الأربعاء، 9 مايو 2012

ما الذي يريده الليبراليون السعوديون ؟

عندما يُعلن ناشطون سعوديون في بيانهم , بأن السابع من مايو 2012م , سيكون يوما لليبرالية في السعودية باعتبار أن الحياة في السعودية , تتسم بالرقابة المملة

المبنية على الدين , كنوع من أنواع التحكم في حيثيات المجتمع , ومفاصله , فإن هذا الإعلان يُعتبر حجر الزاوية , المبني على حرية الاختيار , وإن تعددت تصوراتهم في التفصيلات الفكرية , والصور التطبيقية , والخطوات العملية , كمفهوم مجرد , تشترك فيه كل الفلسفات والمناهج .
ربما شكل هذا التناقض في حجر الفكر الليبرالي , وهو البحث عن المصلحة الخاصة لكل فرد , دون أن يتعارض مع المصلحة العامة , ودون أن يكون للدولة دور في العلاقات السياسية , أو الاقتصادية , أو الفكرية . وهذا - بلا شك - مليء بمفارقات لا تطاق .
فالليبرالية , تعني : الحرية , والمسؤولية , , والتسامح , والعدالة الاجتماعية , والمساواة في الفرص , هذه هي القيم الليبرالية المركزية ؛ لبناء المجتمع المفتوح . - وبالتالي - تتطلب هذه المبادئ , التوازن الدقيق بين المجتمعات المدنية القوية , والحكومة الديمقراطية , والأسواق الحرة , والتعاون الدولي , هكذا يروج لها أصحابها . أما مضمون المبدأ , فهو : تحرر الفرد من كل أنواع السيطرة , والرفض لكل أشكال السلطات المانعة من تحقيق الحرية الفردية .
كتبت مرة عن محاضرة ألقاها المفكر - الدكتور – عبد الله الغذامي , بعنوان : " المشاكلة والاختلاف في تجربتي الثقافية ", ضمن فعاليات مهرجان عنيزة الثقافي , وأصرّ - خلال محاضرته - على اتهاماته القاسية التي وجّهها لليبراليين السعوديين , ونفيه لوجودها في المشهد الثقافي السعودي ، بعد أن قدم قراءة نقدية من خلال محاضرته الشهيرة السابقة , ووصفهم : بأنهم بلا برنامج , ولا مشروع سياسي ، ولا فلسفة . وأنهم مجرد كُتّاب مقالات في الصحف ، ومجرد مجموعة أفراد . ولا يوجد لديهم أي فئة , أو كتلة في المجتمع . ووصف الغذامي ما قاله د. تركي الحمد , بأن : " المستقبل مزدهر لليبرالية في السعودية " , بأنه مجرد " حكي " .
ولا أجد أفضل من وصف " ستيفان لاكروا " , - الأستاذ المساعد في العلوم السياسية - في معهد باريس للعلوم السياسية. من أن الليبراليين السعوديين ، وهم يمثلون إحدى الفئتين المتنافستين في المجتمع السعودي بأنها : مجموعة لم تنل حقها من الدراسة . فمصطلح " ليبرالي " , حديث نسبيا على اللغة السعودية . على الرغم , من أنه كان هناك ظهور مبكر للنشاط الحداثي في المملكة العربية السعودية . فالحركة الليبرالية , ولدت في معارضة لحركة الصحوة ، وعلى مدار أعوام ، لم يكن لديها " مشروع واضح " . وفي بداية الألفية ، حدث انقسام بين من يمكن أن نطلق عليهم : " الليبراليين الاجتماعيين " , و" الليبراليين السياسيين " . - واليوم - ، على الرغم من ادعائهم , بأنهم : يتحدثون نيابة عن " الأغلبية الصامتة " ، يستمر هؤلاء النشطاء في تمثيل مجموعة من النخبة , ليست لها جذور قوية داخل المجتمع . ويستمر الخلاف بين المجموعتين الليبراليتين المختلفتين , حول ما تعنيه الليبرالية حقيقة حتى اليوم ، كما هو الحال في الخلاف بين الإسلاميين , والليبراليين حول المشروع الاجتماعي , والسياسي الذي يجب تنفيذه . ولكن يظل الخلاف الأخير غير متساوي الأطراف . فعلى الرغم من الظهور الذي منحه الانتشار الإعلامي , والموقف بعد أحداث : 11/9 لليبراليين ، يستمر هؤلاء النشطاء في تمثيل مجموعة من النخبة , التي ليست على صلات قوية بالمجتمع . إنهم يدّعون , أنهم : يمثلون " الأغلبية الصامتة ", ولكن حتى إذا كان ذلك صحيحا ، فإن أهم صفة في الأغلبية الصامتة , هي : أنها تظل صامتة . وفي المقابل ، يسيطر الإسلاميون على آلاف المؤسسات , والهيئات ، وهم موجودون في كل دوائر المجتمع السعودي . وفي هذا الخلاف كانوا ، وسيظلون دون شك في الأعوام المقبلة ، الطرف الأقوى .
إذا كان في التاريخ عبرة , لا يشتعل إلا بدلالته , فإن سؤالا ينال - اليوم - حظوة بالاهتمام , - لاسيما - وأن مصطلح الليبرالية , هو وليد صراع بين أنظمة محافظة إقطاعية , نشأت في أوروبا , وبين حركات تحررية وقومية , تزعمتها برجوازية , في القرن التاسع عشر الميلادي . فهل نحن بحاجة إلى استيراد مصطلح غربي , لا يعي من يتبناه معناه , ولا يدرك حقيقته , وما فيها من تناقضات معارضة لأصل الفطرة السوية , بل لا يستطيع تطبيقه على أرض الواقع بصدق ؟ . فالليبرالية السياسة , قائمة على فصل الدين عن الدولة . والليبرالية الاقتصادية , قائمة على منع تدخل الدولة من تولي وظائف تجارية , أو صناعية . والليبرالية الفكرية , قائمة على أن العقيدة ليست جزءا في إنسانية الإنسان , ولا يوجد هناك شيء مقدس . فأين يجد الليبرالي السعودي نفسه أمام هذه التقسيمات , وهو لا يستطيع تقديم حلول , تشكل مخرجا حقيقيا من دائرة العبث السياسي , والاقتصادي , والفكري ؟ .
د . سعد بن عبد القادر القويعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..