عقد المرابحة
ضوابطه الشريعة- صياغته المصرفية وانحرافاته التطبيقية
د الواثق عطا المنان محمد أحمد
أستاذ القانون التجاري المساعد- كلية الشريعة والقانون
جامعة أم درمان الإسلامية المنتدب بالمعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية
)طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
المرابحة صورة من صور البيع
تباع فيها السلعة برأس مالها وزيادة ربح معلوم، وقد اتفق المسلمون على
جوازها في الجملة استناداً إلي عموم الأدلة التى تتيح البيع بصفة
عامة. وذكروا لها من الضوابط ما يكفل لها أن تبقي في إطار الصدق والأمانة
الذي يجب أن يتسم به هذا البيع، شأنه شأن التولية والمواضفة وكذلك سميت هذه
البيوع بيوع الأمانة.
وذلك لأن للبيع تقسيمات عديدة
منه بيع الصرف وبيع المقايضة وبيع السلم، والبيع المطلق وهو نوعين بيع
المساومة، وبيع الأمانة. الذي ينقسم إلي ثلاثة أقسام: بيع المرابحة، وبيع
التولية، وبيع الوضيعة.
وقد اتجه العلماء في هذا العصر
إلى محاولة الإفادة من هذا البيع في ترتيب الأعمال المصرفية، بحيث تحل هذه
الصورة المشروعة محل كثير من النظم الربوية المحرمة، وليكون في البدائل
الإسلامية ما يغنى عن هذه النظم الخبيثة، التى زحفت على الأمة في عينية
وعيها وضعف قيادتها، وسكرة ابنائها، وانحلال أمرها كله.
ومن هنا مست الحاجة إلى تفصيل أحكام هذا البيع وضوابطه الشرعية وصياغته المصرفية.
وقد قسمت الدراسة إلي المباحث التالية:
المبحث الأول : تعريف المرابحة وصورها ومشروعيتها.
المبحث الثاني : شروط المرابحة.
المبحث الثالث : حكم الخيانة والغلط في المرابحة.
المبحث الرابع: الضمانات الفقهية في بيع المرابحة.
المبحث الخامس : الصياغة المصرفية لعقد المرابحة.
المبحث السادس الانحرافات التطبيقية للمرابحة المصرفية.
· نماذج لعقد المرابحة المصرفية
· الهوامش والمراجع
.
المبحث الأول
تعريف المرابحة وصورها ومشروعيتها
المرابحة لغة :
المرابحة في اللغة مصدر من الربح وهو الزيادة(1)، وأيضاً المرابحة في اللغة مفاعلة من الربح : وهو النما(2) في التجر يقال : نقد السلعة مرابحة على كل عشرة دراهم، وكذلك اشتريته مرابحة، ولابد من تسمية الربح، والمفاعلة هنا(3) ليست على بابها لأن الذي يربح إنما هو البائع فهذا من المفاعلة. أو أن مرابحة بمعنى إرباح لأن أحد المتابعين أربح الآخر.
المرابحة اصطلاحاً:
أما المرابحة في اصطلاح الفقهاء : فهي بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح معلوم.
فهذا هو المعنى التى اتفقت عليه عبارات الفقهاء وإن اختلفت ألفاظهم في التعبير عنه.
ففي الهداية(4) نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن مع زيادة ربح. وفي بدائع الصنائع(5) بيع يمثل الثمن الأول مع زيادة ربح وفي المغنى معنى المرابحة(6) هو البيع برأس المال وربح معلوم وفي روضة الطالبين جاء معنى المرابحة "أنه عقد يبين الثمن فيه على ثمن البيع الأول مع زيادة"(7).
وعرفها ابن عرفة "بيع مرتب على ثمن مبيع تقدمه غير لازم مساواته له"(8).
حكم المرابحة:
كما نعلم أن الأصل في العقود
الإباحة، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، إذ يري أن الأصل في العقود
الإباحة والجواز، فحرية التعاقد مكفولة للجميع ما لم تشتمل على محظور شرعي،
والوفاء بالعقود واجب لقوله تعالي : )يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود((9).
والنص القرآني أوجب الوفاء بالعقود من غير تعيين، وتصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان:
عبادات وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، والأصل في العادات عدم الحظر إلا ما حظره الله ورسوله(10).
وإذا كان ذلك فالناس يتبايعون
ويتاجرون كيف شاءوا ما لم تحرمه الشريعة الإسلامية وما لم تحد له في ذلك
حداً ومن القواعد الفقهية "الثابت بالعرف كالثابت بالنص".
وهذه القاعدة كافية لفتح باب
التعاقد وإطلاق حركة الإبداع العقلي في تقديم صيغ عقود جديدة تواجه متطلبات
الممارسات العملية، وهنا تقوم القواعد العرفية والعادات الموحدة دوراً
هاماً في تحديد الالتزامات التعاقدية قطعاً للنزاعات بين المتعاقدين يقول
تعالي: )خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين(((11).
والمرابحة صورة من صور البيع، والبيع جائز في الجملة وكذلك المرابحة، وقد نقل عن ابن حزم القول بحرمتها وبطلان العقد بها.
وقد استدل الجمهور على جوازها بما يلي:
عموم الأدلة التي تقتضي بإباحة البيع مثل قوله تعالي : (وأحل الله البيع وحرم الربا)(12) وقوله صلى الله عليه وسلم "أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور"(13).
الإجماع: حيث أجمع وتعامل الناس بها في جميع الأعصار والأمصار بغير نكير، مثل ذلك حجة.
المعقول : فالحاجة ماسة إلي
هذا النوع من البيع، لأن الغبي الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلي أن
يعتمد على فعل الزكي المهتدي، وتطيب نفسه بمثل ما اشتري وبزيادة ربح فوجب
القول بجوازها.
فالقول في المرابحة هو القول
في البيع لأنها لا تعدو أن تكون صورة من صوره، فضلاً عن استجماعها لشرائط
الجواز، وجريانها على قواعد صحة البيع مع العلم بالثمن وغير ذلك.
وقد جاء في مغني المحتاج(14) وصح بيع المرابحة من غير كراهة لعموم قوله تعالي : )وأحل الله البيع( (البقرة : 275).
وفي بدائع الصنائع(15) والأصل في هذه العقود عموماً البيع من غير فصل بين بيع وبيع، وقال المولي عز وجل )وابتغوا من فضل الله( وقال عز وجل )ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم(، والمرابحة ابتغاء للفضل مع البيع نصاً.
وفي المدونة(16)
قلت لابن القاسم للعشرة أحد عشر وللعشرين اثنان وعشرون، وما سمي من هذا
وللعشرة خمسة عشر وللدرهم درهم، وأكثر من ذلك أو أقل جائز في قول مالك؟
قال : نعم
أما الحنابلة فقد فرقوا في حكم المرابحة بين صورتين:
الأولي : إذا كان الربح شيئاً
معلوماً مفرداً عن رأس المال كمال لو قال له: رأس مالي فيه مائة بعتكة بها
وربح عشرة فهذه الصورة جائزة عندهم بلا خلاف.
الثانية : إذا كان الربح جزء
من رأس المال – كما لو قال له : على أن أربح في كل عشرة درهماً، أو قال ده
بازدة – فقد ذهب كثير منهم إلى كراهة هذه الصورة، ووجه الكراهة عندهم ما
روى عن ابن عمر وابن عباس وبعض السلف من القول بكراهة ذلك(17). لأن فيه نوعاً من الجهالة. وهذه الكراهة لا أثر لها في عقد البيع وصحته.
جاء في المغني(18). "والمرابحة أن يبيعه بربح فيقول : (ورأس مالي فيه مائة بعتكة بها وربح عشرة) فهذا جائز بلا خلاف في صحته.
ولم نعلم أحد كرهه، وإن قال على أن أربح في كل عشرة درهماً أو قال ده بارزة أو ده داوازدة. (19) فقد كرهه أحمد والكراهة بسبب أن فيها نوعاً من الجهالة، وهذه كراهة تنزيهية والبيع صحيح كما أوضحنا في هذا البحث.
المرابحة والبيع بالتقسيط:
تعتبر طريقة دفع الثمن في عقد
البيع من حقوق العقد التى يجري تنفيذها حسبما يتم اتفاق الطرفين عليه ولا
علاقة لطريقة دفع الثمن وتنفيذ أدائه بجوهر العملية التعاقدية في بيع
المرابحة التى تقوم على أركان وشروط محددة، ومن ثم فطريقة دفع الثمن في
المرابحة ليست ركناً ولا شرطاً لصحة البيع ولم يعتبرها أحد من الأئمة كذلك،
إذ لا يعتبر دفع الثمن شرطاً في انتقال ملكية المبيع التى تتم بمجرد
العقد.
الزيادة في الثمن مقابل الأجل:
من المسلم به أننا بصدد عقد
بيع سلعة تتوافر أركانه ومنها المبيع والمحل، وأن هذا المبيع يتم مبادلته
لقاء ثمن نقدي، فليست المسألة مبادلة ثمن نقدي بثمن نقدي من جنسه وإنما بيع
ثمن بثمن من غير جنسه (أي أن البديلين مختلفان) وهذا الثمن قد يدفع
نقداً أو حالاً، وقد يدفع مؤجلاً أو مقسطاً حسبما يتم الاتفاق عليه بين
أطراف العقد وتقتضيه مصلحتهما وهنا قد يعرض بائع السلعة بثمنين لنفس السلعة
بالأقل في حالة النقد أو المعجل وبالزيادة في حالة الدفع الآجل أو القسط،
والمشتري لنفس السلعة بالخيار بين هذين الثمنين(20). حسبما تمليه مصلحته وظروفه – (أي أن عملية البيع واحدة) فهي واحدة بين نفس الأطراف ونفس المحل والمشتري بالخيار عند التعاقد.
وإذا كان ذلك كذلك فلا بأس أن
يكون إيجاب البائع على نحو ما ذكر، وأن يكون الخيار للمشتري في قبوله، ومن
ثم يعتبر ملتزماً بما ألزم نفسه به، ومن هنا فلا بأس أن يكون الثمن المؤجل
أزيد من الثمن المعجل فللأجل قسط من الثمن(21). بشرط هام، وهو ألا تتكرر الزيادة بتكرار الأجل وإلا وقع المحظور الربوي.
صور المرابحة:
لبيع المرابحة عبارات(22) أكثرها دوراناً على الألسنة ثلاث:
الأولي : أن يقول : بعت بما اشتريت أو بما بذلت من الثمن وربح كذا.
الثانية : أن يقول : بعت بما قام علي، وربح كذا،
الثالثة : أن يقول : بعتك برأس المال وربح كذا.
وقد اختلف الفقه في حكم هذه العبارة الثالثة هل تلحق بالأولي أم الثانية؟
والذي يتبين أن الأمر مرده إلى
العرف، فإن كان العرف التجاري يقضى أن تعبير رأس المال لا يقصد به إلا
الدلالة على ثمن الشراء مجرداً من أي نفقات أو مصروفات ألحقت بالصورة
الأولي، أما إذا كان يقضى بأنه ثمن الشراء بالإضافة إلي سائر النفقات
والمصروفات التي يقصد بها الاسترباح ألحقت حينئذ بالصورة الثانية.
المبحث الثاني
شروط المرابحة
تمهيد:
لا يكفي في عقد المرابحة أن
يتم الاتفاق بين طرفيه (العميل والبنك) وإنما يجب فوق ذلك توافر شروط معينة
ليكون عقد المرابحة منتجاً لإثارة، ومسوغ هذا الوجوب أن العقود في الفقه
الإسلامي لا تخضع لإرادة الطرفين وحدها وإنما لابد من هيمنة الرقابة
الشرعية لأن بعض التصرفات محظورة لكونها من قبيل الاتفاق على مخالفة مقتضي
النصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية، أو لأنها تخالف قواعد النظام العام
والآداب (كالسياسة الاستثمارية والتمويلية والإئتمانية التي يصدرها البنك
المركزي) وهي غالباً ما تهدف إلي تحقيق المصالح ودرء المفاسد.
والمرابحة كالبيوع تحل بما تحل به البيوع، فحيث كان البيع حلال فهي حلال، وحيث كان البيع حراماً فهي حرام.
ولهذا فإنه يشترط لها ما يشترط
في البيع بصفة عامة من كون المبيع مالاً – وهو ما فيه منفعة مباحة شرعاً –
ومن كونه مملوكاً للبائع أو مأذوناً له في بيعه، ومن كونه معلوماً برؤية
أو صفة تحصل بها معرفته، ومن كونه مقدوراً على تسليمه، ومن كون الثمن
معلوماً، هذا بالإضافة إلي الرضا وأهليه التعاقد. ولسنا بصدد هذه الدراسة
المفصلة لهذه الشروط العامة، وإنما المقصود أن نتناول بشيء من التفصيل
الشروط الخاصة بالمرابحة فهي الغرض الأصلي من الدراسة في هذا المبحث.
الشروط الخاصة بالمرابحة:
يمكن أن نتناول شروط صحة المرابحة في البنود التالية:
الأول :
أن يكون رأس المال أو ما قامت به السلعة معلوماً للمتعاقدين ذلك أن
المرابحة بيع بالثمن الأول أو بما قامت به السلعة مع زيادة ربح مسمي، وقد
نص على معنى هذا الشرط عامة الفقهاء(23).
ويتحقق شرط معلومية رأس المال السلعة بالآتي:
1-معرفة رأس المال : وهو ثمن السلعة على البائع الأول بناء على العقد الأول بين البنك ومالك السلعة وما تلا ذلك من مصروفات.
2-ثم معرفة الثمن في البيع الجديد (بين البنك والآمر بالشراء).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..