ولذا فإن
محاولات تجديد طباعة هذه الكتابات النهضوية التجديدية مهمة جداً في بداية الربيع
العربي الجديد، لما فيها من وفاء لأولئك العلماء والمفكرين العظماء الذين كادوا أن
يضعوا الأمة على أعتاب المسار النهضوي القويم، ولما في هذه الكتابات النهضوية من
رؤى فكرية حاولت أن تستثمر التراث الإسلامي السابق دون أن تصنع معه قطيعة فكرية
كما كانت دعوة الشيوعيين أو غلاة العلمانية العرب في ذلك الوقت، فهذه الكتابات
بالرغم من استفادتها من التحضر الأوروبي وكتابات عصر النهضة الغربية ، بل وسافرت
إليها وعايشتها في بلادها في كافة المدن الأوروبية وتتلمذت في جامعاتها إلا أنها
بقيت محافظة على هويتها الدينية والحضارية والثقافية، وعملت على البناء على التراث
الإسلامي السابق باحترام شديد وبالأخص لما فيه من قراءات عقلية وعلمية قادرة على إعادة
الثقة بالذات فكرياً، وبعث التجديد والاجتهاد المقاصدي الجديد.
ومن محاسن هذا
المشروع أنه وسع نظرته لكل ما جاء بعد تلك الفترة النهضوية القيمة فنظر إلى جهود
الجيل التالي مثل كتابات الإمام الشيخ الطاهر بن عاشور التونسي مجدد الدعوة إلى
الاجتهاد المقاصدي في كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية"، ونظر إلى كتاب
"العودة إلى الذات" لمؤلفه الإيراني الدكتور علي شريعتي، وغيرها من
الكتب القيمة التي اعتنت بالهموم الفكرية النهضوية وحاولت التفكير في سبل التجديد
ومعالجة أمراض التراث والحاضر.
مع هذه النظرة
التقديرية لمشروع إعادة إصدار كتب التراث الإسلامي الحديث في القرنين الثالث عشر
والرابع عشر الهجريين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، فإن ما تطالب به هذه الجهود
أن توسع رؤيتها إلى ما يشمله وصف المدى الإسلامي من سعة جغرافية وثقافية وقومية،
فالحديث عن إحياء التراث الإسلامي يشمل كتب التجديد النهضوي في هذه الفترة الزمنية
والتي كتبت باللغات الإسلامية الأخرى وليس العربية فقط، فهي تشمل الكتب الفارسية
والهندية والتركية والباكستانية وغيرها، وإلا فإن المشروع سيكون مشروعاً عربياً
خالصاً، أو لما كتب باللغة العربية أو ترجم لها فقط، وهذا حق للقائمين على المشروع
ولكنه مطالب أن يحدد هويته أو اختصاصه، حتى يعلم المتابعون له أن مشاريع النهضة
التركية أو الإيرانية أو الهندية التي كتبت في هذه المرحلة غير داخلة فيه، لا أنها
غير جديرة بالنظر والاعتبار.
وحتى لا تكون
فكرة المشروع بعمومه الواسع مثقلة بالأحمال على القائمين عليه، فإنه يمكن دعوة
المختصين من كل القوميات الإسلامية أن يسهموا بما لديهم من تراث في لغتهم القومية
وعرضها على اللجان المختصة بالمشروع لدراستها وتقيمها والتعرف على مدى فائدة إعادة
طباعتها وتبنيها من المشروع مع الكتب السابق ذكرها وغيرها، فمثلاً يمكن التعاون مع
بعض المختصين الأتراك لدراسة الكتب النهضوية التركية التي ألفت في هذه المرحلة،
واختيار أفضلها بما هو مشارك لهذه الحقبة من تفكير بالهموم النهضوية العامة، وأن
يتم ترجمة هذه الكتب وطباعتها ضمن ما يشمله عنوان المشروع من نشر للفكر الإسلامي
النهضوي.
إن الفكرة التي
ندعو لها أن تكون كتب النهضة في الفكر الإسلامي شاملة لكل ما تحتويه سعة الفكر
الإسلامي من جهود واجتهادات ظهرت في تلك الحقبة الهامة من تاريخ الأمة الإسلامية،
ولو تم تبني ذلك بهذه السعة ضمن خطة عمل وبرامج تقييم، لكان المشروع من أفضل
الجهود التي تؤكد على التواصل الحضاري بين الأمة وتراثها الماضي القريب والبعيد
معاً، وبين مشاريع الفكر الإسلامي بكل أبعاده الجغرافية والثقافية.
فكما أن
إسهامات المفكرين العرب لم تتوقف عند فترة تاريخية معينة فكذلك لم تتوقف جهود
المفكرين الأتراك والإيرانيين والباكستانيين وغيرهم عند تلك الفترة، بل تواصلت وهي
تحمل نفس الهم وتعالج نفس الإشكاليات، لأنها من صميم ما يفرضه الدين من قيم ووجهات
نظر من جهة، ومن صميم التحديات التي يفرضها نفس الآخر الحضاري والزماني من جهة
أخرى، وإذا كانت الأهداف هي رفد مشاريع الربيع العربي بالمعارف النهضوية الحديثة
وموقفها في التعامل مع الآخر وغيرها من القضايا الهامة التي بحثتها تلك الكتب، فإن
في توسيع فكرة المشروع فائدة أشمل وأوسع في معرفة الجهود النهضوية التي أقامت
الدول الإسلامية الحديثة كما في تركيا وأندونيسيا وماليزيا وغيرها، فهذه الدول
تقدمت سياسيا وصناعيا واقتصاديا دون أن تتخلى عن هويتها الإسلامية، بل ترى كل
واحدة منها نفسها أنها في حركة نهضوية متواصلة مع تراثها الإسلامي وتفتخر به، وفي
تلك المشاريع أوجه متعددة في الإحياء والتجديد والإبداع ودون الصدام مع الآخر،
سواء كان أوروبيا أو أمريكيا أو صينياً أو غيرهم.
إن المقاربة
الثقافية بين مشاريع النهضة الإسلامية الحديثة مفيدة جداً لكل شعب أو وطن إسلامي
بغض النظر عن قوميته أو عرقه أو لغته، لأن فيها تجربة ناجحة في التعامل مع التراث
ودمجه بالتقدم معاً، وهذه المقاربة تسهل على كل مشروع الدخول في مشروعه الخاص، دون
عناء تسويغه أو تصويغه أو تسويقه لشعبه طالما أن هناك وطنا أو دولة إسلامية جربت
هذا المشروع أو ذاك وكانت عوائده عليها إيجابية، وكذلك يمكن تجنب ما فيه من سلبيات
بناءا على التجربة الإسلامية الفلانية مثلاً لأنها رفضتها أو لم تستطع أن تنجح
فيها لأسباب مشتركة بين الشعوب الإسلامية مثلاً.
إن الخيار
النهضوي لكل الشعوب الإسلامية متقارب جداً ، وهو كفيل أن يخلق فيها صناعات متكاملة
، وبالأخص الدول التي سبقت غيرها في هذه المجالات النهضوية، فقراءة الكتب النهضوية
الإسلامية بعمومها هي حاجة عامة لكل الشعوب الإسلامية، إذا أريد لهذا المشروع أن
يتمتع بكل إمكانياته وتجاربه وخبراته وحاضره ومستقبله.
1328
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..