عبدالرحمن ذاكر الهاشمي
ع ق 1093
من Abdulrahman Thakir Alhashemi في 1 يناير، 2012 في 03:47 صباحاً
الحمد لله رب العالمين ، والحمد لله على كل حال ه
والصلاة والسلام على سيد خلق الله وأكرم من ابتلي وأجمل من صبر ، محمد بن عبدالله ، وعلى آله وصحابته ومن صبر على درب هذا الدين ه
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ه
دبي: الحبيبة المتمنّعة ه
كتبت هذه الرسالة أواخر العام 2008 للميلاد ، ثم أضفت بعض التحديثات عليها ليلة 1/1/2012 للميلاد ، على إثر صدور قرار سحب جنسيات 7 مواطنين إماراتيين ، كلهم من أهل العلم والفكر والمشتغلين بالدعوة إلى دين الله الوسط . ه
وأبدأ الحكاية من أولها : ه
في عام 2002 للميلاد ، وبعد إتمامي للاختصاص في العلاج النفسي من الجامعة الأمريكية في بيروت ، بدأت البحث عن مكان أمارس فيه مهنتي حيث أفيد وأستفيد . وكان أهم ما أطلبه في محيط المهنة (والحياة) المناخ الحر ، حيث أطلق العنان لما لدي دون خشية استعباد أو تقييد أو ظلم من أي نوع . وفعلا تلقيت عرضين ماديين (مغريين) في مستشفيين في (الخبر) في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية . ولكنني لم ألتفت لهما كثيرا ، بالرغم من تميز العرضين بوفرة المادة وقرب المكانين من مقام الوالدين (حيث كانا ، ولا يزالان حتى لحظة كتابة هذه الكلمات ، يقيمان هناك) ، وذلك لأن قراءتي للمكان والزمان لم تورثني راحة وانشراحا للصدر هناك ، سيما مع ضرورة وجود (السقف الحر) الذي أعمل تحته ، والمناخ الحر العام الذي أحيا فيه (سيما مع الروتين المميت) ، والحد الأدنى من مرونة التفكير والتعامل مع الرأي المخالف ؛ وهي أمور لم تكن تتوفر في تلك المنطقة في ذلك الوقت (ولا أظنها تتوفر حتى لحظة كتابة هذه الكلمات ، ولربما كنت مخطئا!) . ه
وفي تلك الفترة ، تلقيت اتصالا هاتفيا من أحد الأخوة من الكويت يعلمني فيه بأن أحد المشتغلين المتخصصين بالعلاج النفسي وهو مالك لسلسلة من (المراكز التدريبية) في الخليج يبحث عن شخص ليكون استشاريا نفسيا ومعالجا في أحد تلك (المراكز) ، وأنه اطلع على (سيرتي الذاتية والمهنية) ويود التعاون معي . وفعلا حصل الاتصال مع هذا الشخص ، وعرض علي أكثر من خيار من (مراكزه) في (الدمام والقاهرة ودبي) ، وكان الاختيار (دبي) لأسباب كثيرة : الأول : طبيعة دبي المفتوحة (مع ما لها وعليها) ، مما يسهل علي أن أحيا في مناخ حر يمكنني من أن أعطي وأفيد وأستفيد ، وهو أمر حيوي بالنسبة لي . والسبب الثاني : طبيعة (الجنسية) العراقية التي كانت معوقا كبيرا لممارسة كثير من الأمور في حياتي الاجتماعية والمهنية ، فكانت دبي بمثابة المكان الذي سأتمكن فيه من (زيارة العالم كله) وأنا في مكاني . وهذا ما حصل فعلا . ه
وفي شهر 5/2002 للميلاد وصلت دبي للمرة الأولى . ودعوت الله أن يحبب إلي صالحي أهل هذا البلد ويحببني إليهم . ه
وفور وصولي إلى دبي ، وكعادتي في محاولة التعرف إلى طبيعة المكان والإنسان ، أمضيت الأيام الأولى وأنا أتحدث إلى أهل (المركز) والعاملين فيه ، وأمشي في شوارع المدينة وأتعرف على طبيعتها وطبيعة أهلها ، وأدخل أسواقها وبناياتها (العالية) وأرى (الدنيا) الظاهرة و(الباطنة) في أروقة الأماكن ، ثم أدخل مساجدها لأتعرف على طبيعة المسجد وأهله ومدى تأثيره في واقع حياتهم . كل هذا كان استعدادا مني لتلقي (المراجعين والمراجعات) من أهل البلد . ه
وظهرت دبي أمام عينيّ لها ظاهر وباطن ، أما ظاهرها فهي الدنيا وزخرفها ، فكنت أحرص أن لا أقع في فخ (دبي) وزخرفها على اختلاف أشكاله . وأما باطنها ففيه خير كثير وروح فريدة جعلتها ، حتى لحظة كتابة هذه الكلمات ، حبيبة إلي . ه
ولعل من أهم وأبرز ما لاحظته في دبي ما يلي : ه
أولا : النظام والمظاهر (الحضارية) في شوارع المدينة وأزقتها ، على الرغم من (عمرها القصير) . ه
ثانيا : الأمن والعدل ، سيما إذا قارنت ذلك مع حال الشعوب الأخرى في المنطقة مع (شرطة البلاد) و(ولاة أمرهم) . ه
ثالثا : محبة أهل البلد لولي أمرهم (كان الشيخ زايد حينها) ، محبة خالصة ، حتى وإن اختلف بعضهم معه في فكره . ه
رابعا : انفتاح أهل البلد على مختلف المعارف (والثقاقات) انفتاحا كنت أراه مقبولا ومعتدلا حينها . (تغير الأمر فيما بعد) ه
خامسا : طيبة الشعب (عامة) ، والمواطنين (أهل البلد) خاصة ، وتواضعهم مع غيرهم من المقيمين ، سيما من الجنسيات الشرقية والشرق آسيوية . سيما إذا قارنت ذلك مع خبرتي مع بعض بلاد الخليج الأخرى . ولعل أول ما صدمني في دبي كمدينة (خليجية) صور عدد من الأفراد والعوائل (الهندية والباكستانية) التي بلغت من المادة مبلغا كبير وعظيما ! سيما إذا علمنا أن الصورة النمطية لهاتين الجنسيتين (مثلا) في المناطق المجاورة مرتبطة لدينا بالفقر والإهانة ! (هذا الأمر تغير فيما بعد لعوامل كثيرة ، سيما بعد أن خالطت بعض شعوب المنطقة من دول الخليج) ه
ولكن مع كل هذه الإيجابيات ، كانت الإمارات عموما ، ودبي خصوصا ، تمثل حالة خاصة من حالات الضعف العربي والتبعية الثقافية والفساد المقنّن . لكن الأمر ، كما شهدت بنفسي ، أفضل بكثير مما كنت أسمع عنه قبل الوصول إلى هناك من بعض (المغرضين) أو (الحاسدين) أو الذين لم يعتادوا تحرّي الحق والقسط مع من لا يحبون . ه
وفي دبي ، ومنذ وصولي ، أنعم الله علي بنعم لا أحصيها في تلك المدينة الفاعلة ، بدءا بالصحبة الصالحة ، ومرورا بفرص العمل المتميزة ، وانتهاء بالقبول الجماهيري . وتحقق لي في دبي ما كنت أتصوره وآمله . والحمد لله أولا وآخرا . ه
وكنت ، كعادتي أيضا ، أحرص أن أقدم لنفسي والناس من حولي ، داخل العيادة النفسية وخارجها ، خير ما لدي ؛ وكنت ، ولا أزال ، أحرص أن أخلص النصيحة للبلد وأهله على خير ما تؤدى به النصيحة (حسب علمي) . ه
وفي دبي ، كانت الأخبار تنتشر بسرعة لم أعهدها من قبل ! فبدأ صيت العيادة ينتشر ، وبدأت أتلقى الدعوات من الجهات الحكومية والخاصة والمراكز التدريبية والقنوات الفضائية بشكل سريع وكثيف لم أكن أتوقعه أو أنتظره . بل بلغ الأمر بي أنني كنت أتلقى الدعوات والاستشارات من العائلة الحاكمة وأفرادها ، حتى مع (خصوصية الحالات) ! ه
وبطبيعة الحال ، فقد كنت ، كغيري ، أسمع من هنا وهناك ، ومن خلال الدورات التدريبية وجمهورها ، ومن الأصحاب والأصدقاء والمراجعين والمراجعات ، أن هناك عددا (كبيرا) من (المواطنين) تم فصلهم من أعمالهم ! وكانت مثل هذه القرارات تصدر من (أبو ظبي) ، باعتبارها قرارات (اتحادية) . وتكون الملاحظة (التي لا تحتاج إلى ملاحظة) أن الرابط الذي يجمع كل هؤلاء (المواطنين) جميعا أنهم (إسلاميون) ! مع أن الجميع يشهد لهؤلاء بتميزهم في أماكن عملهم ! ه
ولعل أبرز الأمثلة التي شهدتها ، فصل ما يقارب 200 مواطن كانوا كلهم موظفين في وزارة التربية ، منهم المدراء والوكلاء والمدرسين والمشرفين والمكتبيين وغيرهم ، كانوا كلهم (إسلاميين) ! والمثير للعجب (حينها) أن المفصولين من (أبو ظبي) كانوا يتلقون على الفور عروضا مغرية من (دبي) ، فكان أن تلقى معظم هؤلاء المفصولين مواقع إدارية مميزة في أماكن متميزة في دبي ، وكان كثير منهم من الذين فازوا بجائزة دبي السنوية للتميز الوظيفي !!! ه
كما كنت أسمع بين الحين والآخر ، أنه تم (إبعاد) عالم شريعة أو داعية أو إمام مسجد أو أكاديمي أو غير ذلك ، كلهم (إسلاميون) ! وكان أن تدخل الإدارة في دبي بتعليق (أو إلغاء) قرار الإبعاد لأكثر من شخص ! ه
كما كان من العجيب أن نرى دبي تحتضن عددا من الشيوخ والعلماء والدعاة في حين تسعى أبو ظبي بجد واجتهاد لإبعادهم أو تجميدهم أو حتى محاربتهم بشتى الطرق ! ه
ثم علمت أن عددا من الدعاة (الخليجيين) ممنوعون من دخول البلاد ، مثل : طارق السويدان ، ومحمد الثويني ، ومحمد العوضي . ومثلهم من مصر : عمرو خالد (أحيانا يمنع وأحيانا يسمح له) ، ووجدي غنيم ، وأخيرا راغب السرجاني . (مع حفظ الألقاب لأهلها) ه
وقد نصحني الكثير من الأخوة والأخوات الناصحين من أهل البلد أن أخفف من الظهور ! فحرصت على أن لا أخرج كثيرا على شاشات الفضائيات ، إلا إن الأمر لم يكن بالسهولة التي تصورتها ، فكان الانتشار أسرع مما تصورت ! ه
وكان من أكثر الجهات التي دعتني وتعاملت معي ، مكتب حرم رئيس الدولة (الشيخة فاطمة نفع الله بها ، وهي أرمل الشيخ زايد رحمه الله وغفر له) . ولم يمض عامان من لحظة دخولي البلاد حتى بلغني من مكتب الشيخة فاطمة أن التعليمات (الأمنية) الجديدة تقضي بأن يقدم كل مدرب صورة عن جواز سفره إلى الجهة التي تطلبه ، سيما الجهات الحكومية ، وذلك لأسباب غير معلنة ! ونفس الأمر بلغني من أكثر الجهات التي كانت تطلبني في كل الإمارات ، ما عدا دبي ! ه
وفعلا استجبت فأرسلت صورة عن جواز سفري ، وجاء الرد ، لأول مرة ، بالرفض ! ثم علمت بعدها أنني (ممنوع) من أن تتم استضافتي لتقديم أي مادة علنية أو محاضرة أو دورة تدريبية أو حتى مؤتمر في أي جهة حكومية (اتحادية) ، وخصوصا في إمارة (أبو ظبي) ؛ ما عدا دبي التي كانت لا تزال الاستثناء الوحيد (بالإضافة إلى بعض الجهات التي كانت تتغافل عن هذه الأوامر) . ه
لافتة : كنت في سهرة مع الشيخ أحمد الكبيسي فأخبرني أنه هو أيضا ممنوع من إلقاء المحاضرات في أبو ظبي ! على الرغم من أنه يحمل الجنسية الإماراتية ، وعلى الرغم من قربه من ولاة الأمر في الإمارات عموما وفي دبي خصوصا !!! ه
ورغم عدم موضوعية أو منطقية الأمر في رأيي ، سيما إنني لست من مجبي الخوض في السياسة (بمعناها الحديث) ، كما إنني لست من محبي (السب والشتم) لأنني أراها من لغو الكلام وفحش اللسان ؛ إلا إنني لم أسمح للأمر بأن يشغلني كثيرا ، لأن هذا شأن ولاة الأمر أولا وآخرا ، فإذا رأوا أن مثلي (لا يصلح) لأن يكون موجها للعامة من الناس ، فهذا شأنهم ، وليس علي إلا أن أقوم بدوري طالما أنه لا يزال في الأمر سعة وبدائل . ولكن الغريب في الأمر أن (العائلة الحاكمة) في أبو ظبي وغيرها كانوا يطلبونني لاستشارات خاصة ، نفسية وتربوية وأسرية وزواجية وغيرها !!! بل كانت المفاجأة الأكبر في رأيي عندما تلقيت أكثر من اتصال من (قصر) الشيخ خليفة بن زايد حاكم البلاد ، يطلبونني فيه لأغراض تخصصية ، وكذلك كان الأمر مع بعض (أولي الأمر) في (إمارات) أخرى ! ه
إلا إن المفاجآت بدأت تتوالى ، حيث ظهر لي مثلا أنني غير (ممنوع) من ممارسة أي نشاط مماثل في دبي كلها ، وبعض دوائر (أبو ظبي) الحكومية والخاصة ، وبعض الإمارات الأخرى !!! ه
لكن محاولات التضييق تتابعت ، حتى بدأ التضييق يصل إلى معظم القنوات التلفزيونية المحلية ، ما عدا (تلفزيون دبي) ، وبعض الفضائيات الخاصة المملوكة لبلدان أخرى أو رجال أعمال من خارج البلاد . ه
وفي المقابل ، كان جدول العيادة في دبي ومواعيد (الدورات التدريية) في (تراكم وازدحام) . والحمد لله . ه
وفي أواخر الشهر الرابع من سنة 2008 ، وبينما كنت في مكة المكرمة بصحبة زوجتي غادة وابنتنا مريم وفي ضيافة أرحم الراحمين ، بلغنا تعرض والدة زوجتي إلى حادث دهس مما أدى بها إلى غيبوبة استمرت قرابة الأسبوعين ؛ فما كان من زوجتي غادة إلا أن أتمت العمرة ثم سافرت إلى الأردن ومعها ابنتنا مريم ، على أن ألحق بهما بعد أن أسافر إلى دبي لإنهاء بعض الالتزامات . ه
وبعد أن أنهيت ما كان لدي في دبي في يومين ، سافرت إلى الأردن ، ولكنهم (في مطار الأردن) رفضوا السماح لي بالدخول بسبب صدور قرار ، قبل يوم واحد فقط ، يوجب على العراقيين الحصول على تأشيرة زيارة ليتمكنوا من دخول الأردن . ومع كل محاولات الإقناع بأن زوجتي أردنية وأن الأمر طارئ لوجود والدة زوجتي في غرفة الإنعاش ولضرورة وجودي في الأردن تلك الفترة لعقد دورة تدريبية تحت رعاية قاضي القضاة ولإجراء مقابلة في السفارة الأمريكية لغرض السفر مع زوجتي لأغراض التخصص ومع محاولات التوسط من قبل بعض (علية القوم) هناك ، رغم كل هذا ، إلا إنهم أصروا على إعادتي على نفس الطائرة إلى دبي ! ه
وقدر الله أن يختار (أمينة) والدة زوجتي غادة إلى جواره . رحمها الله وأسكنها جنانه . ولم أتمكن من تشييع الجنازة أو الدفن أو حتى حضور العزاء . ه
وبعد أيام من وصولي إلى دبي ، وفي الشهر الخامس من العام 2008 ، أي قبل سفري مع زوجتي غادة وابنتنا مريم بشهر واحد فقط إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، بلغني اتصال عن طريق العيادة في دبي من (مكتب التحقيقات في دائرة الإقامة والهجرة) هناك يطلبون مني مراجعتهم ، مع التشديد على ضرورة إحضار جواز السفر معي ! ه
ورغم طمأنينتي والحمد لله ، إلا إنني توجست حذرا لأنها كانت المرة الأولى من نوعها ، فهاتفت بعض أهل الخير من معارفي هناك والذين هم من أهل البلد لأستشيرهم ، فطمأنني أكثرهم ، إلا إن البعض نوّه لي بأن الحكومة الإماراتية بدأت مؤخرا بـــ (تسفير) بعض (الإسلاميين) و(الأكاديميين العراقيين) ! ه
وذهبت فعلا في الموعد المحدد ، وهناك ، في قسم التحقيق التابع لدائرة الجنسية والإقامة بدبي ، وخلال انتظار قدوم الموظف المسؤول ، تلقاني بعض الموظفين بشيء من الترحيب مع شيء من الاستغراب من سبب وجودي هنا ! سيما إنني كنت قد قدمت لهم دورة تدريبية في نفسالمكان منذ سنوات ! وعندما وصل الموظف المعني ، لم يأخذ الأمر إلا دقائق قبل أن يبتسم ابتسامة فيها شيء من الخجل والأدب معا ، ثم قال : (دكتور عبدالرحمن ، أنا آسف أن أبلغك بأن هناك قرار إنهاء إقامة مع الإبعاد النهائي) . ه
تبسمت مباشرة وقلت له : (هل أنت متأكد أنني المعني ؟) فقال : (نعم ، وهذه صورتك الشخصية وصورة جواز سفرك وإقامتك) فقلت له : (وما هو السبب ؟) فقال : (لا أدري ، كل ما هو مكتوب لدي هنا هو ، وأشار لي بيده على موضع الكتابة على النسخة التي لديه حيث رأيتها بنفسي ، أن الأمر (إبعاد صادر من سلطات عليا)) . ه
ولم أشأ الإطالة أو التفصيل في الأمر ، فسألته : (وماذا الآن ؟) قال : (تترك لدينا جواز سفرك ، وتأتي بشخص ليكفلك ، فلا تستطيع الخروج من هنا إلا بكفيل ، ولديك شهر من الآن لترتب فيه أمورك قبل أن تأتينا لنسلمك جواز سفرك ونصطحبك إلى المطار لتغادر البلاد) . ثم شرح لي أن هذا تعامل خاص تقديرا لمكانتي وجهودي ! حيث إن الأصل أن يتم الإبعاد لحظيا ودون منح (المبعَد) أي وقت إضافي ! ه
ثم تركوا لي المكتب ، لأجري اتصالاتي بمن أعرف لأجد لي كفيلا . فبدأت بالاتصال بمن أعرفهم من (أولي الأمر) أو (المقربين منهم) ، وكان من هؤلاء (إبراهيم بو ملحة) مستشار الشيخ محمد بن راشد والمدير السابق لدائرة العدل ، و(ضاحي خلفان) القائد العام لشرطة دبي ، و(عبدالله أمين الشرفا) مستشار حاكم عجمان ، و(علي النعيمي) الذي كان مرشحا لأن يكون القائم بالأعمال القنصلية بسفارة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن وهو شخص مقرب من محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان نائب ولي عهد (أبو ظبي) ورئيس المجلس التنفيذي للإمارة ذاتها ؛ بالإضافة إلى آخرين من (الأخوة المقربين والأخوات) . ه
وكان رد فعل الجميع ، سيما (إبراهيم بو ملحة) و(ضاحي خلفان) و(عبدالله أمين الشرفا) ، الاستغراب وطلب فرصة للتأكد من صحة الخبر . ه
كما كان رد فعل الضباط أنهم استغربوا من طبيعة المكالمات والشخصيات التي اتصلت بها ، وقال أحدهم : (إذا كان الدكتور يعرف هؤلاء ، فمن الذي قرر خروجه من البلد ؟!) . ه
وكان أن جاءني على الفور الأخ الحبيب (علي النعيمي) ليكفلني ويصطحبني خارج الدائرة . جزاه الله عني كل خير . ه
وتكرر مشهد الاستغراب على وجوه الضباط عندما رأوا الأخ (علي النعيمي) . ه
وخرجت من الفور إلى الشارقة حيث كانت لدي يومها دورة تدريبية ، وعلى الرغم من محاولة البعض إقناعي بأن آخذ برهة من الوقت ولو ليومين كي أستطيع التعامل مع (الأزمة) ، إلا إن الرد عندي كان جاهزا : (ما هو إلا يوم آخر في حياة المسلم ، إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ، فما بالكم والأمر أهون بكثير من أن يقارن بشيء مثل قيام الساعة ؟!) ه
وبدأت محاولة الوصول إلى (صناع القرار) لا لشيء إلا لأعلم حقيقة السبب ، فلم أشأ لنفسي أن أكون سالبا أو دفاعيا أو متهربا من المواجهة ، بل أحببت أن أريهم أنه ليس لدي شيء أخفيه . ه
ولكن ، وكما كان متوقعا ، وصل الأمر بـــ (صناع القرار) أن (يتهربوا) من مكالماتي التي بلغت بها بيوتهم وهواتفهم الجوالة الخاصة ، حتى إنني كنت أقول إذا سألني أحدهم على الهاتف : (أريد منهم إذا كانوا يستمعون إلي الآن أن يعلموا أنني لا أخفي شيئا ، ولا أدري من الذي يفترض به أن يهرب ، أنا أم هم ؟) . وكان الأمر مضحكا ، فكنت أنا الذي ألاحق أولي الأمر في مكاتبهم وبيوتهم لكي أعلم منهم السبب ، فيتهربون مني وكأنهم هم الجناة وأنا (موظف الأمن) ! حتى بلغ بي الأمر أنني كنت أتعمد أن أستفزهم في مكالماتي (التي كنت أتصور أنها مراقبة) ، فإذا كنت أكلم أحد الأخوة أو إحدى الأخوات أقول : (إذا كان هناك من يسمعني منهم فلييخرج إلي وليقل لي ما الخطأ الذي اقترفته) ، ولكن لا حياة لمن تنادي . ه
ولعلي أخص بالذكر منهم شخصا كان الرجل الثاني فيما يتعلق بالملف الأمني في أبو ظبي ، هاتفته أول يوم شخصيا ، وكلمته في أمري ، فطلب مني أن أرجع إليه بعد يوم أو يومين ، وفعلا رجعت إليه بعد يومين ، ولكن دون رد منه ، فكنت أتصل به على هاتفه الجوال ، ومكتبه ، وبيته ، في اليوم أكثر من 20 مرة ، دون رد منه ، حتى إنني طلبته في البيت فرد علي ابنه (الذي كنت أعرفه وكان يعرفني) وطلبت منه أن يوصل الهاتف إلى والده ، فما كان إلا أن ردت علي زوجته ! وزوجته أخت فاضلة كريمة ، كانت طالبة من طالباتي ، وكانت قد أخبرتني أنه (زوجها) كان يمنعها من حضور الدروس الدينية في البيوت أو المساجد أو على الفضائيات ، وكان يحذرها من عمر عبدالكافي وطارق السويدان وعمرو خالد ويقول لها (هؤلاء "إخوان مسلمون" مخربون) ! ولم تستبعد أن يكون هو أحد الذين وراء أمر الإبعاد !!! ه
وبالرغم من تدخل الكثيرين لمعرفة السبب ، سيما وأنه ليس لي أي انتماء حزبي ، بالإضافة إلى تعدد الجهات الحكومية والخاصة التي عملت معها وكانت تطلبني بغرض الإشارة وأغراض التدريب والتربية المتعددة ، بدءا بقصر الشيخ خليفة حاكم البلاد ومرورا ببيوت ومكاتب عدد من الأمراء والشيوخ ومحاكم دبي وشرطة دبي ومركزتأهيل المدمنين وانتهاء بمراكز التدريب المتعددة ، إلا إن الرد جاءني من جهات مختلفة ، مثل : ضاحي خلفان ، محمد المري ، عبدالله أمين الشرفا ، إحدى مرافقات الشيخة فاطمة ، وآخرين ، وكان الرد باختصار : (ملفك نظيف ، والأوامر صادرة من سلطات عليا) . بل إنني لا أزال أذكر كلمات (ضاحي خلفان) القائد الأعلى لشرطة دبي حين عاد إلي بعد يومين ليقول لي حرفيا : (يا دكتور ، امض وأنت مرفوع الرأس ، فملفك ليس فيه إلا كل خير ، فلقد قدمت للبلد الشيء الكثير ، وخدمت هذه البلد بما يرضي الله ، ولكن الأمر ليس بأيدينا ، بل هو من خارج دبي ، من أبو ظبي ، ولا نستطيع التدخل فيه ، بل ربما يكون مسألة شخصية تحولت إلى هذا الشكل) . ه
وكان من الطبيعي أن أراجع بعض (أهل الذكر) من الشيوخ والدعاة والعلماء الذين أعتدّ برأيهم ، فكان مما حصل معي ، وكشف لي بعض الصور ، ردود أفعال بعضهم ! فكان منهم من وقف معي موقفا طيبا داعما وناصحا مخلصا ، ولو من بعيد ، أذكر منهم الدكتور طارق السويدان والدكتور محمد الثويني والدكتور محمد العوضي . حتى إنني أذكر أن الدكتور طارق السويدان لم يوافقني الرأي في أن أرفع على الدولة قضية (حقوق إنسان) ، وقال لي : (أبق على علاقة طيبة مع أولي الأمر) وفعلا أخذت بنصيحته ، ولكن على مضض ، سيما إنني أرى أننا نميل كثيرا إلى خلق حسن مع أولي الأمر حيث لا يفقهون هذا الخلق ولا يقدرونه حق تقديره ، ولكنني أخذت بنصيحته على أمل أن ينصلح الأمر يوما ! ه
وكان من الشيوخ والعلماء والدعاة من صارحني بقوله : (أنا لا أتدخل في هذا الأمر) فشكرتهم على هذه الصراحة . ه
وكان منهم من تهرب من مكالماتي ولقائي ، بل إن منهم من كان قبل ذلك يتعهدني بالاتصال والسؤال ، فإذا به يتجنبني إذا رآني في مسجده أو في (السوق) مثلا !!! ومنهم من وعدني بالتدخل ثم لم يعد يجيب اتصالاتي !!! ه
وبعد مضي تمام الشهر ، وبعد أن كنت أنتظر صدور تأشيرة زيارة إلى الأردن ، التي استغرقت قرابة الشهرين ، كان لا بد لي من المغادرة لسبب آخر أيضا ، ألا وهو موعد المقابلة في السفارة الأمريكية في الأردن . ه
وكان ذلك في نهاية الأسبوع ، وهو إجازة رسمية ، إلا إن مدير دائرة الجنسية والإقامة الأخ (محمد المري) قام مشكورا بإصدار الأوامر أن يتم تسليمي جواز سفري ومنحي يومين لمغادرة البلاد دون أن يرافقني أحد . (وكانت الإجراءات الرسمية أن يتم مرافقة المبعّد وتسليمه إلى المكتب المعني في المطار ، بل وملازمته ومراقبته حتى موعد المغادرة) ه
وذهبت فعلا ، وكما استقبلت في المرة الأولى ، استقبلت في المرة الثانية ، وكذلك كان بعض الموظفين ذكروني بأنني كنت قد قدمت لهم دورة تدريبية في المبنى المجاور ! وتجرأ البعض بقوله : (وا عجبا ! "سلطات عليا" تأمر بالإبعاد ، و"سلطات عليا" تكفل ، و"سلطات عليا" تأمر بمنح جواز السفر يوم الإجازة الرسمية !) . ه
وهكذا ، غادرت دبي ، محبا لها ولأهلها ، غير نادم على دوري فيها ، حريصا أن أقدم لها شيئا مما قدمته لي ما حييت . ه
ثم حصل أن علمت بصدور قرار سحب الجنسية من 7 مواطنين من خيرة من علمت من أهل البلد ، فقررت أن أنشر هذه الرسالة ، مستخيرا الله أن أمضي فيما كنت أفكر فيه من رفع قضية (حقوقية) على حكومة الإمارات ، ليس الغرض منها العودة إلى البلاد ، وإنما انتزاع الحق ممن اغتصبوه ، ثم أقرر بعدها ما يشاء الله لي أن أقرر . ه
وأخيرا أتلو معكم : (وأرض الله واسعة ، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ه
والحمد لله رب العالمين ه
عبدالرحمن ذاكر الهاشمي ه
طبيب واستشاري العلاج النفسي والتربوي ه
السبت ليلة السابع من صفر لعام 1433 للهجرة ، الأول من يناير لعام 2012 للميلاد ه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..