05-24-1433 01:05
المثقف الجديد – عبد الرحمن البدراني لأننا نعيش استمرار زمن إلحادي تورطنا به ,أو ورطتنا به مشاريع وخطابات ممتدة امتداد المخيلة ,والمادة والرغبة الأبدية بالتمرد - .يلتقي المثقف الجديد بالمفكر عباس العقاد, ونتلقى منه بسطا عميقا يؤكد لنا مجددا أن الإلحاد ليس له أب ولا أم ولا زمن أو جغرافيا أو محرض مختص بحالة فريدة دون غيرها..
أصبح الإلحاد في نظر ندرة من شبابنا اختيارا فكريا واجتماعيا جاذبا، فبرأيك، كيف نستطيع أن نفسر بدايات هذه الظاهرة لدينا؟
الظاهر من قول هؤلاء أنهم يريدون من المادة أن تحابي ,وأن تقف موقف الحكم بين الأخيار والأشرار, فتساعد على عمل الخير ,وتمانع في عمل الشر، فباختيارهم هذا يكون رداً عليهم ,وأن تنتقل حرية الإرادة من النفوس الحية الناطقة الى المادة الصماء ويصبح الإنسان في العالم وهو أحط من الأشياء، وتسوقه فينساق وتوصد أمامه الطرق فيعتاق، فلا مشيئة له بل لا حياة! فهل هذا ما يؤثرون؟ وإذا لم تكن النفس من التمكن من ينبوع الوجود بحيث يسري إليها الإيمان به من داخلها كما يسري عصير الحياة الى الشجرة اليانعة من مغرسها، فسريان الإيمان إليها من الخارج مستحيل.
هل للخيال والتمرد دور في تجاذبات الإيمان والشك ؟
من المنكرين ما اشرت اليه آنفاً من يغريه الخيال بالإلحاد، فلا يجيء إلحاده عن بحث ولا عن وسواس ضمير، واذ يسترسل الخيال في تصور الكون متروكاً الى نفسه متخبطاً في دياجير الابد المجهول، لاعين تراه ولا رائد يرسم له خطاه. كون ضال حائر في ظلمات اللانهاية! يا لها من صورة يرتع فيها خيال الملحد فترة فتلهيه عما وراءها من اليبوسة والعقم والخواء، وما من ملحد ألحد الا كان له من تلك الصورة شركة خلابة واستهواء.
ومن الإلحاد ايضاً ما تدعو اليه الرغبة في التمرد وحطم القيود الموضوعة، وكلما كانت القوة التي يناصبها الملحد اهول واعظم كانت المعركة اجل واشبه بالبطولة الرائعة المعجبة التي يسمع عنها في اساطير وخيالات عقيمة، وهذا الحاد يفرض صاحبه وجود القوة التي ينكرها ليوثب نفسه بمعاندتها وتحديها، وهذا ايضاً من الإلحاد الفكري وهو الحاد لا يدفع بالحجة وانما بالخيال الذي اتى به.
كيف للنفوس أن تهتدي إذا إلى الوجهة المثلى؟
كان لا بد من ان تلتفت لكل ما تراه عيانا امامها وتتفكر في خلقها وصنعها، وتستكشف من ثم هذه الحياة التي كانت تعيش فيها وكأنها من غير أهلها، فتتكشف لها معالم الإيمان الصحيح من هذه الطريق ، وتلك هي رسالتنا لعالمنا، وهكذا ما من شيء في هذا العالم إلا له رسالة يدعو إليها وعليه فريضة يقوم بها، وكل شعور بعظمة ما في هذا الكون هو شعور بعظمة الله سبحانه وهو الإيمان الحق.
هناك سؤال أصبح صعبا جدا رغم سهولته في السابق: هل يمكن للعقل ان يؤمن في هذا العصر؟
أما أن يؤمن الإنسان بالدين في أعماقه وجدانه بمعرفة الفكر فذلك بحث طويل ولا يستقصى في سطور، ولكنه مع خلوص النية يتضح جلياً مبيناً من حقيقة واحدة، وهي أن الإنسان جزء من هذا الوجود لا بد له من صلة عميقة تربطه به أبعد غوراً من هذه الصلات الحسية التي تحصرها العلوم المتغيرة مع العصور والسنين، فكيف تكون هذا الصلة؟. إن الإنسان فكره محدود ينقطع دون النهاية فهل تنقطع صلته بالوجود كله عند انقطاع فكره! أو يعلم حدود نهايته ويعلم علماً يقيناً ان الصلة وراء ذلك لن تكون إلا بالإيمان، لابد ان يؤمن لأنه ذهب بالفكر إلى نهايته ولم يبلغ النهاية، ولا بد له أن يؤمن بالإسلام، فاذا آمن بغير هذه العقيدة ,فماله من عقيدة خير منها فيما يعتقده إنسان في الله أو في أنبياء الله أو في خلق الله أو في مشيئة الله، ويحق للمسلم أن يعلم أن التفكير يوجب الإسلام وأن الإسلام يوجب التفكير.
ينادي المؤازرون للظاهرة الإلحادية بحريّة التعبير عن الاعتقاد حتى لو كان إلحاداً، فماالموقف من التعذر بحريّة المعتقد ؟
على الإنسان الأمين لعقله ولدينه وفكره ان يراعي حرمة القداسة في جماعته كما يرعاها في ضميره، فمن سلامة الضمير أن تكون سلامة الجماعة مما يتوخاه ويصونه، وفي العالم اليوم أكثر من مليار مسلم، يعيشون تحت سقف واحد ويعتصمون بحصانة قوية. هذا هو الإسلام، بنية حية تذود عن عقيدتها فتذود عن كيانها فتحيا أو تموت، صانها الإسلام في وجوه أعدائها فلتصنه في وجوه أعدائه، وأوجب ما يوجب عليه هذه الصيانة أنها تطلق الضمير آفاقه وأعماقه وتحمي للجماعة ديارها وقرارها، وأنها لب ووجدان وتفكير وايمان، فإن يكن للجماعة الإسلامية دين ولابد من دين، فلا بديل لها من دين يهديها الفكر ويهديها الفكر إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..