بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و ستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا فمن يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هاديَ له ، و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله
و الصلاة و السلام على نبينا و رسولنا و سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم .. أما بعد
أهلاً و مرحباً بكم جميعاً في هذا الموضوع و الذي يسرّني أن أقدمه لكم لتستفيدوا منه و أعانني الله على إيصاله بالشكل المطلوب و المرغوب ، و سأحاول أن أنسقه جيداً ليكون المضمون قد وصل بالطريقة الصحيحة و المفهوم الصحيح .. و للعلم هو ليس من ضمن المواد التي أدرسها و لكن هذا ليس سبباً يمنعني من دراسته بمفردي عبر الكتب و المحاضرات و الدروس لذلك أقدمه لي و للجميع ، عسى أن يستفيد منه أكبر عدد من الناس ..
ينقسم علم رجال الحديث إلى علمين عظيمين: علم تاريخ الرواة، و علم الجرح و التعديل.
جاء في كتاب ضوابط الجرح و التعديل للدكتور عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم العبد اللطيف :
_ الجرح في الاصطلاح :
وصف الراوي في عدالته أوضبطه بما يقتضي تليين روايته أو تضعيفها أو ردَّها. [ قال ابن الأثير: "الجرح: وصفٌ متى التحق بالراوي والشاهد سقط الاعتبار بقوله وبطل العمل به". جامع الأصول 1/126. ]
فالموصوف بما يقتضي تليين روايته هو (الصدوق سيئ الحفظ) تتقوى روايته بوجود قرينة مرجّحة لجانب ضبطه لحديث معين.
والموصوف بما يقتضي تضعيف روايته لا يخلو تضعيفه من ثلاث حالات هي:
الأولى: أن يكون تضعيفاً مطلقاً فهذا لا تقبل معه رواية الراوي عند تفرّده بها ولكن تتقوى بالمتابعة من مثله فترتقي إلى حسن لغيره.
الثانية: أن يكون تضعيفاً مقيداً بالرواية عن بعض الشيوخ أو في بعض البلدان أو في بعض الأوقات فيختص الضعف بما قُيد به دون سواه.
الثالثة: أن يكون تضعيفاً نسبياً وهو الواقع عند المفاضلة بين راويين فأكثر فهذا لا يلزم منه ثبوت الضعف المطلق في الراوي بل يختلف الحكم عليه بحسب قرينة الحال في تلك المفاضلة.
وأمّا الموصوف بما يقتضي ردَّ روايته فهو الضعيف جداً فمن دونه لا يُقَوِّي غيره ولا يَتَقَوَّى بغيره.
_ التعديل في اللغة :
التسوية. وتقويم الشيء وموازنته بغيره. [ الوسيط في علوم ومصطلح الحديث ص 385. وانظر: لسان العرب 11/432 مادة (عدل). ]
_ التعديل في الاصطلاح :
وصف الراوي في عدالته وضبطه بما يقتضي قبول روايته. [ المختصر في علم رجال الأثر ص 43. ]
والقبول هنا على إطلاقه فيشمل :
1 ـ مَنْ تُقْبل روايته وتعتبر في مرتبة الصحيح لذاته.
2 ـ مَنْ تُقْبل روايته وتعتبر في مرتبة الحسن لذاته. [ انظر: توضيح الأفكار 2/120. ]
وذلك لأن هؤلاء يُحْتَجُّ بمروياتهم وإن تفاوتت مراتبها.
استعمال كلمة (التعديل) في الاصطلاح بمعنى (التوثيق)
أصل كلمة (تعديل) يعني الحكم بعدالة الراوي، لكنها قد اسْتُعْمِلتْ هنا بمعنى أشمل هو (التوثيق) أي: الحكم بعدالة الراوي وضبطه معاً لأنهما أساس قبول خبر الراوي.
والمراد بالعدالة: مَلَكَةٌ تحمل المرء على ملازمة التقوى والمروءة. [ نزهة النظر ص 29. ]
والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة. [ نزهة النظر ص 29. ]
وأما المروءة: فآداب نفسانية تحمل مراعاتُها الإنسانَ على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات.
ويُرْجَعُ في معرفتها إلى العُرْف وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والبلدان. [ انظر: المصباح المنير 2/234 مادة (مرأ) ، وفتح المغيث 1/288. ]
والعدل هو: المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق [ سبب الفسق ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة. انظر: فتح المغيث 1/287. ] وخوارم المروءة. [ انظر: علوم الحديث ص 218. ]
فالإسلام والبلوغ شرطان للأداء وليسا بشرطين للتَّحَمُّلِ، فقد تَحَمَّل بعض الصحابة قبل إسلامهم ثم أدّوا بعده وتحمّل صغار الصحابة حال صباهم وأدّوا بعد بلوغهم. [ انظر: المصدر السابق ص 241. ]
والبلوغ والعقل هما مناط التكليف الشرعي [ انظر: الإحكام في أصول الأحكام 1/150 ـ 151، وروضة الناظر 1/137، وفتح المغيث 1/287. ] لكن قد يضبط الصبي المُمَيِّز بعض ما سمعه أو شاهده ولذلك اعتبر أداؤه بعد البلوغ لما تَحَمَّله حال الصبا. [ انظر: علوم الحديث ص 243 ـ 244. ]
والسلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة إنما تحقق في ظاهر حال الراوي. لكن يَقِلُّ تضعيف الراوي بفعله ما يخرم المروءة. [ من ذلك (ما ورد عن شعبة أنه ترك حديث رجل لأنه رآه يركض على بِرْذَون). محاسن الاصطلاح ص 218. ]
_ المـراد بالضبـط :
الضبط نوعان هما: ضبط الصدر وضبط الكتاب.
فضبط الصدر: أن يكون الراوي يقظاً غير مُغَفَّل بل يحفظ ما سمعه ويُثْبِتُه بحيث يتمكّن من استحضاره متى شاء، مع علمه بما يحيل المعاني إن روى بالمعنى.
وضبط الكتاب: صيانته لديه منذ سمع فيه وصحّحه إلى أن يُؤدِّيَ منه. [ انظر: علوم الحديث ص 218، وفتح المغيث 1/286. ]
جاء في كتاب الجرح و التعديل للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي :
- علم الجرح والتعديل هو علم من علوم الحديث الشريف يبحث في جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة وعن مراتب تلك الألفاظ
و جاء في كتاب أصول الحديث علومه وَ مصطلحه للدكتور محمد عجاج خطيب :
1_ الجرح لغةً :
مصدر من جَرَحَهُ يجرحُهُ، إذا أحدث في بدنه جرحاً يسمج بسيلان الدم منه، و يقال جرح الحاكم و غيره الشاهد إذا عثر منه على ما تسقط به عدالته من كذب و غيره . [ انظر لسان العرب مادة (جرح) ص246 ج3 ] .
2_ الجرح إصطلاحاً :
هو ظهور وصف في الراوي يثلم عدالته أو يخل بحفظه و ضبطه، مما يترتب عليه سقوط روايته أو ضعفها و ردها، و التجريح : وصف الراوي بصفات تقتضي تضعيف روايته أو عدم قبولها .
3_ العدل لغة :
ما قام في النفوس أنه مستقيم، و هو ضد الجور .. و رجل عدل : مقبول الشهادة .. و تعديل الرجل : تزكيته . [ انظر لسان العرب مادة (عدل) ص 456 ج13 ] .
4_ العدل اصطلاحاً :
هو من لم يظهر في أمر دينه و مروءته ما يخل بهما، فيقبل لذلك خبره و شهادته إذا توفرت في بقية الشروط التي ذكرناها في أهلية الأداء .
-: التعديل / وصف الراوي بصفات تزكيه فتظهر عدالته و يقبل خبره . و على هذا فـ
-: علم الجرح و التعديل / هو العلم الذي يبحث في أحوال الرواة من حيث قبول رواياتهم أو ردها .
و جاء أيضاً في كتابة تيسير دراسة الأسانيد للمبتدئين للمؤلف عمرو عبد المنعم سليم :
الجرح و التعديل هو أحد علوم الحديث النبوي الشريف ، و هو يعني بدراسة أحوال رواة الأخبــار، و الأحــاديث، و الآثار من حيث العدالة و الضبط، و من ثمَّ وصفهم بوصف ملائم يتناسب مع مجموع ما ورد فيهم من جرح و تعديل .
فالجرح : متعلق بذكر عيوب الرواة التي لأجلها تُرد روايتهم ، سواءً كانت متعلقة بالعدالة أو كانت متعلقة بالضبط .
و التعديل : هو تزكية الراوي و توثيقه بما يقتضي قبول روايته .
ما يخرج بتعريف العدل واشتراط الضبط :
أولاً : ما يتعلق بجهالة الراوي:
1 ـ المبهم: من لم يُسَمَّ اسمُه.
2 ـ مجهول العين: من لم يَرْوِ عنه غير واحد ولم يُوثَّق.
3 ـ مجهول الحال: من روى عنه راويان فأكثر ولم يُوثَّق.
وذلك لعدم معرفة أحوالهم في العدالة والضبط.
ثانياً: ما يخرج بتعريف العدل:
1 ـ الكافر.
2 ـ الصبي.
3 ـ المجنون.
4 ـ المبتدع: من اعتقد ما لم يكن معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه و سلم مما لم يكن عليه أمره ولا أصحابه.
5 ـ الفاسق: من عُرِفَ بارتكاب كبيرة أو بإصرار على صغيرة.
6 ـ المتهم بالكذب: من يتعامل بالكذب ولم يُعرفْ أنه كذب على النبي صلى الله عليه و سلم .
7 ـ الكذاب: من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم متعمداً ولو مرة.
8 ـ مخروم المروءة.
وقد خرج الأول لكفره، والثاني لصباه، والثالث لجنونه إذا كان مُطْبِقاً أو مُتَقَطِّعاً مؤثراً في الإفاقة [ انظر: فتح المغيث 1/287، وتدريب الراوي 1/300. ]، والرابع لبدعته [ أخرج أئمة من المحدثين مرويات بعض المبتدعة دون بعض لاعتبارات معيّنة تنبئ عن دقة مسلك أولئك الأئمة في تقصّي أحوال الرواة والحكم عليهم بمقتضاها. انظر: ص 139. ]، والخامس والسادس والسابع لظهور فسقهم، والثامن لنقصان مروءته.
ثالثاً: ما يخرج باشتراط الضبط:
1 ـ كثرة الوَهْم: أن تكثر من الراوي الرواية على سبيل التَّوهُّم فَيَصِلَ الإسناد المرسل، ويرفع الأثر الموقوف ونحو ذلك. [ انظر: نزهة النظر ص 44 ـ 45. ]
2 ـ كثرة مخالفة الراوي لمن هو أوثق منه أو لجمع من الثقات. [ انظر: المصدر السابق ص 35 ـ 36. ]
3 ـ سوء الحفظ: أن لا يترجح جانب إصابة الراوي على جانب خطئه [ انظر: نزهة النظر ص 51. ] بل يتساوى الاحتمالان.
4 ـ شدّة الغفلة: أن لا يكون لدى الراوي من اليقظة والإتقان ما يميّز به الصواب من الخطأ في مروياته. [ انظر: شرح نخبة الفكر ص 121. ]
5 ـ فحش الغلط: أن يزيد خطأ الراوي على صوابه زيادة فاحشة. [ انظر: نزهة النظر ص 44 ـ 45، وشرح نخبة الفكر ص 121. ]
6 ـ جهل الراوي بمدلولات الألفاظ ومقاصدها وما يُحيْلُ معانيها ـ عند الرواية بالمعنى ـ حيث يتعيّن عند ذلك الأداء باللفظ الذي سمعه اتفاقاً لئلا يقع فيما يَصْرِفُ الحديث عن المعنى المراد به. [ انظر: علوم الحديث ص 331. ]
7 ـ تساهل الراوي في مقابلة كتابه وتصحيحه وصيانته. [ انظر: المصدر السابق ص 310 ـ 312. ]
ما يُنتقد على الرواة في غير العدالة والضبط:
حكى ابن الصلاح إجماع جماهير أئمة الحديث والفقه على (( أنه يشترط فيمن يُحْتَجُّ بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه )) [ علوم الحديث ص 218. ] فكلُّ أمر يُنافي أحد هذين الشرطين فهو جرح في الراوي سواء ورد مطلقاً أو مقيداً.
وثمة أمورٌ أخرى منتقدة على الرواة في غير عدالتهم وضبطهم كالتدليس، وكثرة الإرسال [ هذان في عدالة الراوي إذا تعمَّد إسقاط من يَعْتقدُ ضعفه من رجال الإسناد. ]، وعدم انتقاء الشيوخ.
ما تثبت به العدالة :-
للعلماء فيما تثبت به عدالة الراوي مذاهب هي:
1 ـ مذهب الجمهور : تثبت عدالة الراوي بأحد أمرين :
الأمر الأول :
الاستفاضة : بأن يشتهر الراوي بالخير ويشيع الثناء عليه بالثقة والأمانة فيكفي ذلك عن بيّنة تشهد بعدالته، كما هو الشأن في مثل: الإمام مالك، وشعبة، والسفيانين، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني... ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر والاشتهار بالصدق والبصيرة والفهم. [ انظر: الكفاية في علم الرواية ص 147، وعلوم الحديث ص 218 ـ 219. ]
ويتبيّن وجه ذلك فيما يلي :
أ ـ أن تلك الاستفاضة والشهرة أقوى في النفوس من تعديل الواحد والاثنين.
ب ـ أن غاية الأمر من تزكية المعدِّل أن يبلغ ظهور ستر الراوي، وهي لا تبلغ ذلك أبداً، فلا حاجة إذن إلى تعديله لظاهر العدالة مُشْتهِرِها. [ انظر: الكفاية في علم الرواية ص 148. ]
الأمر الثاني :
تَنْصيصُ الأئمة المُعَدِّلين على عدالة الراوي. [ انظر: علوم الحديث ص 218. ]
ويكفي تعديل الإمام الواحد على القول الراجح
[ إلّا في حالتين:
أ- إذا كان الإمام الموثِّق متساهلاً، كابن حبان فلا يُعتمد على قوله بإطلاق. بل على التفصيل الوارد في ص 112.
ب- إذا عارضه قول إمام آخر فعندئذٍ يطلب الترجيح بضوابط التعارض.
انظر: ص 65-97. ]
قياساً على قبول خبر الراوي الثقة عند تفرّده. [ انظر: الكفاية في علم الرواية ص 160 ـ 161. ]
وقيل: لا بد من تعديل اثنين. [ انظر: المصدر السابق ص 160. ] وذلك لما يلي :
أ ـ لأن التزكية صفة، فتحتاج في ثبوتها إلى عدلين كالرُّشد والكفاءة. [ انظر: فتح المغيث 1/290. ]
ب - وقياساً على الشهادة في حقوق الآدميين. [ انظر: الكفاية في علم الرواية ص 160. ]
2 ـ طريقة أبي بكر البزار في مسنده ثبوت عدالة الراوي برواية جماعة من الجُلَّة عنه. [ انظر: فتح المغيث 1/293. ]
ونحوه قول الذهبي: ((والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما يُنْكر عليه أن حديثه صحيح)). [ ميزان الاعتدال 3/426. وانظر: فتح المغيث 1/293. ]
وهذا يقتضي أن رواية العدل عن غيره تعديل له؛ لأن العدل لو كان يعلم فيه جرحاً لذكره. [انظر: الكفاية في علم الراوية ص 150. ]
3 ـ قول ابن عبد البر: ((كل حامل لهذا العلم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره على العدالة حتى يَتبيَّن جرحه)). [ انظر: علوم الحديث ص 219. ]
وقد استدل ابن عبد البر بحديث: «يَحْمِلُ هذا العلم من كل خَلَفٍ عُدولُه».
و هو من أهم علوم الحديث و أعظمها شأناً و أبعدها أثراً، إذ به يتميز الصحيح من السقيم،
و المقبول من المردود، لما يترتب على مراتب كل من الجرح و التعديل من أحكام .
محاضرة عن علم الجرح و التعديل تعريفية و تبين أهمية هذا العلم يذكر فيها الشيخ عثمان محمد الخميس قصص و أحداث بطريقة جميلة لمن أراد أن يفهم أو يتعرف على هذا العلم و هي مقسمة لجزئين ، أنصحكم بتحميلها و الإستماع لها :
( تحميل الجزء الأول.garh_01.ram ) أو ( من هنا )
( تحميل الجزء الثاني.garh_02.ram ) أو ( من هنا )
دلت قواعد الشريعة العامة على وجوب حفظها على المسلمين، و بيان أحاول الرواة سبيل قويم لحفظ السنة .
قال الله عز و جل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ الحجرات : 6 ]
و قال تعالى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } [ البقرة : 252 ]
و المقصود بالمرضى من الشهداء من ترضون دينه و أمانته، و ليس نقل الحيث و روايته بأقل من الشهادة، لهذا لا يقبل الحديث إلا من الثقات .
و قال الرسول صلى الله عليه و سلم في الجرح : (( بئس اخو العشيرة )) ( الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص52 ، و انظر الكفاية ص38_39 )
نشأ علم الجرح و التعديل مع نشأ الرواية إذا كان لا بد بمعرفة الأخبار الصحيحة من معرفة رواتها، معرفة تمكن أهل العلم من الحكم بصدقهم أو كذبهم، حتى حياتهم العملية، و عرفوا جميع أحوالهم، و بحثوا أشد البحث حتى عرفوا الأحفظ فالأحفظ، و الضبط فالأضبط، و الأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة .
و من جانب ما رويناه من الجرح و التعديل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد وصلنا الكثير من أقوال الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب [ انظر أصل كتابنا نشأة علوم الحديث و مصطلحه ص 132 ] و تكلم بعد الصحابة في الرجال _ التابعون و أتباعهم و أهل العلم من بعدهم. و كانوا يبينون أحاول الرواة و ينقدونهم و يعدلونهم حسبة لله، لا تأخذهم خشية أحد، و لا تتملكهم عاطفة، فليس أحد من نقاد الحديث و رجاله يحابي في حديث رسول الله صلى لله عليه و سلم أباه و لا أخاه و لا ولده، و قد قصد الجميع خدمة الشريعة، و حفظ مصادرها، فصدقوا القول و أخلصوا النية .
و قد كان أئمة الحديث يدققون في حكمهم على الرواة، يعرفون لكل محدث ما له و ما عليه، قال الإمام الشعبي: ( و الله لو أصبت تسعاً و تسعين مرة و أخطأت مرة لعدوا عليَّ تلك الواحدة ). [ تذكر الحفاظ ص77 ج1 ].
و كان العلماء يحضون طلابهم على معرفة أحاول الرواة، و السؤال عنهم، و بيان ذلك، قال عبد الرحمن بن مهدي: ( سألت شعبة، وابن المبارك، و الثوري، و مالك بن أنس عن الرجل يتهم بالكذب، فقالوا: انشره، فإنه دين ) [ مقدمة التمهيد ص12 :ب، وقارن بالضعفاء للعقيلي ص1 . ]، و قال يحيى بن سعيد القطان: ( سألت سفيان الثوري، وشعبة، ومالكاً، وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتاً في الحديث، فيأتيني الرجل فيسألني عنه،قالوا: أخبر عنه أنه ليس بثبت ). [ صحيح مسلم بشرح النووي ص92 ج1،و الجرح و التعديل ص32 قسم1 ج1 . ]
و كانت غاية العلماء في كل هذا بيان الحق، بكل أمانة و إخلاص، و كانوا يرون الأمانة في الذهب و الفضة أيسر من الأمانة في الحديث، فترددت بينهم عبارة ( إنما هي تأدية، إنما هي أمانة ) [ انظر الجامع لأخلاق الراوي ص 161:آ. ]
1_ الأمانة و النزاهة في الحكم :
فكانوا يذكرون للؤاوي ما له و ما عليه ، من هذا قول محمد بن سيرين : ( ظلمت أخاك إذا ذكرت مساوءه و لم تذكر محاسنه ).
[ الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع ص 161 : آ - ب. ]
و قد كانت أمانتهم عقيدة راسخة و قاعدة عامة يطبقونها في بيان الحق ولو على أنفسهم، و هذا مما يزيدنا إيماناً يتجردهم و إستقامتهم، و من هذا أن شعبة بن الحجاج روى حديثاً، فقيل له : إنك تُخآلفُ في هذا الحديث قال من يخالفني؟ قالوا: سفيان الثوري، قال: دعوه، سفيان أحفظ مني. [ اظر المرجع السابق ص 110 : ب. ]
2_ الدقة في البحث و الحكم :
ندرك من تتبع أقوال العلماء في الجرح و التعديل دقة بحثهم و معرفتهم بجميع أحوال الراوي الذي يتكلمون فيه، فكثيراً ما يذكرون وقت اختلاطه، أو سبب وخمه، و يفرقون بين من كان ضعفه ناشئاً عن وهن في دينه ، ومن كان ضعفه عن عدم الحفظ و الإتقان. [ انظر أمثلة على ذلك في مساءلالإمام أحمد ص286، و كتاب الكفاية ص135-138، و انظر كتاب الإغتباط بمعرفة من رمي الإختلاط. و تقدمة الجرح و التعديل ص 151-152. ]
3_ التزام الأدب في الجرح :
لم يخرج علماء الجرح و التعديل في أحكامهم عن أدب البحث العلمي الصحيح، في نقدهم واجتهادهم، و أقسى ما يروي عنهم قولهم فلان وضّاع أو كذاب، أو يفتري الكذب على الصحابة رضي الله عنهم و نحو هذا، مما يقولونه فيمن يضع الحديث، أو يكذب فيه، و هو وصف لا يعدو الحقيقة. و كان بعضهم يتجنب ذكر مثل هذه الأوصاف و يكتفي عنها بما يدل عليها كقولهم: (لم يكن مستقيم اللسان) [ انظر صحيح مسلم ص 21 ج1 ، و الجرح و التعديل ص18 قسم1 ج1. ] و نحو هذا.
و كان الأئمة يأمرون طلابهم بالتزام الحيطة و الأدب في نقدهم، من هذا ما حكاه المزني قال : (سمعني الشافعي يوماً و انا أقول فلان كذاب، فقال لي: يا إبراهيم، اكسُ ألفاظك أحسنها، لا تقل كذاب، و لكن قل : حديثه ليس بشيء) [ الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ]
4_ الإجمال في التعديل و التفصيل في التجريح :
نلاحظ من أقوال أئمة الجرح و التعديل ، أنهم لا يذكرون أسباب تعديلهم الرواة، فلا نراهم يقولون فلان ثقة أو عدل لأنه يصلي و يصوم و يجتهد و لا يؤذي الناس - مثلاً بل يقولون ثَبْتٌ ثقة أو صدوق ، من غير أن يبينوا أسباب ذلك، لأن أسباب العدالة كثيرة يثقل على المرء ذكرها جميعها، بخلاف الجرح، فغالباً ما يبينون سبب جرح الرواة، من غفلة أو تلقين، أو كثرة وهم أو اختلاط، أو عدم ضبط أو كذب و فسق و غير ذلك. لأنه يكفي ذكر سبب واحد قادح في عدالة الراوي أو حفظه ليجرحه. و معظم الأئمة يكتفون بذلك ، لأن الجرح إنما أُجِيز لضرور معرفة الثقات من الضعفاء، و تمييز الصحيح من السقيم، و الضرورة تقدر بقدرها، ولما كان يكفي في الجرح ذكر سبب قادح امتنع على الجارح أن يذكر أكثر من ذلك، و إلى هذا ذهب جمهور أهل العلم، ونص على ذلك المتأخرون، قال الإمام السخاوي : (لا يجوز التجريح بسببين إذا حصل بواحد ،
-: شروط المعدل و الجارح :
" أن يكون عالماً تقياً ورعاً صادقاً، غير مجروح، و لا متعصب ضد بعض الرواة عارفاً أسباب الجرح و العدالة، و من لم يتم له هذا لا يقبل منه القول في الرواة.
[ انظر نشأة علوم الحديث و مصطلحه ص161 ]
- مراتب الجرح و التعديل -
أ_ مراتب التعديل :
1- تكون بكل ما يدل على المبالغة في التعديل بصيغة أفعل التفضيل و نحوه مثل : أوثق الناس ، و أضبط الناس ، و ليس له نظير . . . .
2- كأن يقال فلان لا يسأل عنه أو عن مثله و نحو هذا.
3- تكون بما تأكد توثيقه بصفة من الصفات الدالة على العدالة و التوثيق ، سواء أكان ذلك باللفظ أو بالمعنى ، نحو : ثقة ثقة ، و ثقة مأمون ، ثقة حافظ . . .
4- تكون بما يدل على العدالة بلفظ يشعر بالضبط مثل ثَبْتٌ ، متقن ، حجة ، إمام . . . عدل حافظ ، عدل ضابط .
5- تكون بكل ما يدل على التعديل و التوثيق بما لا يشعر بالضبط و الإتقان، نحو صدوق، مأمون، لابأس به . و يلحق بهذه المرتبة كل ما يدل على صدق الراوي و عدم ضبطه، و هذه كالتي قبلها، و لكنها تأتي بعدها، نحو : محلة الصدق، وصالح الحديث. و ألحق بعضهم هذين اللفظين بالمرتبة السادسة.
6- تكون بكل ما يشعر بقربه من التجريح ، كقرن صفة المرتبة السابقة بالمشيئة ، مثاله: شيخ ، ليس ببعيد من لاصواب صويلح، صدوق إن شاء الله.
ب_ مراتب التجريح :
1- تكون بكل ما يدل على المبالغة في الجرح، و مثاله أكذب الناس ،ركن الكذب.
2- تكون بالجرح بالكذب أو بالوضع، نحو كذاب ، وضاع ، و هي ألفاظ تدل على المبالغة و لكنها دون المرتبة السابقة .
3- تكون بكل ما يدل على إتهامه بالكذب أو بالوضع و نحوه ، كمتهم بالكذب أو الوضع ـ أو يسرق الحديث، و يلحق بهذه المرتبة كل ما دل على تركه ، نحو : هالك ، متروك ، أو ليس بثقة . . . .
4- تكون بكل ما يدل على ضعفه الشديد نحو رُدّ حديثه ، طرح حديثه ، ضعيف جداً ، و ليس بشيء ، لا يكتب حديثه .
5- و فيها كل ما يدل على تضعيف الراوي أو اضطرابه في الحفظ، كمضطرب الحديث، أو لا يحتج به، أو ضعفوه، أو ضعيف ، أو له مناكير . . .
6- تكون بوصف الراوي بوصف يدل على ضعفه ، و لكنه قريب من التعديل ، مثاله : ليس بذاك القوي، فيه مقال ليس بحجة ، فيه ضعف ، غير أوثق منه.
في الختام لا يسعني سوى أن أعتذر لكم على هذا الترتيب فقد كُتِبَ الموضوع و كَاتِبه مُتعب و لكني حاولت أن أبذل جهدي ليكون بصورة لائقة ، و ما زال هناك الكثــير و الكثير مالم يُكتب هاهنا من هذا العلم فما هو سوى جزء أو فرع من أصول الحديث و علومه و ما كتبت سوى نبذة عنه و بطاقة تعريفية فهناك الكثير المتبقي ، يتطلب الأمر إلى عدة مواضيع ، ما زال هناك ضوابط الجرح و التعديل و التي هي أكثر من 25 ضابطاً و ما زال هناك أشهر الرواة و غيرها من الأمور المهمة ، و لكني أتوقف عند هذا القدر فمن أراد أن يستزيد فيرجع إلى كتب الحديث و الرجح و التعديل المذكورة في الموضوع و ليبحث أيضاً .
شكراً جزيلاً لمشرفِي القسم و لجميع من ساعدني و أجاب على رسائلي ،
و شكراً لمصممي الفواصل و شكراً لكم على حسن و طيب متابعتكم ، جزاكم الله خيرا
ًَ
____________________
مراجع الموضوع :
- ضوابط الجرح و التعديل لعبد العزيز العبد اللطيف .
- أصول الحديث و علومه .
- علم الجرح و التعديل لمحمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي .
- تيسير دراسة الأسانيد للمبتدئين .
- موقع المنهج .
- مجلة البيان .
- مكتبة مشكاة الإسلامية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..