الزينة في كلام العرب هي: ما تتزين به المرأة، مما هو خارج عن أصل
خلقتها، كالحلي. وكذلك استعملت الزينة في القرآن للشيء الخارج عن أصل خلقة
المتزين، من ذلك قوله تعالى:
- يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}، أي
الثياب.
- إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها}، فالزينة على الأرض، وليس بعض الأرض.
- إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب}، فالكواكب زينة للسماء، وليست
منها.
وهكذا، فلفظ الزينة يراد بها ما يزين به الشيء، وليس من أصل خلقته.
وعلى ذلك فتفسير الزينة ببدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يحمل عليه إلا
بدليل، فقول من قال: إن الزينة التي يجوز للمرأة إظهارها هو: الوجه والكف. خلاف
المعنى الظاهر، فإذا فسرت بالثياب استقام في كلام العرب ولغة القرآن. [انظر: أضواء
البيان 6/198-199].
ويؤيد هذا ما رواه ابن جرير [التفسير 17/257]
- عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -
قال: {إلا ما ظهر منها}، قال: الثياب. قال أبو إسحاق: "ألا ترى أنه قال:
{خذوا زينتكم عند كل مسجد ".
فاستدل أبو إسحاق على صحة تفسير الزينة بالثياب بالقرآن، ففسر القرآن
بالقرآن، وهذا أعلى درجات التفسير، لأن الله تعالى أعلم بمراده.
والقول بأن الذي يتسامح في ظهوره للأجانب هو الثياب، هو قول طائفة من
السلف:
- روى ابن جرير بسنده عن ابن مسعود، قال: "{ولا يبدين زينتهن إلا
ما ظهر منها}، قال: الثياب".
- وروى أيضا بسنده إبراهيم النخعي قال: "{ولا يبدين زينتهن إلا ما
ظهر منها}، قال: الثياب".
- وروى بسنده عن الحسن في قوله: {إلا ما ظهر منها}، قال: الثياب.
- ومثله عن أبي إسحاق السبيعي. [التفسير 17/256-257]
- وقال ابن كثير في تفسيره [6/47]: "{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر
منها}، أي ولا يظهرن شيئا زينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه. وقال ابن مسعود:
كالرداء والثوب. يعني ما كان يتعاناه نساء العرب، من المقعنة التي تجلل ثيابها،
وما يبدو من أسافل الثوب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. ونظيره في
زي النساء ما يظهر من إزارها، وما لا يمكن إخفاؤه. وقال بقول ابن مسعود: الحسن،
وابن سيرين، وأبو الجوزاء، وإبراهيم النخعي وغيرهم".
فهذه أقوال جمع من السلف، كلها دلالتها صريحة على وجوب تغطية الوجه،
فعلى الرغم من أن الآية عمدة عند القائلين بجواز الكشف، إلا أن هؤلاء الأئمة لم
يفهموا هذا الفهم بوجه ما.
وفي تفسير قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}، روى ابن جرير بسنده
إلى ابن عباس في الآية قال: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في
حاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة" [التفسير
19/181]
- قال البيضاوي في تفسيره قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن..}:
"والمستثنى هو الوجه والكفان، لأنهما ليسا من العورة، والأظهر أن هذا في
الصلاة لا في النظر، فإن بدن الحرة كلها عورة، لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر
إلى شيء منها، إلا لضرورة، كالمعالجة وتحمل الشهادة".
"ومذهب الشافعي رحمه الله، كما في الروضة وغيرها، أن جميع بدن المرأة
عورة، حتى الوجه والكف مطلقا، وقيل: يحل النظر إلى الوجه والكف، إن لم يخف فتنة،
وعلى الأول: هما عورة إلا في الصلاة، فلا تبطل صلاتهما بكشفهما"
- وقال ابن القيم: "العورة عورتان: عورة في الصلاة، وعورة في
النظر، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق
ومجامع الناس كذلك". [إعلام الموقعين 2/80]
- وقال الأمير الصنعاني في سبل السلام (1/176): "ويباح كشف وجهها،
حيث لم يأت دليل بتغطيته، والمراد كشفه عند صلاتها، بحيث لا يراها أجنبي، فهذه
عورتها في الصلاة، وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها فكلها عورة".
قال الإمام البخاري: "باب {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}"، ثم
ذكر سنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: (يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما
أنزل الله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}، شققن مروطهن، فاختمرن بها). [فتح الباري
8/489]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
"لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين". رواه البخاري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا مما يدل على أن النقاب
والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن ، وذلك يقتضي ستر وجوههن
وأيديهن .
وقال القاضي أبو بكر بن العربي : "قوله في حديث ابن عمر:
"لا تنتقب المرأة المحرمة" وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في
الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال ويعرضون
عنها" .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسير أضواء البيان عند تفسير قول
الله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من
جلابيبهن) " في الآية الكريمة قرينة واضحة على أن قوله تعالى فيها: "يدنين
عليهن من جلابيبهن"، يدخل في معناه ستر وجوههن، بإدناء جلابيبهن عليها،
والقرينة المذكورة: هي قوله تعالى: "قل لأزواجك"، ووجوب احتجاب أزواجه
وسترهن وجوههن، لا نزاع فيه بين المسلمين. فذكر الأزواج مع البنات ونساء المؤمنين،
يدل على وجوب ستر الوجوه، بإدناء الجلابيب، كما ترى".
قال الإمام النحوي المفسر أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط
[7/240]:
" (من) في (جلابيبهن) للتبعيض، و(عليهن) شامل لجميع أجسادهن، أو (عليهن)
على وجوههن، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه".
وروى ابن سعد في طبقاته [8/176،177] عن محمد بن كعب القرظي قال:
"كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المسلمين ويؤذيهن، فإذا قيل له، قال: (كنت
أحسبها أمة)، فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء، ويدنين عليهن من جلابيبهن، تخمر
وجهها إلا إحدى عينيها، يقول: "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين"
وهذا المعنى تتابع المفسرون على حكايته في تفسير هذه الآية، فكلهم
ذهبوا في قوله تعالى: "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين"؛ أي يعرفن أنهن
حرائر، بتغطية وجوههن وأجسادهن بالجلباب، حتى يتميزن عن الإماء، وبهذا يعرف أن
الأمة لا يجب عليها حجاب وجهها، فالفرق بينهما ثابت بهذه الآية، وتظاهر المفسرين،
من الصحابة والتابعين، على هذا التفريق، كما أنه قد ثبت في قصة زواج النبي صلى
الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب، قال الصحابة: "إن حجبها فهي امرأته،
وإلا فأم ولد". رواه البخاري ومسلم .
روى ابن جرير في تفسيره [19/181]، فقال: "حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس
قوله: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من
جلابيبهن": أمر الله نساء المؤمنين، إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين
وجوههن، من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة".
قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن في تفسير الآية [5/245]: "في
هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار
الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن".
قال ابن تيمية[الفتاوى 22/110]: "قبل أن تنزل آية الحجاب، كان
النساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذا ذاك يجوز لها أن تظهر
الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها، لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل
الله عز وجل آية الحجاب، بقوله: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء
المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" حجب النساء عن الرجال".
قال: السيوطي: "هذه آية الحجاب في حق سائر النساء، ففيها وجوب
ستر الرأس والوجه عليهن" [عون المعبود شرح سنن أبي داود 12/158، اللباس، باب
قول الله تعالى: "يدنين عليهن.."]
قال الشوكاني في فتح القدير [4/304]: "من للتبعيض، والجلابيب جمع
جلباب، وهو ثوب أكبر من الخمار، قال الجوهري: الجلباب: الملحفة. وقيل: القناع0
وقيل: هو ثوب يستر جميع بدن المرأة. كما ثبت في الصحيح من حديث أم عطية – رضي الله
عنها - أنها قالت: (يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال: لتلبسها أختها
من جلبابها)، قال الواحدي: قال المفسرون: يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة،
فيعلم أنهن حرائر، فلا يعرض لهن بأذى. وقال الحسن: تغطي نصف وجهها. وقال قتادة:
تلويه فوق الجبين، وتشده، ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر
ومعظم الوجه".
قال الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان [6/586]: "ومن الأدلة
القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها قوله تعالى: "يا
أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن".
وأما من ورد عنهم جواز كشف الوجه واليدين فهم على قسمين:
قسم لا يجيز ذلك بإطلاق، بل يخصه في الصلاة فقط، ويحرمه عند وجود الرجال
الأجانب، وهذا القسم لم يفهم بعض الناس قوله، فلما سمعه يقول: " والمرأة كلها
عورة إلا وجهها وكفيها" أي في الصلاة..
ظن أن ذلك بالعموم حتى في النظر، فحمل قوله على جواز الكشف مطلقا،
وهذا خطأ، فإنهم لم يقصدوا ذلك، فهذا سبب من أسباب الاختلاف في المسألة.
القسم الآخر أجاز الكشف بإطلاق..
والذي دعاه إلى ذلك قول منسوب لابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله
تعالى: { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، قال: " الكحل والخاتم"،
لكن هذا الأثر إسناده ضعيف للغاية، فيه مسلم الملائي قال فيه النسائي: "
متروك الحديث" ..
وهناك رواية أخرى قال فيها: "ما في الكف والوجه"، وهي كذلك
ضعيفة، في إسنادها أحمد العطاردي قال ابن عدي: " رأيتهم مجمعين على ضعفه" ..
فالنسبة إذاً إلى ابن عباس غير صحيحة بحسب الإسنادين السابقين ، بل جاء عنه عكس ذلك، ففي تفسير
آية الحجاب: {يدنين عليهن من جلابيبهن} قال ابن عباس:" أمر الله نساء
المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب،
ويبدين عينا واحدة" .
نخلص مما سبق أن سبب الخلاف في هذه المسألة ثلاثة أمور:
أولا: عدم التفريق بين حدود الحجاب وحدود العورة، فبعض المخالفين في هذه
المسألة ظن أن ما يجب ستره في الصلاة هو الذي يجب ستره عن أعين الناس فحسب، وهو
سائر البدن إلا الوجه والكفين..
وهذا فهم خاطئ فليست عورة الصلاة هي عورة النظر، بل عورة النظر أعم في
حق المرأة من عورة الصلاة، فالمرأة لها أن تبدي وجهها وكفيها وقدميها في الصلاة،
لكن ليس لها ذلك في محضر الأجانب أو إذا خرجت من بيتها.
ثانيا: عدم التحقيق في قول ابن عباس، فالأثر الذي ورد عنه في إباحة كشف الوجه
ضعيف الإسناد بحسب الأسانيد السابقة، ثم إنه قد صرح في آية الحجاب بأن المرأة لا
تظهر إلا عينا واحدة، فكان ينبغي أن يجمع قوله، ويؤخذ بما هو أصح وأصرح..
وكل الآثار التي يحتج بها من قال بالجواز كحديث أسماء ضعيفة لاينهض
الاحتجاج بها، وكذا حديث الخثعمية بالرغم من صحته إلا أنه ليست فيه دلالة على جواز
كشف الوجه.
ثالثا: عدم التفطن إلى إن الحكم فيه نسخ، أو فيه أول وآخر، فأما آية الزينة:
{ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، فقد كان أولاً، وكان النساء إذ ذاك يخرجن
كاشفات الوجه واليدين، ثم لما نزلت آية الحجاب أمرن بالستر.
وعلى هذا الوجه يحمل قول ابن عباس، إن ثبت من طرق أخرى.
على أن ابن مسعود يفسر آية الزينة بتفسير يخالف تفسير ابن عباس الأول فيجعل
الزينة الظاهرة هي الثياب أو الرداء، أو ما نسميه بالعباءة، وإسناده صحيح، وعلى
ذلك فلا حجة في هذه الآية لمن احتج بها على جواز الكشف.
ومما يؤكد هذا الحكم قوله تعالى: { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من
وراء حجاب} ، وإذا سأل الرجل المرأة وهي كاشفة عن وجهها لم يكن سألها من وراء
حجاب، وتلك مخالفة صريحة لأمر الله..
ثم إن هذا الخلاف بين الفقهاء بقي خلافا نظريا إلى حد بعيد، حيث ظل
احتجاب النساء هو الأصل في جميع مراحل التاريخ الإسلامي، فقد كان ولا زال أحد
معالم الأمة المؤمنة، قال الغزالي: " لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات" ..
وقال ابن حجر: " العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات
لئلا يراهن الرجال" .
ثم إن هذا الخلاف بين الفقهاء بقي خلافا نظريا إلى حد بعيد، حيث ظل
احتجاب النساء هو الأصل في جميع مراحل التاريخ الإسلامي، فقد كان ولا زال أحد
معالم الأمة المؤمنة، قال الغزالي: " لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات" ..
وقال ابن حجر: " العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات
لئلا يراهن الرجال" .
وهنا مسألة لابد من التنبه لها، وهي: أنك لو سألت هؤلاء المجيزين:
"هل تجوزون كشف الوجه في زمن الفتنة أو إذا كانت المرأة فاتنة"؟.
لقالوا: "لا، بل يحرم الكشف في زمن الفتنة، أو إذا كانت المرأة شابة أو فاتنة"..
بل ذهبوا إلى أكبر من ذلك فقالوا:
"يجب على الأمة إذا كانت فاتنة تغطية وجهها"
..
مع أن الأمة غير مأمورة بتغطية الوجه.
إذن، فجميع العلماء متفقون من غير استثناء على:
وجوب تغطية الوجه في زمن الفتنة، أو إذا كانت المرأة فاتنة، أو شابة
أحمد الودعاني
ليس لي فيه إلا الجمع على عجل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..