التفصيل في حكم " عقود الصيانة " ومتى يكون لها حكم " التأمين التجاري "
الجواب :
الحمد لله
"عقود الصيانة" من العقود المستحدثة ، ولها عدة صور ، ولهذا لا يصح أن تعطى حكماً
واحداً ، بل منها ما هو جائز ، ومنها ما هو محرم .
ويمكننا جمع أشهر صور تلك العقود مع بيان أحكامها فيما يلي :
1.
أن تتكفل الشركة البائعة للجهاز بالصيانة الدورية ، أو بالصيانة في حال حدوث خلل
فيه ، وقد تكون الصيانة مجرد إصلاح ، وقد تكون مع وضع قطع بديلة لما يتلف منها .
وحكم هذه الصور : الجواز ، ويجوز للشركة البائعة أن ترفع سعر بيع الجهاز مقابل تلك
الخدمة .
2.
أن تتكفل "شركة صيانة" – وليست الشركة البائعة - بالفحص الدوري على الجهاز –
أسبوعيّاً ، أو شهريّاً – مقابل مبلغ معيَّن ، ويُعرف في العقد عدد الأجهزة المراد
فحصها وصيانتها ، وتعرف نوعية الصيانة ، ويكون العقد لمدة محدودة .
وحكم هذا العقد : الجواز ، وهو في حقيقته عقد إجارة ، ويشترط لجوازه – بالإضافة لما
سبق – أن لا يشتمل عقد الفحص والصيانة على توفير قطع غيار لما يتلف من قطع الجهاز ،
بل تكون هذه القطع على صاحب الجهاز .
إلا
إذا كانت المواد المستعملة في الصيانة يسيرة لا يُحسب لها حساب في العادة ، أو كانت
معروفة أنها من لوازم الصيانة : لم يكن ذلك بمانع من القول بجواز هذا العقد .
3.
أن يشتمل عقد الصيانة مع الفحص الدوري على استبدال القطع التالفة بأخرى جديدة .
وحكم هذا العقد : التحريم ؛ لأنه يشتمل على الغرر الفاحش ، وهو عقد مقامرة ، فقد
يكون ثمن القطع الجديدة أضعاف قيمة عقد الصيانة ، وقد لا تحتاج الأجهزة لتبديل قطع
شيء منها ، وصاحب الجهاز في هذه الحال إما أن يكون " غانماً " ، أو " غارماً " ،
وهذا هو ضابط عقود المقامرة ، فيغنم صاحب الجهاز في حال حصوله على قطع غيار بأكثر
مما دفعه لشركة الصيانة ، وقد يغرم بأن لا تحتاج أجهزته لقطع غيار ، فيضيع عليه ما
دفعه لهم .
وهذه الصورة من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم .
4.
أن يكون عقد الصيانة ليس دوريّاً ، ولكن على حسب حصول الخلل في الأجهزة المعقود
عليها ، فإذا حصل خلل فيها : تمَّ استدعاء شركة الصيانة ، وإن لم يحصل خلل : لا
يأتي أحد لرؤيتها .
وحكم هذا العقد : التحريم ، وهو عقد مقامرة ، لأن صاحب الجهاز يكون غانماً إذا كثر
تعطل الجهاز ، ويكون غارماً إذا قل تعطله .
وهذه الصورة – أيضاً - من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم .
وهذه بعض الفتاوى المتعلقة بعقود الصيانة :
1.
قرار " مجلس مجمع الفقه الإسلامي " :
ففي
قرار رقم : 103 (6/11)
بشأن "عقد الصيانة" قال "المجمع" :
الحمد لله رب العالمين ، والسلام على سيدنا محمد ، خاتم النبيين ، وعلى آله ، وصحبه
، وسلم .
أما
بعد :
فإن
"مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي "المنبثق عن "منظمة المؤتمر الإسلامي" في دورة
انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين ، من 25 - 30 رجب 1419 هـ (14 -
19 نوفمبر 1998) : بعد اطِّلاعه على الأبحاث المقدمة إلى "المجمع" بخصوص موضوع "عقد
الصيانة" ، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله :
قرر
ما يلي :
أولاً : عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود ،
ويختلف تكييفه ، وحكمه ، باختلاف صوره ، وهو في حقيقته عقد معاوضة ، يترتب عليه
التزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه آلة ، أو أي شيء آخر ، من إصلاحات دورية ، أو
طارئة ، لمدة معلومة ، في مقابل عِوض معلوم ، وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده ،
أو بالعمل والمواد .
ثانياً : عقد الصيانة له صور كثيرة ، منها ما تبين حكمه ، وهي :
1.
عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر ، يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط ، أو مع تقديم
مواد يسيرة لا يعتبر العاقدان لها حساباً في العادة .
هذا
العقد يكيَّف على أنه عقد إجارة على عمل ، وهو عقد جائز شرعاً ، بشرط أن يكون العمل
معلوماً ، والأجر معلوماً .
2.
عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر ، يلتزم فيه الصائن تقديم العمل ، ويلتزم المالك
بتقديم المواد .
تكييف هذه الصورة ، وحكمها : كالصورة الأولى .
3.
الصيانة المشروطة في عقد البيع على البائع لمدة معلومة .
هذا
عقد اجتمع فيه بيع وشرط ، وهو جائز ، سواء أكانت الصيانة من غير تقديم المواد ، أم
مع تقديمها .
4.
الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر ، أو المستأجر .
هذا
عقد اجتمع فيه إجارة وشرط ، وحكم هذه الصورة : أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي
يتوقف عليه استيفاء المنفعة : فإنها تلزم مالك العين المؤجرة من غير شرط ، ولا يجوز
اشتراطها على المستأجر ، أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة : فيجوز
اشتراطها على أيٍّ من المؤجر ، أو المستأجر ، إذا عُيِّنت تعيُّناً نافياً للجهالة
.
وهناك صور أخرى يرى " المجمع " إرجاءها لمزيد من البحث ، والدراسة .
ثالثاً : يشترط في جميع الصور : أن تعيَّن الصيانة تعييناً نافياً للجهالة المؤدية
إلى النزاع ، وكذلك تبيين المواد إذا كانت على الصائن ، كما يشترط تحديد الأجرة في
جميع الحالات .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله ، وصحبه ، وسلم .
"مجلة المجمع" ( العدد الحادي عشر ج 2 ، ص 279) .
2.
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله :
صاحب شركة صيانة سيارات يسأل عن عقد الضمان وصورته : أن يتعاقد صاحب شركة الصيانة
مع صاحب معرض سيارات مستعملة ، أو ما يسمَّى بصالات السيارات المستعملة ، وخاصة
المستوردة من الخارج ، فيقوم صاحب الشركة بفحص السيارة ، ويعطي شهادة ضمان على
السيارة السليمة مدة محددة على حسب صلاحية السيارة ، على أن يدفع صاحب المعرض - أو
الصالة - مبلغاً مقطوعاً مرة واحدة ، ويتكفل صاحب الشركة بضمان السيارة تلك المدة
المحددة بحيث لو حصل للسيارة عطل : فإن مشتري السيارة من المعرض يرجع على صاحب
الشركة الضامنة ، فتقوم بإصلاح السيارة بدون دفع مال ، بشرط أن لا يقوم المشتري عند
حصول عطل بإصلاح السيارة في مكان آخر .
ويستثنى من الأعطال ما هو خارج عن الإرادة مثل حوادث السيارات .
فأجاب :
نرى
أن مثل هذا لا يجوز ؛ فإنه داخل في عمل " التأمين " الذي رَجَّح العلماء عدم جوازه
؛ وذلك لأن صاحب المعرض - أو صاحب صالات السيارات - يدفع مبلغاً محدداً لشركة
الصيانة ، سواءً حصل أعطال ، أو لم يحصل ، فتارة لا يحصل تعطيل لهذه السيارات :
فيأخذ صاحب شركة الصيانة ذلك المال من صاحب المعرض في غير مقابل ، ولا يرد عليه
شيئاً ؛ حيث لا يحصل ما يحتاج إلى الإصلاح .
وأحيانًا قد يحصل تعطيل كثير في السيارات ، ينفق عليها صاحب شركة الصيانة أموالًا
طائلة أكثر مما دفعه له صاحب صالات السيارات المستعملة ، فيتضرر صاحب الشركة ، ثم
إن هذا التعاقد ، وهذا الضمان قد يسبِّب أن أكثر المشترين يتهورون ، ويخاطرون في
مسيرهم ، فتكثر الحوادث ، ويحصل أنواع التعطيل ، وإذا نصحوا باستعمال الرفق يحتجون
بأن السيارة مضمونة لمدةٍ محددة كسنَة ، أو أكثر .
فعلى هذا نقول : إن على صاحب المعرض - أو ما يسمى بصالات السيارات المستعملة -
سواءً مستوردة من الخارج ، أو غير مستوردة : أن يفحص سياراته بنفسه ، أو يستأجر
عُمَّالًا يفحصونها ، ويصلحون ما فيها من الأخطاء ، ثم يبيعونها ، ولا بأس أن
يضمنوا للمشتري إصلاحها لمدة محددة ، ولأشياء خاصة ، باستثناء الحوادث المرورية ،
وما أشبهها .
"
الفتوى رقم 816 " من موقع الشيخ رحمه الله .
وهذا الجواب ينطبق على الصورة الرابعة من صور عقود الصيانة .
والصورة التي ذكرها الشيخ في آخر جوابه أنها جائزة وهي عقد الصيانة من البائع نفسه
، هي الصورة الأولى التي ذكرنا أنها جائزة .
3.
وقال الشيخ سامي السويلم حفظه الله :
إذا
كانت الشركة البائعة للأجهزة هي التي تقوم بالصيانة : فلا مانع من ذلك ، ولا مانع
من أن يختلف المبلغ المدفوع للصيانة تبعاً لاختلاف الخدمة ذاتها ، أما أن تقوم
شركات بالصيانة غير الشركات التي باعت السلعة : فلا يجوز ؛ لأنه يكون صورة من صور
التأمين التجاري المحرم ، وبذلك يتبين حكم عقد الصيانة ، فالضمان الذي تقدمه شركة
الصيانة تابع للعمل الذي تقوم به ، وهو عمل الصيانة الدورية ، وهذه الصيانة الدورية
من شأنها أن تقلل من احتمالات وقوع الخلل ، ومن ثم تقلل من الحاجة للضمان ابتداء ،
أما إذا كان عقد الصيانة مجرد ضمان بلا عمل يدرأ الخطر : فهو تأمين تجاري بحت .
وبهذا يتبين أن من عقود الصيانة ما هو مباح جائز ، ومنها ما يكون صورة من صور
التأمين التجاري فيكون محرماً .
والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..