مقدمة
:
آثرت من مدة طويلة أن أتوقف عن الكتابة ،
وأكتفي بمتابعة ما يحدث من حولي في هذه الدنيا بصمت .
مرت أحداث عظام لم يكن يخطر
لي على بال أنها ستكون وأنا على قيد الحياة . أحداث متتابعة وفتن متلاحقة . الله
أعلم إلى أين ستنتهي ؟ فاللهم سلم سلم..
ما يحدث في الساحة الفكرية اليوم
، يشغلني و
يشغل كثيرا من شباب اليوم ،
الباحثين عن هوية ، والباحثين عن قدوة ، والباحثين عن
إثبات ذواتهم ، و الباحثين عن ناموس وقانون يستندون به ويسيرون عليه .
قصة
البحث عن المثالية :
أثناء دراستي الجامعية ، كنتُ مغامرة وجريئة ،
لاكتشاف معظم العوالم و الاتجاهات ، ظناً مني أنني سأبحث عن ضالتي من الحق هنا أو
هناك .
كنتُ أظن أنني سأجد مجتمعاً كاملاً خالصاً
ومثالياً ، وظللتُ فترة طويلة أبحث عن هذا الخلوص و هذه المثالية وهذا الكمال فلم
أجد ،
لأنني ببساطة أتعامل مع بشر .
ربما كثيرون مثلي أرادوا من المحسوبين على
التيار الديني (كما يسميه الإعلام) أن يكون بهذه الصورة ،
لكنهم صدموا بكثير من
الأخطاء البشرية التي لا يعني وقوعها نسبتها إلى هذا الدين الحنيف ثم النكوص عنه ,
بل يجب الفصل بين المنهج الإسلامي ، وبين ما يفعله المسلمون اليوم من تقصير وإخلال
بتعاليم دينهم .
بحثتُ عن هذه الكمالية و المثالية ، عند غير
هؤلاء الأشخاص المتدينين ، فوجدتُ أخطاء أشنع و تصرفات أكثر سقوطاً ،
مما يعني أن
الطبيعة البشرية ما زالت تفرض نفسها أيضاً هنا أو هناك ، لكن اتباع الهوى والبعد
عن تعاليم الدين يوسّع من دائرة السقوط ويزيدها عمقاً .
سبب
كتابتي لهذا الموضوع :
لا أخفيكم أنها استفزتني المسرحية الهزلية
التي كان بطلها الكاتب /وائل القاسم ، ولأنني تابعتُ أحداثها ، فقد شككتُ أن يكون
صادقاً ، وكنتُ أعلم أنه ينوي بفعلته هذه الاستهزاء بمفهوم (التوبة ) والتشكيك في
مصداقية التائبين ، وما أشبه فعلته تلك بمن قال الله فيهم : (وقالت طائفة من أهل
الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون )
سبحان الله ..إنه التاريخ يعيد نفسه ..
وبالأساليب نفسها أيضاً ... والعبرة لمن يتأمل ..!!
لماذا
فرح الناس بخبر (توبتك ) المزعوم يا أستاذ وائل ؟؟
في
مقالك الأخير تنقصت من الناس الذين شجعوا عودتك عن الطريق الذي تسير فيه ، وتعجبت
منهم كيف هللوا وكبروا و نشروا خبر توبتك ،و لعلك أنت و (عصبتك) من نشر هذا الخبر
وحاول تكبيره ، و لا عجب فـ(اللعبة
الإعلامية ) بين أيديكم ، وللأسف أنتم لا توجهونها للصالح العام ، بل إنكم
تسيرون بنا نحو الهاوية من حيث تشعرون أو لا تشعرون .
فرح الناس لأنهم يعظمّون نبيهم صلى الله عليه
وسلم الذي قال : (لله أشد فرحاً بتوبة عبده )
هل
هناك ما يستوجب توبتك يا أستاذ وائل ؟
أنت تدّعي أنه لا شيء يوجب توبتك ، ولم تفعل
شيئاً في حياتك يستحق التوبة و الرجوع .
طيب !! لماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
: (يَا أَيُهَا
النَّاسُ تُوبُوا إِلى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ، فَإِنِّي أَتُوبُ في الْيَوْمِ مَائَةَ
مَرَّةٍ)؟؟؟
هذا هو أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم ، يتوب
في اليوم مائة مرة !! وهو الذي اصطفاه الله وطهره و اختاره ، فكيف
بي وبك يا أستاذ وائل ؟؟ بصرك ربي بالصواب
والله أخشى عليك من أن تكون كمن قال صلى الله
عليه وسلم فيهم: (إن المؤمن يرى ذنوبه، كأنه
قاعدٌ تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه
كذباب مرَّ على أنفه. فقال بيده هكذا)
أسئلة
بسيطة حول مقالك الأخير :
1. قلت في تعريفك لليبرالية: هي أن يعيش الفردُ حراً فقط.. حرّاً بكل ما تحمله الكلمة من
معنى.. حرّاً في فكره.. في قوله وفعله.. في معتقده واختيار مذهبه.. حرّاً حرّاً
حرّاً في كل شيء .
ما معنى أن يكون الإنسان حراً في كل شيء ؟ إن ما تدعو إليه هو شيء أشبه بـ (الفوضى)
يا أخي أنا عشتُ في غير هذا البلد الطاهر ،
حتى في تلك الديار الغربية التي تنادي بالحرية والديموقراطية ، لا توجد حرية مطلقة
كالتي تنادي بها ، بل يوجد قوانين و لوائح و خطوط حمراء .
بل لو كنتُ وأنت خارج هذا البلد ورفعتُ عليك قضية (كراهية ) وأحصيتُ بعض ألفاظك
التي وصمت بها أصحاب الدين ، لربحتُ القضية بالتأكيد.
ثم هل أنت تسمح لابنك الصغير أن يكون حراً في
كل شيء أم أنك تربيه و تهذب سلوكه ؟
أليست حركة السير منظمة بقوانين المرور ؟ والمؤسسات
التعليمية منظمة بقوانين لضبط الطلاب ؟؟
لا يستقيم قولك أبداً يا أستاذ وائل ، مع
العقل و لا مع طبيعة الكون الذي خلقه الله بقوانين وسنن تحكمه وتضبطه .
2. تمدح الليبرالية ، وتصفها بمنهج حياة
عظيم ؟
طيب !!
وماذا في الإسلام ؟؟ أليس هو منهج حياة أعظم من منهجك ..؟؟
هل هذا يعني
أن الليبرالية أفضل ؟؟ أم أنها أشمل من الإسلام؟ أم ماذا ؟؟
الذي أعرفه
أن الله تعالى يقول: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن
يقبل منه )
و أنت تعلم يا أخي أن الدين في اللغة يعني (المنهج أو الطريقة
أو الملة ) .
3. تنادي بالحوار المؤدب ، فهل مقالك هذا
(حوار مؤدب)؟؟
(هلاّ لنفسك كان ذا التعليم ) يا أستاذ وائل ؟؟
كيف تنادي بالحوار المؤدب و مقالتك
تضمنت الكلمات التالية التي لا تحترم الطرف الآخر بل تسفهه وتجهله ؟
(الرسائل السافلة ،
البذاءات ، ألفاظهم السوقية ، إرهابهم المسعور ، المتنطعون ، خيالاتكم المرضية ،
تتقيؤون ، أساليبكم المنتنة الرخيصة ، العاجزون ، المفلسون ، ضجيجكم ، صخبكم ،
تصرفاتكم الرعناء )
وتصف منهجهم بـ : (الظلام ، التطرف ،
الانغلاق ،الجهل ، الخرافة ، الفكر المتزمت ، الوصاية ، التخلف ، التكلف ، الحماقة
، الرجعية ، محاربة الآخر )
لم تبقي و لا تذر يا أستاذ وائل إلا و وصفت أهل الدين به .
فهل أنت مؤدب ؟ وهل حوارك مؤدب ؟ وهل أنت تؤمن بما تدعو إليه من قبول واحترام
للآخر و تعايش و بعد عن الكيد ؟؟ اسأل نفسك ومقالك سيجيبك .
4 . هل المعلم يعلم تلاميذه
الكذب ؟
قلت في مقالك : (فقد
شاركني بعضُ طلابي
الذين كنتُ أترك جهازي مفتوحاً أمامهم بين الفينة والأخرى؛ لثقتي الكاملة بهم)
هل تريد أن
تقول لنا يا أستاذ وائل أن تجربتك هذه التي تعرضت فيها لمفهوم راق ومقدس من مفاهيم
الدين ، أنها (تجربة علمية ) لتربي بها طلابك ؟
إنك ببساطة
غررت بعقولهم وعلمتهم كيف يخدعون الناس وكيف يغشونهم و كيف يتخذون من الدين أداة سخرية وتهكم .
وهذا يعني أن لديك أتباعاً . فمن الذي يتدخل في عقول الآخرين ؟؟
لا تقل لي أنك تعيش (كافي خيرك وشرك)
ها أنت تعترف أنك تنادي بأفكار تعلمها و تعزز لها
فهل من حق الآخرين (وهم الأكثرية ) أن ينادوا بما أمرهم الله أن ينادوا به ؟
رسالة
أخيرة :
أنت
تدعو لمناظرات علمية مقننة تحت سمع وبصر الدولة حفظها الله ،
والكثير من أبناء
البلد سيضربون على صدورهم مستعدين لهذا صغيرهم و كبيرهم . بل نحن نطالب بهذا قبل
أن تطالب .
على
الأقل حتى أستبصر أنا و غيري من الشباب مع من نسير وبمن نقتدي . لأن الحق واحد
والباطل متعدد ، ( وإنا
و إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين )
و
ختاماً أورد مقطعاً من كلامك للأخوة القراء ففيه ملخص لدعوتك ومنهجك وهدفك الذي
تصبو إليه :
(نعم، إننا نريدُ فتحَ
أبوابِ الحريّة على مصاريعها في بلادنا دون قيد أو شرط. نريد فتح باب حرية الرأي
والتعبير والاطلاع والسلوك واختيار المذهب الديني وممارسة الإنسان لكل ما يريد من
الحريات الشخصية)
وأترك
التعليق لأخواننا القراء و لمن هم أكثر مني علماً وفهماً .
كلمة
صغيرة أخيرة :
بعد مقالك هذا صرت أؤمن و بشدة أنكم لا تحاربون
إلا (الإسلام) ولا تريدون إلا (الانفلات والفوضى )
وهذا طريق الانحدار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سامية
عبدالله الشهري *
* معيدة بقسم مهارات الاتصال بجامعة الملك عبدالعزيز، وطالبة دراسات عليا في المملكة المتحدة
* معيدة بقسم مهارات الاتصال بجامعة الملك عبدالعزيز، وطالبة دراسات عليا في المملكة المتحدة
مقال اكثر من رائع
ردحذف@abdulaziz505
تويتر