الأحد، 12 فبراير 2012

ديوان الزنادقة وقضية كشغري



بقلم عبدالعزيز بن محمد السعيد

الحمد لله ، لا مثيل له ، ولا ندّ ، ولا شريك ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير وآله وصحبه .

أنشأ الخليفة العباسي المهدي بن الخليفة أبي جعفر المنصور ، المتوفى سنة ( 169 هـ ) رحمه الله ورضي عنه  ديوانا خاصا بالزنادقة ( كالوزارة في العصر الحاضر ) مرتبطا به ؛ لتتبع الزنادقة والملاحدة ، وقتلهم ؛ صيانة للدين ، وتعظيما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وطاعة لله وتقربا إليه ، فشكر المسلمون صنيعه ، وبقي ذكره الحسن في الأمة ؛ وكان في ذلك تابعا لمن سبقه من الخلفاء ، ومنهم أبوه أبوجعفر المنصور الذي قتل خلقا من الزنادقة وصلبهم ، ومنهم مؤسس الفرقة  الخطابية وسبعون رجلا من طائفته ، وطائفة الراوندية وهم نحو من ستمائة .

كما أوصى المهدي ابنه وخليفته من بعده موسى الهادي بقتل زنادقة المانية ؛ ولهذا وصف الذهبي ( السير 7 / 401 )  المهدي بقوله : (...قصَّابا في الزنادقة، باحثا عنهم ) ، وقال في ( تاريخ الإسلام 10 / 27 ) : ( وجدّ المهدي في تتبع الزنادقة والبحق عنهم في الآفاق، وقتل على التهمة )  ووصف الهادي ( السير 7/ 402 ) بقوله : ( وكان كوالده في استئصال الزنادقة ، وتتبعهم ) .

ومما يحمد للمهدي أن ابنا لوزيره أبي عبيدالله معاوية بن عبيدالله بن يسار ، اتهم بالزندقة ، فتتبعه وطائفةً معه ؛ فأقر بالزندقة بين يديه ؛ فقتله ، وجاء في بعض الروايات أن المهدي قال لأبيه : ( فقم فتقرب إلى الله بدمه ، فقام ليقتل ولده فعثر فوقع ، فقال العباس بن محمد :إن رأيت أن تعفي الشيخ فافعل ، فأمر بابنه فضربت عنقه ) . ( الكامل لابن الأثير 5 / 239) .

ومن نظر في كتب التواريخ مدة خلافة المهدي من سنة ( 158 ) إلى سنة ( 169 ) ، رأى كثرة مَنْ تتبعهم من الزنادقة ، وقتلهم ؛ ولهذا قال السيوطي (تاريخ الخلفاء  ص239) مبينا حاله مع الزنادقة :  ( تتبع الزنادقة و أفنى منهم خلقا كثيرا ) ، وأبلغ من هذا الوصف قول الذهبي ( تاريخ الإسلام 10 / 25 ) : ( وأباد المهدي الزنادقة ) . فجزاه الله عن الإسلام خيرا ، ولا يدري العبد في أي شيء تكون مغفرة الله له !

لقد أعاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نصر الله به الإسلام والسنة هذا الديوان إلى الذاكرة  ، حين أمر بالقبض على المفتون حمزة كشغري ، وإحالته إلى القضاء ؛ ليقضى فيه بشرع الله ؛ جزاء سخريته وسبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، الذي هو إلحاد وزندقة بلا ريب ، ولا يكف الزنادقة إلا العلم الكاشف  ، والسيف القاطع  ، وقديما قال الحكيم : الظلم من طبع النفوس، وإنما يصدها عن ذلك إحدى علتين: إما ديانة لخوف معاد، أو سياسة لخوف النفس.
وقال أبو الطيب المتنبي :  
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى       حتى يراق على جوانبه الدم
ذكر الجرجاني ( أسرار البلاغة ص230) على هذا البيت أنه ( معنى معقول ، لم يزل العقلاء يقضون بصحته ، ويرى العارفون بالسياسة الأخذ بسنته ، وبه جاءت أوامر الله سبحانه ، وعليه جرت الأحكام الشرعية والسنن النبوية ، وبه استقام لأهل الدين دينهم ،  وانتفى عنهم أذى من يفتنهم ويضرهم ؛ إذ كان موضوع الجبلة على أن لا تخلو الدنيا من الطغاة الماردين والغواة المعاندين ، الذين لا يعون الحكمة فتردعهم ، ولا يتصورون الرشد فيكفهم النصح ويمنعهم ، ولا يحسون بنقائص الغي والضلال وما في الجور والظلم من الضعة والخبال ؛ فيجدوا لذلك مس ألم يحبسهم على الأمر ، ويقف بهم عند الزجر ، بل كانوا كالبهائم والسباع لا يوجعهم إلا ما يخرق الأبشار من حد الحديد وسطو البأس الشديد ، فلو لم تطبع لأمثالهم السيوف ، ولم تطلق فيهم الحتوف ، لما استقام دين ولا دنيا،  ولا نال أهل الشرف ما نالوه من الرتبة العليا ، فلا يطيب الشرب من منهل لم تنف عنه الأقذاء ، ولا تقر الروح في بدن لم تدفع عنه الأدواء ) .

أرجو أن يغلق ديوان الزندقة بعد كشغري بتوبة نصوح لكل منحرف عن الحق ، لماّز بالباطل ، وعقوبة الآخرة أشد وأنكى .

وما بال أمثال كشغري اختبؤوا وتواروا لما صدر قرار القبض عليه ، بل طمسوا ما كتبوا ، وغيروا ما حرّفوا ؛ لوعيد دنيوي ، وخوفا من سلطان مخلوق ، ولم يخافوا الرقيب عليهم ، الذي يعلم سرهم ونجواهم ،  وإذا أراد بهم سوء فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال ؟ أذكّرهم قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) .
والحمد لله رب العالمين . 


ع ق 1254

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..