بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم .. وبعد :
خلق الله عز وجل الناس حنفاء موحدين مخلصين لله الدين ، وفطرهم على التوحيد
والإقرار بمعرفة الله عز وجل ، قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً
فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ
اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
(الروم : 30 ) ، لكن حصل
الانحراف والضلال في البشر و أصابهم الشرك في العبادة .
فأرسل الله ورسله للأمم مبشرين ومنذرين ، يدعون إلى التوحيد ويحذرون من الشرك ، قال
تعالى : (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر : 24 ) وقال
تعالى:(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ
وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) (النحل : 36) فعقيدة التوحيد
هي أصل كل الرسالات والإسلام هو دين جميع المرسلين
من آدم ونوح عليها السلام إلى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :
((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ و) آل عمران /19 .
أما تسمية اليهودية بهذا الإسم " نسبة إلى
اليهود وهم أتباعها وسموا يهوداً ، نسبة إلى ( يهوذا ) ابن يعقوب الذي ينتمي إليه
بنو إسرائيل الذين بعث فيهم موسى عليه السلام فقلبت العرب الذال دالاً .
وقيل نسبة إلى الهَودْ وهو التوبة والرجوع ، وذلك نسبة إلى قول موسى عليه السلام
لربه : ( إنا هدنا إليك ) أي تبنا ورجعنا إليك يا ربنا .
وكان اليهود أيام موسى عليه السلام ، إنما يعرفون بـ ( بني إسرائيل ) ثم أطلق عليهم
( يهود ) فيما بعد .
ونلحظ في القرآن الكريم أنه حيناً يسميهم بـ ( بني إسرائيل )، وإسرائيل هو لقب
يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وبنو إسرائيل هم ذريته .
وحيناً يسميهم : ( الذين هادوا ) و ( اليهود ) لأنهم تسموا ( باليهود ) في عصورهم
المتأخرة وكذلك نجد في السنة المطهرة تسميتهم بـ ( بني إسرائيل ) و ( اليهود )
أيضاً "
(1)
أما الديانة النصرانية فسميت بهذا الاسم "
نسبة إلى بلدة الناصرة في فلسطين وهي التي ولد فيها المسيح ، أو إشارة إلى صفة :
وهي نصرهم لعيسى عليه السلام ، وتناصرهم فيما بينهم ، وهذا يخص المؤمنين منهم في
أول الأمر ثم أطلق عليهم كلهم على وجه التغليب ، ويشهد لذلك قوله تعالى : ( قال
الحواريون نحن أنصار الله ) الصف / 14 .
وفي
العصور المتأخرة أطلق عليها ( المسيحية ) نسبة إلى المسيح عيسى بن مريم عليه السلام
فالمسيحية هي النصرانية تماماً "
(2)
واليهودية والنصرانية كانت عقيدة كلاً منهما عقيدة التوحيد والإيمان لكن وقع فيهما
التحريف والتبديل .
وفي هذا الملف سنتناول
الديانة النصرانية
أصلها وتاريخها وبداية الإنحراف فيها ، وما هو التنصير ؟ وما أهدافه ؟ ووسائله؟
وما جهود المنصرين في العصر الحاضر ضد الإسلام ؟ وكيف يواجه المسلمون المد التنصيري
؟
النصرانية
Christianity
1- أصلها و تعريفها :
النصرانية هي
الدين المنزل من الله تعالى على عيسى عليه السلام وكتابها الإنجيل ، وهي امتداد
لليهودية لأن بني إسرائيل حرفوا اليهودية الدين الذي أنزله الله تعالى على موسى
عليه السلام و بدلوا التوراة فأرسل الله نبيه عيسى إليهم مصححاً لما حرفوه وليحل
لهم بعض الطيبات التي حرمت عليهم ومبشراً بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً يأتي من
بعده . قال تعالى : ( وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم
مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) الصف / 6 .
وعندما حصل التحريف في النصرانية وتعددت الأناجيل وتحول أتباعها عن التوحيد إلى
الشرك المتمثل بالتثليث ، نُسخت بالإسلام فأصبحت باطلة لا تقبل عند الله .
والتنصير هو :
في اللغة :
الدعوة إلى اعتناق دين النصارى ، جاء
في لسان العرب : التَّنَصُّرُ الدخول في النَّصْرانية, و نَصَّرَه جعله
نَصْرانِيّاً وفي الحديث : ( كلُّ مولود يولد على الفِطْرة حتى يكونَ أَبواه اللذان
يَهَوِّدانِه ويُنَصِّرانِه ) . ( 3 )
و
في المعجم الوسيط : (
النَّصْرَانِيَّة ُ): دِينُ أَتباع المسيح عليه السلام و( النَّصْرَانِيُّ ): من
تعبَّد بدين النَّصرانية. ( 4 )
وجاء في القاموس المحيط : (
النَّصْرانيَّةُ) دينُهُمْ ويُقالُ نَصْرانِيٌّ وأنْصارٌ (وتَنَصَّرَ) دَخَلَ في
دِينِهم ونَصَّرَهُ (تَنْصيراً) جَعَلَهُ نَصْرانياً .
( 5 )
في الاصطلاح :
هو
حركة دينية سياسية استعمارية بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بُغية نشر
النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسلمين بخاصة بهدف
إحكام السيطرة على تلك الشعوب . ( 6 )
تعريف آخر :
هو
قيام مجموعة من المنصرين باحتلال منطقة معينة ، والعمل على تنصير سكانها ، وإنشاء
كنيسة وطنية تؤول مسؤوليتها الإدارية والمالية تدريجياً للأهالي الذين يقومون
بدورهم بنشر النصرانية في المناطق التي لم يصل إليها المنصرون .
( 7 )
وحتى يتقبل الناس هذه الدعوة سميت بـ ( التبشير )
حتى يكون أثرها جيداً في النفوس وللتلبيس على الناس بأن هذه الدعوة ستجلب لهم البشر
والسرور والفرح ، قاتلهم الله .
وعند الرجوع للمعنى اللغوي لكلمة التبشير في
معاجم اللغة نجد أنها تفيد الأمر الذي يجلب السرور والفرح ، ففي المعجم الوسيط :
(بَشِرَ) بالخَبر: -َ بِشْرًا: فَرِحَ به وسُرَّ . و- بالشيء: استبشر به
( 8 ) ، لكن لابد أن نعرف أن التبشير يحتمل
الشر والخير وكما ورد في لسان العرب " البِشارَةُ المُطْلَقَةُ لا تكون إِلاَّ
بالخير , وإِنما تكون بالشر إِذا كانت مقيدة كقوله تعالى : ( فَبَشِّرْهُمْ
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
) " ( 9 )
أما
كلمة (التَّبْشِير) بمعنى الدعوة إلى الدَّين فهي محدثة .
( 10 )
"
والتبشير عند النصارى يعني هجوم المسيحية على الديانات المستوطنة في البلاد التي
يتوجه إليها المبشرون المسيحيون للتبشير فيها خصوصاً على الإسلام " .
( 11 )
2- أطوارها عبر التاريخ وبداية الانحراف فيها :
مرت النصرانية بعدة أطوار عبر التاريخ حتى وصلت إلى هذا الاعتقاد الفاسد فاستحقوا
أن يكونوا من أهل الكفر والضلال كما استحق اليهود ذلك ،
وعلى المسلم أن يعتبر من تلك الأمم التي ضلت عن الصواب لإتباعها للهوى وتحريفها
لكتاب الله وكتمانها للحق والعلم وإن كان وحياً منزلاً من الله تعالى عليهم فهؤلاء
لا يجدون حرجاً في كتمانه ما دام لا يخدم أغراضهم وغاياتهم الفاسدة ، وصدق الله إذا
يقول : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (آل عمران : 71 )
والمسلم من عقيدته الإيمان بجميع الرسل وجميع الكتب التي أنزلها الله ، فالإيمان
بأن عيسى رسول الله ، وأن الإنجيل المنزل عليه من الله حق ، هو واجب عليه بل من
أركان الإيمان التي لا يتم إسلام المسلم إلا بها .
ويمكن تقسيم أطوار النصرانية إلى :
" الطور الأول :
وهي
دين الله الحق .
الطور الثاني :
لما رفع الله تعالى إليه عيسى عليه السلام ، بقي عدد من أتباعه وأنصاره على الحق
مدة يسيرة ، حيث كان اليهود الذين لم يؤمنوا بعيسى عليه السلام لهم بالمرصاد
يطاردونهم ويقتلونهم ويشون بهم عند السلطات ( الحكام ) ، واستمر هذا الطور قرابة
نصف قرن .
الطور الثالث :
ويبدأ في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي ،وهو عهد كتابة الأناجيل المبتدعة ،
وهي عبارة عن اجتهادات لم تسمع من عيسى عليه السلام مشافهة وبعضها من دس اليهود ،
واستمر هذا الطور مايزيد على ثلاثة قرون ، عاشت فيه النصرانية في تخبط وافتراق ،
وتأثرت بالفلسفات والآراء والطقوس الوثنية السائدة ، إضافة إلى ما لعبه اليهود خلال
هذه الفترة من الدس والتحريف وإشاعة الفرقة والاختلاف العقدي والمذهبي بين صفوف
أتباع النصرانية .
كما
أنه خلال هذه الفترة فقد النص الصحيح للإنجيل وكثرت الأناجيل إلى حد لا يمكن
الاهتداء إلى نص الإنجيل الثابت .
أما الطور الرابع :
ويبدأ بالتجمع الكبير الذي عقده قسطنطين ملك الرومان في نيقية سنة 325 م ، وهو تجمع
حاسم قرر فيه مبتدعة النصارى الاتجاه نحو النصرانية الضالة ، والتي هي مزيج من
الوثنية الرومانية السائدة آنذاك ، ومن اليهودية المحرفة وبقايا النصرانية المشوشة
، والديانات الوثنية الهندية . وفي هذا اللقاء رسخت عند النصارى عقيدة التثليث
الوثنية وهو اعتقادهم أن الله ثالث ثلاثة " . ( 12 )
ولمعرفة المزيد من التفاصيل للأطوار التاريخية للنصرانية يمكن الرجوع للرابط التالي
:
3- العقيدة النصرانية المحرفة :
"
بعد تحريفها أصبحت خليطاً من الوثنية الرومانية و الهندية والفلسفة اليونانية و
التحريف اليهودي ، ومن أهم اعتقاداتها :
1-
عقيدة التثليث :
وهي
كما يزعمون أن الله عندهم ثلاثة حالات وتسمى ( الأقانيم ) :
الأول : الإله الأب وله خصائص الألوهية وهو الله .
الثاني : الإله الابن وله خصائص البشرية وهو عيسى .
الثالث : الإله الروح القدس : وله خصائص الازدواجية بين الآلهية والبشرية وهو الروح
التي حلت في مريم .
وعلى هذا فهم يزعمون أن الله تعالى ثالث ثلاثة ، وهذا هو الشرك المحض ، وقد ذكر
تعالى ذلك عنهم ورد عليهم بقوله تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي
دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ
وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ
انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن
يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى
بِاللّهِ وَكِيلاً) (النساء : 171 )
وقال تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ
وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا
يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيم (أَفَلاَ
يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (مَّا
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ
وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ
لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المائدة :72-75 )
وحين زعموا أن عيسى ابن مريم قال لهم اتخذوني وأمي إلهين افتراء عليه رد الله
عليهم بقوله تعالى : (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ
لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ
مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ
عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ
أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ
اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ
فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة:116- 117 )
2-
تقديس الرهبان ورجال الكنيسة والثقة العمياء بهم :
فهم
يزعمون أنهم يتكلمون ويأمرون وينهون نيابة عن الله تعالى ، ولهم السلطة المطلقة في
الدين ، فيحلون ويحرمون ، بل ويغفرون للمذنب والمجرم والفاجر بمجرد حضوره للكنيسة ،
وتقبيله لأعتابها ولأقدامهم ( النجسة ) وقد يمنحون المجرمين والمفسدين في الأرض
صكوك الغفران زاعمين أنهم يضمنون لهم بها الجنة !
وقد
حكى الله عنهم ذلك فقال : (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً
مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ
لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ) (التوبة : 31 )
لذلك هم يسمون رجال الكنيسة ( رجال الدين ) وهذه التسمية نابعة من فكرتهم الخاطئة
من أن الدين لا صلة له بالدنيا ، وله رجال لا يتدخلون بأمور الدنيا التي لها رجالها
، وقد انتقلت هذه التسمية مع الأسف إلى المسلمين بالتقليد الأعمى وأخذ المصطلحات
الغربية دون تمحيص ، لأن الإسلام دين الحياة ، وكل المسلمين ينبغي أن يكونوا رجال
دين ، بل إن من أهم شروط الولاية والإمارة في الإسلام : الفقه والعلم بالدين ، حتى
تهتدي نشاطات الحياة كلها بأحكام الإسلام التي تشمل كل شيء.
3-
الصلب والفداء وتقديس الصليب :
وذلك أنهم يزعمون أن الله تعالى المتمثل في زعمهم بـ ( الابن ) وهو المسيح عليه
السلام أراد أن يصلب وأن يقتل ( بزعمهم الباطل ) تكفيراً لخطايا بني آدم وهم
يعتقدون أنه وقع له الصليب والقتل لأجل ذلك ، مع أن ذلك لم يحدث وإنما شبه لهم كما
جاء في القرآن الكريم .
وكل
ذلك من دسائس اليهود ، قتلة الأنبياء ، وذلك أن اليهود حين حقدوا على عيسى عليه
السلام وأتباعه وخافوا من انتشار دينه استعدوا عليه السلطات والحكام ، وهموا بقتله
، فأوقع الله بأيديهم رجلاً يشبهه ابتلاء وامتحاناً فقتلوه وصلبوه ، ورفع الله
تعالى عيسى عليه السلام إليه وطهره من أيديهم ، فاستمروا في اضطهاد أتباعه .
وبعد ذلك دسوا في النصرانية فكرة الفداء والصلب بقصد إفساد عقيدة النصارى فكان لهم
ذلك وقد حكى الله عنهم ذلك ورد عليهم بقوله :
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ
وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ
اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ
اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) (النساء : 157 ).
( 13 )
وقد جعل النصارى الصليب شعاراً لهم، وله تقديس خاص عندهم ، فهو علامة على أنهم من
أتباع المسيح الذي فدى بنفسه لتكفير خطايا بني آدم ، فنجده منصوب فوق الكنائس و في
بيوتهم و معلق على صدور كبارهم وصغارهم ورهبانهم ( جمع راهب وهو المتعبد ، فالرهبان
هم علماء النصارى وعبادهم ) ، فما أخف عقولهم يقدسون الصليب الذي قتل عليه إلههم
بزعمهم ، لو كان فيهم ذرة من عقل يضع الأمور في مكانها لكان هذا الصليب أحقر
الأشياء عندهم !! لكنه غباء الكفر والطغيان ( ومن لم يجعل الله له نوراً فم له من
نور ) .
عجبا لليهود والنصارى أسلموه لليهود و قالوا
فلئن كان ما يقولون حقا فإذا كان راضيا بأذاهم وإذا كان ساخطا غير راضي |
|
والى الله ولدا نسبوه
إنهم من بعد قتله صلبوه فسلوهم أين كان أبوه فاشكروهم لأجل ما صنعوه فاعبدوهم لأنهم غلبوه |
4- الكتاب المقدس :
يؤمن النصارى بقدسية الكتاب المشتمل على:
العهد القديم :
والذي يحتوي : التوراة – الناموس - وأسفار الأنبياء التي تحمل تواريخ بني إسرائيل
وجيرانهم، بالإضافة إلى بعض الوصايا والإرشادات.
العهد الجديد:
والذي يشمل الأناجيل الأربعة: ( متى – مرقس – لوقا – يوحنا ) فقط ، والرسائل
المنسوبة للرسل، على أن ما في العهد الجديد يلغي ما في العهد القديم، لأنه في
اعتقادهم كلمة الله، وذلك على خلاف بين طوائفهم في الاعتقاد في عدد الأسفار
والرسائل بل وفي صحة التوراة نفسها.
و القرآن الكريم قد بين أن الإنجيل قد وقع فيه التحريف كما وقع في التوراة فجاء
القرآن ناسخاً لهما ، وهذا التحريف كان إما بالزيادة أو النقصان كما جاء بيان ذلك
في قوله تعالى : (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ
لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ
وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران : 187 ).
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ
الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) (النساء : 44 )
فهذا الكتاب المقدس الذي بين أيديهم ليس هو الإنجيل المنزل على عيسى عليه
السلام بل هو محرف ومبدل ويجب على المسلم الإيمان بذلك ، وحتى إن كان فيه شئ من
الصحة فقد نُسخ بالقرآن الكريم ، قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً
لما بين يديه من الكتاب ... ) .
روابط عن العقيدة النصرانية :
النصرانية ( الأفكار والمعتقدات )
http://www.aliman.org/nsr9/nsr1.htm
جوهر العقيدة النصرانية
http://www.aliman.org/lnasra/sorcenasr.htm
كفر
اليهود والنصارى بنسبة الولد لله
http://www.aliman.org/lnasra/heda1.htm
ألوهية يسوع في ميزان العلم والجدل
http://www.saaid.net/Anshatah/dawah/58.htm
4- عرض موجز للفرق النصرانية الرئيسية :
انقسمت النصرانية إلى ثلاث فرق رئيسية هي :
1-
الكاثوليك
وهم
أتباع الكنيسة الكاثوليكية العامة ، وهي أعرق وأكبر الطوائف النصرانية ومركزها في
روما وجمهورها في أوروبا عموماً وهم يعتقدون بزعمهم أن الله الإبن مساو في خصائص
الألوهية لله الأب ، وروح القدس منبثق عنهما .
2-
الأرثوذكسية
وهم
أتباع الكنيسية الأرثوذكية وهي كنيسة الروم الشرقية ، ومركزها الأصلي قديماً
القسطنطينية وأكثر أتباعها من شمال وغرب آسيا وشرق أوروبا ، ويعتقد أتباعها أن الله
الأب أفضل من الله الابن ، وأن روح القدس انبثق عن الله الأب ، تعالى الله وتقدس
عما يزعمون .
3-
البروتستانت
ويتبعون الكنيسة البروتستانتية التي أسسها ( مارتن لوثر ) في القرن السادس عشر
الميلادي وأتباعها في أوروبا وأمريكا الشمالية وهي أخف الفرق النصرانية تقديساً
لرجال الكنيسة ولا تعتقد لهم حق الغفران ، ولا تقدس أقوالهم ، وتفسيرها للثالوث أخف
في وثنيته من الفرقتين الأوليين وكانت في نشأتها أميل للتوحيد لكنها لم تصمد أمام
الضغط النصراني فانغمست بالكفر والشرك .
أما في العصر الحديث :
فقد
انتشرت النصرانية في أكثر بلاد العالم ، فهي في عدد أتباعها تأتي بالدرجة الثانية
بعد الإسلام .
وتتركز النصرانية في أوروبا وأمريكا ، وأكثر الأقليات النصرانية وجوداً في العالم
الإسلامي في مصر والشام والمغرب والسودان كما أن لها نشاطاً وانتشاراً واسعاً في
أفريقيا واستراليا وشرق آسيا . وسيأتي تفصيل وبيان جهود المنصرين في العالم
الإسلامي في مبحث آخر من هذا الملف والله المستعان .
وختاماً ..
هذه
لمحة سريعة عن النصرانية ، ذلك الدين الذي أنزله الله على نبيه عيسى عليه السلام
فأبى أتباع الهوى والشيطان إلا إطفاء نور الحق فحرفوا وبدلوا ، وسار على باطلهم
أتباعهم من بعدهم .. وهاهم ينشرون دينهم المحرف وعقيدتهم الفاسدة بوسائل مختلفة
لإحكام سيطرتهم على كل الشعوب و الدول ، بل حاربوا الإسلام ووقفوا سداً أمام
انتشاره فخططوا و تآمروا ودبروا ولكن الله ( متم نوره ولو كره الكافرون ) .
قد
تكفل جل في علاه بحفظه وحفظ كتابه الكريم رغم كيد أعدائه إلى قيام الساعة ، قال
تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) .
فأمة الإسلام منصورة من ربها ، ولا يتم لها هذا النصر إلا بالتمسك التوحيد والعروة
الوثقى ، وتبقى جهود العلماء والدعاة في بيان الإسلام والدعوة إليه من أعظم أسباب
نصر هذا الدين .
ومهما عظمت جهود المنصرين في نشر عقيدتهم الفاسدة ، ومهاجمة الإسلام والمسلمين في
عقر ديارهم ، تبقى شمس الإسلام مشرقة لا ولن يحجبها ظلام الشرك والوثنية .
وهذا نداء القرآن الكريم لهؤلاء الكفرة من يهود ونصارى باتباع دين الحق ( الإسلام )
والإيمان به ( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه
لعلكم تهتدون ) ، ( ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً
فلن
يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
والذي نفسي
بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار) .
كما
توجه آيات القرآن الكريم خطابها إلى أهل الكتاب على وجه الأرض على اختلاف زمانهم
ومكانهم ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله
ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا
بأنّا مسلمون ) آل عمران / 64 .
فحري بهؤلاء النصارى أن يستجيبوا لدعوة الإسلام دعوة السعادة في الدنيا والآخرة .
والله من وراء القصد ..
أختكم / نـوران
( 1 )
الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة ، ناصر القفاري
، ناصر العقل ، الرياض ، 1413 هـ ، ص 18 – 19.
( 2 ) المرجع السابق ، ص 64 – 65 .
( 3 ) لسان العرب ، ابن منظور ، مادة نصر .
( 4 ) المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية ، مادة ( نصر ) .
( 5 ) القاموس المحيط ، الفيروز أبادي، مادة ( نصر ) .
( 6 ) التنصير ومحاولاته في بلاد الخليج ، د .عبد العزيز العسكر ، الرياض ، مكتبة
العبيكان ، 1414 هـ ، ص 13 .
( 7 ) ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي ، د . إبراهيم عكاشة ، ص 26 .
( 8 ) المعجم الوسيط ، مجموع اللغة العربية ، مادة ( بشر ) .
( 9 ) لسان العرب ، ابن منظور ، مادة ( بشر ) .
( 10 ) المعجم الوسيط ، مجموع اللغة العربية ، مادة ( بشر ) .
( 11 ) التنصير في البلاد الإسلامية ، محمد الشثري ، الرياض ، دار الحبيب ، 1418 هـ
، ص 15 .
( 12 ) الموجز في الأديان والمذاهب ،
ناصر القفاري ، ناصر العقل ، الرياض ، 1413 هـ ،
ص 69 – 70 .
( 13 ) المرجع السابق ، ص 72 – 74
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..