Posted on 03/18/2012
مرّ عام على الثورة في سوريا، ولا يزال بعض أبناء السنة يجهلون عدوهم ولا
يعرفون على وجه التحديد الجهة التي تقف وراء نكبتهم منذ عقود.
“القتلة ليسوا سوريين!” هذا ما يكرره بعض العلمانيين السنة الذين يرفضون
التسليم
للوقائع والحقائق على وجهها وصورتها الاصلية دون تحريف وتبديل، وقد
استغلوا وجود عناصر شيعية (لبنانية وايرانية وعراقية) الى جانب النظام
للقول بأن النظام يعتمد على عناصر أجنبية في قمعه للشعب والثورة.
وهذا التشويش والتهويش الاعلامي الذي يمارسه مثقفو المعارضة بُني على جملة
من المقدمات والفرضيات التي لم تستند الى دليل مادي حسي أو إثبات عقلي،
ومنشأ الخلل عند من يرفض التعرف على هوية القتلة والمجرمين والاعتراف
بحقيقة الحرب القائمة في سوريا هو القول بوطنية الأقليات والقطع بذلك
كمسلّمة لا يتطرقها النقد والنقض.
وهذا التسليم للوهم والتصديق الأعمى لهذه المزاعم فرضته هشاشة الايمان
بالقضية واهتزاز الشخصية السنية بسبب الافكار العلمانية والثورية القومية
فضلا عن تسلط الدكتاتوريات وفرضها لطروحاتها المسمومة وطموحاتها في إبقاء
السنة تحت سيف الذل والقهر.
بل إن هجوم الأقليات على محيطها السني ومخاوفها المفتعلة من المتطرفين
والمتشددين هو الذي عزز الروح الانهزامية لدى المثقفين السنة فجعلهم
يُعرضون عن تناول الأحداث بموضوعية وواقعية بعيداً عن الآراء الملوثة التي
غزت الثقافة العربية الاسلامية في فترة الانكسار والانحطاط الديني
والسياسي.
عاشت سوريا وشعبها السني في ظل التسلط العلوي الذي انتشعت معه كل الأقليات،
ولم يكن السنة قادرين على الجهر بمظلوميتهم والاعتراف بتآمر الأقليات ضد
حرياتهم وحقوقهم لأن هذا يعني بالضرورة الصدام والحرب، ولم يكن السنة
يملكون زمام المبادرة والمطاولة والمناورة في حرب غير متكافئة، ولذلك كان
الرضوخ والاستسلام الخيار الوحيد، وقد وفرت أجواء الهزيمة والانكسار الفرصة
لتسلل الأفكار العلمانية والقومية التي تلغي الهوية الدينية، والمتناغمة
في نفس الوقت مع رغبات الأقليات الحاكمة.
ليس المشهد الدموي الذي يسود سوريا السنية اليوم غريباً أو مفاجئاً، لأنه
لم يكن غيره طيلة العقود الماضية لكنه كان يعمل بصمت (الأقليات والسنة)
فحرب الأقليات الصامتة بقيت الخيار الانسب لاسيما مع شعارات العلمانية
والقومية والوطنية، أما السنة فلم يجدوا غير الصمت ملاذاً.
لقد جاءت الثورة بحقائق معلومة لدى السوريين وربما جهلها بعضها، ولكن العلم
المسبق لم يمنع من الصدمة التي كسرت غشاء الأوهام المصطنعة وثقافة
المنهزم.
ظل السنة في سوريا يعيشون وهم “التعايش والمواطنة والعقد الاجتماعي بين
الطوائف والقوميات”، ليهربوا من الاعتراف بهزيمتهم وعجزهم عن التمتع بأبسط
حقوقهم وظنوا أنهم بذلك يتخلقون بأخلاق النبلاء والحكماء ولم يعلموا أن
سلوكهم وتبريرهم لحياة الخنوع هو منطق السفهاء الذين يتبرأون من عقولهم
ويفتعلون واقعاً افتراضياً للهروب من الواقع المر.
ليس هذا من سنن البشر وطباعهم، فالرغبة في الحكم، والقصاص من المعتدي أمر
مركزي في فطرة الإنسان، فحينما يتخلى البعض عن هذا السلوك الطبيعي فلن يجد
نفسه مؤهلاً للعيش إلا على هامش الذل والقهر، بل البهائم أرقى سلوكاً منه
فهي تهتدي بفطرتها الى المعتدي ومصدر الخطر وتتخذ التصرف اللازم لرد
العدوان.
فتخلي السنة عن استحقاقهم بحكم سوريا ورغبتهم في ترك التعرف على هوية
القتلة رغم وضوحها هو نزول عن المنزلة الحيوانية، ولا يمكن تسميته بتغليب
مصلحة الوطن ومنطق الحكمة والهدوء.
يهدف المروجون لهذه الأقاويل المشبوهة الى أمرين:
1-إبقاء ثقافة الهزيمة في أوساط السنة ومنعهم من نيل حقوقهم (بعد انتصار
الثورة)، وإبقاء حالة التسلط الطائفي قائمة لأن المنتصر حينما تستولي عليه
عقلية المنهزم فإنما يفتح المجال لخصمه وعدوه ليلتف على انجازه ويختطفه.
2-منع السنة من ملاحقة المجرمين والقصاص من القتلة من العلويين وغيرهم لأن
هذا سيهدد الوحدة الوطنية -في منطق المثقفين السنة-، وتضيع الحقوق وتطوى
سجلات الجرائم لينعم المجرمون بوطنية السنة وعقلانيتهم ويعيشون في “سوريا
الجميع” بانتظار لحظة الغفلة السنية المناسبة للانقضاض على الحكم!
لقد وقع العرب السنة في العراق في مثل هذا من قبل، حينما رفضوا الاعتراف
بأن الشيعة العرب هم المتسبب الحقيقي بنكبتهم، وظلوا يرددون حديث القوميين
بأن الموساد والمخابرات الاميركية هم من يزرع الفتنة، وأن فرق الموت صنيعة
أميركية وليست شيعية، وأكثرهم وعياً من يتهم القيادة الايرانية بقتل الشيعة
والسنة على حد سواء، وهكذا يستوي الضحية والجلاء وتختلط الأمور وتلتبس
ليُضيع الضحية بحكمته واتزانه ووطنيته فرصة القصاص من الجلاد!
لا أدري ما هي جدوى الانقلاب على نظام فاسد ظالم مع الجهل بحقيقة أتباعه،
وكيفية خوض صراع دون معرفة أبعاده وتطوراته وكأنها نزهة بريّة أو رحلة
سياحية؟
لابد من الانقلاب أولاً على منظومة القيم المشوهة التي تنزه الأقليات من
التورط بالخيانة وموالاة الظالم قبل التفكير بغد مشرق، فالحرية لا يستحقها
من يكبل نفسه بأغلال الأوهام،والعدالة لا ينالها من يتمرد على أحكامها
وشروطها.
كاظم الربيعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..