هذا مقال مرتبط بموضوع المقال الذي صدر يوم الإثنين
الموافق 7/ 5/ 2012م بعنوان (حقيقة الناتج المحلي الإجمالي
السعودي). الذي قلت فيه إن احتساب استهلاك Depreciation الثروة النفطية كإنتاج
في حسابات الناتج المحلي الإجمالي GDP ما هو إلا تضخيم لحجم الاقتصاد السعودي
وقدرته الإنتاجية، بالإضافة إلى عاملين آخرين هما المشروعات الحكومية ورواتب موظفي
الدولة، ففيهما تضخيم بسبب أن تكلفة كل من هذين العاملين التي تعتمد في حسابات
الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد أقل من الناتج الفعلي للموظف الحكومي ومن الناتج
الفعلي للمشروع الحكومي.تجاوب الكثيرون مع الموضوع، لكن مواطنين اثنين أحدهما من
خلال التعليق على المقال والآخر من خلال مقال في جريدة الرياض يوم الجمعة 11/ 5/
2012م أثارا بعض التساؤلات حول الموضوع، فأحببت في هذا المقال أن أرد على تلك
التساؤلات وأكرر الدعوة إلى الجهات المعنية بالشأن الاقتصادي للنظر باهتمام إلى هذا
الموضوع الذي قلت إن من نتائجه عدم إظهار الصورة الحقيقية للاقتصاد السعودي لصاحب
القرار، وثانيها عدم معرفة الشعب بأنه يعيش من استهلاك ثروته وليس من إنتاجه، هذه
الثروة التي ورثها والتي ليست ملكاً له وحده بل تشاركه فيها الأجيال
القادمة.
الأخ أحمد العتيبي، كما ورد اسمه في التعليق على المقال، قال إن ما ذكرته مبالغ فيه وأنه كيف يمكن أن يكون الأمر كذلك والدول الأخرى حسب رأيه تضيف المستخرج من البترول وغيره من المنتجات الزراعية إلى ناتجها المحلي الإجمالي. لا أعلم إن كان الأخ الكريم صاحب اختصاص في الموضوع لكنه من تعليقه يبدو أنه مهتم وليس مختصاً وهذا في حد ذاته لا يمنع من طرح الأسئلة والنقد، إلا أنه في أمر مثل هذا يتطلب شيئاً من المعرفة بمفهوم الإنتاج وعناصره في علم الاقتصاد، والفرق بين نظرية الإنتاج ونظرية استهلاك الثروة، فإن غير المختص عليه أن يضع في حساباته احتمال أن يكون الجانب الفني في الأمر سبباً في عدم وضوح الصورة بالنسبة له، رغم أنني حاولت أن أطرح الأمر وأشرحه بلغة الصحف العامة وليست المتخصصة.
الأخ أحمد العتيبي، كما ورد اسمه في التعليق على المقال، قال إن ما ذكرته مبالغ فيه وأنه كيف يمكن أن يكون الأمر كذلك والدول الأخرى حسب رأيه تضيف المستخرج من البترول وغيره من المنتجات الزراعية إلى ناتجها المحلي الإجمالي. لا أعلم إن كان الأخ الكريم صاحب اختصاص في الموضوع لكنه من تعليقه يبدو أنه مهتم وليس مختصاً وهذا في حد ذاته لا يمنع من طرح الأسئلة والنقد، إلا أنه في أمر مثل هذا يتطلب شيئاً من المعرفة بمفهوم الإنتاج وعناصره في علم الاقتصاد، والفرق بين نظرية الإنتاج ونظرية استهلاك الثروة، فإن غير المختص عليه أن يضع في حساباته احتمال أن يكون الجانب الفني في الأمر سبباً في عدم وضوح الصورة بالنسبة له، رغم أنني حاولت أن أطرح الأمر وأشرحه بلغة الصحف العامة وليست المتخصصة.
الأخ الكريم كان يتحدث بلغة اليقين، وهناك مسلمات في
هذا العلم تتعارض قطعياً مع هذا اليقين ولو كان الموضوع مطروحاً في مجلة متخصصة
لأوضحت الأسس النظرية لما أقول. على العموم أشكر للأخ أحمد اهتمامه وتعليقه على
المقال وأقول له أولاً: إن ما يصح في دولة لا يعني أنه يصح في دولة أخرى عندما تكون
الخصائص الاقتصادية والظروف المحلية مختلفة تماماً، وثانياً: عندما تكون تكلفة
استخراج النفط مرتفعة في دول حقولها البترولية قديمة أو شبه ناضبة مثل الولايات
المتحدة الأمريكية، أو تكون تكلفة الاستخراج عالية جداً مثل بحر الشمال البريطاني
أو البترول المتوقع من مناطق القطب الشمالي الروسي، فإنه في مثل هذه الحالات تكون
تكلفة الإنتاج أو ما يمكن أن يعبر عنه بالقيمة المضافة قريبة من قيمة المنتج
النهائي (النفط الخام)، لذا فإن اعتباره جزءاً من الناتج المحلي الإجمالي لا يُعد
شططاً وتضخيماً للناتج الإجمالي، أما في حالتنا فإن الفرق شاسع وكبير بين تكلفة
استخراج البرميل السعودي التي هي في حدود أربعة دولارات أمريكية وبين قيمة برميل
النفط السعودي البالغة حوالى تسعين دولاراً والتي تدخل في حسابات الناتج المحلي
السعودي. بمعنى آخر نحن لا نضيف جديداً (قيمة مضافة) إلى النفط الخام المستخرج من
حقول النفط السعودية كما هي في حالتها الراهنة إلا تكلفة الاستكشاف والاستخراج.
الفرق بين الرقمين هو إن شئتم حجم الانتفاخ في إنتاجنا المحلي والمسمى في المعجم
الاقتصادي بالريع ومن هنا جاءت التسمية التي يطلقها المحللون السياسيون
والاجتماعيون على هذه الدول وخصوصاً دول الخليج العربي النفطية بالدول الريعية
والموسومة باعتمادها على الدخل من النفط وليس من الإنتاج.بالنسبة لمقال الأخ فادي
العجاجي في جريدة الرياض 11/ 5/ 2012م بعنوان (تقييم الناتج المحلي الإجمالي
للسعودية بأقل من قيمته الحقيقية يؤثر سلباً على مصالحنا القومية) طبعاً أنا أختلف
مع طرحه من حيث الضرر القومي، بل إنني أقول إن تضخيم الناتج المحلي الإجمالي بتحويل
المستهلك إلى منتج هو الضرر الحقيقي للاقتصاد الوطني، وهو ما يحصل في الأرقام التي
توردها وزارة الاقتصاد عن الناتج المحلي الإجمالي.
لكن الأخ الكريم فادي تجنب الموضوع المتعلق بالبترول
وهو بيت القصيد ومربط الفرس في مقالي وعرج على جوانب تتعلق بدقة وشمولية الإحصاءات
المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي، وهي مشكلة هيكلية يعاني منها هذا النظام الحسابي
للناتج المحلي في معظم دول العالم. يقول الأخ فادي (لاتزال الحسابات القومية بعيدة
كل البعد عن الحجم الحقيقي للاقتصاد السعودي، ومعظم الأخطاء تتركز في حسابات الناتج
المحلي الإجمالي غير النفطي، خاصة قطاع الخدمات الذي لا يتم تقييمه بشكل واقعي
يتناسب مع حجم اقتصاد المملكة). نعم قد يكون ما ذكر صحيحاً لكنه لا يصح على كل
الدول، وإن صح ذلك على الاقتصاد السعودي فإنه لا يقارن على الإطلاق بالتضخيم الكبير
والخطير كمياً ونوعياً في حجم الناتج المحلي الإجمالي السعودي. الموضوع الذي طرحته
يتعلق بالقطاع الحكومي وبالتحديد استخراج حوالى عشرة ملايين برميل من النفط الخام
يومياً من تحت الأرض بتكلفة زهيدة، ثم يضرب هذا الرقم بأيام السنة التي يتم فيها
الاستخراج، فيكون حاصل الضرب هو حجم الاستخراج السنوي الذي يطرح منه النفط المستهلك
محلياً، ويكون الباقي هو النفط المصدر إلى الخارج، الذي يشكل أكثر من 80% من صادرات
الاقتصاد السعودي، ثم تضرب هذه الملايين من البراميل النفطية المصدرة إلى العالم
بما يقارب تسعين دولاراً أمريكياً، فيكون الناتج بلايين الريالات نسميها إنتاجاً
ونضيفها إلى الناتج المحلي الإجمالي السعودي، وهذا ليس صحيحاً وبالذات في اقتصادنا،
هذا ما أقوله الآن وقلته منذ سنين وسأقوله إلى أن يأتي من يقنعني أن خام البترول
الذي نستخرجه من باطن الأرض دونما أي إضافة أو جهد منا عدا جهد بسيط في اكتشافه
ورفعه إلى سطح الأرض وشحنه للأسواق العالمية هو إنتاج محلي سعودي بالمعنى الحقيقي
والاقتصادي لكلمة إنتاج. هذا الحجم المنتفخ للناتج المحلي نتباهى به في المحافل
الدولية وندخل به مجموعة العشرين وغير العشرين. وأسأل ماذا تفيدنا مجموعة العشرين
عندما ينضب أو يقل هذا البترول في كمياته وفي سعره؟ عندها سوف يخرجونا من الباب
الخلفي بعد أن انتهى ما يريدونه منا، فهم لا يريدون إلا البترول وأسعاره وما لدينا
من فوئض مالية وقدرة على الإنفاق. وعندما تهبط قدرتنا على استخراج كميات كبيرة من
النفط ولو بعد حين سيخر ما تسمونه اليوم ناتجاً محلياً كما تخر طائرة انتهى وقودها
لكن هذه الطائرة مع الأسف ركابها هم المواطنون وخصوصاً من الجيل القادم الذين وضعوا
كل آمالهم وأحلامهم ومستقبلهم في هذا الوطن..
فرحمة ورفقاً بنا وبأجيالنا يا من لكم القول والفعل في
رسم مستقبل هذا الوطن.أعود وأقول إن البترول يخفي الصورة، والطبيعة الحقيقية
للاقتصاد السعودي الذي هو اليوم اقتصاد استهلاكي وليس إنتاجياً، والأمر لا يحتاج
نظريات لإثبات ذلك. الشعب السعودي والحكومة على السواء تعيش على وارداتها الأجنبية
من السلع والخدمات، أما الصناعة المحلية فهي لا تسد إلا الجزء اليسير من الطلب
المحلي على السلع والخدمات الاستهلاكية والاستثمارية لجميع القطاعات الحكومية
والخاصة. من أين تمول هذه الواردات ومن يدفع ثمنها بالعملة الصعبة؟ هل ندفع ثمن
وارداتنا من العملة الصعبة التي نحصل عليها من بيع سلع وخدمات سعودية أنتجتها
الأيدي والمصانع والعقول المحلية إلى الأسواق العالمية؟ مع الأسف الشديد لا. الذي
يمول ويدفع ثمن وارداتنا من السلع والخدمات التي نستهلكها ونعيش عليها هو المبلغ
الذي نتقاضاه من بيع ملايين البراميل من النفط يومياً في الأسواق العالمية. انظر
إلى الميزان التجاري للمملكة لترى أن جانب الصادرات في هذا الميزان قائم أساساً على
الصادرات من النفط الخام، وعندما تهبط الصادرات من النفط أو ينخفض سعره يهبط
الميزان إلى الجانب السلبي.
هل فكرنا يوماً ماذا سيحدث لو هبطت قيمة الصادرات
البترولية بشكل قوي ولمدة طويلة؟ عندها ستكون الكارثة خصوصاً إذا طالت المدة
واستنزفت الواردات رصيد الدولة من الفوائض المالية التي تحتفظ بها لدى مؤسسة النقد
العربي السعودي.هل تذكرون ما قاله جلالة الملك عبدالله عندما قال للطلبة السعودين
الذين اجتمع بهم أثناء زيارته لواشنطن قبل سنوات قليلة؟ قال: أقول لكم، أطال الله
عمره هل تعرفون من هو؟ فلم يجيبوا. فقال: إنه البترول أطال الله عمره. الجملة
مختصرة والمعنى بليغ جداً. الدعاء مستحب لكنه لا يغني ولا يكفي، فقد قال عمر بن
الخطاب رضي الله عنه: «السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة». وفي هذا دعوة للعمل وللإنتاج
وإعمال العقل في التخطيط والاحتياط لمختلف الاحتمالات السيئة منها أولاً قبل
الحسنة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمصير الأمة ومستقبلها. رأيي هو أن تخرجوا
البترول من معادلة الإنتاج في الاقتصاد فما هو إلا رصيد من الثروة البترولية ورثناه
ولم ننتجه وعلينا مسؤولية استخدام هذه الثروة بكل كفاءة وأمانة من أجل بناء رأسمال
وطني منتج لنا وللأجيال القادمة، وليس للاستهلاك المفرط والبذخ
والتبذير.
بقلم : د. عبدالعزيز الدُخيّل
بقلم : د. عبدالعزيز الدُخيّل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..