قرأت
تعقيب الأستاذ سلطان العامر على مقال السكران حول عزمي بشارة .. متوقعا
قبل قراءة نص المقال أن يكون محملا بوهم التنظيم السري ومغلف بنظرية
المؤامرة التي تسكن رأس العامر حول أي فكرة تخالفه ،.. والذي قرأ التحليل
العجيب الغريب للأستاذ حول التيارات في السعودية قبل فترة .. يرى بشكل واضح
كيف أن البعض يعيش خاليا " بوليسيا " واسعا - ماشاء الله - لا يصلح إلا أن
يكون رواية من روايات الرموز وربطها .. حتى ظننت أن دان براون قد سرق
أفكاره وتسلسله من صاحبنا هذا .
هذا
النوع من الكتاب هم أكثر الناس فشلا أمام مبادئهم التي يدعونها ، فهم
يتحدثون عن ضرورة عدم التشكيك في النوايا ، وفي الوقت ذاته لاينفكون يشككون
في نوايا الناس وفي دوافعم بدعوى القراءة " غير الظاهرية " ، وتجاورها
إلى " قراءة تستطيع تمييز الانحيازات الحزبية الداخلية في هذا الكلام " ،
وبمعنى أشد وضوحا وأقل إلتفافا : قراءة تتجاوز ما كتبه الكاتب إلى عمق
أعماق صدره ونواياه .
وإضافة لمسلسل التناقض المضحك يشتكي الكاتب من الحديث عن " محاضن الإلحاد " وعن اتهامات تساق دون دليل ضد مجموعة من " الشغوفين بالمعرفة " ، لكنه يعجز عن الثبات على مبدأه الجميل هذا فيسوق عشرات الاتهامات في تعقيبه الأسطوري فيحدثنا " تيار " يتبع " إستراتيجة " و يقوم بـ " حملة " منظمة ضد " التنوير والمتنورين "
، وهذا التيار " يكذب " بشكل مستمر " ويقوم " بالتشويه " و " التحريض
واستعداء السلطة " ، ويمارس " التكفير " . وكل هذه الأشياء ليست مجرد أفكار
وممارسات تصدر بشكل عفوي فيها ما يخطيء ويصيب مثل تياره المتنور ، بل هي
نتيجة " استراتجية " منظمة وحملات ذات حلقات " متسلسة " بدأت منذ فترة
طويلة ولن تنتهي بالحديث عن عزمي بشارة ! هذه التصور المضحك كله وهم على
وهم ، لأنه من يقرأه سيظن أن الحديث ليس عن " مجتمع مسلم " لديه أفكار مشتركة .. بل عن منظمة " باطنية سرية " - الماسونية مثلا - !
يتحدث المحلل " الأسطوري " عن استعداء السياسي الذي يقوم به هذا " التيار المنظم " ضد المتنورين ، والشغوفين بالعلم
والمعرفة .. متجاهلا ومتناسيا أكثر الأطراف معاناة من السياسي ، ومتناسيا
الاستعداء الذي مارسه أصحاب " النور " ضد من عارض مظاهر السوء والإنحراف
في المعرض وفي الجنادرية ! ..
إنه يسعى لتجريد " السكران " وكل من يخالف " فكره " من كل جهد حقوقي وكتابي ضد الظلم . ويسلب من يخالفه وتيارَه
" المتنور " من تاريخ طويل من الدفاع عن حقوق الناس والمطالبة بإقامة
العدل والحق .. كل ذلك لأنه يسير بشكل " يختلف " - لا يناقض - ( الخطاب الذي يتبناه ويدافع عنه العامر . وهو خطاب متناقض هلامي يقدم الذوق والمزاج والرغبةعلى الاستدلال الشرعي ) .
وهذا
بعينه هو السقوط في حضيض " الأحادية " الفكرية ، والسعي للاستفراد بالرأي
والحق في التعبير ، وتجيير أي جهد إصلاحي لحساب هذا " التيار المتنور " !
أن تتهم أحدا بالأحادية الفكرية ، ثم تسعى بما استطعت من
" كلام " أن تجرد الناس كلهم من جهودهم وتجعل نفسك الوحيد في هذه الحياة
المهتم بالمعرفة والنور والقراءة والاطلاع والدفاع عن الحريات ومحاربة
الظلم .. إلخ
فأي شيء " جميل " تمارس ؟ وأي إقصائية " لطيفة " تعيش عليها ؟! ..
هذا
التعقيب والتحليل " الأسطوري " هو سلسة من تحليلات أخرى طريفة للكاتب
ولغيره ، وتناقضات لا تنتهي لمن يقرأ هذه السطور دون رضوخ لبهرجة " محاولات
التحليل ووضع الأرقام " والسعي للتقسيم والتفصيل .. وهذا أسلوب يقع الكثير
من البسطاء له ضحية ، يستسلمون لهذا الشكل من الكتابات " المتكلفة "
للتحليل الموهمة بأنها
قائمة
على أساس منطقي وهي في الحقيقة مجردة من كل منطق وعقل سوء القدرة على "
الكلام " .. وما أسهل الكلام ! ومن يقرأ كلام الأستاذ من البسطاء يتصور أن
هناك مجموعة تلتقي في أماكن " سرية " لتكتب الخطط الإستراتيجة للتعامل مع "
النور والمعرفة " ، وتتفق هذه المجموعة على استراتيجة متتابعة لتصفية
الخصوم ..
وهذا
" نَفَس " روائي عالي وعميق يستحق أن يتحول صاحبه من التطفل على الكتابة
الفكرية ، إلى التمتع بفضاءات الكتابة الأدبية والروائية الواسعة .
وأنا
اقرأ كلمات الأستاذ الكريم وتدفقه " اللفظي الجيد " ومقاله المليء
باتهامات " التخلف ، الجوقة ، الكذب " ، اقرأ هذه وأنا أتذكر مقولة محمد
بن علي بن عبدالله بن عباس عن الغلام : إني لأكره أن يكون مقدار لسانه
فاضلا عن مقدار علمه ، كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا عن مقدار عقله " .
فأستجير بالله من لسان بلا علم ومن علم بلا عقل ! وإلا كيف يسقط أحد ما في
هذا السقوط الفكري من الاتهام والتكذيب والتخوين والتشويه والتحريض وإلغاء
الجهود في معرض شكواه " من الاتهام والتخوين والتشويه والتحريض " !
التلبس بالمعرفة واحتكار الرموز :
تحدث
الكاتب البارع عن " الاجتزاء " الذي يمارسه البعض من خطاب " شخص أو تيار "
، والتركيز عليه والتغافل عن أي شيء آخر لأجل الإسقاط والغلبة في ساحة
النقاش فقط .. وقبل أن يجف حبر هذا الكلام " الجميل المنمق " نرى الكاتب
يسقط في ذات الممارسة سقوطا ذريعا .. يجعلنا نتذكر قول المتنبي :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه .. وصدق ما يعتاده من توهم !
فهو لكثرة ممارسته في مقاله لهذا الاجتزاء والإنتقاء ،
ظن أن الناس كلهم مثله .. فأتى على جزيئة بسيطة حول المعارض لـ"بعض " ما
ينشر في معرض الكتاب من إلحاد وفجور ، ليجعل كل من يعارض هذا الإلحاد
والفجور محاربا للمعرفة والنور !!! .. مضخما هذه القضية ... متناسيا من هم
الشريحة الكبرى والأغلب من زوار والمعرض ومن
هم القراء الحقيقون ، الذين تتجاوز قراءاتهم مجرد الروايات " الجميلة
والماتعة والـ...." إلى القراءة العميقة والمركزة .. بموسوعية وحرية ، لا
يمنعم مانع من القراءة لأي اتجاه أو فكرة أو تيار ..!!
هو
استمتاع بممارسة دور " الضحية " المسكين ، الذي تحاك حوله المؤامرات
المنظمة من أجل إسقاطه ، فهو داعية المعرفة والعلم المحاصر بالمتخلفين
والرجعيين ، ويتقمص الدور بمهارة وقد يجد من " المتفرجين " من يتألم
لمأساته فيتحسر ويتألم .. يسعى جاهدا لاستعارة " التنوير الأوروبي " ،
فإذا أتى في الهواء الطلق مات هذا الإدعاء واختنق ، فهو لم يخترع اختراعا
ولم ينهض بمجتمع، ولم يضع مشروعا .. فمشروعه مخالفة " المشروع السائد " والتشغيب على الخطاب " الإسلامي " ...
هذا الخطاب - والله - فكاهي ومضحك ، يرضى
بأن يخدع نفسه ويكذب عليه ويرفع صوته ويتفيهق ليوهم نفسه والناس أنه على
صواب وهو في حضيض الخطأ .. منطقه المشوه وخطابه المشحون بالبغض ، يقوده
لجعل معارضة جزئية في معرض او مهرجان .. حربا على المعرفة والعلم والنور و " الكشافات " التي يسير بها هو وأمثاله في هذا الظلام
! .. يجعل نفسه دائما ضحية ً للحرب على "المعرفة والعلم والنور " ، ولو
تأملنا جيدا ما المقصود بالعلم والنور والمعرفة في رأسه؟؟ .. لوجدناها
رواية " ساقطة " في معرض ، أو رقصا في " مهرجان شعبي " ! ... بئس النور وبئست المعرفة .
إنه خطاب لا يكتفي بالتمسح " بالمعرفة " ومحاولة سرقتها واحتكارها ، بل يسعى لاحتكار الرموز وسرقتهم والتمترس خلفهم ، ويصنع منهم دروعا " فكرية " أمام خطابه المهتز والمشوه .. بينما معظم هذه الرموز لا ترضى في أبجدياتها "باللؤم الفكري" ، واحتكار المعرفة والإصلاح والإقصاء بدعوى الحرب على الإقصاء ..
شق الصدور :
لو مارس أحد ما نفس ما مارسه الأستاذ من " شق الصدور "
وسعى لشق صدره ، ليصل إلى سر هذه " الغيرة " المازنية على النصراني " عزمي
بشارة " .. وطرح عددا من التساؤلات حولها .. ما النتيجة التي سيصل إليها ؟!
إنها نتيجة غير جيدة على الإطلاق ..
وأخيرا ،
إن
الحديث هنا ليس دفاعا عن السكران ، ولا حربا على " عزمي بشارة " - ليس بعد
الكفر ذنب - ، بل مجرد إظهار للتناقض والتساقط الذي تعيشه هذا الظاهرة "
الكلامية " الذي لا تحسن إلا التشغيب والاتهام ، تتمسح بمسوح " النبلاء " و
"الصادقين " بالتباكي على الصدق والحياد ، وتدعي الغيرة على الحق .. لكنها تسقط
سريعا في حضيض " اللؤم الفكري " ،
تمارس التشويه في معرض الشكوى من التشويه ، تتحدث عن حرية الرأي وإيجابية
التحول الفكري لكنها لا تتردد في " تعيير " الناس بتاريخهم وماضيهم ، تلقي
الخطب الرنانة عن ضرورة احترام المخالف بعبارات كلها " شتم وتكذيب وتخوين
واتهام للمخالف " .. وهذا الصنف في نظري
لا
يحتاج إلى " نقاش " فكري بقدر ما يحتاج إلى " استقرار " عقلي ونفسي ، لنصل
إلى سر هذا التناقض المريع .. خصوصا عندما نعلم أنه ناتج عن صدمات " شخصية
" وتجارب حياتية عابرة أكثر من كونه إيمانا عميقا وصادقا !1387
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..