نقلا من موقع عميد الرحالين
معالي الشيخ محمد العبودي
ولد الشيخ عبدالله بن خليفة بن سعيدان الخليفة في مدينة بريدة في عام 1290 على وجه التقريب وتوفي فيها على وجه الضبط في جمادي الأولى عام 1372هـ وهو أول رجل من أهل نجد ذهب إلى أمريكا ، أو لنقل بتعبير أدق : إنه أول رجل وصل نيويورك لأنه لم ينشأ سفراً له إلى أمريكا ، وإنما جاء وصوله إلى نيويورك ثم إقامته في أمريكا لمدة ست سنين من دون تخطيط منه كما سيأتي :
وكانت عودته من أمريكا إلى بريدة في عام 1333هـ قبل الحرب العالمية الأولى . وقد لحق به ولكن بعد سنوات قليلة شخص آخر من أهل بريدة هو الشيخ خليل الرواف من أسرة الرواف الشهيرة من أهل بريدة .
وقد سكن الشيخ خليل الرواف في أمريكا وتزوج فيها بزوجتين أنجبت إحداهما منه ابناً .
وسبب ذهاب ( عبدالله خليفة) إلى أمريكا معروف ، بل مؤكد وهو أنه لم يكن يعرف أمريكا ، ولم يكن يريد الذهاب إليها بمعنى أنه لم يرسم في ذهنه أن يذهب إلى أمريكا ، ولكن ذلك حدث مصادفة منه .
فقد كان عبدالله خليفة في مصر قد سافر إليها مع تجار عقيل من أهل بريدة الذين يتاجرون في الإبل ما بين الشام ومصر وبين القصيم ، ولكن لم يكن ذا مال عندما ذهب إلى مصر ، شأنه في ذلك شأن كثير من الشبان ، وبعد أن وصل إلى مصر وهو ليس بذي مال عمل عند أحد تجار الخيل من أهل القصيم المقيمين في مصر للتجارة في الخيل ، وحدث أن وصل إلى مصر جماعة من الولايات المتحدة الأمريكية يريدون شراء خيول عربية لمزارعهم في أمريكا أو لغير هذا الغرض لأنهم من تجار الخيل يرافقهم أحد اللبانيين .
فلما اشتروها ، وأكثرها من ذلك التاجر من أهل بريدة الذي يعمل معه أو عنده ( عبدالله الخليفة) ذكروا له أنهم يحتاجون إلى من يوصل هذه الخيول معهم إلى الإسكندرية حيث كانوا سيركبون باخرة إلى برشلونه في أسبانيا ومن برشلونة إلى نيويورك عن طريق البحر ، وذلك أن البحر كان الوسيلة الوحيدة للسفر إلى أمريكا في ذلك الوقت ، وبخاصة لمن كانت معهم خيول ، فأشار التاجر النجدي في مصر عليهم بأن يأخذوا معهم ( عبدالله خليفة) لأنه أمين ويعرف كيف يسوس هذه الخيول ، واتفق معهم على أن يعطوه أجرته عدداً من الجنيهات الذهبية ، وأظنها خمس جنيهات لإيصالها من القاهرة إلى الإسكندرية ، وقد أوصل الخيل إلى الإسكندرية ، ولكنهم لم يجدوا سفينة تسافر إلى برشلونه في أسبانيا إلا بعد أيام رأوا فيها معرفة ابن خليفة بالخيل ، وكيف تساس وتعلف ، بل كيف يتعامل معها ، فعرفوا أنهم محتاجون إليه ، لاسيما أنهم غير واثقين بأن يجدوا مثله من يذهب معهم إلى برشلونه في أسبانيا ، فعرضوا عليه أن يذهب معهم إلى أسبانيا بالباخرة مع الخيل نظير مبلغ من الجنيهات الذهبية على أن يركبوه من أسبانيا في سفينة مسافرة إلى الإسكندرية ، ويدفعوا أجرة ركوب عودة فوافق على ذلك تحت إغراء المال ، وعندما وصلوا إلى برشلونه ، وكانوا قد تأكدوا نصحه وحسن عنايته بالخيل عرضوا عليه أيضاً أن يذهب بالخيل بالباخرة من برشلونه إلى نيويورك ، أو النيويورك كما كنت سمعت ابن خليفة يلفظ باسمها إذا كان في معرض الكلام عليها ، أي بإدخال ( أل) التعريفية عليه .
على أن يدفعوا إليه أجرة إضافية وأن يتكلفوا بإعادته إلى الإسكندرية مع إحدى السفن المتجهة من نيويورك إليها .
وعندما وصلوا إلى نيويورك دفعوا له أجرة كامله ، وعرفوه بوكيل شركة سفن ضمنوا أن يدفع لأبن خليفة أجرة سفره من نيويورك إلى الإسكندرية ، ولكن الباخرة لا تسير إلا بعد أيام ، فأعطوه مكاناً يبقى فيه .
وهنا يتحدث ابن خليفة أنه عندما كان في نيويورك في انتظار وجود باخرة يسافر معها راجعاً إلى الإسكندرية سمع رجلان يتكلمان العربية بعد أن كان لا يسمع إلا الانكليزية التي لم يحسنها ففرح بذلك فكلمهما وعرف أنهما من نصارى لبنان , وكان ابن خليفة ذا شخصية جذابة .
فذهبا به إلى دكان لأحدهما وتغدى معهما وبعد أن عرفاه من خلال الكلام وعرفا أنه سوف يعود إلى مصر ، وكان فرح بكلامهما معه لأنه لا أحد يكلمه بالعربية ولا يشير إليه بأي رأي يحتاجه ، قالا له : يا فلان ، الناس يجيئون من الشرق إلى أمريكا يبحثون عن المال والثروة في أمريكا وأكثرهم يحصلون ذلك ، وأنت تكون في أمريكا وترجع للشرق بدون ما تحصل أي شيء ، وكانوا يسمون البلدان العربية آنذاك بالشرق .
وقالا له : الأفضل أنك تبقى في أمريكا وتعمل مثل ما يعمل اللبناني والسوري الذي يقدم إليها معه رأس المال ، وذلك بأن يأخذ من التجار العرب بضائع يبيعها لهم بعمولة معروفة ، وكل ما يحتاج إليه مثل العمل هو الصبر على السير ، والأمانة ، وكان لدى ابن خليفة من ذلك نصيب كبير عرف عنه بعد ذلك ، وكان أحدهما تاجر ملابس ، والثاني : صاحب دكان يبيع السقط ، أو الأسقاط كما كان أهل نجد يسمونها وهي العقاقير التقليدية والحبوب الطبية الشعبية التي لا توجد في أمريكا كالحبة السوداء والحلبة والرشاد وحب الحلوة والحلتيت والمر إلى جانب بضائع نادرة .
قال ابن خليفة : وعندما ذكرت لهم أن أجرتي من الجنيهات الذهبية معي ، استغربوا ذلك وقالوا : ربما يسرق منك ، فأعطيتها أحدهما ليحفظها لي أمانة عنده ، وقد فعل ، ولكنه قال : إن الأفضل أن تبيع بها وتشتري ، ولما كنت لا أعرف البيع والشراء في أمريكا اشترى لي أحدهم بها بضاعة من الملابس ، وهو صاحب محل كبير لبيع الملابس ، وأعطاني معها أيضاً ملابس من عنده أبيعها بالسعي .
واستمر ابن خليفة بائعاً متجولاً ، وقد تحقق الرجل المسيحي صاحب الملابس من كونه ثقة مأموناً صادقاً كريم الخلق ، فصار يجعله في دكانه يبيع فيه .
وكان الثاني من اللبنانيين اللذين التقى بهما صاحب دكان ( السقط) محتاجاً إلى من يساعده في دكانه ، ولكن لابد من أن يكون ثقة كابن خليفة .
وقد حصل على مال طيب ، واستقر عمله في بيع السقط هذا .
وقد اختلفت الرواية فيما إذا كان قد انتهى به الحال إلى أن يفتح له دكاناً بنفسه أم أنه ظل شريكاً ومساعداً للبناني ولم أسأل ابن خليفة نفسه عن ذلك ولكن أغلب الروايات أنه فتح لنفسه دكاناً في نيويورك .
لم تكن المواصلات سهلة ، بل لم تكن ممكنة في ذلك الوقت فالذي يكون في مصر إذا أراد أن يكتب رسالة إلى أهله في نجد احتاج وصولها إلى(40) يوماً على ظهور الإبل أو نحو ذلك ولكن السفر من مصر إلى نجد ليس متيسراً في كل وقت إضافة إلى كون بعض الناس لا يلقون بالاً للرسائل مطلقاً فقد يكون الرجل منهم في الشام أو في مصر أو في العراق ولا يرسل أية رسالة إلى أهله في نجد ، وإنما تكون المعلومات عنه عن طريق شخص رآه هناك أو ذكر لهم أن أحدهم رآه .
وقد يحمله رسالة شفهية إلى أهلة ، هذا بالنسبة إلى مصر والأقطار العربية ، فكيف الحال في أمريكا ولا يوجد طيران يحمل البريد وإنما هي السفن التي لا يعرف الشخص المعتاد كيف يستفيد منها ، ولم يكن الناس من أهل نجد تعودوا على التعامل مع ذلك كما سبق .
لذلك بقى عبدالله بن خليفة في أمريكا ست سنين حتى رأى أمه في النوم وهي تبكي وتحرِّج عليه بأن يعود إلى نجد حتى تراه قبل أن تموت .
قالوا : وكان هذا هو سبب عودته وربما كان ذلك لهوى في نفسه أيضاً لأن عادة جماعة أهل بريدة إذا حصل الشخص منهم مالاً أحب أن يعود إلى بلدته فيعطي منه من يعطي ويتمتع بما يتمتع به ، وبعضهم يستطيع استثمار شيء من ذلك المال على قلة وسائل الاستثمار ماعدا المداينات ، وبعضهم ينفق جميع المال ثم يعود ثانية إلى الغربة .
أما ابن خليفة فقال لي : إنه باع كل ما يملك بجنيهات ذهبية حملها معه ، وسافر من الولايات المتحدة عن طريق المحيط الهادئ إلى الهند لأن هدفه هو الوصول إلى الهند التي كان يعرف أن كثيراً من البضائع التي كان يبيعها في أمريكا تأتي منها وأنها فيها رخيصة لذلك اشترى من تلك البضائع وغيرها بما معه من النقود مقادير حملها على سفينة إلى البحرين ومن هناك إلى( أبو عينين ) وهو الجبيل ، ثم حملها على الإبل إلى بريدة .
وقد فتح له دكاناً في بريدة صار يبيع فيه من تلك السقوطات ، كما كانت تسمى ، ثم صار يبيع ويشتري واستمر كذلك حتى توفي رحمه الله .
كانت رحلة ابن خليفة إلى أمريكا على قرب وقتها تشبه الأسطورة ولذلك حاكت النساء وجهال العامة حولها حكايات وأساطير من ذلك أن أهلها كلهم كفار ولذلك كانوا لم يكونوا يسمحون لابن خليفة أن يؤذن علناً فكان يصلي سراً ، ولكنه كان يؤذن في ( قرعة) !
والقرعة هي اليقطين أو ما تسمى بقرعة نجد كان أهل نجد في القديم يتركون الكبيرة منها لا يقطعونها ، بل يدعونها حتى يغلظ قشرها وييبس ، فيصبح صلباً ، فيأخذون ما بداخلها من المادة اللينة ويستعملونها إناء للسمن والودك لأنه ليس فيها ما في الأواني النحاسية من أوساخ معدنية تؤثر على خزن السمن فيها .
ويقولون : أنه كان يؤذن في داخل تلك القرعة لئلاً يسمعه أحدٌ من الكفار أهل أمريكا فيقتله .
وبطبيعة الحال هذا كلام غير صحيح ، وربما كان الذين اخترعوه قد سمعوا بقصيدة لابن خليفة هي وحيدة قالها – بالعامية طبعاً – لشدة تأثره بالغربة وعدم وجود مسلم ، بل عدم وجود مسلمين ظاهرين في نيويورك في تلك العصور ولا أحفظ منها الآن إلا عجز بيت هو :
في ديرة فيها الكنايس ترِنِّ
يريد أن أجراس الكنائس يسمع لها رنين فيها دون أن تكون فيها مساجد يؤذن فيها بالشهادتين
بقيه اخبار خليفة :
اشترى عبد الله بن خليفة بعد عودته بسنوات أرضاً مقابلة لبيتنا في شمال بريدة القديمة إلى الشمال من مسجد ابن شريدة الذي صار يعرف بمسجد الصائغ لأن إبراهيم الصائغ أذن فيه مدة نحواً من ستين سنه وقد بنى ابن خليفة بيتا له في تلك الأرض يقع إلى الشمال مباشره مع مسجد ابن شريدة يفصل بينهما زقاق فقط فابن خليفة جارنا وأنا أعرف عنه بالمشاهدة والمحادثة كثيراً.
وقد هدم هذا البيت مع بيوت مجاورة له ضمن الخطه التى كانت وضعتها بلديه بريدة لما كانت سمتته بخلخلة الأحياء القديمة بمعنى توسعتها قليلاً حيث صارت تثمن عدداً من البيوت الملاصقة أو المقابلة للمساجد القديمة وتهدمها وتجعلها ميداناً مشجراً يكون أيضاً مواقف لسيارات اهل البيوت المجاورة ،وقد صار بيته جزءاً من هذه البيوت .
وابن خليفة كان رغم قوة شخصيته ومعرفته باللغة الانكليزية متواضعاً للفقراء والمساكين والمحتاجين فكان يشب النار كل يوم بعد صلاة الظهر يصنع القهوة لمن يأتيه وأحيانا يحضر معها التمر في وقت كان لا يفعل ذلك إلا ثري سخي؛ ويفتح بابه يدخل إليه من شاء طيلة دهره فيشرب فيه القهوة أو يتدفأ بالنار في الشتاء حتى كان من بين من يدخلون عنده عدد من المجانين الذين كان أهلوهم يتركونهم في ذلك الحين يتجولون في الشوارع إذا كانوا لا يعتدون على الناس بضرب أو نحوه ، أما إذا كانوا كذلك فان أمير البلد أو نظراءها يقولون لهم : كفوا (مهبولكم) وحددوه بمعنى ضعوا في رجليه حديداً يقيده وإلا حبسكم الأمير عن أن يضر بالناس .
وكنا ونحن صبيان نفزع ونخاف من هؤلاء المجانين بملابسهم القذرة وأصواتهم المنكرة فكانوا يدخلون على بن خليفة وبعضهم يضرط عنده لأنه لا يميز لعدم كمال عقله بين الضرطه وغيرها ، وكنت مرة دخلت على بن خليفة وعنده مجنون لا أريد أن اذكر اسمه لئلا تحرج أسرته ، فقال : لابن خليفة ، وأن اسمع ،(كل كذا) لشيء مستقذر. ولم يؤاخذه أو يمنعه من دخول بيته ، ابتغاء للأجر فيه ، ولكونه فاقد العقل ولكون ابن خليفة محتسباً للأجر فيه وأمثاله من ناقصي العقل ومع ذلك لم ينفر منهم إلا أن المزية في المجنون انه لا يملك عقلاً مخططاً منظماً ، بحيث يأتي إلى بيت ابن خليفة كل يوم وإنما يدخل إذا وجد نفسه بجانبه وبخاصة إذا ضايقه أحد من جهلة الصبيان أو ناقصي التربية منهم .
وعبد الله بن خليفة إلى تواضعه للفقراء والمجانين فإنه كان قوى الشخصية صديقاً لطائفة من أمراء القرى وأعيان البلاد من اهل القرى الذين كانوا اذا جاءوا إلى بريدة نزلوا عنده ، ومنهم عساف الحسين ،أمير الرس ، وعبد الله بن عقيِّل ، أمير قصر ابن عقيِّل، ومنصور المهنا، أمير قصيباء في شمال القصيم ، حتى إن ابن مهنا أرسل ولده ( علي المنصور) وابناً لأخيه اسمه مهنا يدرسون في بريدة ويعيشون في بيت ابن خليفة طيلة دراستهم ، لأنه لم يكن يوجد في قصيباء وفي شمال القصيم مدرسة في ذلك الوقت الذى في حدود 1354 هجرية .
ومن الطرائف في هذا الأمر أن ابن خليفة كان يعد في بعض الأحيان خروفاً حتى إذا جاءه ضيف عزيز من مثل هؤلاء ذبحه له وأكل منه بعد ذلك من لهم علاقه به ،وبعض الوجهاء من جيرانه .
وقد أراد بعض جيرانه المزح معه ومنهم محمد حمد بن على الطرباق وفهد النصار وابن مرشود ، وكان بن طرباق يبيع ويشتري بالإبل التي عنده ، ووضع أحدهم عليها شداداً جيداً ؛ وزينة الرحل وهو الشداد على ظهر الدابة ، ولما كان في الضحى وابن خليفة في دكانه في اسفل سوق بريدة تلثم أحدهم وهو راكب على الناقة وجعلها تبرك عند باب القهوه لابن خليفة وهو من جيران ابن خليفة بيته ملاصق لبيتنا مقابلاً لبيت ابن خليفة ، وطرق الباب على أهل ابن خليفة وقال لهم : افتحوا الباب وقولوا لأبوكم ترى عساف الحسين أمير الرس يبي يروح يسلم على الأمير أمير بريدة ، ثم عقل الذلول بعد أن أدخل الشداد وما عليه من الرحل في بيت ابن خليفة ، وكانت تلك عادة أهل القرى وكبارها في ذلك الوقت ان يأتوا إلى بريدة على الإبل قبل أن يعرفوا السيارات.
فما كان من أهل بيت ابن خليفة إلا أن أرسلوا إليه في دكانه أن ابن عساف جاء فارسل صبياً عنده اسمه (مسلَّم) اعرفه، إلى القصاب فذبح الذبيحة وجهز أهله ما يلزم لها من الجريش والإدام ، وكان ابن خليفة معروفاً بالإدام الطيب حتى أننا ونحن جيرانه كنا نأكل (عيده) الذي هو الطعام الذى يطبخ ويؤكل في صباح يوم العيد على عيد غيره .
وقال ابن خليفة لجاره ابن طرباق عندما صلى الظهر معه إن الأمير عساف عندنا تعشوا معنا وكذلك فلان وفلان أظن فهد النصار منهم .
وعندما صلوا العصر جاءوا إليه فتأخر عليهم في تقديم العشاء انتظاراً للضيف ؛ فقالوا له: يا أبو أحمد هات عشانا ما عندك ابن عساف ولا غيره لكن حنا جايز لنا هالخروف السمين الذى عندك وجينا نتعشاه .
فضحك وضحكوا وأكلوا الخروف على العشاء ، كما قالوا.
ومرة كان يمشي في الشارع مع فهد النصار فرأى فهد النصار بعر بعير ، وهو برازه ، فقال لابن خليفة وهو يأخذ البعر بيده : يا عبد الله، هنا شيء كبير رفيع عن الأرض له رقبة طويلة يقول : ا ع ع – يحكى رغاء البعير- ياكل البرسيم وغيره ويطلع هذا مع ذنبه مدور؛ ما تقول الاَّ مدوره رجال شاطر !
فغضب ابن خليفة وقال : هو أنا أعجمي يا فهد هذا البعير هو أنا ما أعرفه .
فقال فهد: أنت الله يهديك جيت من امريكا ويمكن لو أنت تعرف البعير من قبل إنك نسيته !
وقد ورد ذكر عبد الله الخليفة في رحله الرحالة الانكليزي الكابتن (وليم شكسبير)حيث ذكرت رحلته انه وصل إلى بريدة في 28 مارس 1914 م وأنه قابل فيها ابن خليفة وذكر شكسبير أن ابن خليفة يتكلم الانكليزية بلهجة أمريكية لأنه كان قد عاش في مدينه نيويورك لمده (6) سنوات وعمل سائق أجرة فيها قبل رجوعه إلى بريدة( ) .
أقول : لم أسمع من ابن خليفة ولا غيره أنه عمل سائق سيارة أجرة في نيويورك ، بل الذي ذكره لي وهو ثقة صدوق ما ذكرته .
رحم الله الشيخ عبد الله بن خليفة فقد كان ذا خصال حميده تميز بها في الفضل على كثير من الناس .
معالي الشيخ محمد العبودي
ولد الشيخ عبدالله بن خليفة بن سعيدان الخليفة في مدينة بريدة في عام 1290 على وجه التقريب وتوفي فيها على وجه الضبط في جمادي الأولى عام 1372هـ وهو أول رجل من أهل نجد ذهب إلى أمريكا ، أو لنقل بتعبير أدق : إنه أول رجل وصل نيويورك لأنه لم ينشأ سفراً له إلى أمريكا ، وإنما جاء وصوله إلى نيويورك ثم إقامته في أمريكا لمدة ست سنين من دون تخطيط منه كما سيأتي :
وكانت عودته من أمريكا إلى بريدة في عام 1333هـ قبل الحرب العالمية الأولى . وقد لحق به ولكن بعد سنوات قليلة شخص آخر من أهل بريدة هو الشيخ خليل الرواف من أسرة الرواف الشهيرة من أهل بريدة .
وقد سكن الشيخ خليل الرواف في أمريكا وتزوج فيها بزوجتين أنجبت إحداهما منه ابناً .
وسبب ذهاب ( عبدالله خليفة) إلى أمريكا معروف ، بل مؤكد وهو أنه لم يكن يعرف أمريكا ، ولم يكن يريد الذهاب إليها بمعنى أنه لم يرسم في ذهنه أن يذهب إلى أمريكا ، ولكن ذلك حدث مصادفة منه .
فقد كان عبدالله خليفة في مصر قد سافر إليها مع تجار عقيل من أهل بريدة الذين يتاجرون في الإبل ما بين الشام ومصر وبين القصيم ، ولكن لم يكن ذا مال عندما ذهب إلى مصر ، شأنه في ذلك شأن كثير من الشبان ، وبعد أن وصل إلى مصر وهو ليس بذي مال عمل عند أحد تجار الخيل من أهل القصيم المقيمين في مصر للتجارة في الخيل ، وحدث أن وصل إلى مصر جماعة من الولايات المتحدة الأمريكية يريدون شراء خيول عربية لمزارعهم في أمريكا أو لغير هذا الغرض لأنهم من تجار الخيل يرافقهم أحد اللبانيين .
فلما اشتروها ، وأكثرها من ذلك التاجر من أهل بريدة الذي يعمل معه أو عنده ( عبدالله الخليفة) ذكروا له أنهم يحتاجون إلى من يوصل هذه الخيول معهم إلى الإسكندرية حيث كانوا سيركبون باخرة إلى برشلونه في أسبانيا ومن برشلونة إلى نيويورك عن طريق البحر ، وذلك أن البحر كان الوسيلة الوحيدة للسفر إلى أمريكا في ذلك الوقت ، وبخاصة لمن كانت معهم خيول ، فأشار التاجر النجدي في مصر عليهم بأن يأخذوا معهم ( عبدالله خليفة) لأنه أمين ويعرف كيف يسوس هذه الخيول ، واتفق معهم على أن يعطوه أجرته عدداً من الجنيهات الذهبية ، وأظنها خمس جنيهات لإيصالها من القاهرة إلى الإسكندرية ، وقد أوصل الخيل إلى الإسكندرية ، ولكنهم لم يجدوا سفينة تسافر إلى برشلونه في أسبانيا إلا بعد أيام رأوا فيها معرفة ابن خليفة بالخيل ، وكيف تساس وتعلف ، بل كيف يتعامل معها ، فعرفوا أنهم محتاجون إليه ، لاسيما أنهم غير واثقين بأن يجدوا مثله من يذهب معهم إلى برشلونه في أسبانيا ، فعرضوا عليه أن يذهب معهم إلى أسبانيا بالباخرة مع الخيل نظير مبلغ من الجنيهات الذهبية على أن يركبوه من أسبانيا في سفينة مسافرة إلى الإسكندرية ، ويدفعوا أجرة ركوب عودة فوافق على ذلك تحت إغراء المال ، وعندما وصلوا إلى برشلونه ، وكانوا قد تأكدوا نصحه وحسن عنايته بالخيل عرضوا عليه أيضاً أن يذهب بالخيل بالباخرة من برشلونه إلى نيويورك ، أو النيويورك كما كنت سمعت ابن خليفة يلفظ باسمها إذا كان في معرض الكلام عليها ، أي بإدخال ( أل) التعريفية عليه .
على أن يدفعوا إليه أجرة إضافية وأن يتكلفوا بإعادته إلى الإسكندرية مع إحدى السفن المتجهة من نيويورك إليها .
وعندما وصلوا إلى نيويورك دفعوا له أجرة كامله ، وعرفوه بوكيل شركة سفن ضمنوا أن يدفع لأبن خليفة أجرة سفره من نيويورك إلى الإسكندرية ، ولكن الباخرة لا تسير إلا بعد أيام ، فأعطوه مكاناً يبقى فيه .
وهنا يتحدث ابن خليفة أنه عندما كان في نيويورك في انتظار وجود باخرة يسافر معها راجعاً إلى الإسكندرية سمع رجلان يتكلمان العربية بعد أن كان لا يسمع إلا الانكليزية التي لم يحسنها ففرح بذلك فكلمهما وعرف أنهما من نصارى لبنان , وكان ابن خليفة ذا شخصية جذابة .
فذهبا به إلى دكان لأحدهما وتغدى معهما وبعد أن عرفاه من خلال الكلام وعرفا أنه سوف يعود إلى مصر ، وكان فرح بكلامهما معه لأنه لا أحد يكلمه بالعربية ولا يشير إليه بأي رأي يحتاجه ، قالا له : يا فلان ، الناس يجيئون من الشرق إلى أمريكا يبحثون عن المال والثروة في أمريكا وأكثرهم يحصلون ذلك ، وأنت تكون في أمريكا وترجع للشرق بدون ما تحصل أي شيء ، وكانوا يسمون البلدان العربية آنذاك بالشرق .
وقالا له : الأفضل أنك تبقى في أمريكا وتعمل مثل ما يعمل اللبناني والسوري الذي يقدم إليها معه رأس المال ، وذلك بأن يأخذ من التجار العرب بضائع يبيعها لهم بعمولة معروفة ، وكل ما يحتاج إليه مثل العمل هو الصبر على السير ، والأمانة ، وكان لدى ابن خليفة من ذلك نصيب كبير عرف عنه بعد ذلك ، وكان أحدهما تاجر ملابس ، والثاني : صاحب دكان يبيع السقط ، أو الأسقاط كما كان أهل نجد يسمونها وهي العقاقير التقليدية والحبوب الطبية الشعبية التي لا توجد في أمريكا كالحبة السوداء والحلبة والرشاد وحب الحلوة والحلتيت والمر إلى جانب بضائع نادرة .
قال ابن خليفة : وعندما ذكرت لهم أن أجرتي من الجنيهات الذهبية معي ، استغربوا ذلك وقالوا : ربما يسرق منك ، فأعطيتها أحدهما ليحفظها لي أمانة عنده ، وقد فعل ، ولكنه قال : إن الأفضل أن تبيع بها وتشتري ، ولما كنت لا أعرف البيع والشراء في أمريكا اشترى لي أحدهم بها بضاعة من الملابس ، وهو صاحب محل كبير لبيع الملابس ، وأعطاني معها أيضاً ملابس من عنده أبيعها بالسعي .
واستمر ابن خليفة بائعاً متجولاً ، وقد تحقق الرجل المسيحي صاحب الملابس من كونه ثقة مأموناً صادقاً كريم الخلق ، فصار يجعله في دكانه يبيع فيه .
وكان الثاني من اللبنانيين اللذين التقى بهما صاحب دكان ( السقط) محتاجاً إلى من يساعده في دكانه ، ولكن لابد من أن يكون ثقة كابن خليفة .
وقد حصل على مال طيب ، واستقر عمله في بيع السقط هذا .
وقد اختلفت الرواية فيما إذا كان قد انتهى به الحال إلى أن يفتح له دكاناً بنفسه أم أنه ظل شريكاً ومساعداً للبناني ولم أسأل ابن خليفة نفسه عن ذلك ولكن أغلب الروايات أنه فتح لنفسه دكاناً في نيويورك .
لم تكن المواصلات سهلة ، بل لم تكن ممكنة في ذلك الوقت فالذي يكون في مصر إذا أراد أن يكتب رسالة إلى أهله في نجد احتاج وصولها إلى(40) يوماً على ظهور الإبل أو نحو ذلك ولكن السفر من مصر إلى نجد ليس متيسراً في كل وقت إضافة إلى كون بعض الناس لا يلقون بالاً للرسائل مطلقاً فقد يكون الرجل منهم في الشام أو في مصر أو في العراق ولا يرسل أية رسالة إلى أهله في نجد ، وإنما تكون المعلومات عنه عن طريق شخص رآه هناك أو ذكر لهم أن أحدهم رآه .
وقد يحمله رسالة شفهية إلى أهلة ، هذا بالنسبة إلى مصر والأقطار العربية ، فكيف الحال في أمريكا ولا يوجد طيران يحمل البريد وإنما هي السفن التي لا يعرف الشخص المعتاد كيف يستفيد منها ، ولم يكن الناس من أهل نجد تعودوا على التعامل مع ذلك كما سبق .
لذلك بقى عبدالله بن خليفة في أمريكا ست سنين حتى رأى أمه في النوم وهي تبكي وتحرِّج عليه بأن يعود إلى نجد حتى تراه قبل أن تموت .
قالوا : وكان هذا هو سبب عودته وربما كان ذلك لهوى في نفسه أيضاً لأن عادة جماعة أهل بريدة إذا حصل الشخص منهم مالاً أحب أن يعود إلى بلدته فيعطي منه من يعطي ويتمتع بما يتمتع به ، وبعضهم يستطيع استثمار شيء من ذلك المال على قلة وسائل الاستثمار ماعدا المداينات ، وبعضهم ينفق جميع المال ثم يعود ثانية إلى الغربة .
أما ابن خليفة فقال لي : إنه باع كل ما يملك بجنيهات ذهبية حملها معه ، وسافر من الولايات المتحدة عن طريق المحيط الهادئ إلى الهند لأن هدفه هو الوصول إلى الهند التي كان يعرف أن كثيراً من البضائع التي كان يبيعها في أمريكا تأتي منها وأنها فيها رخيصة لذلك اشترى من تلك البضائع وغيرها بما معه من النقود مقادير حملها على سفينة إلى البحرين ومن هناك إلى( أبو عينين ) وهو الجبيل ، ثم حملها على الإبل إلى بريدة .
وقد فتح له دكاناً في بريدة صار يبيع فيه من تلك السقوطات ، كما كانت تسمى ، ثم صار يبيع ويشتري واستمر كذلك حتى توفي رحمه الله .
كانت رحلة ابن خليفة إلى أمريكا على قرب وقتها تشبه الأسطورة ولذلك حاكت النساء وجهال العامة حولها حكايات وأساطير من ذلك أن أهلها كلهم كفار ولذلك كانوا لم يكونوا يسمحون لابن خليفة أن يؤذن علناً فكان يصلي سراً ، ولكنه كان يؤذن في ( قرعة) !
والقرعة هي اليقطين أو ما تسمى بقرعة نجد كان أهل نجد في القديم يتركون الكبيرة منها لا يقطعونها ، بل يدعونها حتى يغلظ قشرها وييبس ، فيصبح صلباً ، فيأخذون ما بداخلها من المادة اللينة ويستعملونها إناء للسمن والودك لأنه ليس فيها ما في الأواني النحاسية من أوساخ معدنية تؤثر على خزن السمن فيها .
ويقولون : أنه كان يؤذن في داخل تلك القرعة لئلاً يسمعه أحدٌ من الكفار أهل أمريكا فيقتله .
وبطبيعة الحال هذا كلام غير صحيح ، وربما كان الذين اخترعوه قد سمعوا بقصيدة لابن خليفة هي وحيدة قالها – بالعامية طبعاً – لشدة تأثره بالغربة وعدم وجود مسلم ، بل عدم وجود مسلمين ظاهرين في نيويورك في تلك العصور ولا أحفظ منها الآن إلا عجز بيت هو :
في ديرة فيها الكنايس ترِنِّ
يريد أن أجراس الكنائس يسمع لها رنين فيها دون أن تكون فيها مساجد يؤذن فيها بالشهادتين
بقيه اخبار خليفة :
اشترى عبد الله بن خليفة بعد عودته بسنوات أرضاً مقابلة لبيتنا في شمال بريدة القديمة إلى الشمال من مسجد ابن شريدة الذي صار يعرف بمسجد الصائغ لأن إبراهيم الصائغ أذن فيه مدة نحواً من ستين سنه وقد بنى ابن خليفة بيتا له في تلك الأرض يقع إلى الشمال مباشره مع مسجد ابن شريدة يفصل بينهما زقاق فقط فابن خليفة جارنا وأنا أعرف عنه بالمشاهدة والمحادثة كثيراً.
وقد هدم هذا البيت مع بيوت مجاورة له ضمن الخطه التى كانت وضعتها بلديه بريدة لما كانت سمتته بخلخلة الأحياء القديمة بمعنى توسعتها قليلاً حيث صارت تثمن عدداً من البيوت الملاصقة أو المقابلة للمساجد القديمة وتهدمها وتجعلها ميداناً مشجراً يكون أيضاً مواقف لسيارات اهل البيوت المجاورة ،وقد صار بيته جزءاً من هذه البيوت .
وابن خليفة كان رغم قوة شخصيته ومعرفته باللغة الانكليزية متواضعاً للفقراء والمساكين والمحتاجين فكان يشب النار كل يوم بعد صلاة الظهر يصنع القهوة لمن يأتيه وأحيانا يحضر معها التمر في وقت كان لا يفعل ذلك إلا ثري سخي؛ ويفتح بابه يدخل إليه من شاء طيلة دهره فيشرب فيه القهوة أو يتدفأ بالنار في الشتاء حتى كان من بين من يدخلون عنده عدد من المجانين الذين كان أهلوهم يتركونهم في ذلك الحين يتجولون في الشوارع إذا كانوا لا يعتدون على الناس بضرب أو نحوه ، أما إذا كانوا كذلك فان أمير البلد أو نظراءها يقولون لهم : كفوا (مهبولكم) وحددوه بمعنى ضعوا في رجليه حديداً يقيده وإلا حبسكم الأمير عن أن يضر بالناس .
وكنا ونحن صبيان نفزع ونخاف من هؤلاء المجانين بملابسهم القذرة وأصواتهم المنكرة فكانوا يدخلون على بن خليفة وبعضهم يضرط عنده لأنه لا يميز لعدم كمال عقله بين الضرطه وغيرها ، وكنت مرة دخلت على بن خليفة وعنده مجنون لا أريد أن اذكر اسمه لئلا تحرج أسرته ، فقال : لابن خليفة ، وأن اسمع ،(كل كذا) لشيء مستقذر. ولم يؤاخذه أو يمنعه من دخول بيته ، ابتغاء للأجر فيه ، ولكونه فاقد العقل ولكون ابن خليفة محتسباً للأجر فيه وأمثاله من ناقصي العقل ومع ذلك لم ينفر منهم إلا أن المزية في المجنون انه لا يملك عقلاً مخططاً منظماً ، بحيث يأتي إلى بيت ابن خليفة كل يوم وإنما يدخل إذا وجد نفسه بجانبه وبخاصة إذا ضايقه أحد من جهلة الصبيان أو ناقصي التربية منهم .
وعبد الله بن خليفة إلى تواضعه للفقراء والمجانين فإنه كان قوى الشخصية صديقاً لطائفة من أمراء القرى وأعيان البلاد من اهل القرى الذين كانوا اذا جاءوا إلى بريدة نزلوا عنده ، ومنهم عساف الحسين ،أمير الرس ، وعبد الله بن عقيِّل ، أمير قصر ابن عقيِّل، ومنصور المهنا، أمير قصيباء في شمال القصيم ، حتى إن ابن مهنا أرسل ولده ( علي المنصور) وابناً لأخيه اسمه مهنا يدرسون في بريدة ويعيشون في بيت ابن خليفة طيلة دراستهم ، لأنه لم يكن يوجد في قصيباء وفي شمال القصيم مدرسة في ذلك الوقت الذى في حدود 1354 هجرية .
ومن الطرائف في هذا الأمر أن ابن خليفة كان يعد في بعض الأحيان خروفاً حتى إذا جاءه ضيف عزيز من مثل هؤلاء ذبحه له وأكل منه بعد ذلك من لهم علاقه به ،وبعض الوجهاء من جيرانه .
وقد أراد بعض جيرانه المزح معه ومنهم محمد حمد بن على الطرباق وفهد النصار وابن مرشود ، وكان بن طرباق يبيع ويشتري بالإبل التي عنده ، ووضع أحدهم عليها شداداً جيداً ؛ وزينة الرحل وهو الشداد على ظهر الدابة ، ولما كان في الضحى وابن خليفة في دكانه في اسفل سوق بريدة تلثم أحدهم وهو راكب على الناقة وجعلها تبرك عند باب القهوه لابن خليفة وهو من جيران ابن خليفة بيته ملاصق لبيتنا مقابلاً لبيت ابن خليفة ، وطرق الباب على أهل ابن خليفة وقال لهم : افتحوا الباب وقولوا لأبوكم ترى عساف الحسين أمير الرس يبي يروح يسلم على الأمير أمير بريدة ، ثم عقل الذلول بعد أن أدخل الشداد وما عليه من الرحل في بيت ابن خليفة ، وكانت تلك عادة أهل القرى وكبارها في ذلك الوقت ان يأتوا إلى بريدة على الإبل قبل أن يعرفوا السيارات.
فما كان من أهل بيت ابن خليفة إلا أن أرسلوا إليه في دكانه أن ابن عساف جاء فارسل صبياً عنده اسمه (مسلَّم) اعرفه، إلى القصاب فذبح الذبيحة وجهز أهله ما يلزم لها من الجريش والإدام ، وكان ابن خليفة معروفاً بالإدام الطيب حتى أننا ونحن جيرانه كنا نأكل (عيده) الذي هو الطعام الذى يطبخ ويؤكل في صباح يوم العيد على عيد غيره .
وقال ابن خليفة لجاره ابن طرباق عندما صلى الظهر معه إن الأمير عساف عندنا تعشوا معنا وكذلك فلان وفلان أظن فهد النصار منهم .
وعندما صلوا العصر جاءوا إليه فتأخر عليهم في تقديم العشاء انتظاراً للضيف ؛ فقالوا له: يا أبو أحمد هات عشانا ما عندك ابن عساف ولا غيره لكن حنا جايز لنا هالخروف السمين الذى عندك وجينا نتعشاه .
فضحك وضحكوا وأكلوا الخروف على العشاء ، كما قالوا.
ومرة كان يمشي في الشارع مع فهد النصار فرأى فهد النصار بعر بعير ، وهو برازه ، فقال لابن خليفة وهو يأخذ البعر بيده : يا عبد الله، هنا شيء كبير رفيع عن الأرض له رقبة طويلة يقول : ا ع ع – يحكى رغاء البعير- ياكل البرسيم وغيره ويطلع هذا مع ذنبه مدور؛ ما تقول الاَّ مدوره رجال شاطر !
فغضب ابن خليفة وقال : هو أنا أعجمي يا فهد هذا البعير هو أنا ما أعرفه .
فقال فهد: أنت الله يهديك جيت من امريكا ويمكن لو أنت تعرف البعير من قبل إنك نسيته !
وقد ورد ذكر عبد الله الخليفة في رحله الرحالة الانكليزي الكابتن (وليم شكسبير)حيث ذكرت رحلته انه وصل إلى بريدة في 28 مارس 1914 م وأنه قابل فيها ابن خليفة وذكر شكسبير أن ابن خليفة يتكلم الانكليزية بلهجة أمريكية لأنه كان قد عاش في مدينه نيويورك لمده (6) سنوات وعمل سائق أجرة فيها قبل رجوعه إلى بريدة( ) .
أقول : لم أسمع من ابن خليفة ولا غيره أنه عمل سائق سيارة أجرة في نيويورك ، بل الذي ذكره لي وهو ثقة صدوق ما ذكرته .
رحم الله الشيخ عبد الله بن خليفة فقد كان ذا خصال حميده تميز بها في الفضل على كثير من الناس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..