تطل علينا أخبار عن قوائم الأثرياء, والمثير في هذه الأخبار أن بعضهم تتضاعف ثروته في السنة الواحدة بأرقام عنقودية, تذكرنا بأسلوب انشطار الشظايا, أو انقسام الخلايا في جسم الإنسان..!
أما
أشرف مجتمع, وأنقى مجتمع, وهو المجتمع النبوي, فلم ينقدح في ذهن أحد
أغنيائهم أن يذكر اسمه في قائمة الأثرياء, ولا أن يتطلع إلى الشهرة, بل كان
يتطلع إلى صلاح النية حتى في كسب المال, وإنفاقه, كما أن ثرواتهم
لم تكن تتضاعف بأسلوب الانشطار أو الانقسام, وإنما تتصاعد شيئاً فشيئاً, بأسلوب التكاثر والتوالد الطبيعي؛ لأن مراقبة الله تعالى تدفعهم لجمع المال من مصادره النقية, ثم بذله في وجوه الخير بصمت, فهو يكسب المال الحلال ليستغني به عن الخلق, ويترك ورثته أغنياء, وليبذل ماله في وجوه الخير, ولهذا تعرف ذلك المجتمع الطاهر على ثروات أولئك الصحابة الأثرياء من خلال عملهم الحر في سوق البيع والشراء في المدينة النبوية, وبأياديهم البيضاء في مجال الصدقة والوصية والوقف ونحوها من وجوه الخير, وإن كان حرصهم على إخفاء الصدقة كحرصهم على طيب الكسب.
إذن لم يجمع أثرياء الصحابة أموالهم من المجازفات ومن سوق «وول ستريت» ونحوها من الأسواق العربية والعالمية, والتي تنمو فيها هوامير بشرية من أمثال «برنارد مادوف» الرئيس السابق لـ (بورصة ناسداك) الإلكترونية, وأشباههم ممن امتهنوا امتصاص الثروات, وملء أرصدتهم بها.., وهذا لا يعني أن في أثرياء العالم المعاصر من لا يتعفف عن الحرام, بل في الأثرياء شريحة «نادرة» تتعفف عنه أكثر من تعفف الفقراء.
وبالنظر في كتب التاريخ والتراجم - كسير الأعلام وتاريخ الإسلام للذهبي بأسانيد بعضها محل نظر- نجد عدداً من أثرياء الصحابة, وسأكتفي بذكر من تصدر منهم في قائمتين معاً:
الأولى: قائمة الصحابة المبشرين بالجنة.
الثانية: قائمة الصحابة الأثرياء.
ومن هؤلاء الصحابة الأجلاء:
1- عثمان بن عفان, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء.
2- طلحة بن عبيد الله, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء.
3- الزبير بن العوام, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء.
4- عبد الرحمن بن عوف, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء.
5- سعد بن أبي وقاص, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء.
رضي الله عنهم أجمعين.
فأما عثمان بن عفان ــ رضي الله عنه ــ, فتقدر ثروته بـ «ثلاثين مليون درهم فضة, ومائة وخمسين ألف دينار, إضافة إلى صدقات تقدر بقيمة مائتي ألف دينار..»، وقد بشر بالجنة في عدة وقائع بذل فيها ماله بسخاء, ومنها أن عثمان ــ رضي الله عنه ــ ظفر بحفر بئر معونة حين قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال: (من حفر رومة فله الجنة) فحفرها وفاز بالجنة. كما ظفر أيضاً بتجهيز جيش العسرة «جيش تبوك» حين قال ــ عليه الصلاة والسلام: (من جهز جيش العسرة فله الجنة) فجهزه ــ رضي الله عنه ـ, وخبر حفره للبئر وتجهيزه للجيش في صحيح البخاري, وغيره.
وأما طلحة بن عبيد الله ــ رضي الله عنه ــ فتقدر ثروته بـ «مليوني درهم, ومائتي ألف درهم, ومن الذهب مائتي ألف دينار» وكان دخله اليومي ألف درهم وزيادة. وكان من سخائه أنه سأله رجل أن يعطيه بما بينه وبينه من الرحم, فأعطاه أرضاً قيمتها ثلاثمائة ألف درهم, وقيل أكثر من ذلك..! وكان لا يدع أحداً من بني قرابته القريبة والبعيدة إلا كفاه حاجته وقضى دينه. وقيل في تقدير ثروته أكثر من ذلك, ففي طبقات ابن سعد بسند فيه الواقدي: «قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم, ومائتا ألف درهم. وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف درهم» أي: ثلاثمائة مليون درهم..! قال الذهبي تعليقا على ذلك: «أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث, قال: وقد خلَّف طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب!».
وأما الزبير بن العوام ــ رضي الله عنه ــ فقد بلغت ثروته من قيمة العقار الذي ورَّثه «خمسين مليونا, ومائتي ألف»، حيث جاء في صحيح البخاري أن الزبير ــ رضي الله عنه ــ «قتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين, منها الغابة (وكان الزبير اشتراها بسبعين ومائة ألف, فباعها ابنه عبد الله بعد وفاته بألف ألف وستمائة ألف, أي باعها بمليون وستمائة ألف)، وإحدى عشرة داراً في المدينة, ودارين في البصرة, وداراً في الكوفة, وداراً في مصر.., وكان للزبير أربع نسوة, ورفع الثلث - أوصى به لأولاد ابنه عبد الله - فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف, فجميع ما له خمسون ألف ألف, ومائتا ألف» ومن حرصه ــ رضي الله عنه ــ على إعادة الديون إلى أصحابها أنه وقف يوم الجمل, فدعا ابنه عبد الله, وقال: يا بني.., إن من أكبر همي لديني, أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بني بع مالنا, فاقض ديني.., فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين, فثلثه لولدك.., وكان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه, فيقول الزبير: لا, ولكنه سلف, فإني أخشى عليه الضيعة» فبارك الله في عقاره الذي ورثه بسلامة نيته, وصدق أمانته, وتم بيعه بملايين الدراهم.
وأما عبد الرحمن بن عوف ــ رضي الله عنه ــ فتقدر ثروته بـ «ثلاثة ملايين ومائتي ألف دينار»، أي: ما يساوي اثنين وثلاثين مليون درهم فضة, لأن الدينار الذهبي يساوي عشرة دراهم, وهذا حسب الاحتمال الذي ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح, حيث قال: «جميع تركة عبد الرحمن بن عوف ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف (أي ثلاثة ملايين ومائتا ألف)، وهذا بالنسبة لتركه الزبير قليل جداً, فيحتمل أن تكون هذه دنانير, وتلك دراهم؛ لأن كثرة مال عبد الرحمن مشهورة جداً»أ.هـ، وقد كان ــ رضي الله عنه ــ عصامياً, فقد ابتدأ ثروته من الصفر, بل إنه عرض عليه سعد بن الربيع الخزرجي ـ رضي الله عنه ــ أن يشاطره في نصف ماله مجاناً - وذلك حين آخى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـ بينه وبين سعد - فرفض عبد الرحمن بن عوف هذا العرض المجاني, وقال: «بارك الله لك في أهلك ومالك, دلني على السوق, فربح شيئا من أقط وسمن..» فابتدأ ثروته بأقط وسمن ثم حاز الملايين, فكان الاستثمار في السوق بالبيع والشراء هو الأسلوب الاستثماري لعبد الرحمن ــ رضي الله عنه ــ حتى أصبحت ثرواته على مرأى ومسمع من أهل المدينة, كما روى أحمد في مسنده من حديث أنس ــ رضي الله عنه ــ (أن عبد الرحمن أثرى, وكثر ماله, حتى قدمت له مرة سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق) وفي البداية والنهاية»، وترك ألف بعير, ومائة فرس, وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع, وكان نساؤه أربعا, فاقتسمن ثمنهن, فكان ثلاثمائة وعشرين ألفا, لكل واحدة منهن ثمانين ألفا.
وقد بلغت ثقته باحترافه في مجال التجارة, أنه قال: لقد رأيتني ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً أو فضة..! قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان عامة ماله من التجارة. ففتح الله عليه في التجارة, كما فتح الله عليه في الصدقة. ومن أوجه الصدقة التي بذلها:
1- أنه باع مرة أرضا بأربعين ألف دينار, فتصدق بها.
2- أوصى لمن شهد بدراً بأن يعطى كل واحد منهم أربعمائة دينار, فوجدوا مائة رجل بدري, أي أوصى لهم بأربعين ألف دينار.
3- أوصى بألف فرس في سبيل الله.
4- أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة, فقومت بمائة ألف.
وأما سعد بن أبي وقاص ــ رضي الله عنه ــ فتقدر ثروته بـ «مائتي ألف وخمسين ألف درهم»، ومما يدل على ثروته ــ رضي الله عنه أنه جاء في الصحيحين أنه قال: (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت, فقلت: يا رسول الله, بلغني ما ترى من الوجع, وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة, أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: لا, الثلث والثلث كثير, إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس..) لقد كان ــ رضي الله عنه ــ يتطلع إلى أن يتصدق بثلثي ماله؛ لأنه لا يرثه إلا ابنة واحدة, وظل يراجع النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ليوصي بالأكثر من ماله, فلا يأذن له ــ صلى الله عليه وسلم ــ إلا بالثلث؛ لئلا يجحف بورثته, مع كونه لا يرثه إلا ابنة, إذن فكيف بمن يرثه أكثر؟ وكيف بمن لم يكن ثرياً؟ ولهذا استحب بعض السلف أن تكون الوصية بمقدار الربع.
لقد حصد هؤلاء الأطهار تلك الأموال الطائلة مع تواضع منابع الثروة في ذلك الوقت, ومع هذا لم تتسلل الثروة إلى قلوبهم, بل كانت في أيديهم, كما أنهم لم يتورطوا في أزمات ائتمانية تحيل ثرواتهم إلى خراب, كما لم تنم ثرواتهم عبر أسواق المجازفات, كما عزت بعض المصادر نماء ثروات أثرياء العالم هذا العام إلى تنامي أسواق الأوراق المالية في المنطقة, ومنها سوق «وول ستريت» السيئ الصيت, وإنما كسبوا المال عبر سوق المدينة, ونحوها من الأسواق التي تباع فيها العروض والسلع على طبيعتها, وتتحرك على سجيتها دون أدوات احتيالية.
لم تكن تتضاعف بأسلوب الانشطار أو الانقسام, وإنما تتصاعد شيئاً فشيئاً, بأسلوب التكاثر والتوالد الطبيعي؛ لأن مراقبة الله تعالى تدفعهم لجمع المال من مصادره النقية, ثم بذله في وجوه الخير بصمت, فهو يكسب المال الحلال ليستغني به عن الخلق, ويترك ورثته أغنياء, وليبذل ماله في وجوه الخير, ولهذا تعرف ذلك المجتمع الطاهر على ثروات أولئك الصحابة الأثرياء من خلال عملهم الحر في سوق البيع والشراء في المدينة النبوية, وبأياديهم البيضاء في مجال الصدقة والوصية والوقف ونحوها من وجوه الخير, وإن كان حرصهم على إخفاء الصدقة كحرصهم على طيب الكسب.
إذن لم يجمع أثرياء الصحابة أموالهم من المجازفات ومن سوق «وول ستريت» ونحوها من الأسواق العربية والعالمية, والتي تنمو فيها هوامير بشرية من أمثال «برنارد مادوف» الرئيس السابق لـ (بورصة ناسداك) الإلكترونية, وأشباههم ممن امتهنوا امتصاص الثروات, وملء أرصدتهم بها.., وهذا لا يعني أن في أثرياء العالم المعاصر من لا يتعفف عن الحرام, بل في الأثرياء شريحة «نادرة» تتعفف عنه أكثر من تعفف الفقراء.
وبالنظر في كتب التاريخ والتراجم - كسير الأعلام وتاريخ الإسلام للذهبي بأسانيد بعضها محل نظر- نجد عدداً من أثرياء الصحابة, وسأكتفي بذكر من تصدر منهم في قائمتين معاً:
الأولى: قائمة الصحابة المبشرين بالجنة.
الثانية: قائمة الصحابة الأثرياء.
ومن هؤلاء الصحابة الأجلاء:
1- عثمان بن عفان, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء.
2- طلحة بن عبيد الله, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء.
3- الزبير بن العوام, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء.
4- عبد الرحمن بن عوف, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء.
5- سعد بن أبي وقاص, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء.
رضي الله عنهم أجمعين.
فأما عثمان بن عفان ــ رضي الله عنه ــ, فتقدر ثروته بـ «ثلاثين مليون درهم فضة, ومائة وخمسين ألف دينار, إضافة إلى صدقات تقدر بقيمة مائتي ألف دينار..»، وقد بشر بالجنة في عدة وقائع بذل فيها ماله بسخاء, ومنها أن عثمان ــ رضي الله عنه ــ ظفر بحفر بئر معونة حين قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال: (من حفر رومة فله الجنة) فحفرها وفاز بالجنة. كما ظفر أيضاً بتجهيز جيش العسرة «جيش تبوك» حين قال ــ عليه الصلاة والسلام: (من جهز جيش العسرة فله الجنة) فجهزه ــ رضي الله عنه ـ, وخبر حفره للبئر وتجهيزه للجيش في صحيح البخاري, وغيره.
وأما طلحة بن عبيد الله ــ رضي الله عنه ــ فتقدر ثروته بـ «مليوني درهم, ومائتي ألف درهم, ومن الذهب مائتي ألف دينار» وكان دخله اليومي ألف درهم وزيادة. وكان من سخائه أنه سأله رجل أن يعطيه بما بينه وبينه من الرحم, فأعطاه أرضاً قيمتها ثلاثمائة ألف درهم, وقيل أكثر من ذلك..! وكان لا يدع أحداً من بني قرابته القريبة والبعيدة إلا كفاه حاجته وقضى دينه. وقيل في تقدير ثروته أكثر من ذلك, ففي طبقات ابن سعد بسند فيه الواقدي: «قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم, ومائتا ألف درهم. وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف درهم» أي: ثلاثمائة مليون درهم..! قال الذهبي تعليقا على ذلك: «أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث, قال: وقد خلَّف طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب!».
وأما الزبير بن العوام ــ رضي الله عنه ــ فقد بلغت ثروته من قيمة العقار الذي ورَّثه «خمسين مليونا, ومائتي ألف»، حيث جاء في صحيح البخاري أن الزبير ــ رضي الله عنه ــ «قتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين, منها الغابة (وكان الزبير اشتراها بسبعين ومائة ألف, فباعها ابنه عبد الله بعد وفاته بألف ألف وستمائة ألف, أي باعها بمليون وستمائة ألف)، وإحدى عشرة داراً في المدينة, ودارين في البصرة, وداراً في الكوفة, وداراً في مصر.., وكان للزبير أربع نسوة, ورفع الثلث - أوصى به لأولاد ابنه عبد الله - فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف, فجميع ما له خمسون ألف ألف, ومائتا ألف» ومن حرصه ــ رضي الله عنه ــ على إعادة الديون إلى أصحابها أنه وقف يوم الجمل, فدعا ابنه عبد الله, وقال: يا بني.., إن من أكبر همي لديني, أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بني بع مالنا, فاقض ديني.., فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين, فثلثه لولدك.., وكان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه, فيقول الزبير: لا, ولكنه سلف, فإني أخشى عليه الضيعة» فبارك الله في عقاره الذي ورثه بسلامة نيته, وصدق أمانته, وتم بيعه بملايين الدراهم.
وأما عبد الرحمن بن عوف ــ رضي الله عنه ــ فتقدر ثروته بـ «ثلاثة ملايين ومائتي ألف دينار»، أي: ما يساوي اثنين وثلاثين مليون درهم فضة, لأن الدينار الذهبي يساوي عشرة دراهم, وهذا حسب الاحتمال الذي ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح, حيث قال: «جميع تركة عبد الرحمن بن عوف ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف (أي ثلاثة ملايين ومائتا ألف)، وهذا بالنسبة لتركه الزبير قليل جداً, فيحتمل أن تكون هذه دنانير, وتلك دراهم؛ لأن كثرة مال عبد الرحمن مشهورة جداً»أ.هـ، وقد كان ــ رضي الله عنه ــ عصامياً, فقد ابتدأ ثروته من الصفر, بل إنه عرض عليه سعد بن الربيع الخزرجي ـ رضي الله عنه ــ أن يشاطره في نصف ماله مجاناً - وذلك حين آخى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـ بينه وبين سعد - فرفض عبد الرحمن بن عوف هذا العرض المجاني, وقال: «بارك الله لك في أهلك ومالك, دلني على السوق, فربح شيئا من أقط وسمن..» فابتدأ ثروته بأقط وسمن ثم حاز الملايين, فكان الاستثمار في السوق بالبيع والشراء هو الأسلوب الاستثماري لعبد الرحمن ــ رضي الله عنه ــ حتى أصبحت ثرواته على مرأى ومسمع من أهل المدينة, كما روى أحمد في مسنده من حديث أنس ــ رضي الله عنه ــ (أن عبد الرحمن أثرى, وكثر ماله, حتى قدمت له مرة سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق) وفي البداية والنهاية»، وترك ألف بعير, ومائة فرس, وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع, وكان نساؤه أربعا, فاقتسمن ثمنهن, فكان ثلاثمائة وعشرين ألفا, لكل واحدة منهن ثمانين ألفا.
وقد بلغت ثقته باحترافه في مجال التجارة, أنه قال: لقد رأيتني ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً أو فضة..! قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان عامة ماله من التجارة. ففتح الله عليه في التجارة, كما فتح الله عليه في الصدقة. ومن أوجه الصدقة التي بذلها:
1- أنه باع مرة أرضا بأربعين ألف دينار, فتصدق بها.
2- أوصى لمن شهد بدراً بأن يعطى كل واحد منهم أربعمائة دينار, فوجدوا مائة رجل بدري, أي أوصى لهم بأربعين ألف دينار.
3- أوصى بألف فرس في سبيل الله.
4- أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة, فقومت بمائة ألف.
وأما سعد بن أبي وقاص ــ رضي الله عنه ــ فتقدر ثروته بـ «مائتي ألف وخمسين ألف درهم»، ومما يدل على ثروته ــ رضي الله عنه أنه جاء في الصحيحين أنه قال: (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت, فقلت: يا رسول الله, بلغني ما ترى من الوجع, وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة, أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: لا, الثلث والثلث كثير, إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس..) لقد كان ــ رضي الله عنه ــ يتطلع إلى أن يتصدق بثلثي ماله؛ لأنه لا يرثه إلا ابنة واحدة, وظل يراجع النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ليوصي بالأكثر من ماله, فلا يأذن له ــ صلى الله عليه وسلم ــ إلا بالثلث؛ لئلا يجحف بورثته, مع كونه لا يرثه إلا ابنة, إذن فكيف بمن يرثه أكثر؟ وكيف بمن لم يكن ثرياً؟ ولهذا استحب بعض السلف أن تكون الوصية بمقدار الربع.
لقد حصد هؤلاء الأطهار تلك الأموال الطائلة مع تواضع منابع الثروة في ذلك الوقت, ومع هذا لم تتسلل الثروة إلى قلوبهم, بل كانت في أيديهم, كما أنهم لم يتورطوا في أزمات ائتمانية تحيل ثرواتهم إلى خراب, كما لم تنم ثرواتهم عبر أسواق المجازفات, كما عزت بعض المصادر نماء ثروات أثرياء العالم هذا العام إلى تنامي أسواق الأوراق المالية في المنطقة, ومنها سوق «وول ستريت» السيئ الصيت, وإنما كسبوا المال عبر سوق المدينة, ونحوها من الأسواق التي تباع فيها العروض والسلع على طبيعتها, وتتحرك على سجيتها دون أدوات احتيالية.
جميع الحقوق محفوظة لـصحيفة الاقتصادية الإلكترونية 2009
تصميم وتطوير وتنفيذ إدارة البوابة الإلكترونية في صحيفة الاقتصادية
تصميم وتطوير وتنفيذ إدارة البوابة الإلكترونية في صحيفة الاقتصادية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..