الأربعاء، 21 مارس 2012

معرض الرياض للكتاب.. نجاح بالتقاطع لا بالتوازي

مقارنة بين الدورتين ( الخامسة 2011) و (السادسة2012)
أسدل الستار ليل الجمعة 23/4/1433هـ في مركز الرياض الدولي للمعارض، إيذاناً بنهاية فعاليات معرض الرياض للكتاب 2012(الدورة السادسة)، وقد رافقت فعاليات

هذا المعرض عدد من الأحداث بل كثير من الأحداث اشتعلت شرارتها قبل أن تبدأ هذه الفعاليات على أرض الواقع؛ وذلك من خلال الشد والجذب بين تيارات المجتمع المهتمة بالشأن الثقافي والحِراك الاجتماعي، هذا التجاذب والشد ناتج عن عدة عوامل (الهوية، قيم المجتمع، نظام الدولة، سياسة الإعلام والنشر، الربيع العربي، ثورة الاتصالات، مستوى الحرية، وغير ذلك من العوامل والمتغيرات). الملاحظ أن أطراف الشد والجذب في هذا الموضوع استندت في الاستدلال والتبرير على صحة وجهة نظرها، والدفاع عن موقفها بأدلة ومبررات متفاوتة ليس هنا مجال المقارنة بينها، وإنما سأتطرق قليلاً لقضيتين، قد توضحان بصورة أو بأخرى آلية الاستدلال والتبرير ومعايير النجاح لدى كل طرف.

القضية الأولى: لا أحد على الإطلاق هاجم فكرة المعرض أو طالب بإلغائه أو قلل من أهميته والحاجة إليه، ولكن يمكن توضيح الأمر من خلال تقسيم الموقف من آلية تنظيم المعرض وفعالياته إلى قسمين: قسم يساند المعرض بصورته الراهنة (اللجنة المنظمة، والإعلام الرسمي وكتاب الصحافة وعدد من المثقفين)، وقسم يعترض على آلية التنظيم المطبقة ومعايير نشر الكتب واستضافة المثقفين (سماهم الإعلام: المحتسبين).

القضية الثانية: آلية الاستدلال والتبرير للمعرض تختلف اختلافاً جذرياً بين القسمين، فاللجنة المنظمة ومن وافقها تستند في تنظيمها وآلية اختيارها وفسحها للكتب وتنظيم الفعاليات على مبدأ فضفاض (حرية الرأي والتعبير، وأن الزمن لم يعد مناسباً لمنع كتب أو تحفظ على مثقف أن يلقي ما يريد، وأن مبدأ المعرض: الدور تعرض والزائر يختار) ووضع أوقات الدخول مفتوحة للجميع دون تخصيص أوقات محددة (رجال، نساء، عائلات) للزيارات بحسب ما جرت به العادة في الفعاليات التي تقام في السعودية. وأن ذلك يعد من الحرية والتسهيل أيضا فبإمكان الزائر ـ رجلاً أو امرأة ـ أن يحضر أي وقت.

والقسم الآخر المعترضون(المحتسبون) فيستندون إلى نصوصٍ نظامية (نظام المطبوعات والنشر وسياسة الإعلام والنظام الأساسي للحكم) ويطالبون بتطبيقها خصوصاً في ظل منع عدد كبير من الكتب مما يتعارض مع استدلال وتبرير القسم الأول المبني على (الحرية)؛ فلم تعد قاعدة الفسح مطلقة، بل لها حدود.  ويرون أن فتح مواعيد الدخول دون تخصيص كما جرت العادة ينافي حرية الاختيار أيضاً فشريحة كبيرة من المجتمع ـ رجالاً ونساءً - ترى أن من حقها أن تزور المعرض بحرية دون وجود الجنس الآخر.

في ظل هذا التجاذب الذي بدأ قبل بدء فعاليات المعرض تم الافتتاح وصدرت عدة تصريحات- من اللجنة المنظمةـ تحذر بل تهدد وتتوعد ـ وهي ليست جهة ضبط، بل جهة تنظيم – في تصرف عـده كثيرون تجاوزاً مهنياً، ومع بدء المعرض واستعانة الجهات المنظمة بالأمن وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حلتها الجديدة، حدثت عدة أحداث من إيقاف عدد من المحتسبين، وتعاملت عدد من الصحف وكتاب الرأي فيها بطريقة استفزازية – كما ذكر بعضهم – عن أحداث المعرض وفعاليات التوقيع والمحاضرات المصاحبة مستعينة بالصور.
قد يكون الحدث الأبرز في معرض الكتاب هذا هو: الحد من عملية الاحتساب التطوعي، وهو ما يروّج له الكثيرون، على أنه نجاح باهر حققه هذا المعرض، ويتضح ذلك من خلال المقالات ومواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً تويتر.

فهل نجح هذا المعرض بفعالياته نجاحاً بمعيار النجاح الحقيقي؟ خصوصاً وأن لغة الأرقام تعطي صورة مناقضة لما يروج له؛ من خلال نظرة سريعة تقارن أرقام المعرض في دورته السابقة (الخامسة 2011 ) و(الدورة الحالية 2012) يمكن أن نستشف من خلالها نسبة النجاح، فالأرقام المجردة لا قيمة لها إذا لم تعقد لها مقارنة، فالمليار على سبيل المثال رقم مجرد لا قيمة له إذا لم تقارن بينه وبين غيره من الأرقام.

إحصاءات الدورة الخامسة (2011) : 700 دار نشر  من 30 دولة تعرض (300ألف) عنوان، 18 فعالية ثقافية.
عدد الزوار (ثلاثة ملايين زائر) ، أنفقوا (35 مليون ريال).
إحصاءات الدورة السادسة (2012) 405 دار نشر من 25 دولة تعرض (200ألف ) عنوان،
 18 فعالية ثقافية.
عدد الزوار (مليوني زائر) أنفقوا (25 مليون ريال).
إن كانت المقارنة في أرقام المعرض تبين أن المعرض في دورته الخامسة العام الماضي يتفوق على دورته السادسة هذا العام فعن أي نجاح يتم الحديث؟

لقد قلّت دور النشر! وقلّت الدول المشاركة،  و ضعف عدد الزوار، ونقصت قيمة المبيعات! فهل هذا يلبي طموح زوار المعرض والدور المشاركة فيه؟ وهل سيصبح جاذباً في دوراته المستقبلية؟
إن عملية الاحتساب التطوعي لم تكن لتوجد في المعرض أو غيره من الفعاليات التي تقام في أرجاء الوطن، لو التزم القائمون على هذه الفعاليات بأنظمة الدولة المعلنة، وسياستها المكتوبة، وسيكتفي الناس حينها عند رؤية مخالفة يسيرة بالإبلاغ عنها إيماناً منهم بأن من أبلغوه سيؤدي دوره وينجز مهمته.

إننا نأمل أن تكون كل فعاليات الوطن ناجحة، تؤدي دوراً تكاملياً في المجتمع، تعزز قيمه، وتؤصل هويته، وترسخ لدى الأجيال احترام الأنظمة، وتؤكد اتساق مؤسسات الوطن مع المواطنين في منظومة متوازية لا أن تجعل تلك المؤسسات مع المواطنين في شبكة متقاطعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..