بقلم عبدالعزيز بن محمد السعيد
الحمد لله ، لا مثيل له ، ولا ندّ ،
ولا شريك ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، والصلاة والسلام على البشير النذير
والسراج المنير وآله وصحبه .
أنشأ الخليفة العباسي المهدي بن
الخليفة أبي جعفر المنصور ، المتوفى سنة ( 169 هـ ) رحمه الله ورضي عنه ديوانا خاصا بالزنادقة ( كالوزارة في العصر
الحاضر ) مرتبطا به ؛ لتتبع الزنادقة والملاحدة ، وقتلهم ؛ صيانة للدين ، وتعظيما
لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وطاعة لله وتقربا إليه ، فشكر المسلمون صنيعه ،
وبقي ذكره الحسن في الأمة ؛ وكان في ذلك تابعا لمن سبقه من الخلفاء ، ومنهم أبوه أبوجعفر
المنصور الذي قتل خلقا من الزنادقة وصلبهم ، ومنهم مؤسس الفرقة الخطابية وسبعون رجلا من طائفته ، وطائفة
الراوندية وهم نحو من ستمائة .
كما أوصى المهدي ابنه وخليفته من بعده
موسى الهادي بقتل زنادقة المانية ؛ ولهذا وصف الذهبي ( السير 7 / 401 ) المهدي بقوله : (...قصَّابا في الزنادقة، باحثا
عنهم ) ، وقال في ( تاريخ الإسلام 10 / 27 ) : ( وجدّ المهدي في تتبع الزنادقة
والبحق عنهم في الآفاق، وقتل على التهمة ) ووصف الهادي ( السير 7/ 402 ) بقوله : ( وكان
كوالده في استئصال الزنادقة ، وتتبعهم ) .
ومما يحمد للمهدي أن ابنا لوزيره أبي
عبيدالله معاوية بن عبيدالله بن يسار ، اتهم بالزندقة ، فتتبعه وطائفةً معه ؛ فأقر
بالزندقة بين يديه ؛ فقتله ، وجاء في بعض الروايات أن المهدي قال لأبيه : ( فقم فتقرب
إلى الله بدمه ، فقام ليقتل ولده فعثر فوقع ، فقال العباس بن محمد :إن رأيت أن تعفي
الشيخ فافعل ، فأمر بابنه فضربت عنقه ) . ( الكامل لابن الأثير 5 / 239) .
ومن نظر في كتب التواريخ مدة خلافة
المهدي من سنة ( 158 ) إلى سنة ( 169 ) ، رأى كثرة مَنْ تتبعهم من الزنادقة ،
وقتلهم ؛ ولهذا قال السيوطي (تاريخ الخلفاء
ص239) مبينا حاله مع الزنادقة : ( تتبع
الزنادقة و أفنى منهم خلقا كثيرا ) ، وأبلغ من هذا الوصف قول الذهبي ( تاريخ
الإسلام 10 / 25 ) : ( وأباد المهدي الزنادقة ) . فجزاه الله عن الإسلام خيرا ،
ولا يدري العبد في أي شيء تكون مغفرة الله له !
لقد أعاد خادم الحرمين الشريفين الملك
عبدالله بن عبدالعزيز نصر الله به الإسلام والسنة هذا الديوان إلى الذاكرة ، حين أمر بالقبض على المفتون حمزة كشغري ،
وإحالته إلى القضاء ؛ ليقضى فيه بشرع الله ؛ جزاء سخريته وسبه الله ورسوله صلى
الله عليه وسلم ، الذي هو إلحاد وزندقة بلا ريب ، ولا يكف الزنادقة إلا العلم
الكاشف ، والسيف القاطع ، وقديما قال الحكيم : الظلم من طبع النفوس، وإنما
يصدها عن ذلك إحدى علتين: إما ديانة لخوف معاد، أو سياسة لخوف النفس.
وقال أبو الطيب المتنبي :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
ذكر الجرجاني ( أسرار البلاغة ص230)
على هذا البيت أنه ( معنى معقول ، لم يزل العقلاء يقضون بصحته ، ويرى العارفون بالسياسة
الأخذ بسنته ، وبه جاءت أوامر الله سبحانه ، وعليه جرت الأحكام الشرعية والسنن النبوية
، وبه استقام لأهل الدين دينهم ، وانتفى عنهم
أذى من يفتنهم ويضرهم ؛ إذ كان موضوع الجبلة على أن لا تخلو الدنيا من الطغاة الماردين
والغواة المعاندين ، الذين لا يعون الحكمة فتردعهم ، ولا يتصورون الرشد فيكفهم النصح
ويمنعهم ، ولا يحسون بنقائص الغي والضلال وما في الجور والظلم من الضعة والخبال ؛ فيجدوا
لذلك مس ألم يحبسهم على الأمر ، ويقف بهم عند الزجر ، بل كانوا كالبهائم والسباع لا
يوجعهم إلا ما يخرق الأبشار من حد الحديد وسطو البأس الشديد ، فلو لم تطبع لأمثالهم
السيوف ، ولم تطلق فيهم الحتوف ، لما استقام دين ولا دنيا، ولا نال أهل الشرف ما نالوه من الرتبة العليا ، فلا
يطيب الشرب من منهل لم تنف عنه الأقذاء ، ولا تقر الروح في بدن لم تدفع عنه الأدواء
) .
أرجو أن يغلق ديوان الزندقة بعد كشغري
بتوبة نصوح لكل منحرف عن الحق ، لماّز بالباطل ، وعقوبة الآخرة أشد وأنكى .
وما بال أمثال كشغري اختبؤوا وتواروا
لما صدر قرار القبض عليه ، بل طمسوا ما كتبوا ، وغيروا ما حرّفوا ؛ لوعيد دنيوي ،
وخوفا من سلطان مخلوق ، ولم يخافوا الرقيب عليهم ، الذي يعلم سرهم ونجواهم ، وإذا أراد بهم سوء فلا مردّ له وما لهم من دونه
من وال ؟ أذكّرهم قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) .
والحمد لله رب العالمين .
ع ق 1254
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..