عندما يُعلن ناشطون سعوديون في بيانهم , بأن السابع من مايو 2012م , سيكون يوما لليبرالية في السعودية باعتبار أن الحياة في السعودية , تتسم بالرقابة المملة
المبنية على الدين , كنوع من أنواع التحكم في حيثيات المجتمع ,
ومفاصله , فإن هذا الإعلان يُعتبر حجر الزاوية , المبني على حرية الاختيار ,
وإن تعددت تصوراتهم في التفصيلات الفكرية , والصور التطبيقية , والخطوات
العملية , كمفهوم مجرد , تشترك فيه كل الفلسفات والمناهج .
ربما
شكل هذا التناقض في حجر الفكر الليبرالي , وهو البحث عن المصلحة الخاصة
لكل فرد , دون أن يتعارض مع المصلحة العامة , ودون أن يكون للدولة دور في
العلاقات السياسية , أو الاقتصادية , أو الفكرية . وهذا - بلا شك - مليء
بمفارقات لا تطاق .
فالليبرالية
, تعني : الحرية , والمسؤولية , , والتسامح , والعدالة الاجتماعية ,
والمساواة في الفرص , هذه هي القيم الليبرالية المركزية ؛ لبناء المجتمع
المفتوح . - وبالتالي - تتطلب هذه المبادئ , التوازن الدقيق بين المجتمعات
المدنية القوية , والحكومة الديمقراطية , والأسواق الحرة , والتعاون الدولي
, هكذا يروج لها أصحابها . أما مضمون المبدأ , فهو : تحرر الفرد من كل
أنواع السيطرة , والرفض لكل أشكال السلطات المانعة من تحقيق الحرية الفردية
.
كتبت مرة عن محاضرة ألقاها المفكر - الدكتور – عبد الله الغذامي , بعنوان
: " المشاكلة والاختلاف في تجربتي الثقافية ", ضمن فعاليات مهرجان عنيزة
الثقافي , وأصرّ - خلال محاضرته - على اتهاماته القاسية التي وجّهها
لليبراليين السعوديين , ونفيه لوجودها في المشهد الثقافي السعودي ، بعد أن
قدم قراءة نقدية من خلال محاضرته الشهيرة السابقة , ووصفهم : بأنهم بلا
برنامج , ولا مشروع سياسي ، ولا فلسفة . وأنهم مجرد كُتّاب مقالات في الصحف
، ومجرد مجموعة أفراد . ولا يوجد لديهم أي فئة , أو كتلة في المجتمع .
ووصف الغذامي ما قاله د. تركي الحمد , بأن : " المستقبل مزدهر لليبرالية في
السعودية " , بأنه مجرد " حكي " .
ولا
أجد أفضل من وصف " ستيفان لاكروا " , - الأستاذ المساعد في العلوم
السياسية - في معهد باريس للعلوم السياسية. من أن الليبراليين السعوديين ،
وهم يمثلون إحدى الفئتين المتنافستين في المجتمع السعودي بأنها : مجموعة لم
تنل حقها من الدراسة . فمصطلح " ليبرالي " , حديث نسبيا على اللغة
السعودية . على الرغم , من أنه كان هناك ظهور مبكر للنشاط الحداثي في
المملكة العربية السعودية . فالحركة الليبرالية , ولدت في معارضة لحركة
الصحوة ، وعلى مدار أعوام ، لم يكن لديها " مشروع واضح " . وفي بداية
الألفية ، حدث انقسام بين من يمكن أن نطلق عليهم : " الليبراليين
الاجتماعيين " , و" الليبراليين السياسيين " . - واليوم - ، على الرغم من
ادعائهم , بأنهم : يتحدثون نيابة عن " الأغلبية الصامتة " ، يستمر هؤلاء
النشطاء في تمثيل مجموعة من النخبة , ليست لها جذور قوية داخل المجتمع .
ويستمر الخلاف بين المجموعتين الليبراليتين المختلفتين , حول ما تعنيه
الليبرالية حقيقة حتى اليوم ، كما هو الحال في الخلاف بين الإسلاميين ,
والليبراليين حول المشروع الاجتماعي , والسياسي الذي يجب تنفيذه . ولكن يظل
الخلاف الأخير غير متساوي الأطراف . فعلى الرغم من الظهور الذي منحه
الانتشار الإعلامي , والموقف بعد أحداث : 11/9 لليبراليين ، يستمر هؤلاء
النشطاء في تمثيل مجموعة من النخبة , التي ليست على صلات قوية بالمجتمع .
إنهم يدّعون , أنهم : يمثلون " الأغلبية الصامتة ", ولكن حتى إذا كان ذلك
صحيحا ، فإن أهم صفة في الأغلبية الصامتة , هي : أنها تظل صامتة . وفي
المقابل ، يسيطر الإسلاميون على آلاف المؤسسات , والهيئات ، وهم موجودون في
كل دوائر المجتمع السعودي . وفي هذا الخلاف كانوا ، وسيظلون دون شك في
الأعوام المقبلة ، الطرف الأقوى .
إذا
كان في التاريخ عبرة , لا يشتعل إلا بدلالته , فإن سؤالا ينال - اليوم -
حظوة بالاهتمام , - لاسيما - وأن مصطلح الليبرالية , هو وليد صراع بين
أنظمة محافظة إقطاعية , نشأت في أوروبا , وبين حركات تحررية وقومية ,
تزعمتها برجوازية , في القرن التاسع عشر الميلادي . فهل نحن بحاجة إلى
استيراد مصطلح غربي , لا يعي من يتبناه معناه , ولا يدرك حقيقته , وما فيها
من تناقضات معارضة لأصل الفطرة السوية , بل لا يستطيع تطبيقه على أرض
الواقع بصدق ؟ . فالليبرالية السياسة , قائمة على فصل الدين عن الدولة .
والليبرالية الاقتصادية , قائمة على منع تدخل الدولة من تولي وظائف تجارية ,
أو صناعية . والليبرالية الفكرية , قائمة على أن العقيدة ليست جزءا في
إنسانية الإنسان , ولا يوجد هناك شيء مقدس . فأين يجد الليبرالي السعودي
نفسه أمام هذه التقسيمات , وهو لا يستطيع تقديم حلول , تشكل مخرجا حقيقيا
من دائرة العبث السياسي , والاقتصادي , والفكري ؟ .
د . سعد بن عبد القادر القويعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..