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد و "لورنس العرب الجديد" للدور الذي لعبه في تمكين التواجد الإنكليزي في المنطقة خلال فترة تواجده فيها.

15. كان لاندن شخصا هادئا و صبورا و جريئا و طموحا مما أثار الكثير من الغيرة و الشك بين أقرانه الضباط الإنكليز مثل أولدمان و دينيسون و جراهام و ذلك لمنافعهم الشخصية و نزوات نفوسهم في الإثراء من الأوضاع في عمان و خيرات هذا الوطن العربي ...إلا أن إدراك صاحب الجلالة السلطان قابوس و فطنته و إدارته للأمور بسياسة و حنكه و يقينه أنه يدين بعرشه لكثير من هؤلاء الضباط جعل الأمور في قالب متوازن في كفتي الميزان ، لكن لاندن إستطاع التميز على أقرانه من هؤلاء الضباط و كسب ثقة السلطان بهدوئه و إخلاصه للصداقة و العشرة.

أن الكاتب لتاريخ سلطنة عمان الحديث لا يمكن أن يغفل الدور الذي لعبه الضباط الإنكليز الذين تواجدوا في هذا البلد العربي منذ عهد السلطان سعيد بن تيمور و حتى قبل ذلك ، و إستمروا في السلطة يديرون شؤون البلاد العسكرية و الأمنية في عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد و أصبحوا تركة ثقيلة لسنوات عدة على عهد هذا السلطان الذي شهد عهدة نقلة نوعية في هذا البلد الذي كان يوصف بالجهل و التخلف و عدم النماء ، فأصبح بفضل الله أولا و بجهود صاحب الجلالة السلطان مثالا يحتدى به في الإزدهار ، فقد وعد السلطان شعبه في بداية عهده بالرفعة و النماء ، و تحقق الكثير منهما لما فيه خير الحكومة و المواطن. و إن كانت هنالك سلبيات و إخفاقات فيعود ذلك إلى الشخصيات الإنتفاعية التي وضعت مصلحتها الخاصة قبل مصلحة عمان و خدمة السلطان. و إن كان هنالك إنتفاع و إستغلال للفرص و تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة و مصلحة عمان من أولئك الضباط الأجانب ، فأن من العمانيين من تصرفوا مثلهم و غلبوا مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن و خدمة سلطان البلاد.

حفظ الله الوطن ... سلطنة عمان ... من كل شر و جعله بلدا آمنا معززا مكرما ، و حفظ صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد قائدا بانيا مظفرا و أحاطه بالبطانة الصالحة التي تراعي المواطن الفقير المقهور ، و أبعد عنه تلك البطانة التي ليس هما لها إلا اللم و الكسب من غير أن تقدم شيئا للوطن و الشعب.
______________________
حرر في 11 من رجب 1428 هـ
الموافق 26 من يوليو 2007 م


 ---------------------------------------

اقتباس

مشاهدة المشاركة المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو لمبه التنويري

  لم تذكر يا اخونا العماني المناضل الكبير " مسلم بن نفل " والذي لجىء الي العراق مع مجموعة كبيرة معه وتم تدريبهم في العراق لكي يقوموا بالثورة ضد الخانع سعيد بن تيمور ؟
عموما سعيد بن تيمور ومن قبله ابيه كانوا أزلام للبريطانيين , ولكن بريطانيا عندما وجدت الشعب العماني ثار ضد العميل سعيد بن تيمور اخترعت البديل السريع الا وهو ابنه قابوس وذلك تزامنا مع قصف الثوار في الجبل الاخضر وابادتهم عن بكرة ابيهم .
اما الدول العربية فكلها تدخلت في دعم الثوار ضد الانجليز فمصر دعمتهم وايضا السعودية والعراق قامت بدعمهم لان الدول العربية وجدت ان بريطانيا قامت بزرع مستعمرة بريطانية في جزيرة العرب وكان لابد للعرب من مقاومة بريطانيا .

الرد:
الشيخ مسلم بن نفل
مازال حياً على ما أعتقد وقبل سنوات يروى عنه إنه بصدد نشر مذاكرته حول الثورة في ظفار ولكن الحكومة منعت ذلك ! ولم أعد أسمع شي عنه ..
الشيخ مسلم كان يعمل في أحدى مزارع السلطان سعيد بن تيمور والشيخ مسلم أحد الاشخاص الذين رافق مبارك بن لندن في رحلته عبر صحراء الربع الخالي
ولكن لأمر ما سجنه سعيد بن تيمور ثم أطلق سراحه وقام مع مجموعة من رفقاءه بمهاجمة شركة النفط البريطانية وأعمالها ثم هرب إلى السعودية ..

---------------------------------
مصادر الموضوع

أولا عهد السلطان سعيد بن تيمور :
عمان تاريخ يتكلم للشيخ محمد بن عبدالله السالمي و ناجي عساف
تاريخ عمان السياسي للأستاذ الشيخ عبدالله بن محمد الطائي (مخطوط
ملائكة الجبل الأخضر للأستاذ الشيخ عبدالله بن محمد الطائي
مقدمة ديوان الفجر الزاحف للأستاذ الشيخ عبدالله بن محمد الطائي
المغلغل للأستاذ الشيخ عبدالله بن محمد الطائي
سلطان و إستعمار للسيد فيصل بن علي بن فيصل آل سعيد
القضية العمانية للسيد فيصل بن علي بن فبصل آل سعيد
ملخص تقرير لجنة الأمم المتحدة و تقييمها للوضع في عمان عام 1966 م
The Jebel AL Akhdar War (Oman 1954 - 1959) - Major John S Meagler - USMC
Sultan in Oman - Jan Morris
Oman ... The True Life Drama and Intrigue of an Arab State - John Beasant and Christopher Ling


ثانيا عهد السلطان قابوس بن سعيد :
تاريخ عمان السياسي للأستاذ الشيخ عبدالله بن محمد الطائي حتى عام 1972 م مخطوط
Oman ... The True Life Drama and Intrigue of an Arab State - John Beasant and Christopher Ling
Sultan in Arabia "A Private Life" - John Beasant - Christopher Ling and Ian Cummins
We Won A War ...The Campaign in Oman (1965-1975) -John Akehirst
SAS , Operation Storm ...Secret War in the Middle East - Tony Jeapes
Economic Decline in Oman - Fred Halliday - Cookie Absent
The Changing Face of an Old Friend - Jan Morris
Brigadier Timothy Landen: The Extraordinary Life of the White Sultan -Rop Sharp - 2007 Independent News and Media Limited


تعليق المدونة :
     هذا الموضوع الذي سرد فيه كاتبه لكثير ودس فيه بعض الأمور خاصة في علاقة السعودية  بالسلطنة !
....
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

السلطان قابوس وقصة انقلابه على والده سعيد بن تيمور

قابوس بن سعيد :سيرة ذاتية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..