الخميس، 17 مايو 2012

الإتحاد الذي يُراد والاتحاد الذي نُريد في الخليج


نشأ مجلس التعاون الخليجي عام 1981م بسبب رغبات ومخاوف خارجية، فكان لمواجهة إيران وبرغبة أمريكية في جمع الخليج المتفتت على قضيتها الاقتصادية والأمنية الواحدة، لاحتواء
الثورة الإيرانية في المنطقة وما وراءها، وجمعا لموالين متشابهين في نظمهم وسكانهم واقتصادهم، وفي مواجهة مخاوف توسع الروس الذين غزوا أفغانستان عام1979، وخشية من تمددهم عبرها وعبر فارس في ثورة كانت مجهولة المصير والتأثير، وربما شاركت رغبات محلية.


ثم عادت الفكرة في سياق مشابه وإن كانت غامضة حتى على الصحفيين الرسميين ممن يتوقع منهم الدعاية والترويج لها، (أنظرتقارير ورأي الحياة 14\5\2012م والشرق الأوسط 13\5\2012)، ولم تكن فكرة الاتحاد مفهومة المحتوى لادوليا ولا محليا، ولا يستبعد وجود نية طيبة من ورائها، ولكن دوائر الاهتمام رد تقبل سماع القرار بالتأجيل بأن الفكرة طيبة وتحتاج دراسة، ثم كان هو القرار تأجيل للدراسة ولقاء لم يحدد.

وعلى الرغم من تشابه اجتماعي وتقارب هائل في مجتمع الجزيرة العربية -الذي استبعدت منه اليمن بسبب حكمها الجمهوري وفقرها- في كل شيء تقريبا، فيجمعهم "المال ستّار العيوب" والخوف من الخارج والقلق من وعي الشعوب، مع بعض التنافر الشخصي، والغريب أنهم لما فشلوا في توحيد العملة وفي مكانها هربوا للأمام ولما هو أبعد: "الوحدة"، فلعله الهروب مما كان ممكنا وقريبا إلى الأبعد اللاممكن، ذلك لأن بعضهم يطمع في تعاون ووحدة بلا تنازلات وبلا ثمن أو بثمن يدفعه الآخرون فقط وهذا لن ينجح بالمعروف.

أما الشعوب فقريبة ومتوادة من قبل التعاون ومن بعده بسبب قرب المكان ووحدة القبائل وتداخلها وتشابه الدين ومصادر العيش والتجارة البينية وهي قليلة، ولكن هذه الشعوب المنتظرة لم تر لها وجودا في الفكرة، ولم تقرأ ولم تسمع أي منفعة من الوحدة سوى الموجود من قبل كالسفر بلا تأشيرة وممر خاص عند الجوازات للخليجيين مع أنه في العام الماضي بلغ طول انتظار الشاحنات على أحد المعابر أربعة وعشرين كيلومترا ، وأعيد سكان إحدى الدول مسافة أكثر من ألف كيلو بسياراتهم ليحصلوا على أوراق خروج من الأشقاء وبسبب مكايدات صغيرة.

فكرة الاتحاد عادت بسبب الخوف الخارجي أيضا، وهو هذه المرة الخوف من رياح الثورات العربية ومن زعزعتها القادمة للمنطقة، لتتماسك الأنظمة القديمة في وجه حركة التحرر العربي والثورات ولمواجهة ثقافة الشعوب الناهضة التي استيقظت من سبات طويل ومن معاناة ومصادرة لكرامتها مديدة، ويراود الثوار أفكار اتحاد وتقارب وتناصر سياسي بين الحكومات الثائرة وشعوب الأفكار الجديدة، فتجددت الحاجة لتوحد النظم المتشابهة القديمة ضد العالم الجديد.

ولمواجهة الخوف القديم من إيران والتوسع الإيراني الكبير في العراق والسلاح النووي الذي هوّل منه الغرب والصهاينة، كما هوّنوا في الوقت ذاته من النووي الصهيوني الموجود والأكثر والأخطر من محاولات نووية إيرانية يقول الغرب إنها غير ناجحة إلى الآن، مع ما يمكن من نيات طيبة أو ذاتية، وهناك سبب آخر مزعوم للوحدة وهو جعل الخليج منطقة اعتدال موالية بديلة لنظام مبارك.

وقد يكون التحدي الثوري حقيقيا ولكن ليست مواجهته بتصلب ضد الإصلاح وضد الشعوب العربية المتحررة من الفساد والديكتاتورية، فالعلاج الصحيح أن يسير الخليج في طريق الإصلاح ويتّحد ضد الفساد والأمية السياسية وما ورثه من تخلف ومصادرة للحريات وحقوق الإنسان، ومواجهة التحدي الإيراني بالصراحة مع النفس والسكان والعالم، إذ يحتاج بعض حكام الخليج أن يعترفوا لأنفسهم ولشعوبهم بأن شكاواهم من إيران كثير منها مجرد تبرير لأزمات سياسية داخلية متمثلة في عدم بناء علاقات وطن واحد وحكومة واحدة لكل السكان.

أما تعليق الأزمات على الخارج، فهو عذر مملول وسهل يقبله السذج الجاهلون دائماً، كما كان سكان المعسكر السوفيتي والكوري الشمالي -الآن- يبررون فشل سياسييهم وإدارييهم بتدخل الإمبريالية العالمية! فكما إنك لن تستطيع إنكار وجود إمبريالية، فلن تستطيع إنكار وجود (إيران) عند الخليجيين، ولكن لا أحد يسمح له بالحديث في الخليج -كما في المعسكر الاشتراكي قديما- عن الفشل السياسي والمالي الذي يفتك بحكومات خليجية، ويبقي الخوف فقط هو أساس السياسة الداخلية والخارجية يُروّع به الناس دون تنمية حقيقية رغم نهر الذهب المتدفق بلا توقف منذ سبعين عاما.

وقد سبق للخليجيين بسبب الأمية السياسية أن تورطوا فوثقوا برغبات المحافظين اليهود وعبر أحمد الجلبي الملتبس –كما كشف فيما بعد- في إسقاط صدام فساهم خليجيون بالمال والأرض والإعلام وأسقطوه، ثم تبين أن إيران عبر أحزاب عراقية خدعت الجميع وساهمت في توريط أمريكا وبعض الخليج في إسقاط خصمها واحتلال أرضه، وأصبحت محادّة للخليجيين برياً بسوء تدبيرهم أو غفلتهم هم، وتبين لأمريكا والعرب واليهود لاحقا أن المستفيد الأكبر هو إيران، فقد منحه العرب والغرب مستعمرة سياسية وثقافية وسوقا ونفوذا بحجم العراق دون أن يطلق رصاصة، ودفع الغرب ثمنا لغنيمتهم وخرجوا بالنفط وقواعد عسكرية، ومشاركة نكدة لا مخرج منها مع إيران في العراق المستعمرة، وأمن اليهود الجبهة العراقية بعد تدمير العراق وخروجه من التاريخ لزمن قد يطول.

وبالرغم من حاجة أمريكا وإسرائيل لخليج موحد ضد خصومهم الإيرانيين، ولكن لا يتوقع أن الوحدة بطلب غربي ولا مجرد مساعدة لأمريكا لفك الحصار الإيراني للأمريكيين في أفغانستان والعراق ولا تخفيفا من أزمات الأمريكان في المنطقة بعد الثورات وتمليكها لمنطقة نفوذ سهلة، فهناك خلاف أمريكي خليجي في معالجة أزمة البحرين، وهناك موقف أمريكي إسرائيلي ضد رغبة الخليجيين في تسليح المعارضة السورية كما يقال.

ولهذا فلعل الرغبة في الوحدة حقيقية ومن زعماء يريدون تحقيق مشروعات تتم في زمانهم، ولم لا يرحب بها؟ إن كانت هذه المشاريع تعود بالخير على سكان هذه المنطقة والعالم، ومع ما نعرف من ثقافة خليجية وهي "الملاطفة ثم المخالفة"، ولكنهم لم يفعلوا حتى هذه.

أما سكان الخليج، فإنهم يريدون من الاتحاد تحقيق مصالحهم والاعتراف بهم، وأن يفتح لهم باب المشاركة السياسية الفعلية، وينتهي كبت حرياتهم، وتغلق السجون السياسية، وتنهي مصادرة آرائهم وأراضيهم وثرواتهم وتنهي حالة الفساد المقيم، إنهم يريدون موظفين أمناء يمكن محاسبتهم، ومقررين يمكن الثقة بقراراتهم ونقدهم، وعلاقات دولية تقام لمصالحهم، وجيوش لحماية بلادهم لا لمجرد عقود نهب مغلف بشراء سلاح لإنقاذ الاقتصادات الخاسرة، وإعلاما يمثلهم ولا يصمم لمحاربة تطلعاتهم ولا للترويج للمحتلين ولا لنشر الاحتلال الثقافي والسياسي في عالمهم، إنهم يريدون اتحادا يتوقعون منه عدلا ونظما تسير للتطوير واقتصادا آمنا ومتنوعا وهادفا، إنهم يأملون في برلمانات حقيقية منتخبة تعالج قضاياهم لا مجرد ديكور برلمانات، إنهم يريدون الخروج من سياسة وثقافة"الخيمة المفتوحة" والأذن الصماء، التي تقول قل ما تشاء فنحن في العراء وفي الخوف دائما، والآخرون يعرفون عنا كل شيء ولا نعرف عن أنفسنا شيئا، نخاف من الغزاة البعداء ونُذل الأقرباء، كل شيء للغازي من وراء القفار، والجار مبخوس القدر والمقدار. ففي قصور الخليج اللامعة أحدث التجهيزات الجديدة و أبعد العقول عن العصور الحديثة.

الشعوب تريد إتحادا لمصلحتها يوحد القلوب ويحرك العقول ويحيي الضمائر ويخطط لمواجهة أزمة العمل والعلم والسياسة، ويعترف بإنسان هذه المنطقة ويقدمه يوما على العامل الخارجي ويضعه في الواقع على طريق مصالحه مشاركا ومسؤولا ومكرما لا يعامل بسياسة الخوف المتبادل ولا استمرار السياسة المأزومة دائما.

السكان يريدون مغادرة سياسة الخيمة المفتوحة والأذن المغلقة، بحيث يستمع كل منا للآخر عبر مؤسسات محترمة، فعندنا نجباء قادرون مخلصون مبعدون، حقهم الحضور للتأثير، ولا يعلق مصير أرضنا وقرارنا ومستقبلنا على أزمة صاروخ صنع في طهران، ولا رغبة للأمريكان، ولا "اعتدال" يفرضه الصهاينة، أما ما دامت خيمة الخليج مُشرعة للغزاة ولمخاوف البراري ومغلقة الآذان دون الأهل وضروراتهم، وتعيّرهم مرة بأنهم بدون ومرّة قوميون وثالثة إخوان ورابعة تقدميون، فهذه أمراض وبربريات عصور الظلام مكرورة على الأزمان للاستهلاك لا تنفع قريبا ولا تقي من غاز ولا تبني ثقة في الخارج ولا في الداخل.

إن اتحادا لا يبني ثقة متبادلة ولا حرية ولا مشاركة سياسة ويؤسسه الخوف من الغزاة فقط مجرد صرخة عابرة أو مجد إعلامي قصير يقتله الركود المميت، وعندما تصدق النية للوحدة فلا بد أن يُصدّقها عمل يخفف من الاستبداد ومن الانغلاق وينهي حالة الشعور بأن الشعوب سجينة ومسلوبة القرار، ولعل هذه الوحدة قادمة عندما يريد الناس.

بقلم : د. محمد الأحمري - موقع العصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..